الجمعة، 2 أكتوبر 2020

مرايا قصصية.. تجربة السرد النسائي القصصي في العالم العربي

 أن يتم جمع سبع وسبعين قصة لسبع وسبعين قاصة من جميع أقطار الدول الناطقة بالعربية بين دفتي كتاب واحد لهو مجهود كبير وشاق يحتاج للكثير من الجهد والدأب والإصرار والتواصل، فضلا عن فترة زمنية طويلة تقتضي جمع هذه القصص وأخذ موافقات كتابها لينضموا إلى هذا الكتاب، فإذا ما أضفنا إلى هذه القصص عددا ضخما من اللوحات التشكيلية التي أبدعتها نساء أيضا من جميع أقطار المنطقة العربية؛ لتبدى لنا المجهود الحقيقي في جمع هذه المادة المُرهقة، وهو ما تتحدث عنه الكاتبة أنعام القرشي واصفة إياه: "في كثير من الأوقات كنت أتراجع عن فكرة المشروع؛ لصعوبة التواصل مع الكاتبات، أو عدم الاهتمام بالفكرة، أو رفض بعض الكاتبات المُشاركة إلا بشرط تواجد كاتبات مشهورات ضمن الكتاب، أو صعوبة الحصول على عناوين لهن"!

لكن، ثمة سؤال مُهم لا بد له من طرح نفسه على من يقرأ كتاب "مرايا قصصية" الذي قامت بجمعه الكاتبة الأردنية أنعام القرشي، وهو: ما الداعي لمثل هذا المجهود الضخم من أجل جمع هذه المادة القصصية الكبيرة لكاتبات عربيات من جميع أقطار المنطقة العربية في كتاب واحد؟

تقول الكاتبة أنعام القرشي في مُقدمة كتابها: "لم تكن فكرة مشروع هذا الكتاب وليدة لحظة طارئة أو عرضية، بل كانت دفينة وعميقة ترسخت في عقولنا ونحن أطفال صغار، نلعب بين جلسات الكبار وهم يتحدثون عن همّ الوحدة العربية باختلاف مواقفهم السياسية ومُعتقداتهم ومذاهبهم"، ثم تكمل حديثها مُسترسلة: "مشروع كتابي هذا بُني على نفس فكرة الوحدة العربية، حيث أرتأيت أن أقوم بعمل مشروع كتاب يتضمن قصصا قصيرة لكاتبات من جميع دول الوطن العربي الواحد والعشرين الناطقة باللغة العربية العظيمة، وأن تُشارك الكاتبات بقصة قصيرة واحدة".

إذن، فالكاتبة كان هدفها من كتابها- كما تقول- مجرد هدف قومي، أو ما نُطلق عليه اسم الوحدة العربية- لكنها هنا في مجال الأدب وليست في مجال السياسة- وإن كانت تأتي أهمية الكتاب في حقيقة الأمر بعيدة تماما عن هدف الوحدة التي تريدها الكاتبة؛ فوجود سبع وسبعين قاصة-امرأة - من جميع أقطار المنطقة العربية هو أمر من الأهمية بمكان ما يجعلنا ننتبه إلى مثل هذا الكتاب الذي استطاع جمع كل هذا العدد من الكاتبات بين دفتي كتاب واحد، فضلا عن تعريفه للقارئ بعدد لا يستهان به من الكاتبات اللاتي لم يكن يعرفهن الكثيرون من القراء، لا سيما كاتبات الصومال، وموريتانيا، وجيبوتي، والسودان، وغيرهن في معظم أقطار الوطن العربي- نظرا لصعوبة التواصل وتبادل الكتب بين الدول وبعضها-فالكاتبة هنا لم تعتمد على الأسماء المشهورة من الكاتبات فقط كي يشاركن بقصصهن، بل شارك في المجموعة عدد لا يستهان به من الكاتبات غير المعروفات واللاتي أثبتن بما قدمنه من قصص أنهن لديهن الكثير من الموهبة السردية والأكثر من الزخم الفني اللذين يحتاجان، فقط، إلى الانتشار أو الالتفات إليهما، أو الكتابة النقدية عنهما، أي أن هذه المجموعة من المُختارات القصصية ذات أهمية حقيقية للباحث/ الناقد في مجال القصة القصيرة، تُتيح له الرقعة الجغرافية الشاسعة التي تكتب بالعربية لا سيما كتابة المرأة التي أثبتت في هذه المجموعة أنها لديها عالما سرديا مُهما حري بأن نتوقف أمامه ونتناوله بالتحليل والنقد؛ حيث غلبت الجودة السردية على أغلب قصص المُختارات مما أعطاها أهميتها الخاصة.

لا يمكن إنكار التفاوت السردي بين دفتي هذه المجموعة ما بين صعود وهبوط- وهو أمر طبيعي ووارد- فليست جميع الكاتبات على المستوى السردي الجيد أو السيئ، أو بين المنزلتين، لكننا نؤكد أن القصص الجيدة والخيال الغني كان هو الأغلب في نهاية الأمر، كما نلاحظ هذا التفاوت أيضا في إجادة اللغة التي تكتب بها الكاتبات؛ فمنهن من لا تتقن لغتها، وهناك أخريات يتقن اللغة إتقانا جيدا، لا سيما أن الكاتبة أنعام القرشي لم تلجأ إلى تصحيح القصص التي وصلتها على المستوى اللغوي؛ الأمر الذي جعلنا نُدرك مدى إتقان كل كاتبة للغتها من عدمه في نهاية الأمر، ولعل عدم اللجوء إلى تصحيح القصص كان هو الأفضل والأكثر أمانة؛ كي يستطيع الدارس معرفة لغة كل كاتبة ومدى إتقانها لأداتها الأولى في الكتابة وإيصال أفكارها.

نلاحظ أن تقديم الكاتبة أنعام القرشي لكتابها يليه كلمة للدكتور العراقي عزمي الصالحي- على سبيل التقديم- وهي الكلمة التي لم تتعد صفحة واحدة من الكتاب، لكننا لم نفهم منها ما الذي يرغب في قوله، أو الهدف من كتابتها؛ فهو لم يتطرق إلى المشروع أو محتوى الكتاب قط، بل ظل يهوم في أن الشعر كان هو الأهم قديما والآن بات السرد هو المُهم، أي أن الكاتبة رغبت في أن تعتمد على كلمة الدكتور عزمي من أجل تقديم الكتاب- ربما لظنها أن وجود اسم شهير من المُمكن أن يضيف للكتاب أهمية وثقلا- لكن ما كتبه لم يضف للكتاب أي شيء يُذكر؛ ومن ثم كانت كلمته مجرد فراغ لم يؤد بنا إلا للمزيد من الفراغ، وهو من الأمور المُدهشة التي تجعل الكثيرين من الكتاب يعتمدون على غيرهم من أجل تقديمهم للقارئ أو ظنا منهم أن اسم فلان إذا ما اقترن بما يقدمه؛ فهو بالضرورة سوف يضفي على العمل أهمية مُضافة.

إذا ما كانت القصص داخل المجموعة مُتفاوتة بتفاوت كاتباتها ما بين الجودة والرداءة، أو الوقوف في منزلة بين المنزلتين؛ فهذا يعني أننا لا بد لنا من التوقف أمام العديد من القصص لبيان ذلك، ففي قصة "خطوط مائلة ولكن" للكاتبة الأردنية صباح المدني ثمة فراغ تدور فيه الكاتبة لا تعرف إلام من المُمكن له أن يوصلها؛ فالكاتبة منذ البداية تسيطر عليها الفكرة التي تريد الكتابة فيها، وتحاول جاهدة التعبير عن هذه الفكرة بالكتابة القصصية التي لا تمهلها وتساعدها في إيصال ما ترغب قوله، ربما لضعف الفكرة، أو عدم وجود خيال كافٍ لدى الكاتبة من أجل التعبير عن أفكارها.

تتناول القصة فكرة سيطرة الأب منذ الصغر وصرامته في التربية، هذه الصرامة التي قد تجعل الطفل غير قادر على استيعاب ما يطلبه منه الكبار، وإذا ما حاول إطاعتهم فيما يريدونه يجد نفسه يخطئ ويُلام مرة أخرى على ما فعله رغم أنه يهدف من وراء فعله إرضائهم. هذه الفكرة نلاحظها في قولها: "الكل يؤكد أنها مُعقدة، لكنها تتماسك وتعد على أصابعها وصايا والدها. الاستقامة، الوضوح، الصدق، إلى آخر سلسلة الوصايا التي تطرق مسامعها كل لحظة، رحم الله والدها، لقد مات، غير أن نصائحه بقيت في داخلها حملا ثقيلا"، في موضع آخر من القصة تحاول الكاتبة التأكيد على فكرتها بقولها: "تساءلت: هل هي فتاة حقا؟ لم تشعر بذلك أبدا، إنها كما عودوها رجل البيت، إذن هي صبي وليست فتاة، حتى أن ملامح الأنوثة الواضحة لم تكن سوى قشور، فبداخلها ولد عنيد شرس، تذكرت حينما كانت طفلة تلعب في حديقة المنزل مع ابن الجيران، وحينما رآها والدها أنبها وصفعها مُذكرا إياها أن اللعب مع الصبية عيب، ولما لعبت مع ابنة الجيران ضربها أيضا؛ لأنها لم تكن تلعب مع الفتاة بل كانت تلعب بها، والفتاة كانت تصرخ وتستنجد بالآخرين، لقد كانت قاسية على كل ما ومن وحولها، حتى أن أزهار الحديقة لم تسلم من قسوة يديها".

القاصة الأردنية إنعام القرشي

ربما نلاحظ من خلال هذين الاقتباسين أن ثمة فكرة تتردد أصداؤها على ذهن الكاتبة وتلح عليها بقسوة من أجل محاولة التعبير السردي والقصصي عنها، لكن هل يعني وجود الفكرة بقوة واضحة في ذهن الكاتب أن ثمة قصة فنية جيدة تتشكل لا بد من التعبير الفني عنها؟

على المستوى النظري سيكون الأمر مقبولا بالتأكيد، لكن على المستوى العملي؛ فالأمر يتوقف برمته على خيال الكاتب وامتلاكه لأدوات القص ومدى هيمنته عليها، وامتلاكه للغة التي يستطيع من خلالها التعبير عما يفكر فيه. هنا في هذه القصة يتبدى لنا أن ثمة فقر في الخيال يجعل الكاتبة عاجزة عن التعبير عما يجول بخاطرها، وهو الفقر الذي دفعها للتعبير عن هذه الفكرة بالخطوط المُستقيمة، وغيرها من الخطوط المُنحينة، أي أنها رأت في هذه الخطوط المُعادل الرمزي الذي تستطيع التعبير به عما ترغب في قوله؛ فنقرأ قولها: "كانت تكره دائما الخطوط المائلة، تجعلها تشعر بالغثيان، وأحيانا بالاشمئزاز، لكنها كلما خلت إلى نفسها تبدأ يداها بحركة عفوية لا إرادية تخط على الورقة دوائر مُتشابكة وخطوطا مُتعرجة ومائلة. تذكرت أنها تشكو دائما خيبة الأمل، وحياتها المُعقدة؛ لذلك لا تتساقط عفويتها على الورق إلا في حالة اللاوعي والانفراد الدائم مع نفسها، الكل يؤكد أنها معقدة"، إذن فهذه الخطوط المائلة والمُنحنية التي تكرهها الشخصية القصصية والتي تسعى إليها في حالات اللاوعي هي التعبير عن الرغبة في الانفلات من إسار الهيمنة الأبوية الشديدة عليها- من المُمكن قبول ذلك على المستوى الرمزي- لكن لا يمكن اعتبار وجود هذه الخطوط بشكل منحنٍ أو مائل بمثابة الخروج على القواعد الأخلاقية التي وضعها لها الأب- الاستقامة، الوضوح، الصدق- فما علاقة انحناء الخطوط المرسومة على الورقة بهذه القواعد التي وضعها أبوها، إن العلاقة الوحيدة التي قد نراها هي التضاد في المعنى الذي تؤدي إلى المُرادفات فقط- الاستقامة التي تتضاد مع الانحناء- لكن إذا ما كان الأمر من خلال هذا المفهوم؛ فهو مجرد مفهوم ساذج لا يمكن الاعتماد السردي عليه؛ ومن ثم فالكاتبة تظل تهوم حول فكرتها غير قادرة على القبض عليها وصياغتها في سرد قصصي فني.

هذه السذاجة نلاحظها في تساؤلها: "لماذا هذه الخطوط مائلة ومتعرجة ومتشابكة؟ لماذا لا تكون مُستقيمة كما علمني والدي؟"، الحقيقة أن أباها لم يعلمها استقامة الخطوط، بل علمها الاستقامة في الأخلاق، ولا يمكن هنا التسليم بالمُعادل الرمزي الذي تميل إليه الساردة من أجل إكمال قصتها، وهو المُعادل الذي تؤكد عليه بقولها: "أمسكت برأسها الذي تورم من ثقل الأفكار، وتكومت كعادتها في الركن الصامت تمسك بالورقة البالية الخطوط السابقة نفسها، حاولت قصارى جهدها ألا تكون مائلة بل مُستقيمة، وتعد على أصابعها بين الفينة والأخرى وصايا والدها، وتنظر إلى الخطوط التي تسطرها تجدها مرة مُستقيمة ومرات عدة مائلة وتهتف في تحد: إنها استقامة الخطوط المائلة"، أي أنها ترغب في الثورة على السيطرة الأبوية.

في هذه القصة يتضح لنا أن ثمة فكرة تأخذ وعي الساردة وتسيطر عليه، لكنها تظل تهوم في الفراغ والمُعادلات الرمزية التي لا يمكن لها أن تصنع قصة أدبية جيدة، بل مجرد تهويمات حول الفكرة لا يمكن لها أن تفيد السرد، كما نلاحظ أن الكاتبة على طول سردها لا تحترم- أو بالأحرى- تجهل وجود الهمزات في اللغة العربية؛ مما جعلها تحذف الهمزات دائما باعتبارها لا قيمة أو أهمية لها في اللغة؛ فنقرأ: "احيانا، الى، ارادية، الا، انها، اصابعها، امسكت، القتها، ابجديات، اكثر، اصبحت، اخذت"، وغيرها الكثير من المُفردات التي لا بد من وجود الهمزة فيها، كذلك الخلط بين مفهوم لفظتي "الرؤيا، والرؤية"، فهي تكتب: "كان عليها أن تجتاز ذلك السور الشائك المُمتد على حدود الرؤيا بينها وبين نفسها حتى تصل إلى أبعادها الدفينة.."، والمعروف في اللغة أن الرؤية هي النظر بالعين الحقيقية وبالقلب مجازا وتجمع على رؤى من غير تنوين، بينما الرؤيا هي ما يراه المرء في النوم، أي أن المؤلفة هنا بادلت بين المُفردتين مما أدى إلى تغيير المعنى الذي ترغب في قوله.

رغم هذا التهويم السردي الذي قرأناه في القصة السابقة فهناك قصص أخرى أكثر تماسكا وإدراكا للفكرة والمعنى؛ ففي قصة "الروح الرياضية العالية للفولكسفاغن" للقاصة الليبية نجوى بن شتوان ثمة سخرية لاذعة ومريرة ومُباشرة وواضحة وجارحة تجاه ما يُسمى مُساندة القضية الفلسطينية عربيا، إنها السخرية المُوغلة في القسوة والإيلام حول ما يدور في منطقتنا العربية وكثرة التشدق بالقضية التي لا تنتهي ولا تتقدم قيد أنملة للأمام. وفي الوقت الذي تزداد فيه إسرائيل ثباتا واستقرارا وهناءة تزداد فيه الشعوب العربية- وليست الحكومات- توترا وانفعالا وانسحاقا تحت وهم النضال الذي لا يمكن خروجه من دائرة العبث الأبدي!

تتحدث الكاتبة عن قرية مجهولة تضامنت مع ثورة الحجارة؛ فخصصت أياما دراسية كمهرجانات للخطابة، وهي المهرجانات التي قام فيها الطلاب بتكسير مقاعد الدراسة على رأس إسرائيل، لكن رئيس الشعبية قد اهتدى إلى فكرة عبقرية من أجل التضامن مع القضية تتمثل في إقامة ماراثون سباق يجري فيه جميع أهالي القرية من بدايتها حتى نهايتها، ويشارك فيه جميع الكائنات حتى الكلاب، لتنقله جميع وسائل الإعلام في نشراتها اليومية ويراه العالم كشكل من أشكال التضامن مع ثورة الحجارة.

ربما نلاحظ منذ بداية السرد حتى نهايته سيطرة مسحة السخرية الشديدة من العبثية التي يتضامن بها العرب مع القضية، نرى ذلك على سبيل المثال في: "تضامنت بلدتنا مع ثورة الحجارة في فلسطين المُحتلة؛ فخصصت أياما دراسية كمهرجانات للخطابة، كسرت فيها الحماسة ما تبقى من مقاعد سليمة على رأس إسرائيل، التي دُرسنا كرهها عليها. عند عودة جمهور الخطابة للمنازل، كان على النساء- كرم الله وجودهن- مُعالجة مخرجات المهرجان من العرق والإجهاد بكثير من الصبر والتحامل على الذات"، ربما نلاحظ في هذا الاقتباس السخرية الشديد من تكسير المقاعد على رأس إسرائيل وكأنما الأمر لا يعدو مجرد إخراج طاقات كامنة داخل هؤلاء الأشخاص من أجل المزيد من السلام النفسي بعد هذا التكسير، كما أن الأمر يكاد أن يبدو إعلان عن الوجود للآخرين، وهو ما تؤكده الساردة في: "كان ضروريا أن نشعر نحن، حتى وإن لم يشعر بنا أحد، أو لم يعلم بوجودنا في نفس الكوكب سكان الأرض المُحتلة المنهمكون في قذف الحجارة طيلة اليوم".

إن الاقتباس الأخير يكاد أن يكون مُغرقا في السخرية والعبثية الحقيقية؛ فهؤلاء المتضامنون يرغبون في إعلان ذواتهم للعالم، وأن يصل صوتهم إلى الجميع بأنهم هنا ويتضامنون مع القضية، كما أنهم في ذات الوقت لديهم فكرة عبثية واهمة بأن سكان الأرض المُحتلة منهمكون طيلة اليوم في قذف الحجارة وكأن هذا هو شغلهم الشاغل، أي أن الفكرة هنا تتنافى تماما مع الحقيقية بهدف سخرية المؤلفة من الفكرة في حد ذاتها، إنها السخرية التي تصيب الذات القومية بالكامل في مقتل لتعمل على تعريتها أمام ذاتها.

القاصة الليبية نجوى بن شتوان

إذن، فماذا يفعل المتضامنون أكثر من تكسير المقاعد في مهرجانات الخطابة؟ إنهم يحرقون الإطارات أيضا: "صار الاكتفاء بحرق الإطارات القديمة وقميص مطبوع عليه علم أمريكا متى توفر، أيسر من الدخول في معركة الرؤوس تلك، الواقع يحتم عدم فتح جبهات أخرى ما لم نتخلص من إسرائيل". هنا كان لا بد لهم من التفكير في فكرة المارثون؛ كي يستطيعوا لفت أنظار العالم كله إليهم وإلى تضامنهم القومي: "هو حفلة جري شعبية باسم فلسطين، يشارك فيها الجميع وينقلها التليفزيون الرسمي في نشرة الأخبار، أي سيأتي مصور يصورنا بينما نجري، وسيجري بالطبع معنا وإلا فإنه لن يجد ما يصوره عدا قطعان الماعز هنا وهناك. نعم إنها فرصتنا لإيصال صورتنا للعالم بدون صوت (غالبا في النشرة يكتمون الأصوات المُصاحبة)".

ألا نلاحظ عبثية أسلوب الساردة التي تهدف من وراء كتابتها السخرية من فكرة التضامن في حد ذاتها؟ إنها السخرية المُوجعة من أحوال العرب الذين لا يفعلون سوى التضامن الرمزي الذي لا معنى له، والبعيد كل البُعد عن التضامن الحقيقي والفعلي، إنه مُجرد تضامن الرفاهية، ومن يرغبون في الظهور بمظهر حسن فقط أمام الآخرين.

سُمح في المارثوان أن يُشارك فيه كل شيء، البشر، والحيوانات، وسيارات الشرطة، والإسعاف، وكل ما يمكن له أن يتحرك؛ لذلك تزداد السخرية في: "كذلك الميت الذي حملته سيارة إسعاف وعبرت به البلدة بصعوبة وسط الناس، بدا أنها تُشارك في الماراثون في التسجيل التليفزيوني، لكنها في الواقع كانت تسلك طريقها الوحيد نحو قرية المتوفي، لمواراته الثرى هناك، لم يكن في نيتها فلسطين على الإطلاق كما بينتها نشرة الأخبار".

إلا أن العم عقيلة صاحب السيارة الفولكسفاغن بيتيل القديمة جدا، والمُهترئة والموجودة في الشارع غير مُستخدمة منذ سنوات طويلة؛ حتى أنها كانت مرفوعة على مجموعة من الأحجار، وقد خلت من مقاعدها لتكون مرتعا للأطفال يلعبون فيها ويتخيلون أنهم يقودنها، كما دُفن نصفها السفلى بالكامل في التراب أسفلها. نقول: إن العم عقيلة قد اضطر إلى تركيب عجلات سيارته مرة أخرى ووضع القليل من الوقود فيها وتحريكها من أجل المُشاركة في الماراثون واللحاق بأبنائه وإنقاذهم من الحر الشديد حتى لا يُصابوا بضربة شمس؛ ومن ثم رأى أن يحملهم في سيارته إلى ما قبل انتهاء الماراثون بقليل فينزلون ويكملون العدو!

تكتب الساردة: "حدثنا فيما حدثنا العم عقيلة عن تجربته مع الفولكسفاغن التي دخل بها تاريخ الصراع السياسي العربي الإسرائيلي، بأن الوقود كان أحدث ما فيها، وبأنه لم يك يملك الدافع لزحزحتها من مكانها بحق، لولا دفع زوجته له من أجل الأبناء، حيث من وجهة نظرها لا ينبغي أن يموت أولادها من العدو في القبلي والحر بعد أن قاموا بالواجب تجاه فلسطين وكسروا مقاعد المدرسة، فيما إسرائيل تقبع هناك بكامل الراحة لا يحدث لها سوء، إنه منطق لا يرضي الله"!

بالفعل يفوز أبناء العم عقيلة في المراتب الثلاثة الأولى من الماراثون، وهو الماراثون الذي استمر فيما بعد لأعوام طويلة من أجل التضامن مع فلسطين والقضاء على إسرائيل: "فعليا، كان ذلك أول ماراثون للسيارات القديمة في بلدتنا تسببت به فلسطين المُحتلة وقادته الفولكسفاغن بشجاعة ونُبل (سيارة أهل الفائزين الأول والثاني والثالث). لم يتوقف الناس عن إحيائه منذ تلك الشرارة الثورية للمُحركات، رغم أن ثورة الحجارة انتهت إلى كونها مجرد طريقة مثلى لنقل الحجارة من مكان لمكان، وإسرائيل كما هي بنت كلب يتقاطر عليه الدعاء صباحا مساء من الجامع، دون استجابة من السماء. أما على المستوى التقني، فالفولكس بيتيل ما زالت تُدرب أجيالا من الناشئين على حلم القيادة واجتياز المُستحيل نحو المُستقبل، فيما الشركة الألمانية المُصنعة طورت غشها بشأن نظام الأمان البيئي، بينما رقتنا الحكومة في إحدى تحديثاتها من مستوى كمونة إلى مستوى دولة. وهذا اختصار ما حدث للقضية"!

القاصة الإماراتية فاطمة المزروعي

ربما كانت الجملة الأخيرة التي ختمت بها القاصة الليبية قصتها تحمل من البلاغة والسخرية الكافيين ما يجعلنا غير قادرين على التعليق عليها، بل التوقف أمامها مُندهشين فقط. أي أن نجوى بن شتوان كانت تمتلك في قصتها القصيرة من السخرية والبلاغة السرديين ما جعلها تلخص حال التضامن العربي مع القضية الفلسطينية بشكل يجعل حال الضحك هنا كالبكاء، لكنه الضحك الشاعر بالمهانة على الذات، وهو ما يُدلل على أن القاصة تمتلك الفكرة بشكل واضح ونجحت في التعبير الفني عنها بشكل جعل منها قصة مُتكاملة وجيدة تؤكد على عبثية ما نُطلق عليه مُساندة القضية.

في قصة "ركلة قدم" للقاصة العراقية رغد السهيل ثمة عذوبة وسلاسة وجمال سردي يميز قصتها عن الكثيرات من الساردات في المجموعة القصصية، وهي السلاسة التي تعبر فيها عن فكرتها التي تتميز بالخيال الطفولي البرئ المُمتزج بالعديد من التفسيرات الميتافيزيقية التي لا يمكن استيعابها وإن كان الارتكان إليها يجعل صاحبه في حالة من الهدوء والسلام النفسي الذي هو في حاجة ماسة إليهما.

تبدأ القاصة قصتها من قلب الحدث لتقبض عليه بشراسة مُؤكدة مقدرتها على استيعاب الفكرة التي تتبناها من دون الدخول في أي تفاصيل أو ثرثرات لا داعي لها: "ليس للملائكة أو الشياطين دور، ولا للجن أو العفاريت علاقة، كل ما في الأمر هناك قدمان تلاحقانني وتركلانني، تبرزان من جوف الأرض، ما يدفعني إلى العدو، كأني في مضمار سباق متواصل، أكون دائما في المُقدمة، والقدمان في المُؤخرة، وإن أصابتني ركلة؛ شعرت بدغدغة"، إن الكاتبة هنا تبدأ قصتها مُباشرة لتصف الحالة التي تشعر بها منذ ولادتها حتى نهايات عمرها، وتؤكد أن ثمة قدمين تطاردانها وتجعلانها تعدو لاهثة طول الوقت غير قادرة على أخذ أنفاسها اللاهثة؛ ومن ثم فهي لا سبيل لها لاجتناب هاتين القدمين سوى البقاء في منزلها لا تخرج منه، أو العدو الدائم واللاهث أمامهما!

ربما نلاحظ الدقة الوصفية لدى الكاتبة، وهو ما يُدلل على بلاغة السرد لديها، في: "كلما غادرت بيتي وتدفأت الأرض تحت قدمي تفتقت وانشقت، وشعرت بركلة من خلفي، تارة يمينا وتارة يسارا، التفتّ مرة لأرى ما يحدث، فوجدت قدمين حافيتين تمزقان جوف الأرض، تظهران سريعا بزاوية مائلة، إبهامهما حاد، ظفره أشبه بناب، يرتفعان ويركلانني! وما أن تبرز القدم الأولى حتى تلم الأرض مكان بزوغه، ليعود يدخل إلى باطنها من شق جديد ثم يختفي، فتبزغ القدم الثانية من شق تالٍ، وهكذا دواليك، تتشقق الأرض وتلم الشق السابق بنفسها، بلا معونة أحد، أشبه بماكينة خياطة تسرع بريافة فتحات القماش، وكلما خاطت فتحة فتحت أخرى بعدها، تلك هي المرة الوحيدة التي رأيتهما، ولم أعد المحاولة، فلست ممن يضيعون الوقت بالالتفات خلفهم، ولست مُضطرة للتوضيح لأحد نظرية ركل الأقدام".

ألا نلاحظ في هذا الاقتباس السابق دقة الوصف لدى الكاتبة، وهي الدقة والاهتمام بالتفاصيل الوصفية الدقيقة اللتين تحملان الكثير من السلاسة النابعة من امتلاكها للغتها الوصفية؟ لا يمكن إنكار أن السلاسة الوصفية لدى الكاتب هي من أهم الأدوات التي تستطيع إيصال المعنى بسهولة، بل وتجعل القارئ مُنجذبا للنص الأدبي الذي يقرأه غير قادر على الفكاك منه إلا حينما ينتهي تماما، وهو ما نجحت الكاتبة العراقية فيه.

تنتقل رغد السهيل إلى الحديث عن حياتها حينما كانت لم تزل في بطن أمها جنينا يسبح مُطمئنا للعالم الذي يحيطه، ثم تتحدث عن المرأة التي جاءت من أجل توليد أمها، وكيف أنها أزعجتها كثيرا راغبة منها في أن تنام على رأسها بدلا من قدميها؛ الأمر الذي جعلها تركلها عدة ركلات راغبة أن تصيبها في وجهها لتبعدها عنها، لكن الركلات أصابت بطن أمها التي توجعت؛ مما جعلها تكف عن الركل، لكنها حينما نامت قليلا واستيقظت وجدت نفسها قد خرجت من بطن أمها، ولعل الحديث عن حياتها كجنين في بطن أمها كان حديثا يحمل الكثير من الذكاء، وعدم الانفصال عن النص الذي كان يفضي كل سطر فيه إلى ما يليه، أي أن الحديث عن حياتها في بطن أمها كان ضرورة لا بد منها أفضى إليها حديثها السابق عليه: "كثيرا ما تساءلت: لماذا تطاردني هاتان القدمان، ماذا تريدان مني؟ وهل الأرض حبلى بكائن مقلوب يظل يركل بطن أمه كما فعلت يوما ببطن أمي؟ وهل هذا الكائن مقلوب حقا أم يعتمد على موقع الناظر؟".

إذن، فحديثها عن القدمين اللتين تخرجان من باطن الأرض وتخيلها بأنها جنين في بطن أمه كان داعيا موضوعيا للانتقال والحديث عن حياتها هي في بطن أمها وركلها لبطن الأم حينما كانت في عالمها الذي يخصها، وهو ما يُدلل على سلاسة الانتقال السردي وذكائه حينما ينتقل السارد من موضوع إلى آخر من دون وجود أي انفصال موضوعي أو سردي بين الفقرات والأفكار.

تمر السنوات وتكبر الساردة في القصة ولم تعد تحتمل ركلات القدمين اللتين تركلانها؛ الأمر الذي جعلها تلتزم بيتها لا تخرج منه، لكنها في يوم شعرت بالاشتياق للخروج إلا أن الأرض كانت تنفتح على العديد من الأقدام وكأنها تحولت إلى أخطبوط هذه المرة: "ما أن خطوت خارج بيتي حتى تفتقت الأرض ثم تصدعت خلفي، وتوالت عليّ الركلات واحدة تلو الأخرى، لم أتمكن من إحصائها، في المرآة بدت أشبه بأذرع أخطبوط، أخطبوط لعل رأسه في جوف الأرض، وتمتد أذرعه وتتعدد خارجها، وكل ذراع يركلني!". هنا تقرر الساردة البقاء في منزلها وعدم الخروج مرة أخرى، لكنها توصي الجميع ألا يدفنونها خارج المنزل؛ حتى لا تركلها الأرض كالعادة، بل تطلب منهم أن يدفنونها في الداخل؛ كي تظل هي التي تركل بقدميها مثلما كانت تفعل في بطن أمها.

القاصة السورية عبير خالد يحيى

إذن، فالكاتبة تحمل قدرا لا يُستهان به من الثراء الخيالي، وهو الخيال الطفولي الذي جعلها تصوغ قصتها بشكل فيه من السلاسة والإقناع- رغم عدم عقلانية الحدث- ما يجعل القارئ مُنجذبا إليها حتى اللحظة التي تختتم فيها قصتها.

في قصة "رحلة" للقاصة السورية عبير خالد يحيى ثمة إيهام تحرص عليه الكاتبة منذ اللحظة الأولى في قصتها ولا تحاول فك ألغاز هذا الإيهام وإيضاحه إلا مع الجملة الأخيرة من قصتها، أي أن الساردة هنا تتلاعب بالقارئ وتوغل في إيهامه بالرحلة التي اختارتها عنوانا لقصتها؛ ليتبين لنا في النهاية أنها لم تكن رحلة بل مُجرد لعبة في مدينة الملاهي.

منذ الجملة الأولى في القصة التي تدخلها القاصة مُباشرة؛ مُختصرة الكثير من الثرثرة ببلاغة السرد والحذف يسيطر على القارئ اعتقاد بأن ما تقصه القاصة مجرد رحلة في مركب ما لأم وابنتها تحاولان الهروب من شيء ما، ربما الحرب- بما أن القاصة سورية- فتكتب مع افتتاح قصتها: "خائفة؟ سألتها باذلة جهدا كبيرا لأخفي رجفان لساني كيلا يفضح رعبا ملأ نفسي. تلفتت إليّ محاولة رسم ابتسامة بدا واضحا أنها قناع واقٍ تخفي به أعراض الهلع، أنا أصلا أخاف من الأقنعة مهما كانت مُنمقة! لا أبدا، أجابت باقتضاب، أمام نظرتي غير المُصدقة استأنفت: نعم خائفة قليلا مثلك، لكن سنخوض التجربة، إن لم نُجرب الخوض فيما نخاف منه سنبقى خائفين من مجهول إلى الأبد! صدمتني بقولها! أعرفها عميقة رغم صغر سنها، لكن تدهشني دائما ألفاظها"، إذن فنحن هنا أمام أمر ما ستقبل عليه كل من الأم والفتاة. تستطرد الكاتبة هنا في وصف المركب الذي يركبونه، والخوف البادي على الجميع من رجال ونساء وأطفال، واستعدادهم للرحلة المُخيفة التي لا يعرفون هل سيخرجون منها أحياء أم لا؛ لذلك توغل في وصف المشهد: "حركة هبوط مُباغتة جعلتني أصرخ: هذا جنوووون، ما أقدمنا عليه ضرب من الجنون"، ومن ثم تسترسل في وصف آخر: "تواتر المركب بين صعود وهبوط مُتأرجحا بنشوة على أنغام صيحات الركاب، أظن أن حنجرتي أطلقت أقوى أصواتها مودعة عهدها بالحياة، أنا التي لم تصرخ حتى أثناء الولادة، باعتقاد سخيف بأن ذلك عيب! أغمضت عيني كي أركز كل قواي بمنطقة واحدة- حبالي الصوتية- الله".

ناهيك عن الجملة الغريبة التي لا يمكن تفسيرها منطقيا في الاقتباس السابق- أنا التي لم تصرخ حتى أثناء الولادة، باعتقاد سخيف بأن ذلك عيب!- فمن أين عرفت الساردة أنها لم تصرخ أثناء الولادة، وهل كانت تعرف حينما ولدت أن الصراخ عيب كي تعتقده؟ نقول: ناهيك عن هذه الجملة فالكاتبة تعمل على التأصيل للرحلة الخطرة في المركب مع ابنتها وتوغل في تفاصيلها المُرعبة التي تأخذ بأنفاس القارئ الذي يلهث خلفها؛ لذلك حينما تنجوان من هذه الرحلة وتصلان إلى بر الأمان، كان عليهما إكمالها بالركوب في قطار: "علينا أن نتابع، القطار هو وسيلتنا الثانية، انطلق بسرعة البرق، لم نعتد في بلدنا على ركوب القطار؛ فهو ليس من وسائل المواصلات المُنتشرة".

إذن، فنحن هنا أمام رحلة أم وابنتها في رحلة من الهروب الدائم ربما من ويلات الحروب ودمائها؛ الأمر الذي يجعلهما يستقلان العديد من وسائل المواصلات التي يريانها مُخيفة، وهو الخوف الذي تحرص على وصفه وتأكيده في العديد من المشاهد السردية حينما يدخل القطار نفقا مُظلما مُغلقا وتصعد منه فتاة عشرينية مُهترئة الملابس وقد غطاها الكثير من التراب. حينها تلتفت إليها الأم باهتمام: "بادرتها: منذ متى أنت هنا، وماذا تفعلين؟ من أنت؟ لم ترد على سؤالي بل أشارت بإصبعها إليّ وكأنها تقول لي باتهام صريح: أنت. نكزتني ابنتي نكزات مُتكررة أوجعتني: هيا أمي، Game is Over خبرنا الخوف وواجهناه، في المرة القادمة سنجرب ألعابا أخرى، كم حرمت نفسي من مُتعة اللعب بمدينة الملاهي!".

العراقي الدكتور عزمي الصالحي

إن المقطع السابق الذي أنهت به القاصة السورية قصتها يحمل من المُفاجأة القوية للقارئ ما يجعله يتخلى عن جميع أفكاره وظنونه التي وردت إلى ذهنه أثناء القراءة؛ ليعود للقراءة من البداية مرة جديدة وقد ارتكن إلى أفكار مُختلفة عرف من خلالها أنها قصة لأم وابنتها في الملاهي، وبالتالي سيكون تركيزه هذه المرة على وصف الكاتبة للحدث ومدى مصداقيته، حيث كان تركيزه السابق في المرة الأولى على الحدث المُرعب نفسه الذي تمر به الأم وابنتها من أجل فرارهما من شيء ما غامض.

في قصة "دولاب مُعتم" للقاصة المصرية نهلة كرم يتجلى لنا ثراء الخيال السردي ومقدرته على تشييء الأشياء وأنسنتها وإلباسها ثوب الحياة لتنطق وتتحدث وتشعر- رغم عدم منطقية ذلك- وتدلو برأيها فيما حولها رغم أن الكاتبة تعتمد على حدث استاتيكي لا حركة فيه، أي أنها تتوقف بفكرتها عند درجة الصفر لا يمكن لها أن تتعداها، ورغم صفرية الحدث- إذا جاز لنا التعبير- فإنها برعت في تحريكه وإنطاقه وبناء عالم سردي من وحوله لجعله مُتحركا مُفعما بالكثير من الحياة.

يبدأ الحدث القصصي على فتاة تفتح دولاب ملابسها لانتقاء ثوب وارتدائه، لكن هاتفها المحمول يعلو صوته؛ فتسرع إليه تاركة دولاب ملابسها مفتوحا، وهنا يدور حوار طويل ومُتذمر من جميع قطع الملابس المُعلقة داخل الدولاب، لتشكو كل قطعة منها من إهمالها لها وتوضيح آخر مرة قد رأت فيها الضوء منذ آخر مرة ارتدتها فيها صاحبتها فنقرأ: "فتحت الفتاة دولابها ووقفت تنظر لملابسها قليلا، قبل أن يرن هاتفها ذهبت لتحضره من خارج الغرفة دون أن تسمع الأصوات المُتهامسة التي كانت تتصارع خلفها، صرخ المعطف: هذا يومي، لم أر الشارع منذ فترة طويلة جدا. قاطعه الجاكيت: كلانا أبيض، فلماذا ترتديك وتتركني؟ قالت الجيبة القصيرة في حسرة: أناسب كليكما، ومُستعدة أن أخرج مع أي منكما، لكنها لم تعد ترتديني كثيرا، تقول: إنني أصلح فقط في بعض الأماكن النظيفة، ويبدو أنها لم تعد تذهب إلا إلى هذه الأماكن التي ترفضني، فلماذا لا ترتديني ثم تغسلني حين أتسخ؟ أجابها السروال: تفضلني عنك، لأنك تتسببين في أن يمسها بعض الرجال بأيديهم المُتسخة كلما ارتدتك، أما أنا فأحميها منهم. استفزها رد السروال؛ فقالت له: لكنك تتسخ أيضا، فلماذا لا تغلسني مثلما تغسلك؟ نطق الجاكيت ليفصل بينهما: ربما بقع تلك الأيدي لا تُنظف بسهولة مثل البقع الأخرى".

تستمر نهلة كرم في استنطاق ملابسها وجعلها تشعر وتحزن وتبدي اعتراضها؛ فيتحدث البلوفر الذي ثقبه أحد المسامير، وسروال آخر قد ضاق على خصرها، ويؤكد أنها هي المُخطئة لأنه لم يتغير منذ تم تخييطه، بل هي التي باتت سمينة، إلى أن يتحدث الفستان الأحمر متأثرا: "جميعكم تتذمرون رغم أنكم خرجتم كثيرا، أما أنا فلم أذهب إلى الخارج ولو مرة واحدة منذ أن جئت إلى هنا، كانت سعيدة وهي تقيسني في بروفة المحل، أخبرت صديقتها أنها ستشتريني حتى ترتديني حين تخرج في سهرة معه، لكني لم أر الشارع مرة واحدة بعدها، ولم أر حتى هذا الذي اشترتني من أجله. أتت بي من فوق المانيكان التي أحببتها، والتي طالما تندرت معها على السائرين أمام زجاج المحل طوال اليوم لتلقي بي هنا داخل هذا الدولاب المُعتم".

ألا نلاحظ هنا أن السرد قادر على خلق عالم مُتكامل من الحياة رغم أن الشخصيات جميعها مجرد مجموعة من قطع الملابس؟ ورغم أنه لا يوجد حدث فعلي في القصة إلا أن حديث الملابس يصنع العديد من الأحداث التي لم نكن نعرفها ولا مجال لمعرفتها إلا من خلالهم؛ فمن خلال الحديث عرفنا أنها قد باتت بدينة، وأنها كانت تمارس الرياضة لكنها توقفت عن ذلك، وأنها كانت لديها علاقة عاطفية مع أحدهم ولكن يبدو أنهما قد افترقا، وأن ثمة حزن ما وكبير في حياتها حينما نقرأ خاتمة قصتها: "وحده المعطف الذي لم ينطق بكلمة طوال الحديث السابق، كان يعرف لماذا صارت الفتاة ترتديه في الآونة الأخيرة، لكنه لم يخبرهم حتى يظل مُتباهيا أمامهم بتفضيلها له عليهم، سيحتفظ بالحقيقة التي يعرفها حتى بعد أن تتوقف عن ارتدائه وتعود مرة أخرى لارتداء باقي الثياب، أبدا لن يقول لهم: إن ألوانهم لا تصلح الآن لحزن بحجم الموت، ولن يبشر السروال الذي ضاق بأنها سوف تعود لارتدائه بعد أن صغر خصرها مرة أخرى، منذ أن فقدت شهيتها، كما لن يخبر الفستان الأحمر أنه لن يرى هذا الشخص الذي جاء من أجله.. أبدا".

القاصة العراقية رغد السهيل

إذن، فالقاصة نهلة كرم تُدرك جيدا وبمهارة كيف تبني قصتها التي لا حدث فيها وتكسبها الكثير من الأحداث من خلال أنسنة الأشياء واستنطاقها وجعلها تتذمر وتعترض وتشعر، وهو ما جعل هذه القصة القصيرة التي لا حدث فيها من القصص المُكتملة والنموذجية؛ لمقدرتها السردية وخيالها الثري اللذين أتاحا لها مثل هذا اللون من أشكال السرد القصصي.

في قصة "وجه أرملة فاتنة" للقاصة الإماراتية فاطمة المزروعي نلاحظ اهتمام القاصة بالأفكار الاجتماعية المُتعفنة التي تسيطر على المنطقة العربية بالكامل، واعتقاد الجميع بأن المرأة الوحيدة، أو المُطلقة، أو الأرملة هي مجرد خاطفة للرجال؛ الأمر الذي يجعل الرجال طامعين فيها بأي شكل باعتبارها امرأة مُنفلتة اجتماعيا وأخلاقيا، في حين تراها النساء راغبة دائما في خطف أزواجهن وأن تكون محلهن في علاقتها برجالهن؛ ومن ثم يناصبنها الكثير من العداء والحقد، والرغبة في التخلص منها.

تعبر القاصة عن فكرتها بسلاسة لغوية عذبة، واقتحام السرد منذ السطر السردي الأول حينما تكتب: "منذ الصباح الباكر تفتح باب شقتها، تمسك بيديّ الطفلتين بكل حب، تترصدها بمزيج من الحسد والضيق، كل شيء فيها يفتن، إذا كنت، وأنا امرأة، أقف حائرة أمام تمايل هذا الجسد الطري، والنهدين، آه، إنهما يتحركان بتناسق غريب، جميل، فيهما الكثير من الإغراء، لا أدري سبب ارتفاعهما بهذه الطريقة، ربما لأنها ترتدي نوعية جيدة من "الستيانات" التي تغري بها الرجال".

ربما نلمح في الاقتباس الذي افتتحت به القاصة قصتها أن هذا التغزل بالأرملة التي تقطن البناية يأتي من قبل امرأة مثلها، أي أنها تركز على جمالها، وفتنتها، وجسدها، ونهديها، بل هي تتابعها في كل تحركاتها وسكناتها. حينما تخرج، وحينما تعود من عملها، وتبدأ في تخيل لقاء الأرملة على السلم مع زوجها الذي تقترب منه بصدرها العالي المثير؛ الأمر الذي يجعلها تخرج إلى السلم لمُراقبة الأرملة خوفا من أن تخطف منها زوجها. لا يتوقف الأمر على ذلك فقط بل تتخيل المرأة- المُراقبة- أن ثمة علاقة ما قد نشأت بين الأرملة وبين طالب الثانوي الذي يسكن في البناية المُجاورة، حتى أنها تخبر زوجها بذلك؛ فيبدأ في لومها من تلصصها على المرأة مُؤكدا لها أن طالب الثانوي في البناية المجاورة من أصل طيب وأخلاق عالية، لكن الكلام والتخيلات لا يظلان داخل شقة المرأة المُتلصصة، بل يبدأ تداوله بين جميع نساء البناية؛ الأمر الذي يجعل المُطلقة مجرد موضوع يلوكونه ليل نهار. هنا تتخيل المرأة المُتلصصة بأن ثمة علاقة فعلية قد نشأت بين طالب الثانوي والمُطلقة حتى أنها تراهما عاريين مُتعانقين من خلال نافذته، وهو الأمر الذي يجعل جميع نساء البناية يتلصصن عليهما وعلى علاقتهما الجسدية الناشئة.

هذه الظنون التي تدور في أذهان النساء تجاه غيرهن من الوحيدات تجعلهن دائما في موضع الاتهام وكأن وحدتهن محض جريمة لا بد أن يحاسبن عليها، وهو الأمر الذي برعت فيه المزروعي حينما وصفته وعملت جاهدة على تعميقه ببلاغة سردية ووصفية فنية عالية؛ لتقول في نهاية قصتها: "وفي ليلة صيفية، فوجئنا بجارتنا الأرملة ذات الوجه الفاتن تجرجر طفلتيها، وفي يدها حقيبة سوداء كبيرة، وتوقف سيارة أجرة تستقلها، وهي تُطلق سبابا عاليا. تركت رأسي على المقعد، ارتشفت القهوة في عصبية، وبطرف عيني لمحت ظل الجسدين المُتعانقين"!

إن الاقتباس الذي أنهت به القاصة قصتها هنا يحمل الكثير من الإحكام والبلاغة السردية، أو ما يمكن أن نُطلق عليه المُعادل الموضوعي في القصة القصيرة؛ فها هي المرأة المُطلقة المُتهمة من قبل الجميع لدرجة أنها لم تعد تخرج من باب شقتها بسبب توجيه العديد من الاتهامات لها وقذفها بالكثير من الكلمات بشكل علني قد ضاقت بما يدور من حولها، وكرهت أن تكون دائما موضع الشكوك الأخلاقية والاجتماعية؛ الأمر الذي دفعها لمُغادرة البناية، ولكن رغم رحيلها فإن المرأة المُتلصصة، التي كانت السبب في كل ما حدث، ترى من خلال النافذة نفس الجسدين المُتعانقين في بناية طالب الثانوية؛ مما يؤكد شيئا من اثنين، إما أن المرأة المُتلصصة تتجلى أمامها ظنونها وهلوساتها الدائمة بشكل واقعي، وهذا هو الأرجح، أو أن الطالب لديه علاقة بامرأة ما لا علاقة لها بالمرأة المُطلقة، لكن المرأة المُتلصصة التي تشعر بالغيرة والحسد منها تظن أن علاقة الطالب لا بد أن تكون بالمرأة الوحيدة المُطلقة.

لا تهم الظنون كثيرا في هذه القصة المُحكمة والبديعة بقدر مقدرة الكاتبة من خلال لغة عذبة وسلسلة، وخيال خصب على تجسيد الأمراض الاجتماعية التي تعاني منها مُجتمعاتنا العربية والتي ترى دائما في أي امرأة وحيدة مُجرد امرأة سيئة السُمعة.

القاصة العُمانية هدى بنت حمد

في قصة "حبة الرمان" للقاصة العُمانية هدى بنت حمد تبرع القاصة فنيا في إيضاح أن التقاليد الاجتماعية والأفكار المُسيطرة على العوام من الناس من المُمكن لها أن تؤدي بهم في النهاية إلى التجني على حياة أقرب الناس إليهم بسبب أفكارهم ومُعتقداتهم البالية الغارقة في الأسطورة والوهم والجهل.

فثمة فتاة في الرابعة عشر من عمرها استيقظت ذات صباح لتُفاجأ بحبة حمراء على شفتها السفلى في حجم وشكل حبة الرمان، وأن هذه الحبة تشعرها بالكثير من الثقل وكأنها ذبابة تستقر على شفتها. تقلق الأم قلقا كبيرا وتنقل قلقها لزوجها الذي يصرّ على الذهاب بابنته إلى العالم الذي يعرف شيئا عن كل شيء، لكن الزوجة ترغب في الذهاب بابنتها إلى الطبيب، وهناك يؤكد الطبيب أنها تبدو وكأنها وُلدت بها وأن الأمر غريب؛ مما دفع الأم للرضوخ لرغبة الأب في الذهاب بالفتاة إلى العالم الذي يعلم شيئا عن كل شيء، وهناك تكون فاجعة الأفكار والهلاوس الاجتماعية: "بعد فحص طويل لحبة الرمان قال العالم: الأمر خطير، خطير للغاية. فزع الأب، وطار عقل الأم، وتنهدت البنت في مكانها. قال العالم من دون أن يرفع بصره إليهما: لا تظهر هذه الحبة على شفة أي فتاة إلا إذا.. إلا إذا كان هنالك من يشتهي تقبيلها من أهل الإنس أو الجن. نفض العالم رأسه أكثر من مرة: أعوذ بالله، أعوذ بالله. انتشرت القصة في القرية، تداول الناس حكاية حبة الرمان والقُبلة، وحبس الفتاة في الغرفة. لم يتمكن الأم والأب من مُغادرة البيت لقضاء حاجياتهما المُعتادة. فهذا يلكز بكلمة، وتلك تشير بغمزة ماكرة، والبعض الآخر كانوا أكثر خبثا إذ نشخ حبات الرمان أمام باب بيتهما. تفتح الأم الباب على ابنتها، تراقب حبة الرمان التي تزداد حُمرة كل يوم ولا أمل يلوح بزوالها، يدخل الأب في ساعات الظهيرة ويشبعها ضربا: قولي لي، هل هنالك من رغب في تقبيلك حقا، من هو، من؟ تدمع عين البنت، وتنتفض في مكانها ولا تنبس بكلمة".

نلاحظ من خلال الاقتباس السابق مقدرة القاصة البديعة على توصيف الحالة الاجتماعية الأسطورية التي يعيش فيها أبناء القرية الذين يصدقون أحد الرجال المشعوذين بأن ثمة من يرغب في تقبيل الفتاة؛ الأمر الذي يجعل جميع أهل القرية يتحدثون عن الفتاة بالسوء والنظر إليها نظرة شائنة أخلاقيا هي وأبويها، بل إن موقف الأبوين مما أصاب ابنتهما لا يمكن تصديقه حينما حبساها في غرفتها، بل وبات أبوها يضربها يوميا للاعتراف على ذنب لا تعرف عنه شيئا.

تصف القاصة حالة البنت التي كانت ترى رفيقاتها من البنات يلعبن في الخارج فتبكي محسورة على أمرها، وتمنيها أن تتحول إلى دودة لتستطيع الهروب من الغرفة. لكن الأب لا يكتفي بضرب الفتاة بل يدخل غرفتها وفي يده موس حلاقة راغبا في قطع حبة الرمان من شفة ابنته السفلى؛ ليتخلص من العار الذي حلّ بهم بسببها؛ فتستسلم الزوجة والفتاة لرغبته صامتتين وتبدأ الفتاة في النزيف الغزير، لكنه يؤكد أنها في الصباح ستكون بصحة جيدة وسينتهي كل هذا الكابوس الذي يعيشون فيه. هنا تكتب القاصة: "يدان دافئتان تمسكان بيدي البنت في الظلمة، فتحت عينيها ببطء، كان ثمة وجه شاب ضاج بالحياة قبالة وجهها، لم تتبين ملامحه جيدا، لم يُفلت يديها من يديه، رفع جذعها إليه، جلس في الجهة المُقابلة لها تماما، غرس شفتيه في شفتيها، عض حبة الرمان التي عاودت الالتئام بعد شطرها بموس الحلاقة، عضها بقوة، ولم تشعر البنت بالألم، كان كمن يمتص دم الذبابة الضخمة الماكثة دون حراك فوق شفتها، لم يمسسها الشاب بسوء، ترك يديها، اكتفى بقبلته وغادر الغرفة. مررت البنت طرف سبابتها فوق الشفة السفلى، لم تكن هنالك حبة رمان هذه المرة. في صباح اليوم التالي عادت الحياة كما كانت، الشمس ساطعة، المارة يلقون التحية بمحبة، كل شيء كما هو باستثناء البنت التي لم تعاود الصحو مرة أخرى!".

إن القاصة العُمانية هدى بنت حمد كان لديها من الموهبة والإحكام ما جعلها تستغرق في توصيف الجهل والأسطورة اللذين يحيا فيهما مُجتمعها، وهي الأسطورة التي جعلت الأب يقتل ابنته بما فعله باستخدام موس الحلاقة ظنا منه أن هذا الفعل من المُمكن له أن يخلصه من العار الذي أحاط به وبابنته، رغم أن الفتاة لم تفعل أي شيء مما يستحق العقاب، أو الحبس والعار الذي يشعر بهم.

القاصة المصرية نهلة كرم

إن المُختارات القصصية التي قامت بجمعها الكاتبة الأردنية أنعام القرشي تستحق الكثير من التأمل والتحليل، لا سيما أن الغالبية العظمى من قصص المجموعة تتميز بالكثير من الخيال الجيد، واللغة السردية المُتمكنة والمُحكمة من قبل العديد من الكاتبات اللاتي بلغن في عددهن 77 قاصة من جميع الدول الناطقة بالعربية. صحيح أن مُعظم هذه الكاتبات غير مشهورات، لكن الموهبة، في الغالب الأعم، لا علاقة لها بشهرة صاحبها؛ فثمة الكثيرين من المشهورين في جميع أقطار المنطقة العربية وهم لا يستحقون هذه الشهرة، ولا يمتلكون شيئا بسيطا من هذه الموهبة التي تتميز بها الكثيرات من الكاتبات اللاتي هن في حاجة ماسة من أجل تسليط الضوء النقدي والإعلامي عليهن لإعطائهن فرصتهن الحقيقية ولجعلهن يتصدرن الساحة الأدبية ويقدمن إنتاجهن الفني الجيد بدلا من العديد من الأسماء التي تم تكريسها رغم فراغها وخوائها الكامل من الموهبة بسبب الكثير من الفساد الثقافي الذي نعيشه.

صحيح أن ثمة قاصات في هذه المجموعة تتميز قصصهن بالرداءة، وأخريات يقفن في منزلة وسطى بين الرداءة والجودة، لكن كاتبات المجموعة في الغالب الأعم منها يتميزن بالثراء الخيالي والموهبة الحقيقية التي لا بد من الالتفات إليها، ولولا العدد الضخم الذي ضمه الكتاب من الكاتبات وقصصهن لكان من الأحرى بنا التوقف أمام قصصهن جميعا بالتحليل والنقد والتقديم.

إذن، فالمجموعة القصصية "مرايا قصصية" التي قامت بتجميعها الكاتبة أنعام القرشي تستحق الكثير من الدراسة النقدية؛ لأنها تضم بين دفتيها كنزا أدبيا حقيقيا يخص النساء الكاتبات في المنطقة العربية، وهو الكنز الذي لو تم تسليط الضوء على كاتباته لتغير وجه الأدب العربي كثيرا نحو الأفضل بدلا من المُستنقع الثقافي الذي نحيا فيه منذ فترة طويلة.

 

 

محمود الغيطاني

مجلة عالم الكتاب.

عدد سبتمبر 2020م.