سمير قسيمي |
ثمة تساؤلات هنا لابد من
التوقف أمامها هي: لم صمتت لجنة التحكيم على هذا الغبن الذي لاقاه إسماعيل يبرير
المُستحق الحقيقي للجائزة؟ ولم يتحدث كمال قرور الآن؟ كان من الممكن له ولأعضاء
اللجنة أن يثيروا الأمر إعلاميا، أو يعقدوا مؤتمرا صحفيا لتنقلب النتيجة الرسمية
رأسا على عقب، لكنهم جميعا فضلوا الصمت والتواطؤ ليتحدث قرور الآن. صحيح أن يبرير
تحدث حينها عن هذا الأمر ولم يصمت عن حقه، لكن التساؤل هنا: ما دام قرور قرر الصمت
حينها لم يثيره الآن بعد مرور هذه المدة؟!
قد يظن البعض أن تساؤلنا عن
خروج قرور عن صمته فيه تشكيك لما أعلنه، لكن الأمر غير ذلك تماما؛ فنحن نعرف أن ما
قاله هو الحقيقة التي حدثت، لكن مثار الدهشة هنا هو سبب الصمت لهذه الفترة ثم
إعلانه الآن.
انتشر ما صرح به قرور بسرعة
بين العديد من الجزائريين وموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"؛ ومن ثم
بدأ كل شخص يدلي بدلوه إما في الجائزة أو فيمن يستحقها لاسيما أن الكثيرين يرون أن
قسيمي بالفعل لا تؤهله أعماله الروائية من حيث قيمتها الأدبية، أو لغتها
وأسلوبيتها للفوز بالجائزة، وأن يبرير قدم عملا إبداعيا مهما تم تجاهله. لكن الأمر
لم يتوقف عند ذلك بل تم تصعيده من قبل سمير قسيمي الفائز- المزيف- بالجائزة؛ فكتب
على صفحته في "الفيس بوك" متبجحا ومهاجما كل من يتحدث بالحقيقية قائلا:
"لا أعتقد أن أحدا وصف واقع الساحة الأدبية مثلما فعل واسيني الأعرج في مقاله
"مستشفى الأمراض الأدبية" حين قال: ألا يمكن للإنسان وسط بعض القيم الأدبية
المثالية أن يفرح لمن ليس هو ويبارك له؟ ماذا يكلفه ذلك غير أن يرفعه عالياً في أعين
الناس؟ إنني أطرح نفس السؤال وأحمل نفس الهم. منذ بداية مشواري مع الرواية وأنا أحارب
ولا أهتم، حين نجحت روايتي الأولى وفازت بأحسن أول إصدار انتشرت إشاعات أنني على صداقة
بالطاهر وطار وأعطاني الجائزة من باب الصداقة، لم أرد وأنا أسخر من حقيقة أنني لم أر
وطار في حياتي إلا مرة واحدة مات بعدها مباشرة. ثم حين وصلت "يوم رائع للموت"
للبوكر قالوا: إنني سرقتها من عمل ما ثم قالوا: لإنه كاتب العربية للعلوم، ثم صدرت
"هلابيل" انتشرت إشاعات أنني أخذتها من فيلم ما ونفس الشيء بـ "في عشق
امرأة عاقر"، و"الحالم" سرقتها من الأدب الأمريكي، وفي "حب في
خريف مائل". حين ترجمت قالوا: إن لعلاقاته الكثيرة دورا ما، وحين أدعى للمعارض
العالمية يقولون: من نتائج علاقاته المتشعبة. الآن يقولون: إنني لا استحق الفوز بأي
شيء حتى بجائزة كآسيا جبار والتي منحها اسمي ثقلا لن يمنحه لها سواي، وليس من باب الغرور
أن أقول: إنني من أضاف إليها من غير أن تضيف إلي شيئا يذكر. للمستكثرين على الناجحين نجاحهم أسألهم: ما الذي يرضيكم؟ أليس من الأفضل
للجميع لو توقفتم عن الحسد سنة واحدة تكتبون فيها ما يصلح ليقرأهم سواكم؟ ماذا لو توقفتم
لحظة لتتفكروا في مستواكم الأدبي الضحل وأمراضكم النفسية، ربما ستجدون الحل الواضح
بالنسبة لي والغامض بالنسبة لكم وهو أن تجدوا لأنفسكم مهنة أخرى غير الكتابة لا تستلزم
كل هذا القدر من المرض".
واسيني الأعرج |
هذا ما كتبه قسيمي ردا على من
قالوا شيئا من الوقائع التي حدثت بالفعل في كواليس الجائزة وأنه لا يستحقها، بل
ذهبت إليه رغما عن اللجنة المحكمة وقرارها الذي رأى في يبرير أنه من يستحق
الجائزة، ولم يكتف قسيمي بذلك بل بدأ يهاجم كل من يتحدث عنه بضحالة مستواه الأدبي،
وأنهم مصابون بالعديد من الأمراض النفسية، والحسد، والحقد، والغيرة؛ لأنه- كما
يرى- أفضل من أنجبتهم الجزائر في الرواية، بل رأى أنه هو من أضاف لاسم جائزة آسيا
جبار- التي أتمنى أن يكون قد قرأ لها شيئا في حياته-. الأنكى هنا أن يستشهد قسيمي
فيما كتبه بمقال لا قيمة له سواء على المستوى الفكري أو الأدبي، وهو المقال الذي
كتبه عدوه اللدود واسيني الأعرج في جريدة القدس العربي بتاريخ 28 يونيو 2017م
بعنوان "مستشفى الأمراض الأدبية" وهو المقال الذي لا يكتبه عاقل، ولا
توجد صحيفة تحترم قراءها من الممكن لها أن توافق على نشره، لكن لأن هناك أسطورة
زائفة اسمها واسيني الأعرج هو من كتبه؛ نشرته الجريدة رغم ضحالته واهتراء مستواه
وأسلوبيته، وتصفيته لخلافاته مع الآخرين- فواسيني يرى نفسه لا مثيل له في عالم
الكتابة مثلما يرى قسيمي نفسه، رغم ضحالة ما يكتبه واسيني في أعماله الأخيرة التي
تحول من خلالها إلى نسخة مذكرة لما تكتبه شبه الروائية أحلام مستغانمي، ورغم أنه
يضع أمامه مقياس الجوائز حينما يبدأ في كتابة أي من أعماله-.
إذا ما تأملنا ما كتبه قسيمي
للهجوم على من كشفوا الحقيقة؛ لابد لنا من التوقف أمام العديد من الملاحظات
المهمة: أولها استشهاد قسيمي بما كتبه واسيني الأعرج؛ لأن هذا إن دل فهو دليل على
رغبة سمير في تطويع كل ما هو في صالحه- حتى ولو كان غير مؤمن به- من أجل خدمة
الكذبة الكبرى التي يريد أن يجعل منها حقيقة، وهي أنه يستحق الجائزة؛ فمن المعروف
للجميع استعداء قسيمي منذ فترة طويلة لواسيني، وأنه كثيرا ما كال له الشتائم،
والاتهامات رغم أن واسيني لم يعره اهتماما مرة واحدة أو يحاول الرد عليه، والمدهش
أكثر أن قسيمي حينما وجد هجومه الدائم –غير المبرر- على واسيني لا جدوى منه قرر
الاعتذار له؛ فكتب على صفحته في "الفيس بوك" في شهر أكتوبر الماضي
2016م: "صديقي وأستاذي الروائي القدير واسيني الأعرج دعني أولا أعبر لك عن سعادتي
بخبر صدور روايتك الجديدة "نساء كازنوفا" في الجزائر وبيروت، وكذا فرحي بإطلاق
ترجمات روايتك الفائزة بكتارا على أمل أن نراها على الشاشة قريبا. أراسلك وأنا حزين أننا لن نلتقي في معرض الجزائر
لأسباب تخصني، وإن كان كل أملي أن نلتقي في الشارقة التي أزورها لتوقيع عملي عن المدى.
حزني صديقي سببه أنني أجد من الواجب والشهامة والرجولة أن أقدم لك اعتذاراتي لاستعدائي
لك في الآونة الأخيرة، اعتذارات يهمني أن أقدمها وإن كان على العلن بعد أن أدركت أنني
ظلمتك بوشاية الناس، وأنا أحسب أن استعدائي لك رد فعل لشر أوهمني البعض أنك كنت متسببا
فيه. من الرجولة أن أعتذر منك، بعد
أن تيقنت اليوم ببراءتك مما اتهموك به فيما يخصني وأدبي. أقدم اعتذاري منك، لا لمصلحة
أرجو تحقيقها منك ولا لأي غرض غير راحة الضمير وصفاء القلوب، وأنت أعلم وقد عرفتني
لسنوات، أنني أنأى عن أي مصلحة فيما تعلق بصداقاتي. محبتي الخالصة على أمل أن تقبل
اعتذاري".
هذا الاعتذار المفاجئ وغير
المبرر من قسيمي قابله الأعرج بلامبالاة وتقليل من شأن قسيمي وكأنه يرد عليه ليقول
له: "أنت لا شيء، أنا لا أراك في حقيقة الأمر"، حينما قال واسيني في
حواره مع جريدة "الحوار" الجزائرية ردا على سؤال الصحفية خيرة بوعمرة: ما
تعليقك على رسالة الاعتذار التي بعثها سمير قسيمي لك، والتي يبرر ضمنها تهجمه عليك
إعلاميا في كل مرة؟ فقال الأعرج: لا رد لي على سمير قسيمي لأنني أضع الشتائم وراء ظهري،
فقد تعلمت من خلال تجربتي الخاصة ألّا أرد على أي كان لأنني منشغل بمهمتي الأولى وهي
الكتابة، لدي خط أسير عليه ولا ألتفت ورائي لأن من يلتفت وراءه كثيرا يتعثر كثيرا،
لدي مشروعي الخاص في الرواية أريد أن أتمه. أما قضية اعتذار قسيمي فهو لا حدث بالنسبة
لي، جيد أنه أدرك خطأه لكن في الأخير هذا أمر يخصه هو ولا يخصني في شيء؛ لأنه أدرك
أنه قال كلاما خاطئا وتراجع عنه وعليه أن يتعلم منه ولا تعليق لي على رسالته تلك لأنه
في الأصل لم يؤثر عليا ولم أبال بشتائمه.
يتضح لنا من خلال رد فعل
الأعرج أنه يستخف بقسيمي لدرجة الاحتقار؛ الأمر الذي جعله يصف اعتذاره بأنه
"لا حدث بالنسبة له"، وهو الأمر الذي جعل الكثيرين يعلقون على اعتذار
قسيمي بأنه مجرد إنسان مندفع، أهوج، غير مسؤول لا يعرف كيف يدلي بتصريحاته؛ فما هو
السبب الذي يجعله يهاجم الأعرج كل هذه الفترة، وما الذي يجعله يتراجع عن ذلك
بالاعتذار؟
الحقيقة أن هذه سمة قسيمي
التي لا يستطيع الخلاص منها، وهي مهاجمة الجميع من دون أي داع أو مبرر، ثم سرعان
ما يكتشف حجم خساراته بسبب هذا التهجم فيحاول الاعتذار كالأطفال، ولكن بعد فوات
الأوان؛ ومن ثم لا يسامحه أو يتقبله من سبق أن أساء إليه؛ لذلك كان استشهاده بمقال
واسيني الذي لا معنى له من قبيل انتهاز الفرص لتعضيد موقفه الزائف بالفوز بالجائزة
فقط.
كمال قرور |
الملاحظة الثانية فيما كتبه
قسيمي هي قوله: " الآن يقولون:
إنني لا استحق الفوز بأي شيء حتى بجائزة كآسيا جبار والتي منحها اسمي ثقلا لن يمنحه
لها سواي، وليس من باب الغرور أن أقول: إنني من أضاف إليها من غير أن تضيف إلي شيئا
يذكر!!
بالتأكيد علامات التعجب من
عندنا؛ فقسيمي يرى أنه من أضاف إلى جائزة باسم آسيا جبار، وأنه منح جائزة باسم
آسيا جبار ثقلا لا يمكن أن يمنحها لها سواه، في حين أن اسم جبار لم يضف له شيئا.
حينما نستمع إلى هذا الحديث
من أي كاتب لابد أن نتأكد من أنه كاتب غير مسؤول لا يمكن أن يؤخذ حديثه على محمل
الجد أو الاهتمام؛ لأن حديثه يدل على فراغه الفكري والأدبي، أي أنه يحاول ممارسة
حيلة التعويض التي يرى فيها صاحبها أنه مجرد كاتب ضعيف وأجوف، ومن ثم يكون الهجوم
أو الحديث بمثل هذه الفجاجة هو التعويض الوحيد لإظهاره على غير حقيقته التافهة، في
حين أن قسيمي هنا يتناقض مع نفسه حينما كتب هذا الكلام؛ لأنه سبق أن قال على قناة
النهار الجزائرية في لقاء له معها بعد فوزه بالجائزة حينما سأله مذيع القناة: ماذا
تمثل جائزة آسيا جبار بالنسبة لك؟ قال: "تمثل الكثير خاصة أنها جائزة ذات بعد
عربي خاصة بعد نجاح الطبعتين الأولى والثانية، أيضا بالنسبة لنوعية التنظيم الذي كان
تنظيما محترفا جدا، والأهم لأنها تقترن باسم آسيا جبار هذه العلم في سماء الجزائر الإبداعي"!!
فقسيمي الذي يرى أن الجائزة تنبع أهميتها من اسم آسيا جبار بعدما فاز بالجائزة
مباشرة يرى الآن أنه هو من أضاف إلى الجائزة ولم تُضف له أي شيء، بل إن فوزه بها
أضاف لها ثقلا- وكأن اسم جبار غير كاف لها-.
الملاحظة الثالثة على ما كتبه
قسيمي هي قوله: "ماذا لو توقفتم لحظة لتتفكروا في مستواكم الأدبي الضحل وأمراضكم
النفسية؟"، هنا يرى قسيمي أن كل من يقول الحقيقة عنه هو ضحل من حيث المستوى
الأدبي في حين أن الروائي الجزائري كمال قرور- عضو لجنة تحكيم جائزة آسيا جبار-
وصاحب الرواية المهمة "سيد الخراب"، ورواية "حضرة الجنرال"،
والحائز على جائزة "مالك حداد" لا يمكن أن نصفه بالضحالة الأدبية ويشهد
على ذلك ما قدمه من أعمال روائية، كما لا يمكن وصف الروائي إسماعيل يبرير- المستحق
الحقيقي للجائزة- بالضحالة الأدبية؛ فهو يكفيه روايته "مولى الحيرة"
ليكون روائيا مهما، كذلك روايته " وصية المعتوه.. كتاب الموتى ضد الأحياء" وغيرها من
الأعمال الروائية والشعرية المهمة فضلا عن كم الجوائز الكبير الذي فاز به يبرير
منها: جائزة وزارة المجاهدين للقصة القصيرة، 2006م، وجائزة الملتقى
الدولي للرواية عبد الحميد بن هدوقة في القصة القصيرة 2007م، وجائزة أحسن نص شعري،
الملتقى الوطني للإبداع الأدبي والفني، الجلفة 2008م، وجائزة رئيس الجمهورية لإبداعات
الشباب في الرواية 2008م، وجائزة مؤسسة فنون وثقافة للقصة القصيرة 2009م، وجائزة رئيس
الجمهورية لإبداعات الشباب في الشعر 2011م، وجائزة الشارقة للإبداع العربي في المسرح،
الشارقة 2012م، وجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في الرواية، الخرطوم 2013م.
صحيح أننا نعلم زيف الجوائز
العربية وتوازناتها، ومصالحها الكثيرة- وهو ما سبق أن تحدثت فيه كثيرا-؛ الأمر
الذي يؤدي إلى منح هذه الجوائز لغير مستحقيها، لكن المستوى الأدبي والإبداعي
لإسماعيل يبرير لا يمكن للمتابع للمشهد الثقافي الجزائري أن ينكره حتى يأتي قسيمي
ويصفه- إذا ما قال الحقيقة واستحقاقه للجائزة- بأنه ضحل أدبيا؛ فما مصلحة قرور، أو
يبرير أو غيرهما في التجني على قسيمي؟ هل هي الغيرة والحسد وضحالة المستوى الأدبي،
والمرض النفسي كما ذهب هو؟ لا أعتقد، بل هي الحقيقة التي يحاول قسيمي إنكارها
لتجميل وجهه أمام الآخرين، ومحاولة إثبات أحقيته بجائزة ليست من حقه.
لكن ما هي حقيقة أمر جائزة
آسيا جبار، وهل كانت من حق يبرير أم قسيمي؟
حميد قرين |
تكونت لجنة التحكيم في دورتها
الثانية 2016م من كل من الأكاديمية نجاة خدة كرئيسة، والصحفي أحمد حالي، والكاتب والشاعر
حمري بحري، والأكاديمي والشاعر محمد إسماعيل عبدون، والأكاديمية أمينة عزة بقاط، والروائي
كمال قرور، والكاتب رمضان عبد النبي من المجلس الأعلى للأمازيغية، وبعد اجتماعات
اللجنة، ووفقا لمحضر لجنة التحكيم كان الروائي الجزائري إسماعيل يبرير هو الفائز
بالجائزة عن روايته "مولى الحيرة"، وهو المحضر الذي توصل إليه مكتوبا
إسماعيل يبرير نفسه، ولكن كان هناك اتصالا مباشرا من وزير الإعلام حميد قرين صباح
إعلان الجائزة لرئيس لجنة التحكيم نجاة خدة يفيد بأن يحصل قسيمي على الجائزة بدلا
من يبرير، وهو الأمر الذي لم تستطع اللجنة بكل من فيها معارضته، رغم أن رواية
قسيمي لم تكن موجودة أساسا في "الشورت ليست" المكونة من خمس روايات من
أجل التصويت على الفائز النهائي.
لكن ما علاقة وزير الإعلام
بالجائزة؟ تُشرف وزارة الثقافة برئاسة عز الدين ميهوبي، ووزارة الاتصال برئاسة
الوزير السابق حميد قرين على الجائزة، ووفقا لتحليل البعض لما حدث ذهب بعضهم إلى
أن سبب ذهاب الجائزة إلى قسيمي هو أن الرواية صادرة عن دار "موفم للنشر"
وهي مؤسسة حكومية تابعة لوزارة الإعلام، لكن المفارقة الحقيقية هي أن رئيس دار
النشر الحكومية جمال كعوان عضو في اللجنة الراعية للجائزة؛ مما يستدعي بالضرورة
إما خروج رئيس دار النشر من اللجنة الراعية، أو عدم تقديم أي عمل صادر عنها
للجائزة، لكن بالطبع تم تجاوز الأمر وتقدم قسيمي بروايته للجائزة التي ترعاها دار
النشر- كعوان وزير الاتصال الجزائري حاليا مع التغيير الوزاري الجديد-، كما ذهب
الآخرون في تحليلهم إلى الخصومة وصراع النفوذ المعروف بين حميد قرين، وعز الدين
ميهوبي، وبما أن الجائزة منظمة من قبل الوزارتين فلقد تدخل قرين لصالح قسيمي نكاية
في ميهوبي لاسيما وجود خلاف بين قسيمي وميهوبي، وهو الأمر الذي كان واضحا في تغيب
ميهوبي عن حضور حفل تسليم الجوائز حيث كان من المقرر أن يستلم قسيمي الجائزة من
ميهوبي نفسه الذي رفض الحضور.
يؤكد ذلك أيضا اللقاء
التليفزيوني بين سمير قسيمي وإسماعيل يبرير على قناة الشروق الجزائرية حينما قال
يبرير: أنا من فزت بشهادة أعضاء لجنة التحكيم، ولكن هناك أمر تم تدبيره في الليل
غيّر من النتيجة، وعليكم أن تعودوا إلى محضر اللجنة من أجل التثبت من ذلك، كما صرح
يبرير: "هذا لا يشكك في أحقية رواية "الماشاء" لقسيمي وتميزها، كما
أن قسيمي لا دخل له بالموضوع وأنا لا أتهمه، ولكن هذا ما حدث للتاريخ وأعضاء اللجنة
يشهدون على ذلك".
لكن رد فعل قسيمي لم يكن
منتظرا على الإطلاق حينما رد على يبرير ببجاحة وفظاظة قائلا: "هذه الرواية
قلما تجد منافسا عربيا لها، عوض أن تجد منافسا جزائريا!! أي أن قسيمي رأى أنه لا
يمكن لروائي عربي على وجه الأرض أن ينافسه فيما يكتبه رغم ما نعرفه عن قسيمي من
ضعف لغته الأدبية وركاكتها وسطحيتها، وتراكم الأخطاء فيها!
هنا شن قسيمي حربا على يبرير
قائلا: "لازم تعرف أنت بتتكلم عن مين، أنت تتكلم عن سمير قسيمي المترجم لسبع
لغات عالمية"، في حين أن الحقيقة تؤكد أن قسيمي لم يُترجم سوى للغة واحدة أو
لغتين، وليأت لنا بترجماته إذا ما كان حديثه صحيحا.
لكن يبرير رد عليه بتواضع
قائلا: "والله أنا غير مترجم لسبع لغات ولا حتى للغة واحدة، أنا روائي بسيط
أملك قارئا يشبهني، ووجدت لجنة نزيهة منحتني الجائزة، أما ما حدث بعد ذلك فهو
مسؤولية رئيس لجنة التحكيم ومن يقف خلفها، ومبروك المليون دينار لسمير، ومبروك لي
التتويج بالجائزة".
بالتأكيد كان من المفترض من
قسيمي- إذا كان عاقلا- أن يرد على يبرير بأنه لا علم له بما حدث، وأن روايته فائزة
وفقا للإعلان الذي قرأته رئيس لجنة التحكيم، وإنه لم يكن هناك أي اعتراض من أعضاء
اللجنة في الحفل، لكنه أصر على التبجح باتجاه إسماعيل يبرير والانتقاص من شأنه.
إسماعيل يبرير |
حينما تم إعلان فوز سمير
قسيمي بجائزة آسيا جبار رغبت أن أجري معه حوارا صحفيا عن أعماله الروائية، وهو ما
وافق عليه بالفعل وانتظر الحوار كي أرسله له، وبالفعل كتبت الحوار وأرسلته، ولا
أنكر إني وضعت الكثير من التساؤلات النقدية في شكل أسئلة حوارية، كما لا أنكر أن
أسئلتي كانت بمثابة مأزق خطير لقسيمي إذا ما أجاب عنها، لكنه سرعان ما أرسل لي
قائلا: هذه أسئلة رجل خبيث، وأنا أتحفظ على صيغة سؤال أرجو أن تقوم بحذفه؛ فرددت
عليه: حينما أسألك سؤالا فأنا أضع ما يدور في أذهان الآخرين سواء كانوا نقادا أو
مجرد قراء عاديين، وأنت تمتلك في الحوار رفاهية الرد أو التبرير، أو الإنكار وما هو
غير ذلك، فوافق على مضض لكنه سرعان ما تهرب من الحوار وأغلق حسابة لمدة شهر كامل.
كان السؤال الذي رآه قسيمي
مأزقا بالنسبة له هو: منذ عامين تقريبا قدمت رواية "تسعون" التي كانت إعادة
إنتاج لرواية "في عشق امرأة عاقر"، والآن تُعيد إنتاج رواية "هلابيل"
مرة أخرى في روايتك "الماشاء"، أو تقدم امتدادا لها. هل يعود هذا إلى أنك
تظل تدور في عالم رواية ما غير قادر على الخروج من أسرها؟
الحقيقة أن قسيمي كروائي يظل
يدور في عالم واحد غير قادر على الخروج منه؛ ومن ثم يُعيد إنتاج هذا العالم في
أكثر من عمل روائي وكأنه حبيس له، أي أنه يعاني من أزمة أفكار جديدة، أو عوالم
روائية مختلفة، كما أنه لا يستطيع التعويل على لغته الروائية كثيرا نتيجة فقر
معجمه اللغوي وأسلوبيته الفقيرة، وأخطائه التي لا تُعد في الكثير من أعماله، صحيح
أني لا أعول كثيرا على اللغة حينما أتناول الأدب الجزائري المكتوب باللغة العربية؛
نظرا لعدم تمكن الكثيرين منهم من اللغة، لكن سمير يحتاج إلى درس لغوي حقيقي يؤهله
لإتقان العربية قبل معاودة الكتابة مرة أخرى.
ما حدث مع قسيمي ويبرير في
جائزة آسيا جبار يؤكد فساد الجوائز العربية المستمر حتى اليوم، والذي يمثل نزيفا
حقيقيا للمواهب التي تستأهل هذه الجوائز؛ فيبرير من الروائيين المتميزين، ولكن
لمصالح ما ذهبت الجائزة لقسيمي الذي صدق الكذبة كعادته حينما يكذب ويصدق، ومن ثم
بدأ في الهجوم على كل من يسردون الوقائع التي حدثت، ولكن فيما صرح به كمال قرور ما
يؤكد الحقيقة التي خرجت متأخرة والتي سردت تفاصيلها للتأكيد على الفساد المستمر في
هذه الجوائز.
محمود الغيطاني