الجمعة، 23 أبريل 2021

ثلاثة لصوص.. الجريمة كرد فعل اجتماعي!

عام 1966م أنتجت شركة "فيلمنتاج" التابعة للمُؤسسة المصرية العامة للسينما فيلم "ثلاثة لصوص" للمُخرجين فطين عبد الوهاب، وحسن الإمام، وكمال الشيخ على الترتيب، وهو الفيلم الذي كتب له القصص الثلاث- كما جاء في تيترات الفيلم- الروائي إحسان عبد القدوس بثلاثة عناوين مُختلفة هي: سارق الذهب، وسارق الأتوبيس، وسارق عمته بترتيب عرض الأفلام القصيرة داخل السياق الفيلمي الذي يضمهم تحت عنوان "ثلاثة لصوص"، كما نقرأ في التيترات أن المُنتج المُنفذ للفيلم هو المُمثل صلاح ذو الفقار، ونقرأ أيضا: يقدم لكم القصص الثلاث الفنان يحيى شاهين في دور القاضي، ولا يفوتنا أن كل قصة منهم كان مكتوبا عليها اسم المُخرج الذي قام بإخراجها باعتباره مُمثل الاتهام في القضية/ الفيلم المعروض أمامنا.

ثمة مُلاحظات لا بد من مُلاحظتها هنا قبل الدخول في عالم الفيلم، أولا: اهتمام المُمثلين بالمُساهمة في صناعة السينما حيث يقوم المُمثل صلاح ذو الفقار بالدخول كشريك في الإنتاج مع المُؤسسة المصرية العامة للسينما باعتباره مُخرجا مُنفذا، وهو الوقت الذي كان المُمثلون يساهمون فيه بقدر غير قليل في هذه الصناعة من أجل التقدم بها نحو ما هو أفضل، ثانيا: اهتمام السينما باللجوء إلى عالم الأدب، والاعتماد على الروائيين في كتابة الأفلام التي تقدمها، ثالثا: استمرار موجة التجديد على مستوى الشكل الفني في السينما المصرية، وهو ما نقصد به تقديم ثلاثة أفلام قصيرة بثلاثة مُخرجين مُختلفين داخل سياق فيلمي واحد قد يربط بينهم رابط ما، أو يكونوا منبتي الصلة عن بعضهم البعض.

يحرص المُخرجون على تأطير أفلامهم الثلاثة بإطار واحد يجمعهم من حيث الشكل؛ فيجعلون من المُمثل يحيى شاهين قاضيا يطلع على ثلاثة ملفات أمامه تمثل ثلاثا من القضايا التي ينظرها من أجل الحُكم فيها، فيبدأ الفيلم على القاضي يحيى شاهين المُنشغل دائما في قضاياه حتى وهو في بيته؛ الأمر الذي يجعل زوجته تلفت نظره إلى إرهاقه لنفسه، ونسيانه الاهتمام بابنه وابنته الراغبين في الذهاب إلى المصيف، لكن انشغاله في العمل يمنعهما من الذهاب، لكن ثمة خبر يصله بأن المحكمة التي يعمل فيها قد احترقت، وأتت النيرات على جميع ملفات القضايا فيها؛ مما يعطي الطفلين الأمل في ذهاب أبيهما معهما إلى المصيف، لكن الساعي يأتي له بثلاثة ملفات ليخبره بأن هذه القضايا الثلاث هي القضايا الوحيدة التي أمكن لرجال الإطفاء انتشالها سليمة من الحريق، وأنه لا بد أن يحكم فيها في خلال أسبوع؛ مما يضيّع الفرصة على الأبناء في الذهاب إلى المصيف؛ لانشغال أبيهما في هذه القضايا.

لم يكن هذا الإطار الشكلي الذي يجمع الأفلام الثلاثة هو الرابط الوحيد بينها؛ حيث سيتضح لنا فيما بعد أن كل فيلم من الأفلام الثلاثة هو عبارة عن تنويعة سينمائية جديدة على أثر التعاملات الاجتماعية في التأثير على المرء ودفعه لاتخاذ رد فعل من المُمكن أن يحكم عليه الآخرون باعتباره رد فعل غير أخلاقي، أو جريمة، أو سرقة، أو غير ذلك من الأحكام.

حينما يبدأ القاضي في فتح الملف نقرأ على غلافه اسم المُتهم في القضية، والشهود، ومُمثل الادعاء، وهم من يمثلون المُمثلين الذين في الفيلم ومُخرجه.

في فيلم سارق الذهب للمُخرج فطين عبد الوهاب سنتعرف على مُحسن- قام بدوره المُمثل صلاح ذو الفقار- مُدير الحسابات في إحدى الشركات والمنقول لتوه من عمله في طنطا إلى القاهرة، حيث يبحث عن شقة يقيم فيها، لكنه يعاني من عدم العثور على شقة بينما يحمل حقيبتيه في يده ليدور على الكثير من البنايات، لكنه في النهاية يعثر على شقة في عمارة يمتلكها المعلم مدبولي الدكروري/ الجزار- قام بدوره المُمثل محمد رضا- إلا أن البواب مُسعد- قام بدوره المُمثل سعيد أبو بكر- يخبره بأن ثمة شروط ثلاثة لا بد أن تنطبق عليه؛ كي يقبل مالك العمارة بسكناه فيها، وهي: أن يكون متزوجا، وأن يقبل السكن في الشقة بأثاثها الذي فيها، وأن الشرط الثالث سيعرفه حينما يسكن بالفعل.

حينما يصعد مُحسن مع البواب من أجل رؤية الشقة تخرج نرجس/ الزوجة الثانية لصاحب البناية- قامت بدورها المُمثلة هند رستم- من باب الشقة المُقابل لتخبره بالشرط الأول؛ فيخبرها بأنه بالفعل متزوج ولديه ثلاثة أولاد؛ فيبدو على وجهها الدهشة لتسأله: ثلاثة ذكور؟! لكنه يخبرها بأنه لديه ولدان وبنت، فيبدو على وجهها الإعجاب به. لكنه حينما يدخل إلى الشقة يُفاجأ بأن أثاث الشقة شديد التهالك، حتى أنه يقع بمُجرد لمسه أو الاستناد على أي شيء فيه؛ فيطلب من البواب أن يستأجر الشقة من دون أثاثها، لكنه يخبره أن الشرط الثاني هو قبول السكنى في الشقة بأثاثها الذي فيها، كما يقول له: تدفع 15 جنيه في الشقة كل شهر، و200 جنيه مُقدم. ليرد عليه مُحسن مُندهشا: إيه؟! 200 جنيه مُقدم؟ يعني إيه؟! يعني خلو رجل. لكن البواب يرد: خلو رجل إيه؟ تمن الموبيليا اللي هتستولي عليها. فيقول: وإذا كنت مش عايز الموبيليا؟ يقول البواب: كل السكان دافعين.

يضطر مُحسن إلى قبول شروط السكن بعد مُعاناته في العثور على شقة بصعوبة، ويأتي بأثاثه الخاص مع زوجته وأولاده، لكنه ذات مرة حينما يعود من عمله يجد أولاده مُعترضين على تأخر الغداء مُسببين الكثير من الضوضاء والفوضى، وحينما يسأل الخادمة عن السبب تخبره بأن اللحم الذي اشتراه لهم البواب كبير ولا يمكن طهيه منذ ثلاث ساعات كاملة، وحينما يسأل زوجته عن السبب في شرائها اللحم من جزارة المعلم مدبولي تخبره بأن البواب هو الذي أخبرها بأنه قد اتفق معه على شراء اللحم من صاحب العمارة.

يندهش مُحسن ويستدعي البواب ليسأله عن هذا الاتفاق؛ فيؤكد له البواب أنهما قد اتفقا على ذلك؛ لأن الشرط الثالث للسكنى الذي لم يخبره به، والذي أخبره بأنه سيعرفه حينما يسكن في الشقة هو شراء اللحوم من جزارة المعلم مدبولي فقط؛ فيسأله ولم اشتريت لنا لحما كبيرا، ليقول له: إن الزوجة هي التي أصرت على أن تشتري اللحم بالتسعيرة التي وضعتها الدولة، وإذا ما كان يرغب في لحم صغير سهل الطهي؛ فعليه الاتفاق مع المعلم مدبولي؛ حيث أن هذا اللحم له تسعيرة أخرى أعلى من تسعيرة الدولة.

تحاول نرجس/ زوجة الجزار التقرب منه لإعجابها به، وتلحقه ذات مرة حينما يخرج؛ فيعرض عليها الجلوس في مكان ما، وتقبل. حينما يلمح مُحسن يديّ نرجس المُمتلئتين بعدد ضخم من الغوايش الذهبية وكأنها بنك ذهبي مُتحرك يعرف أين يذهب المعلم مدبولي بأمواله التي يأخذها من السكان والمُشترين من دون وجه حق؛ لذا يبدأ في التفكير في خطة كيفية استرجاع أمواله التي أخذها مدبولي رغما عنه، ولما تسأله نرجس عن السبب في شعوره بالضيق يقول لها: أقولك إيه بس؟ والنبي دا كلام ما ينقال، تصوري واحد موظف زيي ماهيته 55 جنيه، بتوصل بعد الضريبة والدمغة 48 ومش قادر يوكل بيته ولا عياله. فترد مُندهشة: يا خبر! فيقول مُستكملا: أقولك إني بعد ما قعدت على الطاولة والطلبات دي مش هلاقي في جيبي بعد كدا حتى علبة السجاير؟ لا والبت نجوى عايزة فستان جديد، والواد عادل عايز 2 جنيه عشان لبس الكشافة، وأنا عامل سلفية والقسط يستحق بكرا، وبعد كدا يا ست نرجس مش عايزاني أبقى متضايق وزهقان؟! فترد عليه: يا شيخ، هو دا كل اللي مزعلك؟! دا أنا افتكرت حاجة أكبر من كدا. ليقول: هو فيه حاجة أكبر من كدا يا ست نرجس؟! فتخلع من يدها قطعتين ذهبيتين لتقول: خد، خد دول يا سي مُحسن ارهنهم ولا حتى بيعهم، فُك بيهم زنقتك. فيحاول ادعاء الرفض قائلا: إيه دا يا ست نرجس؟! لا، لا مش مُمكن أبدا. لتقول: إخص عليك يا سي مُحسن، هو أنا غريبة؟! والنبي ما تعمل تكليف. لكنه يقول: أيوة، بس أنا عمري ما قبلت حاجة زي كدا أبدا. فترد: أنت كنت عمرك عرفت نرجس أبدا؟ وحينما يخبرها بأن المعلم مدبولي قد يلاحظ ويسألها، تخبره أنه لا يعد ما يأتي لها به من قطع ذهبية كما أنه غاضب منها وهجر البيت، وعليه أن يذهب إليها في شقتها في الغد من أجل أن تحكي له عما يشعرها بالضيق.

يبيع مُحسن القطعتين الذهبيتين ويبدأ في احتساب المال الذي أخذه منه المعلم مدبولي عنوة ومن دون وجه حق، وهو 200 جنيها كمُقدم، وثلاثة جنيهات لهذا الشهر فارق سعر اللحم خارج التسعيرة، ثم يقوم بخصم ثمن القطعتين الذهبيتين ليعرف المُتبقي له من المال الذي لا بد من استراجعه من المعلم مدبولي من خلال زوجته نرجس.

تستمر العلاقة السرية بين نرجس ومُحسن، وهي العلاقة التي يستنزفها فيها ليأخذ في كل مرة يكون معها فيها المزيد من القطع الذهبية التي يبيعها ويخصم ثمنها من المبلغ الذي أخذه منه المعلم مدبولي إلى أن يتبقى له 32 جنيها فقط. في هذه الأثناء يأتي ساكن جديد إلى العمارة- المُمثل يوسف فخر الدين- وهو الشخص الذي تنجذب إليه نرجس وتشعر تجاهه بالإعجاب؛ الأمر الذي يجعلها تبدأ في تجاهل مُحسن، وتتنصل من علاقتها به، فتضيع عليه فرصة استرداد المبلغ الباقي- 32 جنيها-.

يحاول مُحسن غير مرة معاودة علاقته مع نرجس من أجل المزيد من القطع الذهبية، لكنها تُعرض عنه. وذات ليلة تستيقظ زوجته لتجده قلقا غير قادر على النوم، وتطلب منه أن يعد حتى المائة وسينام بسهولة، لكنه حينما يصل بالعد إلى الرقم 32 يتذكر باقي المبلغ الذي لم يسترده بعد؛ مما يصيبه بالجنون، ويسرع بالخروج إلى شقة نرجس المُقابلة، ويتهجم عليها في وجود الساكن الجديد الذي يسرع بالهروب، ويطلب منها أن تعطيه باقي أمواله جاذبا يدها إليه راغبا في أربع قطع ذهبية تُمثل قيمة المبلغ الباقي له؛ فتبدأ نرجس في الصراخ والاستغاثة بالجيران، لكنه يسرق من ذراعها القطع الذهبية؛ مما يؤدي إلى القبض عليه، لينتهي الفيلم عليه بينما القيد الحديدي في يديه وهو يصرخ قائلا: أنا مش حرامي، المعلم مدبولي هو الحرامي.

سنلاحظ هنا أن مُحسن بالفعل ليس لصا، ولا يمكن له أن يسرق، لكن الظروف التي اُضطر إليها رغما عنه والتي فرضها عليه المعلم مدبولي هي ما دفعته إلى الرغبة في الانتقام واسترداد أمواله التي أُخذت منه عنوة؛ لذلك كان حريصا على استلاب القطع الذهبية من زوجته لتعويض المبلغ المالي الذي أخذه زوجها فقط لا غير، كما لا يفوتنا أن المُخرج كان من الإتقان الفني ما جعله يستخدم القطع المُونتاجي كلما أخذ مُحسن المزيد من القطع الذهبية من يد نرجس؛ فنرى في المُقابل المعلم مدبولي يذهب إلى الصائغ من أجل شراء المزيد من القطع كي يهديها لزوجته؛ الأمر الذي يجعل القطع التي في يديها تزداد ولا تنقص رغم استلاب مُحسن الدائم لها. كما أن هذا القطع يُدلل على أن الأموال الزائدة/ خارج التسعيرة التي يأخذها المعلم من مُحسن وغيره كثمن للحم، وهو المال الذي يأتي من القطع الذهبية، يعود مرة أخرى إلى الزوجة في شكل المزيد من الذهب الذي يأخذه مُحسن بدوره.

يتم القطع على القاضي يحيى شاهين الذي ينتهي من القضية/ الفيلم الأول لتنصحه الزوجة بالتقليل من الإفراط في تدخين السجائر وتناول المزيد من القهوة، لكنه يخبرها أنه لم يبق له سوى قضيتين فقط، ويفتح الملف الثاني الذي نقرأ على غلافه اسم المُتهم، والشهود/ المُمثلين، ومُمثل الادعاء وهو المخرج.

في فيلم سارق الأتوبيس للمُخرج حسن الإمام نتعرف على السائق فهمي- قام بدوره المُمثل فريد شوقي- الذي يعمل كسائق شاحنة في إحدى شركات نقل البضائع، والمتزوج من بثينة- قامت بدورها المُمثلة نبيلة عبيد- التي تعاني من مرض القلب، وحينما يلمح فهمي ذات صباح الألم الذي تُعاني منه زوجته يسرع بأخذها للطبيب الذي يؤكد له أن الزوجة مُصابة بروماتيزم على القلب وأنها تحتاج إلى عناية خاصة. يذهب فهمي إلى مديره في العمل كي يستدين منه خمسة جنيهات، لكنه لا يعطيه أكثر من جنيه واحد، ويطلب منه التحرك بشاحنته إلى بور سعيد حيث سيذهب معه صاحب البضاعة وسيعطيه المزيد من المال، لكن فهمي حينما يصل إلى الإسماعيلية يهبط من شاحنته للاتصال الهاتفي بأمه كي تطمئنه على زوجته؛ فتخبره الأم بأنها مريضة جدا، ولا تعرف ما الذي يجب عليها فعله معها، إلا أنه يخبرها بأنه سيعود إليها ولا يكمل سفره إلى بور سعيد ويعود إلى زوجته من الإسماعيلية.

بعدما يطمئن فهمي على الزوجة التي عادت إلى طبيعتها بعد أخذ حقنتها يذهب إلى عمله، لكن الأم تهاتفه في العمل لتخبره بأن بثينة مريضة جدا؛ فيخبرها بأنه يمتلك جنيها واحدا وسيسرع إلى الصيدلية كي يأتي لها بالحقنة ويلحقها، لكنه لا يجد الحقنة إلا بعد المرور على أكثر من صيدلية ولا يتبقى معه سوى ثلاثة قروش فقط؛ الأمر الذي يضطره إلى ركوب أتوبيس النقل العام.

نلاحظ أن سائق الأتوبيس- قام بدوره المُمثل عدلي كاسب- يسير به ببطء شديد، وحينما يحاول أحد الركاب أن يحثه على الإسراع يهددهم بالنزول من الأتوبيس وتركه لهم؛ الأمر الذي يجعل الركاب يتوسلون إليه من أجل البقاء فيه وعدم النزول منه. يطلب فهمي من المُحصل- قام بدوره المُمثل عبد المنعم إبراهيم- أن يحث السائق على الإسراع حيث أن زوجته مريضة ولا بد من اللحاق بها حتى لا يحدث لها مكروه، لكنه يخبره أنه إذا ما كان في عجلة من أمره؛ فعليه أن يهبط من الأتوبيس كي يأخذ تاكسيا، إلا أن فهمي يرد عليه بأنه لا يمتلك المال من أجل التاكسي.

يتوقف سائق الأتوبيس في الكثير من المحطات من دون أي سبب، فتارة يتوقف من أجل شراء علبة من السجائر وكبريت، وتارة أخرى يتوقف من أجل شرب كوب من الشاي على الطريق، وتارة ثالثة يتوقف من أجل انتظار المُحصل الذي يصافح أحد معارفه ويظل يثرثر معه مُضيعا وقت الركاب، وحينما تصعد إحدى السيدات التي تمتلك اشتراكا للركوب يطلب منها المُحصل ثمن تذكرة لأن أرقام الاشتراك غير واضحة، لكنها تخبره بأنها قد استلمت الاشتراك لتوها من مصلحة النقل العام، إلا أنه يصر على أن يأخذ منها ثمن التذكرة، وحينما ترفض ذلك يطلب من السائق الاتجاه بهم إلى قسم الشرطة.

يحاول فهمي إثناء المُحصل والسائق عن الذهاب إلى القسم حتى لا يتأخر أكثر من ذلك، فيطلب منه المُحصل أن يدفع لها ثمن التذكرة بالنيابة عنها، ولما يخبره بأنه لا يمتلك النقود يطلب من الصمت وعدم التدخل. يتوقف الأتوبيس أمام قسم الشرطة ليهبط المُحصل والسائق مع السيدة ويتركان الأتوبيس بالركاب داخله؛ الأمر الذي يجعل فهمي يجلس مكان السائق ليقود الأتوبيس بسرعة من أجل اللحاق بزوجته، وهو ما يجعل الشرطة تبلغ إدارة النجدة بأن ثمة مجنون قد اختطف أتوبيسا بالركاب الذين فيه.

حينما يصل فهمي إلى أقرب مكان من بيته يتوقف بالأتوبيس؛ فيثور الركاب طالبين منه أن يوصلهم، لكنه يخبرهم بأن زوجته مريضة وإذا كان فيهم من يعرف قيادة السيارات فعليه أن يقود الأتوبيس كي يصلوا. يصل فهمي إلى بيته من أجل اللحاق بزوجته، لكنه حينما يدخل عليها غرفتها يجدها قد فارقت الحياة؛ مما يجعله يحطم الحقنة في كف يده، وينتهي الفيلم على مشهده وهو يغلق عيني الزوجة التي ماتت.

نلاحظ في هذا الفيلم أن الدافع للسرقة هنا أكثر أهمية وعُمقا عما رأيناه في الفيلم الأول، كما أنه كان أكثر إقناعا وجودة فنية وإحكاما، وله الكثير مما يبرره، كما نتيقن أيضا بأن فهمي لا يمكن له أن يكون سارقا، بل هو شخص دفعته الظروف القاهرة، والبيروقراطية التي تعاني منها الدولة- مُمثلة في سائق الأتوبيس والمُحصل- إلى الاضطرار إلى قيادة الأتوبيس والإسراع به باتجاه بيته من أجل إنقاذ الزوجة التي على شفا الموت؛ مما يجعل هذا الفيلم أكثر إحكاما من الفيلم السابق عليه.

يتم القطع مرة أخرى على القاضي الذي ينتهي من قراءة هذه القضية ليبدأ في قراءة القضية/ الفيلم الثالث. في فيلم سارق عمته للمُخرج كمال الشيخ يبدأ المُخرج فيلمه على الكثير من قطع الثياب التي يتم إلقائها من النافذة لتتساقط في الشارع بينما يحاول منعم- قام بدوره المُمثل حسن يوسف- إغلاق النافذة ليمنع عمته من إلقاء الملابس في الخارج.

نعرف أن عمة منعم توحيدة- قامت بدورها المُمثلة نجمة إبراهيم- تشعر بالغضب الشديد من ابن أخيها وتحاول طرده من البيت، وحينما تسألها شقيقتها فريدة عن السبب في ذلك تقول لها: اسأليه على العملة السودة المهببة اللي عملها من ورانا أنا وأنت وفضحنا، منعم أفندي ابن أخوكي اللي ربيناه على الطهارة والعفة والنضافة، شوفي عمل إيه في الآخر من ورايا أنا وأنت، اسأليه، اسأليه هو. فتسأله عمته الثانية: عملت إيه يا منعم؟ يا دي المصيبة، مديت إيدك على خزنة المصلحة ولا حاجة كدا ولا كدا؟ لكن توحيدة ترد: يا ريت يا أختي يا ريت، حاجة متتقالش، حاجة متطنتقش على اللسان، حضرته يا ستي خطب. فتقول عمته الأخرى بدهشة واستياء: خطب؟! لترد توحيدة: أيوة، تصوري؟ عايز يتجوز. فترد شقيقتها: يتجوز؟! يا نهار أسود، مش معقول، الكلام دا حصل حقيقي يا منعم؟! لتقول توحيدة: آدي آخرة تربيتنا فيه أنا وأنت يا فريدة، آدي آخر ما ربيناه على العفة والطهارة والنضافة، يروح يخطب ويشبك ويقدم الدبل، ومش بس كدا، دا من ورايا أنا وأنت.

سنعرف بعد قليل أن الفيلم يدور في إطار كوميدي ساخر؛ فالمُشكلة لدى العمتين ليست في أن ابن أخيهما منعم قد خطب من دون أن يستشيرهما، بل تتمثل المُشكلة لديهما في أنه يريد الزواج في حين أنهما لم تتزوجا حتى الآن، نعرف ذلك من قول توحيدة: هو كان حد فينا اتجوز أنا ولا عمتك فريدة عشان تتجوز أنت يا قليل الأصل؟! ليرد عليها: طب وأن ذنبي إيه يا عمتي؟ هو أنتوا لقيتوا جواز ومتجوزتوش؟ لتقول: اخرس، قليل العفة والحيا، دا يطلع برا البيت دلوقتي حالا يا فريدة، على برا يا زير النساء.

يحاول منعم البحث عن شقة من أجل الزواج فيها، لكنه لا يستطيع العثور على أي شقة رغم جهده في البحث ورغبته الحقيقية في العثور عليها؛ حيث أن حماته المُستقبلية- قامت بدورها المُمثلة ميمي شكيب- تشترط عليه من أجل إتمام الزواج أن يأتي لها بعقد الشقة أولا، وإلا فإنها لن توافق على زواجه من ابنتها ناهد- قامت بدورها المُمثلة مديحة سالم- التي لا تمتلك شخصية أمام أمها ورغبتها.

يحاول منعم إقناع عمتيه بالإقامة معهما هو وزوجته بعد الزواج، لكن عمته الأكبر توحيدة ترفض فكرة زواجه برمتها، وتثور عليه؛ الأمر الذي يجعله بالفعل يترك البيت ويقيم في أحد الفنادق مع البحث عن شقة. في نفس الوقت يتقدم الموظف محمد العريان- قام بدوره المُمثل أبو بكر عزت- لخطبة ناهد، وهو العريس الذي ترحب به الأم؛ حيث يمتلك سيارة وشقة جاهزة ووظيفة مُحترمة، وتخبر منعم أنه إذا لم يسرع بالإتيان بالشقة؛ فعليه أن ينسى أمر الزواج من ابنتها.

يضيق محمد العريان من أمر التأجيل في إعلان الخطوبة ويشترط على أم ناهد أن تعطيه الكلمة النهائية قبل يوم الإثنين الساعة الثانية؛ مما يجعلها تستدعي منعم إلى بيتها وتخبره أنه إذا لم يفعل قبل هذا الوقت فإن ناهد ستتزوج من العريان، لكنه يخبرها بأن عمته توحيدة مريضة وهناك احتمال كبير أن تموت، وحينها سيقيم مع عمته الأخرى فريدة في البيت؛ مما يجعل حماته تبارك له الأمر وتشعر بالفرح الشديد.

لكن ظن منعم والطبيب يخيب وتسترد عمته عافيتها مرة أخرى، إلى أن تعاودها الأزمة الصحية ثانية. وأثناء غياب عمته فريد والخادمة يجد نفسه وحيدا في البيت مع عمته توحيدة الراقدة في الفراش؛ فيحاول إخافتها ويتنكر في زي عزرائيل مُوهما إياها بأنه قد جاء ليقبض روحها؛ الأمر الذي يجعلها يغشى عليه، ويظن منعم أنها قد ماتت وأنه كان السبب في موتها، أي أنه قتلها.

يهرب منعم إلى أحد الفنادق، ويتناول الكثير من الخمور مؤنبا نفسه على قتل عمته من أجل الزواج بناهد، ويتخيل نفسه في المُحاكمة بسبب قتله لعمته، لكنه يسمع صوت دقات على الباب وحينما يفتحه يُفاجأ بعمته توحيدة أمامه؛ مما يشعره بالكثير من الخوف اعتقادا منه أن هذا هو شبحها، لكنها تطمئنه بأنها لم تمت كما كان يأمل، وأنها قد فكرت في أن تمنحه مالها من أجل زواجه قائلة: امبارح بالليل لما عرفت إني هموت خلاص؛ قلت في عقل بالي: إني لازم أعمل حاجة كويسة قبل ما أموت وأودع، قعدت أفكر، إيه يا بت يا توحيدة هانم اللي مُمكن تعمليه؟ مفيش غير كوني أوافق على إن منعم يتجوز ناهد وييجوا يعيشوا معايا هنا في البيت، اسمع يا منعم، فيه حاجة تانية كمان، أنا اتنازلت لك عن كل الفلوس اللي عندي في الخزنة، وعايزاك تيجي بكرا بإذن الله عشان تاخدهم علشان مصاريف الفرح، خد امسك، دا مفتاح الخزنة، ودا مفتاح الشوفينير، هتلاقي الخزنة في درج الشوفينير.

يشعر منعم بالفرح الشديد بسبب بادرة عمته الطيبة وكرمها معه، ويذهب، بالفعل، في اليوم التالي إلى البيت من أجل استلام الأموال التي تنازلت له عمته عنها، وحينما يدخل غرفتها يجدها نائمة فيحاول إيقاظها، لكنها لا تستيقظ. يقوم بفتح الخزينة التي يجد فيها الكثير من المال والذهب إلا أن عمته تنهض من فراشها لتطلق صفارة طويلة ويدخل رجال الشرطة ضابطين إياه بالمال الذي يخص عمته، في حين أنها تصرخ على الشرطة بأنه يحاول سرقتها وسرقة أموالها.

يحاول منعم التأكيد لرجال الشرطة بأنه لم يسرق شيئا، وأن عمته هي التي أعطته المُفتاح، لكنها تنكر ذلك وتؤكد أنه يحاول سرقتها من أجل الزواج، لينتهي الفيلم على منعم يقوده رجال الشرطة إلى السجن.

هنا يتم القطع مرة أخيرة على القاضي يحيى شاهين الذي يؤكد أنهم لصوص، لكن لكل منهم هناك ظروف ما قد دفعته إلى ارتكاب هذه الجريمة، ثم يتجه إلى المُشاهدين مواجها الكاميرا طالبا منهم أن يضعوا أنفسهم مكان القاضي كي يحكموا عليهم.

ربما لاحظنا أن الفيلم الأول كانت مدته 43 دقيقة، بينما الثاني 30 دقيقة، والثالث 47 دقيقة، ليمثل الفيلم الذي يجمعهم في إطار واحد ساعتين من الزمن، كما لا يفوتنا أن الفيلم الذي أخرجه المُخرج حسن الإمام كان أكثرهم فنية وعُمقا من حيث الظروف التي دفعت فهمي إلى سرقة الأتوبيس، بينما يأتي فيلم المُخرج كمال الشيخ في المرتبة الثانية؛ لأن منعم لم يكن سارقا في الحقيقة ولم يفكر في السرقة، ولكن عمته هي من لفقت له هذه التهمة، كما نلاحظ أن المُخرج كمال الشيخ يستخدم في الفيلم طريقته البوليسية المعهودة في إخراجه لأفلامه، ليكون الفيلم الأول للمُخرج فطين عبد الوهاب في المرتبة الثالثة من حيث الجودة والإتقان؛ فظروف مُحسن بالفعل قد دفعته إلى استغلال الزوجة، لكنه كان من المُمكن له أن يرفض شروط السكنى منذ البداية إذا لم تكن متوافقة معه.

يأتي فيلم ثلاثة لصوص للمُخرجين فطين عبد الوهاب، وحسن الإمام، وكمال الشيخ كفيلم مُهم من الأفلام التي أنتجتها المُوسسة المصرية العامة للسينما في مرحلة القطاع العام، ووضع الدولة يدها على الصناعة بالكامل، ورغم أن الفيلم يدور في إطار كوميدي ساخر إلا أنه يتناول مُشكلة اجتماعية مُهمة لا يمكن غض الطرف عنها تفيد بأن الظروف الاجتماعية وتعامل الآخرين من بعضهم البعض قد يدفع ببعضهم إلى اتخاذ رد فعل لا يمكن له أن يقوم به لولا ما يحيط به من أفراد في المُجتمع يمعنون في الضغط عليه مما يؤدي به إلى هذه الأفعال التي قد يُعاقب عليها.

 

 

محمود الغيطاني

مجلة فنون

عدد ديسمبر 2020م