السبت، 26 مارس 2022

علبة السعادة.. مواجهة قُبح العالم بالمُوسيقى!

كثيرة هي الأعمال الإبداعية التي تحاول تأمل قبح العالم من خلال السياسة، والديكتاتوريات، والحُكم الشمولي، والأيديولوجيات المُتشددة التي تسود العديد من دول العالم، لا سيما دول الشرق الأوسط، سواء على مستوى الرواية، أو السينما، أو غيرهما من المجالات الفنية المُختلفة- رغم أن هذه الأمور ليست حكرا على دول الشرق الأوسط فقط، بل رأيناها لدى دول أوروبا الشرقية، والاتحاد السوفيتي السابق، وغيرهما من دول العالم- لكن، بما أن مجال الإبداع يختلف كثيرا عن الواقع المعيش، أو بمعنى أكثر وضوحا: ليس كل ما نحياه من أحداث من المُمكن لنا نقله إبداعيا كما حدث على أرض الواقع، بل لا بد من رؤية فنية مُختلفة نستطيع من خلالها تناول هذه الأحداث، وأسلوبية خاصة يستطيع من خلالها المُبدع نقل ما حدث إلى عالمه الفني- أيا كان الوسيط الذي ينقلها من خلاله- فليست كل الأعمال الفنية التي تتحدث عن هذا القبح السياسي، أو الشمولي تتميز بالفنية والعمق، بل رأينا منها العديد من الأعمال التي نحت باتجاه المُباشرة الفجة، والسطحية، وربما السذاجة أحيانا؛ لعدم مقدرة المُبدع على هضم الحدث السياسي جيدا، وإعادة تمثله بشكل فني يتناسب مع السرد الإبداعي في أي مجال من مجالاته.

رأينا هذا، على سبيل المثال، في مجال السينما من خلال فيلم "البريء" للمُخرج عاطف الطيب 1986م الذي مال بالفيلم إلى المُباشرة رغم أهمية موضوعه الذي يتناوله، وغيره من الأفلام التي أفسدها الموضوع السياسي لعدم مقدرة مُخرجها على تناوله من خلال رؤية فنية عميقة، وأسلوبية خاصة. وفي المجال الأدبي، كذلك، كانت هناك أعمال مُهمة- رغم مُباشرتها واستغراقها في السياسة- مثل "شرق المتوسط" للروائي السعودي عبد الرحمن منيف، أو "وراء الشمس" للروائي المصري حسن محسب، وغيرهما من الأعمال الروائية التي اهتم فيها الروائي بتناول السياسة، والحُكم الشمولي، والديكتاتوريات من خلال نسيج فني، لكنه وقع- رغما عنه- في إطار المُباشرة التي تجعله ينقل الواقع كما هو تماما؛ فيُحمّل العمل بشيء من السذاجة غير المقصودة! أي أننا نستطيع القول: إن تناول الأمر السياسي في الأعمال الفنية يضعها على المحك، ويجعلها أعمالا على الحافة، كرجل يسير على حبل مشدود، فإما أن ينجح في الوصول، أو يسقط في الهاوية، وهو الأمر الذي يجعل تناول الفن للسياسة محفوفا بالمخاطر الحقيقية التي قد تنسف فنية العمل إلى تمثل الواقع كما هو، وهو الأمر الذي لا يستقيم مع العملية الفنية.

لكن، هل معنى هذا الحديث أننا يجب علينا عدم تناول السياسي، والشمولي في العمل الفني؟

لا يمكن الجزم بهذا الأمر؛ لأننا إذا ما حاولنا الذهاب إليه نكون قد خالفنا الحقيقة، لا سيما حقيقة الفن القادر على تناول أي شيء من المُمكن له أن يحدث من حولنا على أرض الواقع، لكن الأهم هنا هو كيفية التناول في النهاية، وليس ماهية الحدث؛ فالحدث من المُمكن لأكثر من مُبدع تناوله مهما كان، لكن الآلية والكيفية والأسلوبية، هي اللب في عملية الخلق الفني التي قد تقترب بالعمل الإبداعي من الفن، أو تبتعد به إلى المُباشرة، والسطحية، والسذاجة.

هذه التأملات في فنية العمل الإبداعي، لا سيما الرواية، وتناوله للأمر السياسي الذي قد يبعده إلى درجة كبيرة عن الخيال- الذي يُعد لُب العملية الإبداعية- هي ما كانت تدور في ذهننا أثناء قراءة رواية "علبة السعادة" للروائي الليبي محمد الأصفر؛ فالأصفر يتناول الأمر السياسي في عهد الرئيس الراحل مُعمر القذافي من خلال عالم شديد الخصوصية، مُغرق في الخيال، والفنية، والأسلوبية التي تخصه وحده، حتى أنه نجح في أنسنة كل شيء من حوله، واستنطق الموجودات، والجمادات ليكسبها روحا فنية تتميز بالكثير من المشاعر؛ ومن ثم نجحت إلى حد بعيد في خلق عالم إبداعي رغم انغماسه حتى النخاع في السياسة، إلا أننا لا يمكن لنا الشعور بذلك؛ نظرا لمقدرته السردية على تحويل السياسي إلى فني من خلال لغة خاصة هادرة في انسيابيتها، شديدة السلاسة في عذوبتها وبساطتها في آن.

هذه السلاسة والانسيابية اللغوية، التي يتميز بها النص، هي ما نُلاحظه للوهلة الأولى في العمل الروائي حينما نقرأ: "كل يوم أركل علبة المياه الغازية الفارغة، آخذها في جولة بني غازية، لا يهمني إن تعبت من الركل والركض أمامي، في النهاية ركلي لمصلحتها؛ إنه تدريب لها، قد تُشارك ذات يوم في اختراق ضاحية عالمي للعلب وتتوّج بالسباق وآنذاك ستدعو لي من وسط قلبها لأني لم أتركها لسيارة تدوسها تساويها بالأرض، أو لمريض ربو، أو مُدمن قات يستعملها كمبصقة"، ربما نُلاحظ هنا مقدرة الأصفر على السرد بلغة بسيطة سلسة لا تنحو بها نحو الابتذال بقدر ما تُميزه بأسلوبية تخصه وحده في كتابة العمل الروائي، هذه اللغة سنتبين من خلالها مقدرته، كذلك، على الالتفات، أثناء السرد، إلى أمور أخرى تعترض سرده فيتتبعها، وسُرعان ما يعود إلى الموضوع الذي كان يتحدث فيه وكأنما التفاته السابق مُجرد جملة اعتراضية سريعة لم تؤثر فيما كان مُستغرقا فيه، ولنتابع الاقتباس السابق حيث يكتب: "أركل علب المشروبات ما بين الثالثة والرابعة بعد الظهر حين تكون البلاد فارغة من الزحمة، فالطلبة والموظفون يكونون قد عادوا إلى بيوتهم يتغدون ويتمتعون بغفوة القيلولة، أدخلها بركلة دقيقة إلى السوق الطويل المسقوف الذي يبدأ من شارع بوغولة أمام الفندق البلدي بني غازي وينتهي في شارع عمر المُختار حيث ميدان البلدية، سوق طويل دكاكينه تُقابل بعضها البعض، وخلف الدكاكين مساكن وشقق ومعامل حرفية متنوعة، كان السوق عامرا جدا، مليئا بالبضائع الجيدة التي يستوردها التجار من أوروبا وآسيا وأمريكا، ملابس عطور ساعات أحذية مواد منزلية تُحف أجهزة إليكترونية، المرور عبر السوق من بدايته إلى نهايته مُتعة لذيذة يحرص كل من يزور بني غازي على تذوقها. وقت الصلاة يرتفع الأذان، وآنذاك لا يقفل التاجر دكانه، إنما يعرّض في مدخله عصا مكنسة فيعرف الزبون أن صاحب المحل يصلي. كانت التجارة مُباركة، والثقة متوفرة بين البائع والشاري، بل إن تجار سوق الجريد والظلام يستوردون بواخر كاملة مليئة بالبضائع بواسطة التليفون، فالإيطاليون، واليونانيون، والإنجليز، والفرنسيون، وحتى الصينيون واليابانيون يثقون بهم. أركل العلبة وأهمس لها بخفوت، هل فهمت أيتها العلبة كيف أضحى هذا السوق عديم الرائحة والمذاق الآن؟ وكيف تحول إلى خرائب؟ فلا دكاكين مفتوحة، مُعظم الدكاكين مُقفلة، وبابها مطلي بالأخضر ومكتوب عليه (التجارة ظاهرة استغلالية)، ويراجع أمانة اللجنة الشعبية للاقتصاد"!

من خلال مُتابعة الاقتباس السابق سيتأكد لنا أن الأصفر لديه المقدرة السردية على الالتفات إلى أمور أخرى قد تعترض السرد؛ فالحديث الرئيس كان عن ركله لعلبة السعادة/ الكوكاكولا حتى يصل بها إلى البحر مرورا بالمدينة والسوق، ولكن لأن الروائي يرغب في إعطائنا المعلومة عما صار إليه حال الأسواق في ليبيا في عهد القذافي وحُكمه؛ فلقد لجأ إلى هذا الالتفات الذي لا يمكن لنا أن نلمح فيه القصدية في إعطاء المعلومة، بل جاءت بانسيابية باعتبارها من متن السرد، لا نبو فيها ولا شذوذ، كما سنُلاحظ أنه سُرعان ما عاد إلى علبة السعادة التي أنسنها مُتحدثا إليها بحميمية حينما يكتب: "هل فهمت أيتها العلبة كيف أضحى هذا السوق عديم الرائحة والمذاق الآن؟"، أي أنه ساق ما رغب في قوله من خلال حديثه مع العلبة التي أكسبها الروح باعتبارها إنسانا يُحادثه!

هذا الحرص على أنسنة كل الموجودات من حوله وإكسابها الروح نراه في غير موضع من العمل الروائي، مثل قول ريتا المالطية لمبروك حينما كانت تحكي له عن محرقة الآلات المُوسيقية الغربية التي اقترفها القذافي في ليبيا باعتبار أن كل الآلات الموسيقية الغربية أدوات عدائية: "مشاهد لن أنساها حتى وأنا ميتة يا مبروك، أكورديون ينتفض كمن داهمته نوبة صرع، كمان لطيف ذو خصر رشيق بني اللون يتلوى مُنصهرا ولا تتبقى من خشيبات جسده سوى بعض مفاتيحه التي صارت تترمد وراءه مُباشرة، خشب البيانو الضخم يحترق بينما أصابعه السوداء والبيضاء صامدة، تحاول جاهدة أن يُطفئ بعضها بعضا، أبيضها يلتصق بأسودها ليمتص منه الحزن، أصابع قاومت النار بعناد، يبدو أنها قد نُحتت من عاج أو من مادة تقاوم الحريق، أحدهم يصرخ: هات برميل بنزين نبزّعوه هني حتى تقوى النار، نارهم تحرق الموسيقى وصياحهم الغبي التافه يحرق الأعصاب أكثر، تبا لهم، يحرقون كائنات تبث الفرح، وتنشر الحب، وتزرع السلام والخير في نفوس الناس"! علنا نلحُظ في الاقتباس السابق حرص الروائي على إكساب الجمادات للروح، والحديث عنها ككائنات حية تشعر، وتحب، وتتألم، وتسعد، وربما كانت جملة "يحرقون كائنات تبث الفرح، وتنشر الحب" خير دليل على هذه الأنسنة، لا سيما أن الروائي هنا وصفها بمُفردة "كائنات"، وليس "أشياء"؛ الأمر الذي يُدلل على وعيه الكامل لاختياره المُفردة التي توحي بالمعنى الذي يرغب في الوصول إليه، وهو أهم ما يمكن أن يتميز به الروائي، حيث يختار مُفرداته- وسيطه الأساس- بعناية لإيصال المعنى الذي يفكر فيه.

لكن، كيف يحاول الروائي الليبي محمد الأصفر استخدام لغته السردية للتعبير عن المعنى الذي يريده؟ بمعنى، هل اعتمد فقط على الدقة في اختيار المُفردات، والاعتماد على انسيابية اللغة وسلاستها، وأسلوبيته السردية الخاصة؟

لم يعتمد الأصفر على هذه الأدوات فقط في كتابة روايته، بل تعدى الأمر إلى رافد آخر شديد الأهمية، وهو استخدام تقنيات السينما في الكتابة؛ مما يجعل القارئ وكأنه يُشاهد الجمل التي يقرأها من خلال مخيلة بصرية خاصة حتى لكأنه يُشاهد فيلما يُعرض أمامه على شاشة عريضة، ومن ثم لا ينحصر الأمر، هنا، في مُجرد عملية القراءة، ولعل الروائي قد حرص على هذه المشهدية مُنذ الجملة الأولى في روايته حينما نقرأ: "ليلة صيفية دافئة، نور قمر خافت، حديقة عامة، كلانا على العشب، بيرة، عناق، ساق على ساق، موسيقى تزفرها حانات، شاطئ صخري ملتوٍ، بوجبّة، سان جليانو، سليمة، إلى آخر شواطئ بلاد فرسان القديس يوحنا، القمر يأفل، دخان، دخان، دخان، مكان قريب احترق، مستودع قرب الميناء، سوق شعبي كالذي في ليبيا، حريق صامت، لا دوّي، لا فرقعة، صوت خافت كأجيج اشتعال القش".

إن هذا المقطع/ المشهد الذي بدأ به الأصفر روايته إنما يؤكد على وعيه الكامل، ومقدرته على استخدام تقنيات السينما؛ فالجمل التي حرص على تقطيعها بمثل هذا الشكل إنما تتساوى تماما، في السينما، مع اللقطات السينمائية، وانتقالات الكاميرا لاستعراض الموجودات، حتى لكأنما القلم قد تحول في يده إلى كاميرا راصدة تعمل على استعراض كل شيء في المكان الذي هو فيه؛ ومن ثم نراها تتأمل كل شيء على حدة، وسُرعان ما تنتقل إلى شيء آخر غيره باعتبارها مُجرد لقطات تأسيسية للعالم الروائي/ المشهدي الذي يصوغه الكاتب بتؤدة ودراية حقيقية بما يفعله.

إذن، فمن خلال لغة خاصة سلسة، وأسلوبية مُختلفة، والاعتماد على تقنيات السينما، وأنسنة الموجودات حرص الروائي محمد الأصفر على صياغة روايته المُستغرقة تماما في عالم السياسة؛ الأمر الذي ساعده كثيرا في عدم الوقوع داخل فخ المُباشرة والفجاجة التي تتميز بهما العديد من الروايات التي تتناول مثل هذا الموضوع الشائك.

إذا ما كان الأصفر قد بدأ روايته بشخصية المبروك- المواطن الليبي الذي يقضي آخر ليلة له في مالطا عائدا إلى ليبيا مُصطحبا معه مجموعة من البضائع من أجل تسويقها في ليبيا- أي أنه جعل من المبروك الراوي في فصله الأول، لكنه لا يعتمد على هذه الشخصية في استكمال روايته، بل اعتمد على تعدد الأصوات/ الرواة داخل العمل الروائي؛ وبالتالي كانت كل شخصية من شخصيات الرواية تحكي قصتها، المُتشابكة مع الشخصيات الأخرى، على لسانها، فرأينا المبروك، وعبد الوهاب، ونعيم، وخضرة، وكريستينا الألمانية، وقمرة التشادية، وأمها زمزم، وزوجها إبراهيم، كل منهم يحكي حكايته المُتداخلة تداخلا عميقا مع الشخصيات الأخرى؛ الأمر الذي منحه المزيد من الحرية في السرد بسلاسة من دون التقيد براوٍ واحد قد يجعله، كروائي، غير قادر على التخلص من وجهة النظر الأحادية، وهو ما أكسب العمل المزيد من الثراء نظرا لتعدد وجهات نظر الشخصيات الروائية التي تحكي.

يبدأ الروائي بشخصية المبروك- العاشق والدارس للموسيقى- بينما هو في مالطا، والذي يشاهد إحدى الحرائق أثناء مُمارسته العشق مع حبيبته المالطية في إحدى الحدائق، وهو الحريق الذي يجعلها تحكي له ما شاهدته في التلفاز عن محرقة الآلات الموسيقية في ليبيا، ولعل الأصفر من خلال تقديم شخصيته الأولى يعمل على إيضاح تناقض الشخصية العربية العبثية في ثقافتها، أي الشخصية التي تحمل ذاكرتها الثقافية معها أينما حلت؛ ومن ثم تهتم بمُمارسة الكثير من التناقضات غير المنطقية، وهو ما نراه حينما يشتعل الحريق قرب العاشقين، فيكتب: "نار، نار، نار، علينا أن نقترب منها أكثر، بعد الحرام الذي اقترفناه مُنذ قليل، علينا أن نقوم بأعمال حلال وخير، فلنسهم يا رفيقتي، ريتا، في عمليات الإنقاذ، وفي الوقت نفسه نستعلم عن سبب الحريق بالضبط، وبعد ذلك لا مُشكلة في استئناف الضياع، فالليل طويل ويمكننا العودة مُجددا لإطفاء نهمنا أكثر، إنها الليلة الأخيرة، ليلة إفراغ النهر الطبيعي العظيم في صهريج مالطا الحنينة"!

ربما نُلاحظ- فضلا عن اللغة السردية التي تحمل دلالاتها لا سيما جملته الأخيرة: "ليلة إفراغ النهر الطبيعي العظيم في صهريج مالطا الحنينة"- أن المبروك الذي كان يمارس الجنس مع صديقته ريتا، ويتناول معها الكحول بطبيعية، يرى رغم هذه الطبيعية في مُمارسة هذه الأمور أن ما يفعله حراما- على حد قوله- لذلك فلا بد له من فعل الخير الذي سيغفر له، أو سيمحو الحرام الذي اقترفه من قبل! وهي ثقافة عربية إسلامية شديدة التناقض والعبثية؛ حيث ترى في الجنس والكحول الحرام الذي من المُمكن لنا اقترافه، لكننا سنقوم فيما بعد بالعديد من الأعمال الخيرة كي تمحو لنا الحرام الذي اقترفناه- لاحظ هنا  في الاقتباس مُفردتي الحرام والضياع في مُقابل الحلال والخير!

يحاول الروائي تغليف السياسي بالمُوسيقى وشغف الأبطال بها، ودورها الرئيس في حيواتهم حتى أنها تُحرك مصائرهم؛ لذلك نقرأ مُنذ البداية: "اللجان الثورية أحرقت الآلات المُوسيقية الغربية، حسب الأخبار لم يبق في بلادكم أي جيتار، أو بيانو، أو كمان، أو أورج، أو درامز، أو ساكسفون، أو بوق، أو ناي، أو شيلو، كل الآلات الغربية: وترية، إيقاعية، آلات نفخ، آلات مفاتيح، جلبوها من مسارحها ومخازنها ورموها في المحرقة، لقد تابعت الخبر بالتفصيل في عدة إذاعات قبل أن ألتقي بك، باعتباري عاشقة مُوسيقى فالخبر شدني جدا، جلبوا الآلات الغربية من الإذاعة، ومن معهد جمال عبد الناصر للمُوسيقى أيضا. قلت لها مُصححا: جمال الدين الميلادي، شاعر ليبي وُلد في طرابلس الغرب 1881م وتوفي في أزمير 1963م. قالت: صح، جمال الدين الميلادي، وجلبوا أيضا من المدارس كل الآلات المُوسيقية، معلمو المُوسيقى سلموا الآلات بأنفسهم لعناصر اللجان الثورية كإثبات أنهم ضد الأفكار المستوردة والفن المستورد، وبعد أن ألقوا عدة خُطب رنانة تُندد بالإمبريالية، والصهيونية، والماسونية، والشيوعية، وكثير من كلمات القاموس السياسي التي تنتهي بآية أضرموا فيها النار، وجلبوا أيضا لحضور المحرقة حافلات كثيرة مليئة بالطلبة والطالبات جعلوهم يهتفون بحياة القائد ويطزّون (طز) أمريكا بعنف وكأنها بالون يرغبون في إفراغه من الهواء"! أي أن الأمر في ليبيا مُجرد عبث لا يمكن أن يؤدي إلا إلى المزيد من العبث، فاللجان الثورية التابعة للقذافي ترى أن أي آلة موسيقية غربية مُجرد أداة عدائية للنظام؛ ومن ثم لا بد من حرقها، بل وسجن، وربما إعدام من يحتفظ بها، أو يقتنيها، فهذه الآلات من وجهة نظرهم ليست إلا غزوا ثقافيا من المُمكن أن يؤدي بالمواطن إلى الثورة على النظام السياسي، وهو العبث الذي سنراه غير مرة على طول الرواية لا سيما في قول خضرة لنعيم: "هذه الآلات الغربية مثل الخونة والرجعيين والحزبيين والمُندسين والكلاب الضالة، بل بعض فقهاء النظرية العالمية الثالثة قالوا لنا في مُحاضرات المُدرج الأخضر: إن الآلة المُوسيقية الغربية أشد خطرا من المُستعمر الغربي البني آدم؛ فالموسيقى تُخاطب الوجدان، وتؤثر فيه، وقد تُعبئ كل الشعب ضدنا، ومن هنا علينا أن نبدأ معركتنا معهم مُبكرا بتحييد سلاح الغرب المُوسيقي وتدميره حتى لا يستخدموه ضدنا"!

إنه العبث الحقيقي في فترة القذافي، وهو العبث الذي يعمل على تحميل الأشياء ما لا يمكن لها أن تحتمله، فالموسيقى وآلاتها لا يمكن أن تكون لها أي علاقة بالحروب أو العداءات، أو النزاعات السياسية، ولكن بما أن القذافي يرى ذلك؛ فلا بد من حرقها ومُحاربتها، وكأنما الرجل يحارب الهواء مثل دون كيشوت، أو يحاول اصطناع عدو وهمي ليقوم بمُحاربته!

إذن، فنحن أمام نظام سياسي فاشي مُختل لا يمكن التعامل معه بعقلانية أو أي منطقية، بل لا بد من السُخرية منه، وادعاء الموافقة باعتبار أن السُخرية سلاح في مواجهة هذه العبثية لمحاولة التغلب عليها. إن مواجهة هذا العبث بالسُخرية نراه في: "بعد عودتي من مالطا بأيام سألتني مثابة اللجان الثورية عن الجيتار فصكّيت الأزرق، وقلت لهم: لم أجده في غرفتي، ربما أُخذ إلى محرقة آلات الرجعية المُوسيقية، وأنا لا أعترض على حرقه، ومُؤمن جدا بمقولة الكتاب الأخضر، الفصل الثالث، الركن الاجتماعي من النظرية العالمية الثالثة " إن الشعوب لا تنسجم إلا مع فنونها وتراثها"، وحول اختياري لدراسة النوتة الغربية، قلت لمنسق المثابة الثورية بالمعهد: لا بد أن ندرس مُوسيقى العدو يا رجل؛ كي نتمكن من مُقارعته بنفس الأدوات التي يقارعنا بها، النغم يقارعه نغم مثله، وهل يمكن للإنسان أن يقارع عدوا وهو يجهل سلاحه؟ قلت له: مثلما يجعلون شبابنا مُغتربين فنيا، ويرقصون على المُوسيقى الغربية، يمكننا، نحن، بعد دراسة موسيقاهم أن نجعل شبابهم مُغتربين فنيا أيضا فيرقصون على أنغام وإيقاع الزكرة والمقرونة والدربوكة، وأي شعب يفقد مُوسيقاه وإيقاعه الخاص، يفقد هويته وروحه ويضيع في ستين داهية، ثم قلت له: هي مُجرد دراسة كي يتم فهمهم، وليس حبا في مُوسيقاهم، وفي النهاية اقتنع الثوري"!

هل ثمة عبث سياسي أكثر من هذا العبث الذي يدور في ليبيا القذافي؟! وهل يمكن مواجهة هذا الجنون بشيء آخر غير السُخرية التي نلمحها واضحة بينة في الاقتباس السابق؟! إن محاولة الاحتفاظ بآلة مُوسيقية غربية من المُمكن أن تؤدي بالمواطن إلى السجن أو الإعدام، وهو ما كان يخشاه المبروك لاحتفاظه بجيتار كان قد أهداه له صديقه عبد الوهاب من أجل إكمال دراسته في معهد المُوسيقى، وهو الجيتار الذي أخذه عبد الوهاب بدوره من حبيبته الألمانية كريستينا كتذكار يذكره بها أثناء ابتعاده عنها في ليبيا، ولعلنا نلحظ ذلك في: "الجيتار سيبقى في بيت خالة نعيم إلى حين أجد فرصة مُناسبة مضمونة تُمكنني من تهريبه لبني غازي، وتسليمه لصاحبه عبد الوهاب، لو يضبطونه عندي الآن فسوف أُسجن، وربما أُقتل، أو أُشنق في أحد أعياد ثورة الطلاب في السابع من إبريل، ويغنون عليّ أغنية "نرقص ونقاتل ونغني.. يا بوكف رقيق امحنّي، وما نرحم من خان.. شنقا في الميدان""!

إنها السُخرية التي سنراها في محاولة كل من عبد الوهاب والمبروك تهريب جيتار كريستينا الذي نجا من المحرقة من طرابلس إلى بني غازي مُستغلين نقل الجماهير الرياضية من أجل مُباراة كرة قدم بين المُنتخب الليبي ضد المُنتخب الغاني عام 1986م، وبما أن عبد الوهاب يعمل كسائق للحافلات فسيكون التهريب أكثر يسرا: "حفظنا الجيتار مع مُستلزمات الرحلة من تموين وأعلام خضراء ومُلصقات تروج للرياضة الجماهيرية التي نادى بها الكتاب الأخضر، وكذلك مع بعض صور قائد ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة العقيد معمر القذافي ذات الحجم الكبير التي سنلصقها فور انطلاقنا بالجمهور صوب بني غازي على جانبي الحافلة، وعلى مُؤخرتها ومُقدمتها"، أي أن الروائي هنا يستخدم أسلوب السُخرية من القائد/ القذافي نفسه مُستخدما شخصياته الروائية كوسيلة لذلك، وبما أن القذافي يُعادي الآلات المُوسيقية الغربية؛ فلقد تم حفظ الجيتار بين صوره التي لن يقترب منها أي فرد من أفراد النقاط الأمنية التي ستمر بها الحافلة.

إن الوضع السياسي في ليبيا- أثناء هذه الفترة- لا يمكن احتماله، أشبه بعالم كافكاوي خانق، أو كابوس لا يمكن له أن ينتهي، ولنقرأ: "حياة خانقة جدا نعيشها في حقبة الثمانينيات من القرن العشرين، المُتنفس الوحيد فيها للفرح هو كرة القدم، وغناء المرسكاوي، والبحر، حتما سنفوز، الكرة تسير جيدا في هذا البلد الشمولي، الذي يفسدها هو تدخل الطاغية وزبانيته فيها عبر محاولة تسييسها عن طريق الكتاب الأخضر الذي يقول: إن الرياضة جماهيرية، وإن الجمهور الرياضي هو جماعة من المُغفلين الكسالى، الحثالة، وإن الرياضة نشاط عام ينبغي أن يُمارس لا أن يُتفرج عليه، وإن مُدرجات الملاعب ستختفي عندما لا تجد من يجلس عليها، وكل الرياضيين يقولون له: صح كلامك، مظبوط، لكن عندما يدخلون الملعب لا يعرفون شيئا سوى ليبيا فيبدعون ويفوزون"، أي أن الطاغية هنا يتدخل حتى في شؤون الرياضة التي هي المُتنفس الوحيد للمواطنين الليبيين الذين لا يطيقون الحياة الجحيمية التي ابتكرها لهم، لكنه لا يكتفي بهذا الجحيم، بل يعمل على التنظير للرياضة أيضا، ويتدخل في شؤونها؛ الأمر الذي يُفسد عليهم سعادتهم وفرحهم، حتى لكأنما الديكتاتور يحاول التفنن في تعكير صفو المواطنين إذا ما شعر بسعادتهم في أي لحظة، وهو ما يُدلل عليه الروائي بكتابته: "الآن أشعر بحزن قاتم جدا، ماذا يريد منا هذا الرجل؟! يحرمنا من كل بصيص فرحة نحاول أن نعيشه، خاصة عندما يأتي هذا البصيص المُبهج عبر شيء نحبه، موسيقى يقطع أوتارها ويحرق آلاتها، بحر تغسل فيه الناس أرواحها من قرف زمن قُدر لها أن تعيش فيه يبني حوله أسوارا ويضعه تحت المُراقبة الأمنية، وها هي الأخرى كرة القدم يفسد أمها، لقد تغلب فريقنا على بوركينا فاسو 3- صفر، وخسر معها 2- صفر، وترشحنا للدور الثاني من تصفيات بطولة العالم بإيطاليا، وبعدها لعبنا ضد ساحل العاج وخسرنا واحد صفر، وما زال المُباراة الثانية على أرضنا في طرابلس والتي سنفوز فيها حتما، وها هي تأتي مُباراتنا الحاسمة مع الجزائر، وفريقنا في كامل تألقه واستعداداته، وكل نجومه جاهزين بدنيا وفنيا، خاصة الجناح الأيمن ونيس خير، القادر على صُنع الفارق، بينما المُنتخب الجزائري يعاني من مُشكلات كثيرة ستؤثر في أدائه سلبا، منها إصابة بعض نجومه كالأخضر بللومي، ورابح ماجر، ولكن يوم المُباراة في طرابلس حدث ما حدث، هبت عاصفة الخراء، سفير الجزائر في ليبيا ينقل رسالة شفهية من الرئيس الشاذلي بن جديد للمجنون القذافي يناشده فيها بأن يمنح المُباراة للفريق الجزائري تجنبا للمُشكلات والتوترات التي تعيشها الجزائر حاليا، وكانت علاقة ليبيا والجزائر السياسية آنذاك مُمتازة، وبالفعل تجاوب الطاغية مع الطلب، خاصة وأن به حرمان شعب كامل من فرحة يمكن أن يعيشها، وأمر بالانسحاب وإلغاء المُباراة، وربما قال: إن الثمانين ألف مُغفل الجالسين في المُدرجات لا بد من عقابهم؛ فبدلا من أن يهتفوا للثورة وقائدها وللكتاب الأخضر، ها هم سيهتفون لكرة من جلد الماعز، وللاعبين صعاليك فارغين لم يقدموا للحياة أي مُساهمة ذات معنى، وأضف إلى ذلك أنهم سيسببون لنا مُشكلات مع بلد المليون شهيد التي علاقتنا بها استراتيجية، و"علشان" صديقي بن بلة، أطال الله في عمره، والمرحوم الرئيس هواري بومدين، والصديق فخامة الرئيس الشاذلي بن جديد فسنمنحهم المُباراة، وأي دولة صديقة تريد منا مُباراة فلتطلبها مني مُباشرة وسأمنحها إياها"!

ألا نُلاحظ، هنا، أن الطاغية لا يهدأ له بال، ولا يطمئن إلا بتعكير مزاج شعبه وإلقاء الحُزن في قلبه، وهو ما نراه في كتابة الروائي: "بالفعل تجاوب الطاغية مع الطلب، خاصة وأن به حرمان شعب كامل من فرحة يمكن أن يعيشها"؟! أي أن فرحة المواطن بالنسبة للطاغية أمر يعكر مزاجه، وبالتالي فلا بد له من حرمانه من هذه الفرحة؛ الأمر الذي يُدلل على شخصية مُختلة نفسيا!

بناء على هذا الوضع البائس يشعر المواطن الليبي بالحسرة على مُساندته لثورة الفاتح التي قام بها القذافي، فالليبي لم يعش في هذا الجحيم إلا بعدما ساند هذه الثورة، وهو ما يقر به المبروك بقوله: "كرة، بحر، غناء، ثلاثة أشياء تقاوم بها الحياة البني غازية ديكتاتورية جلبتها لنفسها عندما أيدت الانقلاب على الملك إدريس السنوسي في فاتح سبتمبر 1969م، ولم تجهض المُغامرة التي قام بها ضباط صغار، بل خرجت إلى الشوارع تلوّح لهم بسعف النخيل، وبأغصان الزيتون المورقة، وبقمصانها التي خلعتها مُؤيدة، وتهتف بالشعارات التي تستروا خلفها "حرية، اشتراكية، وحدة"، وغنت لهم: على شط الحرية رسّت مركب ثورتنا"، و"بشاير يا ليبي بشاير والكبش وراء النعجة ساير"، وغيرها من أغاني العجالة التي لم تتريث قليلا لترى هل هؤلاء الفتية يستحقون الأغاني فعلا أم يستحقون دقات عنيفة على ملاهدهم؟"، أي أن الجحيم والديكتاتورية والحُكم الشمولي الذي عاش فيه الليبي بعد ثورة الفاتح؛ جعلوه يتحسر على أيام الملكية التي باتت نعيما بالقياس إلى حُكم القذافي البائس! وهو ذات الأمر الذي يجعل المواطن غير قادر على الإحساس بجمال الحياة مهما كانت؛ فالمبروك رغم زواجه من غزالة التي يحبها إلا أنه لا يشعر بالسعادة، بل يسيطر عليه الإحساس بالتعاسة بسبب ما يدور من حوله: "أنا سعيد مع غزالتي في الفراش، أعيش أحلى أيام حياتي، لكنها سعادة بدون طعم، سعادة مُكبلة لا أشعر فيها بالحرية إطلاقا وكأنني سجين في زجاجة يبصق عليها الجميع. كل شيء من حولي أراه بشعا: اغتيالات، إعدامات منقولة على الهواء يعرضونها علينا وقت وجبة الإفطار بالضبط، بدل أن نُشاهد فوازير رمضان، أو برنامج منوعات يفتح النفس والشهية نُشاهد مشنقة وابنا أو أخا أو صديقا لنا يتدلى منها، فهل نأكل آنذاك أم نندب بختنا التعس؟!"، أي أن الجو القمعي الإرهابي الذي يمارسه الديكتاتور على المواطنين يفسد عليهم حياتهم بالكامل، حتى لكأنهم في مسلخ مُخيف، وليسوا في وطن من المُفترض الشعور فيه بالأمان والاطمئنان!

إن عدم الشعور بالاطمئنان والأمان داخل الوطن يُكسب المرء إحساسا ثقيلا بالخوف من كل شيء، بالمُراقبة، بعدم الحرية والاختناق، وهو الأمر الذي يُعبر عنه المبروك في قوله: "ماذا أحس الآن؟ أحس، والله العظيم، أني مُراقب، بل مُلاحق، أجهزة تنصت كثيرة تُحاصرني، تريد أن تسمع كلامي المُصاحب لركل علبة السعادة، كيف لهذا الوغد أن يركل علبة سعادة مكتوب عليها مقولات خالدة من الكتاب الأخضر (شُركاء لا أجراء)، و(من تحزب خان)، و(في الحاجة تكمن الحرية)"، إنه القهر الحقيقي داخل الوطن، القهر الذي يُشعر المواطن بعبء يثقل صدره حتى أنه لا يستطيع التنفس بسهولة لدرجة الاختناق!

لكن، هل هذا الإحساس الذي يشعر به المبروك مُجرد إحساس واهم، أم أنه حقيقة واقعية يعيش فيها المواطن الليبي رغما عنه؟

لم يكن المبروك ولا غيره من المواطنين الليبيين يتوهمون ما يشعرون به، بل يعيشون واقعا لا فكاك منه، واقعا كابوسيا لا يمكن الخلاص منه بسهولة، فهو لمُجرد أنه كان يزجي وقت فراغه، محاولا استخراج طاقته الحبيسة بركل علبة سعادة فارغة، مارا بها عبر المدينة حتى الوصول إلى البحر ليركلها الركلة الأخيرة ثم يعود إلى بيته، فلقد أثار هذا الفعل الحس الأمني لدى أحد القوادين/ المُخبرين الأمنيين الذي انشغل بمُراقبة المبروك وكتابة التقارير الأمنية عنه! أي أن مُجرد الفعل العادي داخل الوطن لم يعد عاديا، بل بات يتم تحميله بالعديد من المعاني التي لا علاقة لها بأي شيء مما يدور في عقلية العسكر المُعادية للمواطن؛ فلقد رأى المُخبر الأمني أن ما يفعله المبروك لا بد أن وراءه سر ما، أو تنظيم ما يرغب في تقويض مفاصل الدولة، المُهترئة في حقيقتها، وبالتالي لا بد من مُراقبته لحين اكتشاف السر والزج به في السجن، لكن لأننا نعي جيدا أن السجان أحيانا ما يعتاد سجينه للدرجة التي تُشعر السجان بالفقد والفراغ والحزن حينما يبتعد عنه هذا السجين، أو يختفي؛ فلقد اعتاد المُخبر على المبروك، وبالتالي حينما اختفى المبروك بعدما اختطفته اللجان الثورية وشحنته إلى تشاد للمُشاركة في الحرب الليبية هناك، شعر السجان بالكثير من الفراغ والحزن: "في اليوم الثاني، والثالث، والرابع، والخامس واصلت عملي بحماس في تتبع راكل العلب، لكن للأسف لم أجده في مكانه المُعتاد، اختفى تماما من كل الأمكنة المألوفة التي عادة ما يظهر فيها؛ فشعرت بتوتر، وقلت في نفسي أرجو ألا يكون مريضا أو حدث له مكروه، لقد صارت بيني وبينه ألفة، فلأبحث أكثر عن مادتي الخام التي أشتغل عليها الآن، تجولت في شوارع أخرى، قلت: ربما غيّر خط سيره إليها، فلم أجده، وأنا أبحث عنه وجدت عدة علب في طريقي، وقلت: الله الله لو أنه قريب من هنا لكان شمّها وهرع إليها سريعا، وصار يركلها سعيدا، ثم يختار أرشقها زحفا على الأرض لتكون رفيقته في جولة وسط البلاد"!

ألا نُلاحظ، هنا، أن السجان/ المُخبر قد تماهى مع سجينه للدرجة التي تُشعره بالكثير من الفراغ والحزن، والخوف عليه، حتى أنه يخشى أن يكون المبروك مريضا؟! بل حينما عرف المُخبر بأن اللجان الثورية قد اختطفت المبروك وأرسلته إلى الحرب التشادية شعر بالمزيد من الحزن عليه: "حالتي النفسية ساءت، مادتي الخصبة التي أعمل عليها فقدتها، شعرت بالحزن الشديد، دعوت الله أن يعود سالما من الحرب هو وكل رفاقه، ولا أدري كيف أنا الآخر وجدت أمامي علبة سعادة؛ فأخذت أركلها كما كان يفعل هو، وأمشي بها في الشوارع نفسها التي كان يمشي فيها هو، إلى أن وصلت إلى البحر فركلتها أنا الآخر في داخله. وأنا أركل العلبة كنت ألعن شيئا مجهولا يضايقني، كانت ذاكراتي مُكتظة بالذكريات، ذكريات تشتعل وتنفث دخانا راكلة أمامها الكثير من السيئات والحسنات التي عشتها، إذن ركل العلبة يهيل الذكريات في الرأس لا أكثر، ذكرياتنا داخل علبة نركلها فنستريح، نغرقها في البحر فنستريح أكثر، ركل العلب مُمارسة رياضية تفيد الجسم والذهن، وتجعل البيئة نظيفة". إذن، فلقد وصل التماهي مع المسجون/ المبروك لدرجة أن سجانه/ المُخبر قد بدأ يمارس ما كان يراقب المبروك من أجله، بل واكتشف أن ركل العلب إنما يُكسب من يمارسه الراحة، مع إخراج طاقته الزائدة المكبوتة، والتفكير في ذكرياته أثناء هذا الركل، أي أن الديكتاتور، هنا، بكل ما يفعله في الجميع قد جعلهم متساوين في إمكانية الإشفاق عليهم، ورغم أن المُخبر يعمل لحساب الديكتاتور إلا أنه من الناحية الإنسانية ما زال يمتلك القليل من المشاعر التي تجعلنا نُشفق عليه، لا سيما حينما يتمثل المبروك ويشعر بشعوره، فضلا عن خوفه على المبروك، ورغبته في عودته من الحرب سالما! إنها السياسة التي تعمل على تشويه نفوس الجميع، وإخراجها عن مسارها الإنساني الطبيعي.

بمُجرد وصول المبروك للحرب في تشاد يتولى أمر الاستطلاعات الحربية؛ نظرا لأنه مُدرس لا يجب تجنيده، وقد ذهب إلى الحرب عن طريق الخطأ، كما أنه يعرف اللغة الفرنسية التي يتحدث بها أهل تشاد، وأثناء إحدى جولاته الاستطلاعية يستمع إلى صوت المُوسيقى الذي يأسره بمُجرد سماعه؛ فيبدأ في الاقتراب من مصدر الصوت، وهناك يرى إحدى النساء التشاديات التي تعزف على آلة مُوسيقية غريبة لم يرها من قبل، لكن الأنغام لتي تخرج منها جعلته غير قادر على تحريك قدميه، بعدما تنتهي المرأة من عزفها يخبرها أن العزف أعجبه، وتقوم ابنتها قمرة بتقديم كوب من اللبن إليه، ويبدأ في الحديث معها عن المُوسيقى، ويسألها عن الآلة الغريبة التي بين يديها والتي تمتلك 21 وترا، فتخبره بأنها الكورا، وهي آلة تصنع من قلب ثمرة يقطين ضخمة. تتنامى العلاقة بين المبروك، والسيدة زمزم، وابنتها قمرة، حيث تربطهم المُوسيقى برباط مُقدس، ورغم أن المرأة وابنتها بالنسبة للمبروك من المُفترض أن يكن من الأعداء التشاديين، ورغم أنه قد عرف بأن زوج المرأة/ إبراهيم أحد الضباط التشاديين الكبار الذين يقاتلون في صفوف قوات حسين حبري ضد القوت الليبية، إلا أنه لا يعنيه أمر الحرب، أو العداء مع أحد، بل يعنيه في المقام الأول والأخير المشاعر الإنسانية، والمُوسيقى التي تُكسب العالم الكثير من الجمال والسعادة عاملة على تغييره باتجاه الأفضل. يُدلل الروائي على مدى عشق المبروك للموسيقى بقوله: "صار المبروك يتجول ويستطلع في مناطق أخرى بعيدا عن ذاك الوادي الحميم حيث مضارب الأم وبنتها، كان يخاف أن يضعف إن سمع عزف الكورا؛ فيقود السيارة ناحيتهما، وهو واثق جدا بأنه لن يموت برصاصة، لكن بنغم فأكيد"!

إن عشق المبروك للمُوسيقى والإنسانية هو الأمر الذي جعله- حينما علم باختطاف زمزم على يد بعض الجنود الأفارقة المتعاونين مع الجيش الليبي كمُرتزقة- يذهب إليهم غاضبا ويخلصها من بين أيديهم قبل اغتصابها من قبل رئيسهم، بل وتقديم من قاموا بهذا الأمر للمُحاكمة والعقاب. حينما يعود الضابط التشادي إبراهيم ويعلم بما فعله المبروك من أجل زوجته وابنته يكرمه في بيته، ويتناولان الطعام والشراب من دون أي عداء سياسي بينهما، لكن المبروك يقع في أسر القوات التشادية، ويتخلى الديكتاتور القذافي عن جنوده مُنكرا وجود أي جنود ليبيين في تشاد؛ الأمر الذي يجعل المبروك وغيره من الليبيين أسرى لدى التشاديين: "نحن كأسرى لم يبذل مساعيه لتحريرنا، أو يدفع فدية لتخليصنا من الأسر، أو استبدالنا بأسرى تشاديين لديه، لم يفكر في عقد صفقة يكون أحد بنودها تحريرنا، لقد تنكر لنا التيس، بل إنه لم يفكر في استرجاع جثامين من فقد حياته في حرب هو من أشعلها وتركهم لمصيرهم تنهشهم ضواري الصحراء"، لكن حينما يعلم الضابط إبراهيم بالأمر يأخذ المبروك إلى بيته- كخادم ظاهريا- مُؤكدا له أنه مُجرد ضيف، ومن أهل البيت، وليس أسيرا لديهم، ولكن تعود الحرب مرة أخرى بين ليبيا وتشاد بعد فترة هدنة، فيعود المبروك إلى ليبيا.

ينتقل الروائي محمد الأصفر إلى السرد على لسان عبد الوهاب بعدما يتم إحراق الجيتار الخاص به، والذي كان قد أخذه من كريستينا/ حبيبته الألمانية، فنعرف أنه كان قد ذهب ذات مرة إلى ألمانيا من أجل إجراء جراحة في عيني أخيه الأصغر، لكنه يذهب إلى بيت بيتهوفن لسماع المُوسيقى، وهناك يتعرف على كريستينا الألمانية التي تتكسب عيشها من العزف في الطرقات، ويرتبطا بعلاقة حب طويلة، يعرف من خلالها عبد الوهاب تعاليم الماركسية التي تؤمن بها كريستينا ابنة ألمانيا الشرقية التي هرب بها أبوها إلى ألمانيا الغربية، لكنه سُرعان ما عاد مرة أخرى تاركا أسرته في برلين الغربية، كما يعرف أن كريستينا تدرس المُوسيقى التي تعشقها كثيرا، وتعلمه عزف لحنها الخاص الذي تحبه، ويعيش معها فترة طويلة من العشق، لكنه حينما يعود إلى ليبيا تعطيه جيتارها كي يظل مُرتبطا بها، مُتذكرا إياها، وحينما يتم ضبط الجيتار وحرقه يُسجن عبد الوهاب في المُعتقل الخاص بالشيوعيين بتهمة إخفاء آلة غربية في بيته، ويظل لمُدة ثلاث سنوات في المُعتقل إلى أن يخرج مرة أخرى، وحينها يصر على العودة لألمانيا من أجل لقاء حبيبته كريستينا والحياة معها، حيث أنه لم يستطع نسيانها لحظة واحدة. بعد عودة عبد الوهاب إلى ألمانيا يتجه إلى نفس الشارع والغرفة التي كان يقيم فيها مع حبيبته، لكن صاحبة البيت تخبره بأنها قد رحلت إلى برلين؛ فيؤجر نفس الغرفة التي كانا يمارسان فيها عشقهما، عازما على البحث عن كريستينا في كل ألمانيا إلى أن يجدها مرة أخرى.

يتابع الروائي قصة العشق التي نشأت بين كريستينا وعبد الوهاب وكيف يتحولان إلى عاشقين عازفين يشتركان في كل شيء، حتى أنهما يغنيان أغنية عن مذابح صبرا وشاتيلا تضامنا مع الفلسطينيين؛ الأمر الذي جعلهما يكسبا المال الوافر بسبب هذه الأغنية، لكن نقاء كريستينا الماركسي يجعلها تقترح على عبد الوهاب إرسال المال إلى مُؤسسات النضال الفلسطيني ليرسلوه بدورهم إلى أُسر ضحايا المذبحة؛ وهو ما يجعله يسخر من براءتها ضاحكا، ليخبرها: "صدقيني أن المسؤولين الفلسطينيين أغنياء، ومُنظماتهم ممولة ومعلوفة من فوق وتحت من الدول العربية، والأجنبية وأمريكا، والأمم المُتحدة، ومن الاتحاد السوفيتي، واليابان، والصين، وحتى اليهود أيضا، هم أذكياء، عملوا مُنظمات كثيرة، كل خمسة أشخاص فتحوا دكانا سياسيا نضاليا وعملوا مُنظمة، وكل مُنظمة تُصفق لنظام سياسي مُعين؛ فتتلقى منه الدعم المالي والسلاح، أحيانا يتحاربون فيما بينهم للحصول على تمويل أكبر فيكونون شرسين جدا أكثر من شراستهم مع عدوهم الصهيوني المُشترك". إن الكاتب هنا يفضح المُنظمات الفلسطينية النضالية التي تتظاهر بالنضال من أجل الوطن بشكل فيه من التلقائية التي تبتعد بالسرد كثيرا عن العمدية؛ ما يجعل السرد مُستمرا في سلاسته وطبيعيته، حيث ساق المعلومة التي رغب في بثها بشكل عادي أثناء حديثه مع حبيبته.

إن هذا المفهوم النقي للماركسية الذي تعتنقه كريستينا يتضح لنا في: "أخبرته أيضا أنها قرأت الكثير من الكتب عن الماركسية، وتابعت تصدع المُعسكر الشرقي بسبب عدم فهم الماركسية جيدا، وارتكاب أخطاء فادحة في التطبيق، ماركس لم يقل اقتلوا الناس واحرموهم من كل شيء، واجعلوا على كل مواطن خمسة بصاصين، الذين تبنوا الماركسية في العالم مُعظمهم طلاب سُلطة تحولوا إلى فاشيين وديكتاتوريين، وارتكبوا جرائم دنيئة يُندى لها الجبين"، وهو حديث ينحو إلى حد كبير باتجاه الدقة عن المفهوم الماركسي الذي تم تطبيقه بشكل فيه الكثير من الظلم، وعدم الفهم لما رغب فيه كارل ماركس.

يحاول عبد الوهاب البحث عن كريستينا في كل مكان إلى أن يعرف بشأن الاحتفال الذي سيقام في ألمانيا الشرقية في المدينة التي يوجد فيها رأس كارل ماركس، وهنا يقرر الذهاب إلى الاحتفال والعزف هناك؛ حيث حادثته كريستينا كثيرا عن عشقها لهذا المكان؛ لذا تلبسه إحساس عميق بأنه لا بد أن يراها هناك، وبالفعل حينما صعد أمام رأس التمثال للعزف، فوجئ بكريستينا تعزف بدورها بينما ظهرها يواجه ظهره ليلتقيا مرة أخرى ويتزوجا.

الروائي الليبي محمد الأصفر

حينما يعود المبروك إلى ليبيا من تشاد ومعه آلة الكورا التي أهدته إياها قمرة يعرف ما حدث مع عبد الوهاب وجيتاره، ويعلم بأنه قد سافر إلى ألمانيا للبحث عن كريستينا؛ فيقرر اللحاق بصديقه آخذا معه زوجته غزالة، ويتجه إلى نفس الغرفة التي كان يقطن فيها عبد الوهاب وحبيبته، لكن صاحبة البيت تخبره بأنه قد غادر إلى برلين للبحث عن كريستينا، يصر المبروك على البحث عن صديقه، لكن حينما ينفد المال الذي يدخره يتجه إلى كولون حيث يسكن كل من نعيم وخضرة بعدما تزوجا وسافرا إلى هناك من أجل المنحة الدراسية التي حصلت عليها خضرة للدراسة في ألمانيا. يقيم المبروك وزوجته مع نعيم وخضرة، ليمعن الكاتب في المزيد من شرح أساليب النظم الشمولية حينما يكتب عن خضرة وزوجها: "عندما وصلا إلى كولون للدراسة مشى العام الأول تمام، والمنحة تصل بانتظام، وكانا يدخران أكثرها، ولكن ذات يوم جاء اتصال لخضرة من المثابة الثورية الأم في طرابلس، أو من الأمن الخارجي الذي اسمه هيئة أمن الجماهيرية يطلبون فيه مُراقبة (س) من الناس، جنسيته ليبي، يعمل مُترجما للمرضى والطلبة الجُدد والسياح الخليجيين، ورصد كل تحركاته تمهيدا لتصفيته جسديا على الأراضي الألمانية؛ لأنه يُشكل خطرا كبيرا على النظام الجماهيري، وبالطبع رفضت خضرة أن تقوم بهذا الفعل القذر، وقالت لهم: أنا طالبة ولست موظفة أو مُجندة لديكم. وبعد شهر واحد قطعوا عنها منحة الدراسة، وتم تصنيفهما في زمرة الخونة والمُرتدين بسبب رفض تنفيذ أوامر ثورية عاجلة"!

إنه الحكم الشمولي القادر على اغتيال من يرغب في أي مكان حتى لو هرب المواطن من وطنه وعاش غريبا في مكان آخر، بل تظل هذه الأنظمة تُخادع المواطن بالتأكيد له بأنه وطني، يحب وطنه؛ ومن ثم فإن النظام يشمله برعايته وحبه، ولكن بمُجرد ما يعترض المرء على أي شيء خاطئ يتحول مُباشرة من وطني إلى خائن لا بد من تصفيته بدوره!

يبدأ المبروك في العزف في شوارع ألمانيا ليتكسب عيشه، وحينما يذهب إلى البلدية من أجل الاشتراك في مهرجان مُوسيقي كبير تقيمه ألمانيا ويعزف فيه مُحبو المُوسيقى من جميع الجنسيات يقابل كل من عبد الوهاب وكريستينا الذاهبين كي يقدما للاشتراك بدورهما، فيكوّنوا فريقا معا من أجل العزف.

ربما نُلاحظ هنا أن الروائي حريص على عدم إهمال مصير أي شخصية من شخصياته الروائية، فكما تابع عبد الوهاب وكريستينا، والمبروك، وزوجته، ونعيم، وخضرة، لم يغفل عن مصير زمزم، وقمرة والضابط التشادي إبراهيم، فنعرف أن الضابط قد تم قتله بعدما حرص على تهجير زوجته وابنته إلى فرنسا لتأمينهما، وهناك بدأت قمرة في دراسة المُوسيقى، رافضة الزواج من ابن عمتها مُفضلة في ذلك المُوسيقى وعالمها الحر، أي أن الأصفر لا يغفل أي شخصية من شخصياته الروائية بل يتابعها حتى النهاية ولا يجعلها تسقط فجأة في الفراغ.

لكن رغم لم شمل الشخصيات الروائية جميعها في نهاية الأمر إلا أن مصير أبناء الديكتاتوريات لا يمكن له أن يتغير، بل يظل العنف، والقهر، والإدانة، والموت هم ما يحيطون به حتى النهاية، وهو ما نراه حينما يتجه كل من عبد الوهاب، والمبروك، وكريستينا للعزف في المهرجان المُوسيقي الألماني في ذات الوقت الذي كانت قمرة تشاهد التلفاز في فرنسا؛ حيث تبدأ العديد من المناوشات والمعارك بين الجموع الضخمة المُحتفلة، وتقوم مجموعة مجهولة منهم بالهجوم على العازفين محاولين القضاء عليهم وقتلهم فتشاهد قمرة في تلفازها ما يحدث: "قمرة تتابع المشاهد بتركيز وقلبها يدق ويخفق بشدة، أحست أن شيئا يخصها في خطر، وفجأة قفزت من على الكنبة صارخة: "بوكي، بوكي، بوكي، لا، لا، لا". تكوّر المبروك بذراعية ورجليه فوق آلة الكورا؛ حماية لها من اعتداء الهمج، والتف بها سريعا إلى غير جهة المُهاجمين، لتأتي الضربات على ظهره ورأسه ومُؤخرته. جرى عبد الوهاب ناحيته سريعا لنجدته، فتلقت رأسه هو الآخر ضربات أسقطته على حافة الرصيف، أما كريستينا فصرخت مُحتجة، وهرعت لنجدتهما؛ فكان نصيبها هي الأخرى ركلة على بطنها مع شتيمة: تدافعين عن ملوّنين يا سافلة"!

إن العنف الذي يرغب الأصفر في التعبير عنه يؤكد- من خلال مشهده الختامي في روايته- بأنه لا يخص الشرق الأوسط فقط، بل يوجد أيضا في الدول المُتقدمة في أوروبا من خلال الجماعات المُتطرفة الناشئة على مفهوم عرقي، ومنها جماعات النازية الجديدة التي ترى في أي غريب داخل ألمانيا عدوا لا بد لهم من تصفيته، وهو ما رأيناه بشكل كبير من البلاغة في الجملة الأخيرة من الرواية: "تُدافعين عن ملوّنين يا سافلة"، أي أن مُجرد دفاع كريستينا الألمانية الأصل عن الملوّنين- سواء كانوا عربا، أو غير عرب- يجعلها في دائرة الاتهام، بل وتستحق من أجل هذا الدفاع القتل، أيضا، ما دامت تتعاطف معهم أو تأخذ جانبهم، فيبدو لنا الأمر من خلال المشهد الروائي الأخير وكأنما العرب قدرهم الدائم هو الحياة في قهر لا ينتهي سواء كانوا داخل أوطانهم التي تقتلهم وتبيدهم، أو خارجها هروبا من هذا القهر ليلتقوا بقهر آخر وجديد، وهو قهر الجماعات المُتطرفة من الحركات الأوروبية الجديدة!

إن رواية "علبة السعادة" للروائي الليبي محمد الأصفر من الأعمال الروائية التي تحاول التأكيد على أنه إذا ما كان القبح يسود من حولنا في كل مكان من العالم، فنحن نستطيع التغلب عليه من خلال الفن، والمُوسيقى، وغيرهما من الأساليب التي المُختلفة التي من المُمكن لها أن تُحيل القبح جمالا؛ فالقبح ليس أبديا، كما أن الجمال المُرادف للسعادة ليس أبديا، ورغم أنه تناول هذين المفهومين- القبح والجمال/ السعادة- من خلال منظور سياسي يشرح الديكتاتوريات والحُكم الشمولي في ليبيا، إلا أنه لم يقع في مأزق المُباشرة، أو التسجيلية، أو السذاجة، بل نحى بنصه باتجاه الفني، والإبداعي من خلال لغة سردية سلسة هادرة، وأسلوبية فنية خاصة جعلت من النص الروائي مانفيستو عن السعادة وكيفية اكتسابها من خلال الفن.

 

محمود الغيطاني

مجلة مصر المحروسة 

عدد مارس 2022م.

 

 

السبت، 19 مارس 2022

سيفان.. فيلم سينمائي أم سهرة تليفزيونية؟

ثمة أسئلة جوهرية وكثيرة لا بد أن يثيرها مشاهدة الفيلم الروائي القصير، سيفان، في نفس من يشاهده؛ لأن طريقة تنفيذ الفيلم- لمن يعي مفهوم السينما- تؤدي بالضرورة إلى طرح هذه التساؤلات، منها: هل هناك اختلاف كبير بين الفيلم الروائي الطويل، والفيلم القصير من حيث البناء الفني، أو سماته الجمالية؟

بالتأكيد لا يوجد فارق بين الفيلم الروائي الطويل والقصير من حيث السمات الجمالية السينمائية وطريقة التنفيذ إلا في مدة عرض كل منهما؛ فالفيلم الروائي الطويل يتراوح بين 60 دقيقة و90 دقيقة على الأغلب- قد يصل إلى 120 دقيقة أو أكثر- أما القصير فيتراوح بين 5 دقائق، ونصف الساعة على الأغلب- قد يصل إلى 59 دقيقة تبعا للمفهوم الفرنسي، أو 45 دقيقة تبعا للمفهوم الأمريكي- أي أن الفيلم السينمائي سواء كان طويلا أم قصيرا لا يختلفان إلا في مدة العرض فقط، لكنهما يشتركان في كل السمات التي تعتمدها صناعة السينما في نهاية الأمر؛ لذلك حينما نشاهد أي فيلم روائي- سواء كان طويلا أم قصيرا- فالأسس التي نعتمدها في التعامل مع هذا الفيلم هي أسس واحدة لا يمكن الخلاف عليها.

إن هذا السؤال يستدعي تساؤلا آخر أكثر أهمية لا بد من التفكير فيه بعد مشاهدة فيلم "سيفان"، وهو: ما الفارق بين السهرة التليفزيونية، والفيلم السينمائي؟

إن السهرة التليفزيونية هي قصة تجري معالجتها تليفزيونيا، ولا تختلف كثيرا عن المسرح سوى في تقنية العرض وطريقة المعالجة، تبعا لاختلاف طبيعة التليفزيون عن المسرح، ورغم ذلك فإن كثيرا من سهرات/ تمثيليات التليفزيون لا نجد فيها أدنى اختلاف عن المسرح، بل نجد في أغلب الأحيان أن هذه التمثيليات/ السهرات بمثابة مسرحية غير مُعدة جيدا، أي أن السهرة التليفزيونية أقرب إلى سمات المسرح الذي يعتمد على المباشرة، والخطابية، والمبالغة في الأداء، أو عدم إبراز أثر المؤثرات الخارجية والداخلية على أداء الممثل، وإن ظهرت تكون بشكل مبالغ فيه، بينما السينما من الفنون التي تهتم في المقام الأول بالتركيز على أداء الممثل، وخلجاته، والإيجاز في الحوار إلى حد ما، وعدم المباشرة في قول ما يريده المخرج، أو الابتعاد عن الخطابية، وتقديم عالم خاص يريد من خلاله المخرج إيصال شيء ما للمشاهد من دون أي خطابية أو مباشرة.


هذه الأسئلة وغيرها لا بد أن تدور في ذهن المشاهد للفيلم الروائي القصير "سيفان" للمخرج المصري سيف يوسف، وهو الفيلم الذي يحاول من خلاله تناول قضية الأرمن المهاجرين إلى مصر بشكل إنساني، وإن بدا لنا الفيلم في مجمله مصنوعا، يبتعد كثيرا عن التلقائية ويقترب بشدة من المباشرة والخطابية في تناول هذه القضية الإنسانية.

إن تناول السينما للأحداث التاريخية الكبرى لا بد أن يكون تناولا يحمل داخله الكثير من الحذر والانتباه إلى الخطوات التي يخطوها المخرج جيدا؛ لأن التناول السينمائي للتاريخ كثيرا ما يؤدي إلى الانزلاق في المُباشرة والخطابية التي تُفسد الفيلم في نهاية الأمر، ويبدو أن هذا المأزق الخطير لم ينتبه إليه المخرج؛ فتحول الفيلم الذي صنعه إلى مجرد سهرة تميل إلى حد كبير إلى هذه الخطابية المباشرة.

يتحدث الفيلم عن "شاهين"- الممثل عاطف عبد اللطيف- العائد إلى مصر بعد ثلاثين عاما كاملة من الهجرة حاملا معه الكثير من الذكريات التي عاشها قبل هذه الهجرة، لكنه يُفاجأ بسائق التاكسي الذي يسأله: "إنت إيه اللي رجعك تاني؟ أنا اللي أعرفه إن اللي عايش برا دا عايش باشا، يا باشا أنا لو ألاقي حد ياخد مني العربية دي ويديني تأشيرة لأي بلد؛ هنط في أول طيارة ويا فكيك"! هنا يبدأ شاهين في التفكير من خلال المونولوج الداخلي: للأسف محدش راضي بحاله، اللي هنا عايزين يسافروا وشايفين اللي برا باشاوات، واللي برا مهما نجحوا عندهم إحساس بالغربة وحنين لكل تفصيلة موجودة هنا".


إن بداية الفيلم بهذا الشكل فيه، بالتأكيد، الكثير من الخطابية والاعتماد على المباشرة في إيصال المعلومة التي يريد المخرج أن يقولها، لكنه لم يلجأ إلى هذا القول بشكل فني، بل اعتمد الشكل الأسهل في تقديمها من خلال القول، أو المونولوج الذي اعتمده شاهين، فهو يريد القول: إن البقاء في هذا البلد أفضل، وأن الإنسان غير راضي بظروفه مهما كانت جيدة أو سيئة، لكن هل اعتمد أي جانب فني في تقديم هذا الأمر؟ لا، لأنه اعتمد الحوار/ المونولوج بدلا من المواقف والأداء في تقديم ما يرغبه.

نشاهد في المشاهد الأول للفيلم امرأة ما تنام على فراشها بينما ترى حلما فيه الكثير من المذابح والقتل، وينتهي هذا المشهد بالقطع على عودة شاهين إلى مصر، ثم نعرف فيما بعد أن هذه السيدة هي سيدة أرمينية تدعى "سيفان" ولدت وعاشت في مصر بعد هجرة أهلها من مذابح الأرمن في تركيا، وهي تنتمي انتماء كبيرا إلى مصر؛ حتى أنها ترفض مغادرتها بعدما هاجرت ابنتها وصارت وحيدة. هذه السيدة كانت صديقة لأم شاهين، وتكاد أن تكون هي من شاركت أمه في تربيته. حينما يعود شاهين إلى شقته القديمة يقابلها، لكننا نلاحظ أن المخرج يعتمد المونولوج الطويل في تقديم العالم الفيلمي لتعريف المشاهد بالقصة كاملة، وهو المونولوج الذي اقترب كثيرا من التقرير الإخباري في إحدى النشرات أو الأفلام التعليمية أو الوثائقية؛ مما أبعد الفيلم كثيرا عن الروائية، وأفقد المشاهد رغبته في الاستمرار؛ نظرا لرتابة صوت الممثل التي ابعدته عن التذكر والحنين.

يتأكد لنا هذا الأمر حينما نشاهد المشهد الذي وقف فيه شاهين في شرفة بيته متأملا لمدام سيفان في شرفتها وهي تروي نباتاتها. من الطبيعي والمتوقع أن يسرع شاهين إلى مدام سيفان بحرارة لمصافحتها أو احتضانها؛ بما أنها هي من ساهمت في تربيته، أي أنها في مقام الأم، ولكن لأن المخرج يريد للمونولوج أن يستمر؛ كي يقدم لنا المزيد من المعلومات والمعطيات عن عالم الفيلم؛ فقد جعل شاهين يقف شاردا متأملا لها من دون أن يشير إليها أو يلفت نظرها إلى وجوده، أو حتى الحديث إليها؛ لمجرد اكتمال المونولوج ومعرفة المزيد من المعلومات عن سيفان، وبالتالي قدم المخرج مشهدا باردا غير مقنع، لا يمكن أن يكون منطقيا- كما نرى في حياتنا الطبيعية- فبعد غياب ثلاثين سنة كاملة، وبما أنه لا توجد له أي أسرة- كما رأينا في الفيلم- سوى هذه العجوز التي تذكره بأمه كان لا بد أن تكون هي همه الأول بمجرد وصوله إلى البيت للقائها، لكنه لم يفعل وتوقف في الشرفة لمجرد تأملها فقط والحديث إلى نفسه.

ليلى عز العرب

إن هذا المشهد وغيره من المشاهد على طول الفيلم يؤكدون لنا أن المخرج لم يستطع إدارة السيناريو الذي كتبه جوزيف فوزي، أو حتى محاولة تطويره بشكل جيد، كما أن الممثل لم يكن لديه أي إحساس بالشخصية التي يؤديها، وبدا وكأنه يشعر بالملل مما يفعله أمام الكاميرا، أو كأنه مرغما على أداء الشخصية؛ فطريقة الحديث- سواء كانت في المونولوج، أو مع الشخصيات الأخرى- فيها الكثير من الرتابة والجمود اللذين يبعدانه عن أي مشاعر مصاحبة- أي أنها ظهرت كشخصية ثلجية- كما أننا لم نر له أي ردود أفعال من الممكن أن تقنعنا بأدائه؛ فبدا لنا وكأنه شخصية تشاهد الأحداث من الخارج ولا تنفعل بها، وهذا يعود في المقام الأول إلى المخرج الذي فشل في إدارة ممثله ليعطيه ردود الأفعال الملائمة للشخصية، كما أن وجه الممثل بدا لنا خاليا من أي انفعالات، ولم تتغير قسماته مرة واحدة، حتى حينما عرف أن ابنة سيفان التي كان يحبها قد ماتت في الغربة، لم يبد عليه أي شيء وكأن الأمر لا يخصه.

إن محاولة المخرج سيف يوسف صناعة فيلم روائي عن الأرمن الذين يعيشون في مصر لم تكن محاولة جادة لتقديم أي شيء عنهم، بل بدا لنا أن المخرج راغبا في تقديم فيلم دعائي عن مصر التي تحتضن الجميع، ولا تلفظ أحدا. هذه المباشرة هي أول الأمور التي من الممكن لها أن تقضي على أي عمل فني، وهو ما نراه حينما يسأل سيفان: لم لم تهاجر مع أحفادها؛ فتخبره: إن ذلك مستحيل "عارف، أنا لو رحت أي حتة غير هنا، هحس إني غريبة". ألم نلاحظ المباشرة في الرد، ومحاولة جعل هذا المشهد في موازاة ومقارنة مع مشهد سائق التاكسي في بداية الفيلم، وهو السائق المصري الراغب في الهجرة مقابل أي شيء، بينما سيفان الأرمينية تتمسك بالبقاء وعدم رغبتها في الهجرة مهما كانت الظروف؟

هذه المباشرة تتبين لنا بشكل أكثر فجاجة وسطحية وخطابية حينما يقول شاهين، في مونولوج داخلي، متأملا سلمى، الفتاة السورية، الهاربة إلى مصر: "حظك أفضل من ناس كتير، حظك اللي جابك مصر، البلد اللي بتعامل الغريب كأنه منها"! إن هذه الأقوال الخطابية ذات النبرة العالية لا يمكن لها الاستقامة مع السينما وفنياتها؛ لأنها، بالتأكيد، تُفسد الفيلم والمشاهدة وتخرج بالفيلم إلى مجال آخر يتناسب أكثر مع المسرح منه عن السينما.

عاطف عبد اللطيف

يعرف شاهين أن ثمة فتاة سورية اسمها سلمى فقدت أهلها أثناء هربها، إلى مصر، من المذابح الدائرة هناك، وأنها تقابلت مع سيفان التي تبنتها وجعلتها تشاركها المعيشة في شقتها، وهنا يحاول المخرج المقارنة بين ما حدث للأرمن في تركيا، وبين ما حدث للسوريين، من جهة، وما فعله الإسرائيليين في صبرا وشاتيلا، من جهة أخرى، مستخدما في ذلك بعض المشاهد الوثائقية، هذه المشاهد التي شاهدتها سيفان على التليفزيون، وهو ما يجعلها تعطي شاهين ملفا كانت قد وثقت فيه الكثير من الدلائل على مذابح الأتراك من أجل مقاضاتهم ومحاكمتهم، وطلبت منه الاحتفاظ به، وإذا ما ماتت يحرص على أن يصل هذا الملف إلى أحفادها، لكننا نلحظ في حديثها معه المزيد من المسرحية الخطابية حينما تقول: قضية بتدين المذبحة البشعة اللي اتعرض لها شعبنا ومنهم عيلتي، إبادة عرقية افتتحوا بها القرن العشرين، وصمة عار في تاريخ كل من سكت عليها"!

إن هذه الجمل الخطابية التي يمتلئ بها الفيلم رغم قصر مدته- 18 دقيقة- جعلت الإحساس به وكأنه من الأفلام الطويلة المملة التي لا يمكن لها أن تنتهي؛ فالفيلم يفتقد لأي جانب جمالي أو فني، ومزخم بالعديد من الرسائل المباشرة الموجهة للجمهور بشكل مباشر، كما أن مشهد حلم شاهين بلقاء السلطان التركي عبد الحميد الثاني ومحاولة محاكمته كان فيه من السذاجة وافتقاد الحس الفني، والفهم السينمائي؛ ما جعل شاهين يقول له بشكل مسرحي مبالغ فيه: "أنا واحد من اللي قروا تاريخك المظلم، وسمع صراخ كل برئ كان بيتوسل ليك عشان ترحمه من الموت وأنت رفضت"، بينما نرى السلطان عبد الحميد يقف أمامه مرتعشا خائفا وكأنه مجرد جرذ!

المخرج سيف يوسف

إن التعامل مع السينما بمثل هذا المفهوم الساذج البدائي لا يمكن قبوله؛ لأنه يؤدي إلى تقديم شيئا شائها لا علاقة له بالسينما، ويفقد الفيلم الكثير من فنيته؛ فالمخرج لم يستطع إدارة ممثليه منذ البداية؛ لذا بدا الأداء باهتا ثلجيا، وكأنهم قد أرغموا على التمثيل، كما أن المعلومات التي أراد المخرج تقديمها لم ينجح في تقديمها بشكل فني يعتمد على المواقف وتنامي السيناريو؛ فلجأ إلى القول المباشر في ذلك، وهو الأمر الذي جعلنا نتمنى لو كان المخرج قد قدم هذا الفيلم من خلال السينما الوثائقية والابتعاد به عن السينما الروائية؛ لأن الوثائقية في الفيلم كانت ستجعله أكثر عمقا وأهمية مما رأيناه في فيلمه الروائي الذي يميل إلى المسرح كثيرا، ويبتعد تماما عن المفهوم السينمائي، كما أن الموسيقى التصويرية كانت مزعجة وأعلى من أصوات الممثلين الأمر الذي جعل العديد من الكلمات تبدو مبهمة غير مفهومة.

 

محمود الغيطاني

مجلة الشبكة العراقية

عدد 15 مارس 2022م

 

الأحد، 6 مارس 2022

صناعة البورنو: تاريخ من المنع والمُصادرات!

على سبيل التقديم:

ربما كانت صناعة البورنو من أكثر الصناعات في العالم جذبا لرؤوس الأموال الضخمة، فضلا عن جذبها لقطاعات كبيرة من الجمهور من جميع المراحل العمرية الذين يتابعونها، وليس فئة الشباب فقط؛ الأمر الذي جعلها صناعة رائجة ومُهمة مُنذ بدايات اختراع الكاميرا ومعرفة البشرية بالصورة المُتحركة.

هذه الصناعة الرائجة، أو الشعبية تُعد من أكثر الصناعات الترفيهية، وأكثرها إثارة للجدل، سواء من الناحية الأخلاقية، أو القانونية- حيث تمنعها العديد من الدول- لكن رغم هذا المنع واللغط الكبير من حولها يؤكد لنا الواقع أنها الصناعة الأهم في العالم من حيث التداول والرواج وجذبا لرؤوس الأموال؛ الأمر الذي جعلها تكاد أن تكون المُحرك الأساس للاقتصاد في العالم؛ حيث "ذكر الكاتب الصحفي الأمريكي "إيريك شلوسر" في مُقدمة كتابه "الاقتصاد السفلي": "إن الجنس وغيره من مصادر الاقتصاد السري يُمثل جزءا حيويا من أمريكا، دوره لا يقل أهمية عن الدور الذي تلعبه شركات أمريكية عملاقة أخرى، مثل "مايكروسوفت"، و"جنرال موتورز""[1]. كما تؤكد الإحصائيات حول صناعة البورنو في العالم بأن "الإيرادات الإباحية أصبحت أكبر من إيرادات كرة السلة، والبيسبول، وكرة القدم مُجتمعين عام 2012م؛ حيث تُواجه صناعة البورنو في الوقت الحالي إعادة هيكلة كبيرة لاقتصادياتها؛ فقد اختفت مُعظم الوسائل التي كانت تُستخدم من قبل كالمسارح الإباحية، والمطاعم الإباحية، وصناعة الـ DVD، وانخفضت أفلام البورنو التقليدية، وأصبح الاعتماد الأساس على الفيديو الرقمي. وعلى الصعيد العالمي، فإنه وفقا لـ"كاسيا وايسك" الأستاذ المُساعد في علم الاجتماع في جامعة "نيو مكسيكو"، فإن حجم صناعة البورنو بلغت 97 مليار دولار، وما بين 10 مليار إلى 12 مليار دولار تأتي من الولايات المُتحدة الأمريكية. كما تُشير تقديرات "هافينجتون" إلى أن الأعمال الإباحية حققت 10 مليار دولار في 2012م، وذكرت CNBC أن الشركات الإباحية بقيادة "مان وين"، وفيفيد إنترتينمنت" Vivid Entertainment، و"ديجيتال بلاي جراوند" Digital Playground قد حققت في 2012م إيرادات وصلت إلى 14 مليار دولار؛ وبالتالي فالإيرادات الإباحية أصبحت أكبر من إيرادات كرة السلة والبيسبول وكرة القدم مُجتمعين.

تشير التقديرات إلى أن هناك من 700 مليون إلى 800 مليون صفحة إباحية على الإنترنت، ثلاث أخماسها في الولايات المُتحدة، وهناك تقديرات تمت في 2013م تقول: إن هناك 25 مليون موقع إباحي في جميع أنحاء العالم، تُشكل 12% من جميع المواقع، أكبر موقع لشركة "مايند جيك" هو "بورن هب" PornHub يقول: إن لديه حوالي 80 مليار مُشاهدة فيديو العام الماضي، وأكثر من 18 مليار زيارة، وتقول شركة "مايند جيك" بأن مواقعها تخدم أكثر من 100 مليون زائر يوميا، وتستهلك 1.5 تيرابايت من البيانات في الثانية الواحدة، بما يكفي لتحميل 150 فيلما روائيا.

مُمثلة البورنو السنغافورية أنابيل تشونج

يقول "سيباستيان أنتوني" الذي يكتب لـ"إكستريم تك" Extrem Teck: إن موقع "إكس فيديو" Xvideos هو من أكبر مواقع البورنو على الإنترنت، ويتلقى 4.4 مليار مُشاهدة للصفحات، و350 مليون زيارة كل شهر، واستنادا إلى بيانات "جوجل" فإن أربعة أخرى من أكبر خمسة مواقع إباحية قد بلغ عدد مُشاهداتها كالتالي: PornHub 2.5 مليار مُشاهدة شهرية، Youporn 2.1 مليار مُشاهدة شهرية، Tube8 970 مليون مُشاهدة شهرية، Livejasmin 710 مليون مُشاهدة شهرية""[2].

لعل مثل هذه الإحصائيات تُدلل لنا على ضخامة اقتصاديات هذه الصناعة التي باتت من أهم الاقتصاديات التي تُحرك سوق الاقتصاد في العالم، وتُساهم بقدر كبير في اقتصاديات الدول التي تقوم بإنتاج هذه الصناعة.

تهتم صناعة البورنو بتحقيق جميع الخيالات والأنماط الجنسية Sexual Fantasy التي من المُمكن أن يتخيلها بشر؛ وبالتالي فهي تعمل على إرضاء جميع الأذواق، سواء كانت هذه الأذواق طبيعية، أم تحتمل المزيد من الشذوذ والتطرف؛ لذلك نرى الكثير من الأفلام التي قد تُقدم العنف، أو السادية، أو المازوخية، أو الجنس مع الحيوان، أو المثلية وغير ذلك الكثير من الأنماط الجنسية التي يمكن أن يصل إليها الخيال الجنسي؛ من أجل إرضاء جميع الاتجاهات التي قد يفكر فيها جمهورها العريض على مستوى العالم.

لكن، هل صناعة البورنو مُجرد شكل من أشكال الجنس المحض، أم أنها مُجرد صناعة ترفيهية بالفعل؟

تقول مُمثلة البورنو الهولندية Bobbi Eden بوبي إيدن، التي بدأت عملها في هذا المجال وهي في الحادي والعشرين من عمرها: "البورنو وسيلة ترفيهية لا علاقة لها بالمُمارسة الجنسية والعلاقات العاطفية، وما أقدمه هو الترفيه- الإنترتينمنت- وهذا يختلف كليا عن الدعارة"[3].

إن فكرة ارتباط البورنو بالدعارة هي فكرة خاطئة يفكر فيها الكثيرون ممن يستهلكون هذه الصناعة؛ ولعل الدليل على ذلك أن الكثيرين من رواد هذه الصناعة باتوا ينظرون إليها، ويفلسفونها لدرجة أنها قد امتلكت مجموعة من المبادئ لدى البعض منهم، ولعلنا نذكر في هذا السياق مُمثلة البورنو السنغافورية Annabel Chong أنابيل تشونج التي شاركت بالتمثيل في "فيلم "أكبر حفلة جنس جماعي في العالم"، حيث توالى على مُمارسة الجنس عليها أو معها 251 شخصا بالتتابع؛ فنراها تُفسر ذلك تفسيرا لا علاقة له بالجنس بقدر ما له علاقة بالنضال النسوي، أو ما يُسمى بالفيمينزم Feminism؛ فتقول: لقد أردت أن أمحو صورة الرجل المُسيطر، ففي هذا الشريط لم أكن لعبة جنسية ممنوحة لكل هؤلاء الرجال، بل إن فردانية هؤلاء الرجال هي التي اختفت؛ ومن ثم تفوقهم؛ لأنهم تحولوا إلى مُجرد أرقام في طابور يسهل معه تغييرهم الواحد تلو الآخر. في الواقع لقد كان اشتغالي بهذا الشريط تتويجا لمُنطلقٍ واختيارٍ سياسيين في مواجهة الذكورية Machisme".[4]

إذن، ومن خلال ما أدلت به المُمثلة أنابيل تشونج، فقد تحول الجنس من أداء فعلي/ فيزيقي إلى مُجرد فكرة/ ميتافيزيقي يحاول من خلاله صناعه الوصول إلى مجموعة من الأهداف وفلسفة الفعل تبعا لرؤاهم، وإن كانت هذه الفلسفة لا تُفقده في النهاية كونه فعلا ترفيهيا، أو مانحا للمُتعة للمُشاهد الذي يُقبل عليه.

كذلك لا يمكن إنكار دور هذه الصناعة في تغيير السلوكيات الشخصية لدى الكثيرين ممن يقبلون على مُشاهدة هذه الأفلام؛ مما يدل على أنها قادرة، فعليا، على تغيير أنماط السلوك، سواء كان هذا التغيير بالسلب أم بالإيجاب، وفي هذا الصدد يقول البروفيسور"باتريك بودري"، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بوردو، والباحث في المركز الوطني للأبحاث الاجتماعية CNRS وصاحب كتاب "البورنوغرافيا وصورها": يمكن التأكيد على أن المُشاهدة تؤثر فعلا على العلاقات الجنسية، ولو كانت تتم على فترات مُتباعدة، وإلا كيف نُفسر مثلا نزوح النساء إلى عملية حلاقة جهازهن التناسلي؟ لا بد أن يكن قد شاهدن ذلك في مكان ما. وفي نفس المنحى لاحظنا أن 45% من النساء الفرنسيات اللائي ينتمين إلى الفئة العمرية (25- 44) سنة يمارسن الجنس من الدبر La Sodomie، كل ذلك لن يكون إلا نتيجة للبورنو الذي تسبب في تسطيح هذا النوع من المُمارسات الجنسية.

مُمثلة البورنو الهولندية بوبي إيدن

أي أن الأفلام البورنوغرافية بالفعل قادرة على التأثير، والتغيير في المُجتمعات بأي شكل ترغب فيه، ومن هنا تأتي أهمية هذه الصناعة التي لا تكتفي فقط بإرضاء كل الأذواق، وتقديم كل أنواع التخيلات الجنسية المُمكنة، بل تعمل أيضا على التوجيه والتغيير في أنماط السلوك المُختلفة، فضلا عن كونها صناعة ترفيهية كبرى تسود العالم كله بلا استثناء.

نتيجة لمثل هذه التوجهات من قبل صناع البورنوغرافيا؛ فلقد نشأت العديد من شركات الإنتاج المُختلفة في توجهاتها؛ فإذا كانت صناعة البورنو مُنذ نشأتها مع ظهور الكاميرا والصورة المُتحركة قد ركزت في الأساس على الفعل الجنسي المُباشر من دون أي مُقدمات، أو أي شكل من أشكال القصص أو التخيل، أي أنها اهتمت بالغريزة في المقام الأول؛ فلقد تطورت هذه الصناعة كثيرا في السنوات الأخيرة لدرجة تقديم أفلام روائية طويلة تحتوي على العديد من القصص التي يتخللها الجنس؛ فرأينا العديد من الأفلام التي تدور في الفضاء مع كائنات من كواكب أخرى، أو أفلام تدور في البحار على ظهر السفن مُصورة مجموعة من القراصنة التي اختطفت إحدى السفن، وغير ذلك من الأفلام، وربما كانت محاولة هذه الصناعة الاتجاه بنفسها نحو المزيد من الجدية وجذب المزيد من الجمهور ومحاولة إرضائه، بل وإكسابها المزيد من التفلسف والمبادئ؛ هو السبب في نشأة المزيد من شركات الإنتاج التي تسير بالصناعة في اتجاه يختلف عن المُعتاد في الصناعة الكلاسيكية التي اعتدنا عليها، وهو ما رأيناه مثلا مع شركة "بوسي بوور" التي تقول رئيستها "لين بورجلوم": "إن مُعظم الأفلام الجنسية تبقى إنتاجا ذكوريا موجها للذكور؛ مما ولد لدي إحساسا بالجور، خصوصا وأن نصف سكان العالم من النساء، من هذا المُنطلق جاءت فكرة الميثاق الذي يهدف إلى منح النساء أفلام تثير امتعاضهن بشكل أخف. وقد جاء في هذا الميثاق الذي أشارت له "لين بورجلوم"، وهو الميثاق الخاص بشركتها: للنساء رغبة أكيدة في مُشاهدة الإيروتيزم والبورنوغرافي شريطة تقديمها بشكل يثيرهن بدلا من إثارة قرفهن، وتتأطر إنتاجات "بوسي بوور" وفق الشروط التالية: لا بد من وجود حكاية، فلن نرى مشهدا لأشخاص غير معروفين يتوجهون إلى السرير مُباشرة لمُمارسة الجنس من دون الإشارة الواضحة إلى أن ذلك يستجيب لمُتخيل جنسي لأحدهم، كما يجب أن تستجيب الأفلام أولا للرغبة الجنسية للنساء، ويجب إظهار صور تُعيد الاعتبار للجسد ولمناطقه الإيروتيكية؛ فنحن نهدف إلى إبراز كل ما هو جميل في الجسد، خاصة الجسد الذكوري الذي يمكنه أيضا أن يكون شيئا جنسيا مُثيرا، ولا يجب إظهار النساء وهن يتعرضن لضغوطات أو مُمارسات عنيفة ضد إرادتهن، لكن يمكن تصوير تمثلات نسوية، مثل الإجبار على مُمارسة الجنس مع طرف غريب، شرط الإشارة الواضحة إلى أن ذلك تصوير لتمثل نسوي، ولا نحب المشهد الذي تضطر المرأة من خلاله إلى امتصاص قضيب الرجل، مع ما يُصاحب ذلك من جذب لشعرها وسيلان السائل المنوي على وجهها"[5].

إذا كان هذا هو الميثاق الذي نشأت على أساسه شركة "بوسي بوور" من أجل صناعة أفلام بورنوغرافية مُخالفة لما عهدناه في صناعة البورنو؛ فهذا يُعد تطورا جديدا في مجال هذه الصناعة، ومحاولة تأطيرها بإطار جديد من الشروط، سواء كانت هذه الشروط نسوية/ تنتصر للمرأة، أو إطارا فكريا مثلما رأينا في حديث المُمثلة "أنابيل تشونج"، أي أن الصناعة التي كانت تهدف في المقام الأول إلى إرضاء جميع التخيلات الجنسية المُمكنة باتت تفرض شروط العاملين فيها وثقافاتهم على المُشاهد الذي قد ينصاع إلى الشكل الجديد من الصناعة، أو ينكص إلى الشكل الكلاسيكي منها الذي يُرضي رغباته مهما كانت خارجة عن المألوف؛ خاصة أن الشكل الجديد من الصناعة يتصادم مع شكلها الكلاسيكي ويعمل على نفيه؛ ففي الوقت الذي نرى فيه الشكل الجديد لا يميل إلى أفلام العنف الجنسي مع المرأة مثلا، نرى في المُقابل الشكل الكلاسيكي منها حريص على هذا في جزء منه، وهي الأفلام التي تُسمى Hogtied حيث يُمارس كل أشكال العنف على جسد المرأة في هذا الشكل من الأفلام من تقييد وتعذيب والحرق بالشموع وإدخال الأدوات الجنسية فيها وغير ذلك. وبما أن الصناعة حريصة على إرضاء كل الأذواق والرغبات؛ فلقد كان هناك ما يُقابل هذه النوعية من الأفلام وهي الأفلام التي تُسمى Femdom حيث تُمارس كل هذه الأفعال على الرجل، في المُقابل، من قبل المرأة حتى إدخال الأعضاء الجنسية في فتحاته التناسلية أيضا، بل وقيام المرأة بدور الرجل، في هذا الإطار، بلبس الأعضاء الجنسية الذكورية واختراق شرج الرجل الذي لا حول له ولا قوة، فيبدأ فيما بعد بالاستمتاع بالخضوع لها! أي أن الصناعة الكلاسيكية التي كانت تحاول تقديم كل ما يمكن أن يتخيله المُشاهد من شطحات جنسية لإرضائه بدأت تتصادم مع الشكل الجديد من هذه الصناعة التي ترغب في تأطيرها بأطر فكرية وثقافية مُختلفة تخضع لثقافة الصُناع وليس لثقافة وتخيلات المُستهلك.

أنابيل تشونج

تكاد تكون صناعة البورنو من أضخم وأهم الصناعات المُحركة لرؤوس الأموال في العالم، ورغم أن النسبة العظمى من سكان الكرة الأرضية يستهلكون هذه الصناعة من خلال مُشاهدتهم لها، سواء كان في العلن أو الخفاء، إلا أنها تلاقي حتى اليوم الكثير من الجدل والخلافات من حولها، والمُناداة بتقييدها إلى أقصى الحدود، بل ومحاولة منعها. ويرى قطاع كبير من هؤلاء المُستهلكين لها أن مُجرد الحديث عنها من الأمور المُخجلة التي يمتنعون عن الخوض فيها رغم استهلاكهم شبه اليومي لها.

في هذا المقال اهتممنا بتقديم معلومات أولية عن تاريخ هذه الصناعة، وبعض المعوقات التي لاقتها مُنذ بدأت مع صناعة الكاميرا والصورة المتحركة.

 

 الفيلم البورنوغرافي:

يُسمى أيضا الفيلم الجنسي، وهي الأفلام التي تُقدم موادا جنسية صريحة؛ بغرض الشهوة الجنسية، والإثارة المُرضية لمن يشاهدونها، والأفلام البورنوغرافية هي التي تُقدم التخيلات الجنسية المحتوية على المواد المُحفزة جنسيا، مثل العري، وفي مُعظم الأحيان ما يكون هناك تمييزا بين الأفلام المُثيرة  erotic films، والأفلام البورنوغرافية  pornographic films، باعتبار أن الأخيرة تحتوي على جنس أكثر وضوحا، وعادة فهي لا تحاول ادعاء أي جدارة فنية، أو شكل جمالي.

يتم إنتاج الأفلام البورنوغرافية، وتوزيعها من خلال مجموعة متنوعة من وسائل الإعلام، وهذا يتوقف على مدى الحاجة، أو الطلب، كما يعتمد على وسائل التكنولوجيا المُتاحة، بما في ذلك أيضا الفيلم التقليدي المخزون في أشكاله المُختلفة، سواء كان في شكل فيديو، أو عن طريق العرض المنزلي، أو على اسطوانات الـDVD، أو التحميل من خلال الإنترنت، أو من خلال قنوات الكابل cable، أو غيرها من وسائل الإعلام.

أما اليوم فالأفلام البورنوغرافية من المُمكن بيعها، أو تأجيرها على اسطوانات الـDVD، كما هو موضح من خلال شبكة الإنترنت، والقنوات الخاصة، وكذلك الدفع في مُقابل العرض على قنوات الكابل cable، أو الأقمار الصناعية، وكذلك على مسارح البالغين، أو الراشدين.

 تم إنتاج الأفلام ذات المحتوى الفاضح مُنذ اختراع الصورة المُتحركة عام 1880م، ولقد كان إنتاج مثل هذه الأفلام مُربحا جدا، ولقد بدأ عدد من المُنتجين مُنذ ذلك الوقت التخصص في إنتاجها، ولكن رغم ذلك، كان هناك مجموعات مُختلفة من داخل المُجتمع، اعتبرت مثل هذا التصوير لا أخلاقي، واصفة هؤلاء المُنتجين بالإباحية، كما حاولت هذه الجماعات المُجتمعية قمع هؤلاء المُنتجين بمُوجب قوانين الفحش، أو مقاومة الإباحية، وقد نجحوا في ذلك بدرجات متفاوتة بالفعل، ولقد استمرت مثل هذه الأفلام في الإنتاج، ولكن كان يمكن توزيعها، فقط، من خلال قنوات سرية، أو تحت الأرض؛ لأن مُشاهدة مثل هذه الأفلام يُعد وصمة عار اجتماعية، وكانت تتم مُشاهدة هذه الأفلام في بيوت الدعارة، أو دور السينما أو المسارح الخاصة بالكبار، أو الحفلات الخاصة فقط بالرجال، أو في المنازل، أو النوادي الخاصة، وكذلك في دور السينما الليلية.

بوبي إيدن

يُعد عام 1970م، فقط، هو العام الذي كانت فيه أفلام البورنوغرافيا تكاد أن تكون أفلاما شبه شرعية، وقبل عام 1980م، حققت البورنوغرافيا على الفيديو المنزلي توزيعا على نطاق واسع جدا، ولكن تصاعد واتساع وجود الإنترنت في أواخر 1990م، وفي وقت مُبكر من العام 2000م، جعل طرق توزيع الأفلام البورنوغرافية تتغير تماما، وقد ساعد على ذلك، تعقد الأنظمة الرقابية من حول العالم، وكذلك المُلاحقة القانونية لمن يقوم بالترويج للفاحشة.

تعريف أفلام البورنو:

 الإباحية Pornography - كوسيط- غالبا ما يُشار إليها باسم "بورنو" porn، ويُشار إلى الأعمال الإباحية أيضا بأنها "بورنو" porno، والأسماء الأقدم لصناعة الأفلام البورنوغرافية تشتمل على "ستاج فيلم" stag film، و"الفيلم الأزرق" blue movie، ويُشار إلى الصناعة ككل بكلمة "أفلام الراشدين" adult films، والتي هي جزء من الترفيه الخاص بالراشدين.

تصنيف أفلام البورنو:

عادة ما يتم تصنيف الأفلام الإباحية إما أنها أفلام شهوانية softcore، أو أفلام النيك الشديد hardcore pornography، ولكن بشكل عام، فالأفلام الشهوانية softcore هي الأفلام التي لا تصور النشاط الجنسي الصريح، والدخول الجنسي للأعضاء، أو الشهوة الجنسية المُتطرفة، أو الكاملة، وهذا اللون من الأفلام بشكل عام يحتوي على عري، أو عري جزئي في أوضاع جنسية مُوحية، أما أفلام النيك الشديد hardcore pornography فهي الأفلام التي تصور اختراق الأعضاء الجنسية، أو دخولها، أو الشهوة الجنسية المُتطرفة، أو الاثنين معا، وهي تحتوي على أنشطة جنسية مُصورة، ودخول مرئي للأعضاء الجنسية، كما يتسم العمل البورنوغرافي A pornographic work - كما أفلام النيك الشديد hardcore ، في حالة لو احتوى على مواد صريحة.

يتم تصنيف الأفلام الإباحية بشكل عام- في الأنواع الفرعية- التي تصف الخيال الجنسي الذي يحاول الفيلم، ومُخرجه أن يخلقه، ويقدمه، ويمكن أيضا أن تُصنف الأنواع الفرعية لأفلام البورنو من خلال خصائص أو نوع المُمثلين، أو نوع النشاط الجنسي الذي يركز عليه الفيلم، وليس بالضرورة أن يكون التصنيف قائما على نوع السوق الذي يطلب هذه الأفلام، والأنواع الفرعية لأفلام البورنو عادة ما تتوافق مع اتفاقيات مُعينة، ويمكن لكل منها أن يناشد جمهورا مُعينا.

السنوات الأولى لصناعة الجنس: القرن الـ19:

بدأ إنتاج الأفلام المُثيرة erotic films على الفور تقريبا، بمُجرد اختراع الصورة المُتحركة، وكان اثنان من أقرب الرواد الفرنسيين، وهما أوجين بيرو Eugène Pirou، وألبرت كيرشنر Albert Kirchner هما من قاما بذلك، ولقد قام كيرشنر- تحت اسم مُستعار وهو  لير Léar - بإخراج أوائل الأفلام الإيروتيكية- الشهوانية- لبيرو، والتي ما زالت باقية. في عام 1896م، أخرج كيرشنر فيلما لمُدة سبع دقائق، وكان اسمه Le Coucher de la Mariee، وهو الفيلم الذي أدى فيه المُمثل لويز ويلي Louise Willy دور مُتعرٍ في الحمام، أما صُناع الأفلام الفرنسيين الآخرين فقد اعتبروا أن الأرباح من المُمكن صناعتها من خلال هذه النوعية من الأفلام الفاضحة، التي تعري وتعرض أجساد النساء.

 في عام 1896م أيضا، قُدمت رقصة فاطمة Fatima's Coochie-Coochie Dance وهي الرقصة الشهيرة لراقصة اسمها فاطمة، والتي تُعد من رقصات البورنو الشهيرة، كفيلم قصير يتم عرضه على المسارح الرخيصة التابعة لشركة nickelodeon، والذي أدته راقصة اسمها فاطمة، ولقد كان هذا الفيلم من أوائل الأفلام التي تم إحصائها، كما تمت مُراقبة حركات حوضها أثناء هذا الرقص المُتهتك الشبيه برقصة الأفاعي، حيث كان الراقصون يلتفون حول بعضهم البعض، حتى أن هذا الفيلم كان من أوائل الأفلام التي تعرضت لها الرقابة في مثل هذا الوقت، ولقد كان هناك بالفعل العديد من الأفلام الفاضحة التي أدتها راقصات مُتميزات، وفي نفس العام، احتوى فيلم The May Irwin Kiss أول قبلة في فيلم يتم تصويره، وهو الفيلم الذي لم تتجاوز مُدته أكثر من سبع وأربعين ثانية فقط، والذي ظهر فيه زوجان شديدا القرب مُشتبكان بلسانيهما، كي يلي ذلك نكزة قصيرة جدا على الشفاه، وهو الفيلم الذي كشف أسرار القبلة، ولقد تم استنكار مشهد التقبيل؛ باعتباره صدمة فاحشة وبذيئة لرواد السينما الأوائل، كما تسبب هذا المشهد في دعوة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية للرقابة والإصلاح الأخلاقي؛ لأن التقبيل في الأماكن العامة، في ذلك الوقت، كان من المُمكن أن يؤدي بفاعليه إلى المُحاكمة، ولعله- في تحد واضح- وللمزيد من توابل الفيلم، تم اتباع هذا الفيلم بالمزيد من القبلات المُقلدة، بما في ذلك فيلم "قبلة في النفق" The Kiss in the Tunnel عام 1899م، وفيلم "القبلة" عام 1900م، وهنا تم استخدام طريقة A tableau vivant style التي تعني (تكوين صورة تكاد تكون ثابتة من المُمثلين بالوضع الذي يريدونه حتي يمكنهم الهروب من الرقابة، باعتبار أن الوضع الثابت يتشابه إلى حد كبير مع اللوحات الفنية، على خلاف الصورة المُتحركة في السينما التي تمنعها الرقابة)؛ ومن ثم استخدام هذه الطريقة في الفيلم القصير "ولادة اللؤلؤة"  The Birth of the Pearl عام 1901م، وهو الفيلم الذي ضم مُمثلا شابا لم يتم ذكر اسمه ذا شعر طويل، ويرتدي شرابا بلون الجسم في مشهد أولي مُباشر، وهذا ما أدى إلى تقديم وجهة نظر استفزازية للجسد الأنثوي، ولقد كانت وقفته على غرار لوحة بيتوشيللي Botticelli المُسماة بميلاد فينوس.

أنابيل تشونج

في النمسا، تم تنظيم السينما كمسارح ليلية للرجال فقط، وقد أُطلق على هذه المسارح اسم  Herrenabende، حيث يتم تقديم عروض للكبار فقط، ولقد قام يوهان شوارزر Johann Schwarzer الذي أسس شركة "زحل للإنتاج السينمائي" Saturn-Film production company بإنتاج 52 فيلما إيروتيكيا في الفترة من 1906م حتى عام 1911م، والتي كان كل منها يحتوي على شابة محلية عارية تماما؛ ليتم عرضها في تلك العروض، ولكن قبل شركة شوارزر للإنتاج السينمائي Schwarzer's productions قُدمت الأفلام الإيروتيكية من قبل "الإخوة باثي"  the Pathé brothers والذين كانوا مصادر إنتاج فرنسية، وفي عام 1911م، تم حل شركة زحل للإنتاج السينمائي البورنوغرافي Saturn-Film production company من قبل السُلطات الرقابية التي دمرت كل الأفلام الإيروتيكية التي أمكن لها العثور عليها في حوزة الشركة، ولكن رغم ذلك، ومُنذ هذا الحين عادت العديد من المجموعات الخاصة للظهور مرة أخرى، حتى أنه كان هناك عددا من الأفلام الأمريكية في عام 1910م التي احتوت على الكثير من النساء العاريات فيها.

بما أن بيرو Pirou غير معروفة تقريبا كمكان لصناعة البورنوغرافيا؛ فقد كانت تُمنح الائتمانات للأفلام الأخرى؛ لتكون هي الأولى، أو في المُقدمة، وفي كتاب الأبيض، والأسود، والأزرق Black and White and Blue: Erotic Cinema from the Victorian Age to the VCR عام 2008م، لمُؤلفه ديف تومسون واحدة من أكثر المحاولات العلمية لتوثيق أصول السرية في تجارة الـ  stag film الخاصة بالبورنو، ويروي ديف تومسون Dave Thompson الكثير من الأدلة على أن هذه الصناعة الأولى قد نشأت في بيوت الدعارة في بيونس آيرس Buenos Aires وغيرها من مُدن أمريكا الجنوبية قبل مطلع القرن العشرين، وسُرعان ما انتشرت من خلال وسط أوروبا في السنوات القليلة التالية، ومع ذلك فإن أيا من هذه الأفلام البورنوغرافية المُبكرة لم يُعرف عنه أنه قد نجا وفقا لبيانات فيلم باتريك روبنسون Patrick Robertson's Film Facts، والصورة الحية/ المُتحركة من الصور البورنوغرافية المُبكرة التي يمكن، بالتأكيد، أن تكون مُؤرخة هي A L'Ecu d، أو ou la bonne auberge، وقد صُنع في فرنسا عام 1908م، والذي يصور مُؤامرة جندي ضجر لديه موعدا غراميا مع خادمة في نزل- فندق صغير.

الأرجنتيني إل ساتيرو الذي ربما يكون لقبه El Sátiro (الشبق) The Satyr (نسبة إلى إله إغريقي)، ربما يكون أقدم في الصناعة، حتى أنه كان مُؤرخا له في مكان ما في الفترة من 1907م حتى 1912م، ويُلاحظ أيضا أن الأفلام البورنوغرافية الأقدم الباقية ترد في مجموعة كينزي الأمريكية، وأحد هذه الأفلام يوضح كيف تم تأسيس الاتفاقيات الخاصة بأفلام البورنوغرافيا المُبكرة، أما الفيلم الألماني Am Abend 1910م، والذي كان عبارة عن عشر دقائق فقط، فهو يبدأ بامرأة تُمارس العادة السرية وحيدة في غرفة نومها، ويتطور الأمر إلى مشاهد لها مع رجل يؤدي معها العديد من مشاهد الجنس المتوالية، من جنس فموي بلسانه، ثم اختراقه لها بدخوله شرجها.

1920- 1940م: سنوات القمع:

وُجدت الأفلام البورنوغرافية على نطاق واسع في عهد السينما الصامتة عام 1920م، وكثيرا ما تم عرضها في بيوت الدعارة، وبشكل غير قانوني في حفلات السمر، أو الأفلام الزرقاء كما كان يُطلق عليها قديما، وقد تم إنتاجها تحت الأرض، أو في سرية من قبل مجموعة من الهواة لسنوات عديدة تبدأ من عام 1940م، كما كان تجهيز الفيلم يستغرق وقتا طويلا، ومواردا كبيرة، مع الأشخاص الذين كانوا يستخدمون أحواض الغسيل من أجل تحميض ومُعالجة الأفلام ومادتها الخام (وهو أمر مُرتبط غالبا بالجريمة المُنظمة)، ثم تم تعميم توزيع هذه الأفلام بصورة سرية، أو عن طريق مندوبي المبيعات، أو المُسافرين والباعة الجائلين، ولكن مُشاهدة هذه الأفلام معهم، أو معرفة حيازتهم لها كان يضعهم في خطر السجن.

1950م: أفلام الخمسينيات المنزلية:

شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الكثير من التطورات التكنولوجية التي زادت من حافز نمو صناعة الأفلام، من خلال آليات السوق، وصُناع الأفلام الهواة، وخاصة تلك الأفلام المُقدمة على شريط 8 مليمتر، وسوبر 8 بمقاييس صناعة الأفلام، وهو الشكل الأكثر شيوعا لسوق الفيديو المنزلي، وهنا ظهر أصحاب المشاريع؛ من أجل تلبية الطلبات الزائدة في بريطانيا في عام 1950م، وقد أنتجت شركة "هاريسون ماركس" Harrison Marks لمالكها جورج هاريسون ماركس (6 أغسطس 1926م-27 يونيو 1997م) الأفلام التي كان يتم اعتبارها أفلاما فاضحة، وهي الأفلام التي يتم وصفها اليوم باعتبارها أفلاما شهوانية soft core، وقد كان ذلك في عام 1958م، وقد قام هاريسون بصناعة هذه الأفلام كامتداد للمجلات التي كان يمتلكها، حيث كان مصورا فوتوغرافيا للصور العارية Nude art، ثم تحول إلى مُخرج لأفلام العري، ومُخرج لصناعة أفلام البورنوغرافيا فيما بعد، ولقد بدأ ماركس في صناعة الأفلام القصيرة للسوق على شريط 8 مليمتر مُستخدما الموديل العارية، أو العاريات الصدر، وهي الأفلام المعروفة شعبيا باسم "إغراء الأفلام المنزلية" glamour home movies لماركس، وقد كان مُصطلح glamour/ سحر أو إغراء، كناية عن الموديل العاري/ التصوير الفوتوغرافي.

1960م: أوروبا والولايات المُتحدة الأمريكية:

كانت أفلام الجنس أكثر وضوحا في القارة الأوروبية ابتداء من عام 1961م، وقد كان المُخرج البورنوغرافي، والمُنتج، وكاتب السيناريو، والروائي، والباحث الحاصل على شهادة في القانون من جامعة ميلانو، لاسي براون Lasse Braun، رائدا في جودة المنتوجات الملونة في ذلك الوقت، في الأيام الأولى لهذه الصناعة، هذه المنتوجات التي وُزعت من خلال الاستفادة من الامتيازات الدبلوماسية لوالده، وقد كان لدى براون المقدرة على تجميع الأموال اللازمة لإنتاجه الضخم من الأرباح التي يكسبها مع ما يُسمى حلقات، أو أفلام النيك الشديد hardcore movies  لمُدة عشر دقائق، وهي الأفلام التي باعها لروبين ستورمان Reuben Sturman والتي قام بتوزيعها على 60000 عرض أمريكي مُختلف، وقد كان براون دائم الحركة والنشاط، من أجل وجود أفلام النيك الشديد hardcore movies  في عدد مُختلف من البلدان، بما في ذلك إسبانيا، وفرنسا، والسويد، والدانمارك، وهولندا.

بوبي إيدن

في عام 1960م، بدأت المواقف الاجتماعية والقضائية باتجاه التصوير الصريح للحياة الجنسية في التغير، فعلى سبيل المثال، الفيلم السويدي I Am Curious أنا فضولية أو(الأصفر) 1967م، الذي احتوى على الكثير من المشاهد العارية الصريحة ومُحاكاة المُمارسات الجنسية، فعلى سبيل المثال في مشهد واحد مُثير للجدل بشكل خاص في هذا الفيلم تقوم "لينا" بتقبيل عشقيها الرخو القضيب، وقد عُرض هذا الفيلم في دور السينما السائدة في هذا الوقت، ولكن في عام 1969م، تم حظر الفيلم في ولاية Massachusetts ماساشوستس الأمريكية بزعم كونه فيلما إباحيا pornographic، وقد تم تحدي هذا الحظر في المحاكم مع المحكمة العليا في الولايات المُتحدة الأمريكية، وفي نهاية المطاف تم إعلان أن الفيلم لم يكن فيلما فاحشا؛ وهو الأمر الذي مهد الطريق لغيره من الأفلام الجنسية الصريحة فيما بعد، أما الفيلم السويدي الآخر Language of Love لغة الحب عام 1969م، كان فيلما جنسيا صريحا أيضا، لكنه تم تأطيره باعتباره فيلما شبه وثائقي، أو فيلما من أجل تعليم الجنس، وهو الأمر الذي جعل وضعه القانوني غامضا، رغم إثارته للكثير من الجدل.

في عام 1969م، صارت الدانمارك أول دولة تقوم بإلغاء جميع قوانين الرقابة؛ لتمكين المواد البورنوغرافية، بما في ذلك مواد النيك الشديد البورنوغرافية hardcore pornography، وهو المثال الذي تم اتباعه بالتساهل في هولندا كذلك عام 1969م، وقد كان هناك انفجارا للمواد الإباحية التي يتم إنتاجها تجاريا في هذه البُلدان، بما في ذلك – في البداية- الصور الإباحية للأطفال، والبورنوغرافيا البهيمية، أو نيك الحيوانات bestiality porn، وهنا سيكون وضع صُناع البورنو وضعا قانونيا، ولم يكن هناك نقصا في رجال الأعمال الذين استثمروا في المصانع، والمُعدات لإنتاج أعمال جماهيرية ورخيصة وذات جودة في نفس الوقت، كميات هائلة من هذه المواد البورنوغرافية الجديدة، سواء كان في ذلك المجلات، أو الأفلام في حاجة إلى تهريبها لأجزاء أخرى من أوروبا، حيث يتم بيعها under the counter تحت الطاولة، أو في السر، وفي أحيان أخرى يتم عرضها على أعضاء النوادي السينمائية فقط.

أما في الولايات المُتحدة الأمريكية فقد شكل مُنتجو الأفلام البورنوغرافية جمعية السينما الأمريكية للبالغين Adult Film Association of America في عام 1969م، للقتال ضد الرقابة، والدفاع عن هذه الصناعة ضد الاتهامات الموجهة إليها بارتكاب الفعل الفاضح.

1970م: مسارح البالغين ومقصورات الفيلم في الولايات المتحدة:

في عام 1970م كان هناك موقفا قضائيا أكثر تسامحا للأفلام غير السائدة، ومع ذلك، لم تكن دور العرض السائدة هي المكان الأمثل لعرض الأفلام الشهوانية softcore films حيث رفضت عرضها، وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع كبير، وازدهار في دور العرض المُتخصصة في عرض هذه الأفلام في الولايات المُتحدة، وغيرها من البلدان الأخرى، كما كان هناك أيضا لونا من ألوان الانتشار لهذه الأفلام عن طريق استخدام قطع العُملة المعدنية، وهي ما أُطلق عليها اسم "أكشاك الأفلام" movie booths في محلات الجنس التي قامت بعرض حلقات بورنوغرافية (سُميت هكذا لأنهم عرضوا لقطة (فيلم) من فيلم رُتب في حلقات مُستمرة).

وقد بدأت الدانمارك في إنتاج الأفلام الجنسية الكوميدية ذات الميزة المسرحية المُميزة من خلال الميزانيات الكبيرة نسبيا، مثل فيلم Bordellet 1972م، والأفلام التي أطلقوا عليها اسم "أفلام البد سايد" the Bedside-films (1970- 1976م)، و"أفلام الزودياك" the Zodiac-films (1973-1978م)، والتي قام ببطولتها مشاهير المُمثلين (عدد قليل منهم قاموا بأداء مشاهدهم الجنسية الخاصة)، وكانوا في العادة لا يفكرون فيها باعتبارها أفلاما بورنوغرافية؛ رغم أن هذه الأفلام المُبكرة من أفلام "البد سايد" the Bedside-films كانت تحتوي على مشاهد النيك الشديدhardcore pornographic scenes، كما أن العديد من هذه الأفلام لا تزال تحتل مرتبة مُتقدمة من بين أكثر الأفلام مُشاهدة في التاريخ السينمائي الدانماركي، وبقيت كلها من الأفلام المُفضلة في قائمة الفيديو هوم home video، أو أفلام العرض المنزلي على شرائط فيديو.

 

محمود الغيطاني

مجلة "نقد 21"

عدد مارس 2022م

من كتاب "تاريخ صناعة البورنو" للمُؤلف "قيد الإنجاز"



[1]  انظر مقال "اقتصاديات الإباحية Pornography: صناعة تتجاوز مليارات الدولارات"/ للكاتب أشرف إبراهيم/ موقع ساسة بوست/ 22 مايو 2016م.

[2]  انظر المصدر السابق/ مصدر سبق ذكره.

[3]  انظر الحوار الذي أجرته آنا روزالس مع المُمثلة والمنشور في موقع Imarabic.com/ بتاريخ 29 مايو 2014م.

[4]  انظر مقال "حول علاقة البورنوغرافيا بالسينما الكلاسيكية: انتصار للحرية أم هزيمة للواقع الأخلاقي؟"/ ترجمة أوشن طارق/ مجلة الفن السابع/ العدد الثلاثون/ مايو 2000م/ السنة الثالثة/ المجلة ص 23.

[5]  انظر المرجع السابق/ المجلة ص 24.