السبت، 18 يوليو 2020

الشرق يبدأ في القاهرة.. الخوض في مدينة أسطورية

لعل الكثيرين من الكتاب والرحالة كتبوا عن زياراتهم إلى مصر وانبهارهم بمدينة القاهرة الأسطورية- بالنسبة لهم- ومن ثم رأينا هذه الكتابات تزخر بالكثير من الإعجاب بسحر هذه المدينة التي تركت بأكبر الأثر داخلهم؛ فظلوا يحلمون بمشاهداتهم فيها، وسحرها الذي لا يعرفون سببه.
من هذه الكتب الكثيرة- على سبيل المثال- "تاريخ المصريين" لإسحق عظيموف، و"رسائل من مصر" لهانز جورج بيرجر، وهيرفي جيبير، و"على ضفاف النيل"، و"مصر في زمن الفراعنة" لإدا بيرسياني، و"رحلة في الشرق" لجوستاف فلوبير، و"مذكرات مصرية" لأندريس أولجين، و"القاهرة، المدينة المنتصرة" لماكس رودنبيك، و"الصدمة الثقافية، مصر" لسوزان إل ويلسون، وغيرها الكثير من الكتب المختلفة التي أبدى كتابها مدى عشقهم وانبهارهم بالقاهرة، المدينة ذات الألف وجه.
هذا السحر الذي لا يعرف أصحابه سببه كان هو السبب الرئيس الذي جعل الروائي والصحفي الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي يُعد عدته من أجل الترحال إلى مصر، لا سيما مدينة القاهرة التي كثيرا ما قرأ عنها في الكتب؛ الأمر الذي أصابه بحالة من العشق والتوله، والتخيلات تجاه هذه المدينة الأسطورية؛ ومن ثم أنتج كتابة "الشرق يبدأ في القاهرة" الذي حكى فيه حياته فيها، والسحر الذي لاقاه هناك رغم الأتربة والتلوث والفوضى الذين لم يكن يحتملهم للوهلة الأولى، لكنه اعتادهم وتآلف معهم فيما بعد.
يؤكد فاسيولينسي منذ البداية أن قراءاته المختلفة عن مصر وتاريخها كانت هي السبب الرئيس خلف هذه الرحلة، محاولا تتبع ما قرأه والتأكد منه ومعايشته على أرض الواقع؛ لذلك يقول: "المسافر الفضولي جوستاف فلوبير أخبرنا منذ حوالي قرنين: "الشرق يبدأ في القاهرة"، وبما أننا لا نستخدم الجياد أو الجمال، أو نسافر فوق الحمير، أو نُبحر على هوى الأمواج؛ قررنا شراء رحلة نحو القاهرة. يبدأ السفر قبل الرحيل بوقت طويل، إنها مخيلة الرحلة، ما نقرأه وما نتخيله، أول ما قرأته كانت الصفحات التي يقص فيها فلوبير رحلته إلى مصر في خطاب لوالدته في 14 ديسمبر 1849م في بداية رحلة ستستغرق أكثر من عام، يقص فلوبير أنه قرر ألا يهذب لحيته: "تنمو لحيتي مثل حشائش السافانا في الأمريكتين". لكي أوفر الكثير من الوقت، ولكي أبدو مثل الصورة النمطية الموجودة لديّ عن الشرقيين؛ قررت تقليد فلوبير، لو لم أكن لأتمكن من القيام عبر الكتابة، فعلى الأقل سأقلده في تصرفه؛ لذا قررت ترك لحيتي تنمو". ربما نلاحظ هنا محاولة المؤلف منذ قراره في الرحيل التماهي مع العديد من الكتاب الذين قرأ لهم عن زياراتهم إلى مصر، لا سيما فلوبير؛ لذلك فهو يستعير مقولته عن مصر ليجعلها عنوانا لكتابه الذي كتبه بعد هذه الرحلة، كما يحاول أن يحاكيه بترك لحيته ظنا منه أن المشرقيين أصحاب لحى طويلة؛ ومن ثم فهو لا بد أن يكون مثلهم في المظهر الخارجي حتى لا يبدو غريبا بينهم؛ وهو الأمر الذي ظنه سيجعلهم يتآلفون معه منذ البداية ولا يتعاملون معه كغريب.
هذه الأفكار الجاهزة والنمطية عن المشرق- وهي الأفكار التي يظنها الغرب دائما عن المشرقيين- هي ما جعلت المؤلف يظن، ظنا خاطئا، أن ذهابه إلى القاهرة ومعه زوجتيه سيجعله قريبا منهم متآلفا معهم باعتبار أن جميع أبناء الشرق لديهم من الزوجات ثلاث ورباع؛ وبالتالي فاصطحابه لزوجيته معه يكاد أن يكون بمثابة القول: أنا أيضا مثلكم ولست غريبا عنكم؛ لذا يقول: "كنت أظن أن سفري مع امرأتين في القاهرة لن يجعلني أبدو بمظهر غريب، افترضت عبر جهلي البرئ أن هذا الأمر هو الأكثر شيوعا هنا، مثل هؤلاء الرهبان الكاثوليكيين الذين يصبحون إنجيليين بين يوم وليلة ليتمكنوا من التزوج وتجنب التبتل، هكذا كنت قد قررت- على الرغم من عدم كوني شخصا متدينا- أن أظهر كمسلم؛ لكي أزهو بتلك الجائزة، هاتين الزوجتين، إنها حماقات، تعدد الزوجات هنا كما شرح لي سليم بعدها بأيام يُمارس فقط من قبل الفلاحين البسطاء، والمليونيرات المتعصبين، وبعض المرفهين، والكثير من الرجال الطيبين. هؤلاء الرجال الطيبون هم من أحيانا يتزوجون بزوجات أشقائهم بعد ترملهن (لا يفعلون هذا لأسباب جنسية، بل للتضامن وتوفير متطلبات المنزل دون أن يمسسهن حتى)، أو ربما بقريبة عزباء فقيرة يمكنها المساعدة في أعمال المنزل، ولكن بوجه عام فإن رخصة تعدد الزوجات الموجودة في الإسلام لا تُمارس هنا بشكل كبير".
إذن، فهذه الأفكار الجاهزة عن الشرق- والتي يكاد يصدقها كل أهل الغرب- تكاد تكون هي المُحرك الأساس لهم في التعامل مع المجتمعات الشرقية؛ ومن ثم فهم يُصابون بصدمة ثقافية كبيرة حينما يخوضون الحياة في الشرق على أرض الواقع؛ حيث تنهار كل تصوراتهم النمطية عن الحياة في هذا الركن من الكرة الأرضية، ويشاهدون أناسا عاديين لا يختلفون عنهم كثيرا في أنماط الحياة؛ فتبدأ هذه الأفكار في الاندثار والمحو تماما عن أذهانهم- كأن يتخيلون أن أهل الشرق في مصر مثلا ما زالوا يتنقلون على ظهور الجمال، معتقدين في ذلك أن مصر ليست سوى صحراء ومجرد حياة بدائية، أو هذه الصورة النمطية التي نتخيلها نحن عن إفريقيا باعتبارها مجرد أدغال وغابات وبشر بدائيين يعيشون في صراع مع الحيوانات فقط-.
هذا التنميط في الأفكار، سواء كان عندنا، أو لدى الغربيين، هو ما يجعلنا غير قادرين على التصور الحقيقي للأنماط الثقافية الأخرى، وبالتالي نقع أسرى التخيلات والتصورات الخاطئة.
ربما كان أهم ما نلاحظه في كتاب "الشرق يبدأ في القاهرة" هو الأسلوب الأدبي الذي كتبه به مؤلفه، لا سيما أنه من أهم الروائيين في كولومبيا، وهو الروائي الذي منحته إسبانيا جنسيتها في 2017م؛ لكونه "أحد أفضل المؤلفين باللغة الإسبانية"، كما لا يمكن إنكار أن الترجمة التي قام بها محمد الفولي كانت من الأهمية بمكان ما جعلنا نشعر وكأنما الكتاب قد كُتب باللغة الأدبية العربية؛ نظرا لبساطة الأسلوب وأدبيته. نلاحظ هذا على طول الكتاب فنقرأ: ""اشترينا رحلة إلى القاهرة"، كان هذا هو ما قلته ومن الأفضل أن أفسره، سبب استخدام الجمع هو أنني سافرت مع زوجتيّ (آ) و(ك)، الرحلة تتضمن السفر بالطائرة بكل تأكيد وبرنامجا طويلا، من ميديين إلى نيويورك مع شركة (أفيانكا)، ومن نيويورك إلى بوسطن مع (أمريكان)، ومن بوسطن لمدريد مع (سابينا)، ومن مدريد للقاهرة مع (مصر للطيران). دول ومطارات وشركات العالم الأول دائما ما تحتفظ بمفاجأة لمواطني العالم الثالث، ليست الطائرات المُتهالكة بسبب عامل الزمن، أو المواعيد المتغيرة بسبب الفوضى أو الفقر أو الإهمال، كل هذه الأمور تعمل بطريقة شبه مثالية في دول العالم المُتقدم. تكمن مشكلة مواطني العالم الثالث- أثناء السفر نحو القارات الثرية- في التأشيرات. الرعب المُبجل الذي يسمح لهؤلا الهنود- أي نحن- بالدخول لأرض الأطهار". من خلال هذا الاقتباس وغيره على طول السرد نلاحظ أن الكاتب يكتب رحلته وتأملاته وملاحظاته من خلال أسلوب أدبي/ روائي سلس؛ الأمر الذي يُشعر القارئ أنه أمام عمل أدبي، أو قطعة أدبية فيها من التشويق والسلاسة ما يمكن أن يشعر به في أي رواية قد يقرأها يوما، وهو ما يجعل العمل قريبا من القارئ مُحببا له.
يتوقف بنا المؤلف أمام التعامل الفج والفظ من دول العالم الأول لمواطني العالم الثالث، أي التعامل بين الأثرياء والفقراء في العالم- باعتبار أن العالم ينقسم إلى هاتين الطبقتين فقط- أو القوة والضعف، أو الشمال والجنوب، ويؤكد أن حكومات العالم الأول تتعامل بشك وريبة وكراهية وتعالٍ وربما استعباد لكل مواطني العالم الثالث- حتى لو كان هذا المواطن روائيا أو مثقفا كما حدث مع الكاتب- وهو ما نلاحظه في قوله: "كنت أنا و(آ) قد أخذنا حقائبنا وجلسنا فوقها، تحدثنا في قلق دون أن نتجرأ على العبور للجمارك، لم تكن (ك) خرجت بعد من قسم الهجرة، في النهاية وبعد نصف ساعة وصلت متعرقة وشاحبة وغير مهندمة، ارتعشت شفتاها وهي تقص كيف احتجزوها في غرفة مكتب صغيرة مع توجيه مصباح بقوة "400 وات" نحو عينيها، كيف تحسسوا جسدها بالكامل بحثا عن المخدرات، بل وأنهم أخضعوها لتحقيق متعدد يخص المجرمين، إذا كانت جاءت من أجل العمل؟ أو إذا كانت تعرف تجار مخدرات؟ أو تنوي الزواج في الولايات المتحدة؟ ولماذا سافرت من كولومبيا؟ وإذا كانت ترغب في الدراسة؟ أجبروها على إظهار ما معها من دولارات، قالت: إنهم لم يتركوها إلا لسبب واحد، بطاقة الائتمان، وتذكرة الذهاب والعودة."، أي أنها تم التعامل معها بشكل من المهانة والتشكك لا بد له أن يؤثر على نفسيتها ويكاد يكون ضد حقوق الإنسان باسم الأمن ومحاربة الإرهاب الذي يسود العالم.
لكن، إذا كانت هذه المعاملة الفظة هي ما لاقوها في مطارات أمريكا التي تتميز بعنصريتها، فإنهم لاقوا معاملة مثيلة لها تماما وأكثر عنصرية في مطارات أوروبا، وهو ما يُدلل على أن مواطني العالم الثالث لا يحق لهم الحياة مُطلقا في دول العالم الأول؛ لأنهم من وجهة نظر حكومات هذا العالم مجرد عبء وكائنات أشبه بالنفايات، ومجرمين لا يصلحون لهذا العالم المتحضر: "مع الوصول لبروكسل، ثاني محطات الترانزيت نحو مدريد، جاءت العقبة الثانية، عرفنا أننا لن نتمكن من أن نخطو فوق هذه الأراضي المقدسة، أشار شرطي الحدود بطريقة قاسية وتقليدية نحو البوابة قائلا: "مع عبور هذا الباب، ستخطون على أراضي دولة شينجين، ليس لديكم التصريح الملائم لكي تخطوا هنا، وبالتالي لن يُسمح لكم بالعبور، يجب أن ترسلكم شركة الطيران لسويسرا، إنها ليست دولة شينجين، ومن هناك سترسلكم إلى مدريد بشكل ما"، تعاملت (ك) بشكل حاد مع موظف الحدود، أشارت له نحو الصالة المواجهة له حيث بدأ المسافرون نحو مدريد في الاصطفاف؛ من أجل دخول النفق والسفر، سنخطو ستة أمتار فقط فوق أراضي الشينجين المقدسة- حاولتْ أن تشرح له- وسنعود دون أن نكسرها أو نلطخها، كان الأمر بلا فائدة مع جوازات سفرنا الكولومبية، من المستحيل أن تعبر عبر هذا الباب، وهذا الرواق لتدخل في هذا النفق، إذا لم يحضروا ختما صالحا وصادرا من قنصلية ما، فإن كفار جنوب العالم لا يمكنهم أبدا أن يضعوا أقدامهم فوق أراضي الفلمنك السهلية والمطيرة".
بالتأكيد بقدر ما تُشعر هذه المعاملة بالإهانة والتضاؤل والمهانة، بقدر ما تُدلل على نظرة معظم دول العالم المتقدم لمواطني دول العالم الثالث، أو نظرة أهل الشمال للجنوبيين في الكرة الأرضية، وهي في حقيقتها نظرة شديدة العنصرية تجاه الجنوبيين من سكان هذا الكوكب لمجرد أنهم ولدوا في هذا الجنوب البائس.
يتحرك فاسيولينسي تجاه القاهرة حاملا داخله الكثير من التوله والعشق والأفكار والقراءات التي لا تنتهي؛ لذلك فهو يرى القاهرة دائما من خلال الكتب التي رأى من خلالها هذه المدينة الأسطورية المختلفة عن أي بقعة أخرى من العالم، وهو طوال رحلته في الوصول للقاهرة يستعيد ويجتر كثيرا قراءاته عن هذه المدينة- سواء كانت قراءات قديمة أم حديثة- فيقول: "كثيرة هي كلمات الغزل التي كُتبت في القاهرة منذ قرون؛ فخصص لها الرحالة ابن بطوطة في زمن السلطان الناصر بالنصف الأول من القرن الرابع عشر هذا المديح: "أم المدن، سيدة الأرياف العريضة والأراضي المثمرة، لا حدود لمبانيها الكثيرة، لا نظير لجمالها وبهائها، تمتد كموج البحر بما فيها من خلق بالكاد تسعهم"، ولكن أكثر وأشهر ثناء تكرر لوصفها في كتاب (ألف ليلة وليلة): "من لم ير القاهرة لم ير شيئا، أراضيها من ذهب، ونيلها معجزة، ونساؤها مثل حور العين، ومنازلها قصور، وهواؤها عليل، عبيرها أقوى من الصندل، تأسر القلب، وبأي شكل آخر يجب أن تكون؟ القاهرة هي أم الدنيا". يقول المعلقون: إن ثناء الأمس ربما يصبح رثاء اليوم؛ أو بالأصح أن أم الدنيا تحولت إلى زوجة أب عجوز مُنفرة، لكن يمكن قول شيء في صالحها، روعة هذه البقعة من الأرض هو أنها في انهيار منذ خمسة آلاف عام، إلا أنها لا تتوقف عن الإبهار".
من خلال هذه القراءات المتعددة التي قرأها المؤلف عن المدينة يتبدى له ولنا لغز هذه المدينة التي لا تنتهي ألغازها، إنها المدينة التي لا تفك مغاليقها لأحد بسهولة، لا يمكنها أن تمنح نفسها للغريب ببساطة، بل لا بد من المكابدة الطويلة من أجل الوصول إلى ذلك: "أسر لغز الهيروغليفية وديانات مصر القديمة الجميع، هيرودوت، وأفلاطون، والإسكندر الأكبر، ويوليوس قيصر، وماركوس أنطونيوس، ونابليون، المؤرخ والفيلسوف والفاتح الغازي، كلهم أرادوا الوصول لتلك الأرض المُبهرة والإعجازية أو الاستيلاء عليها، غزو الأرض النائية في ثقافتها لكي تصبح قريبة جدا على الخريطة، حالة شاذة، وادي ضيق أخضر رطب وخصب في وسط الصحراء، أكبر واحة على وجه البسيطة؛ لأنها تنتصب على أرض لا تمطر فيها أبدا، جرح غائر من الشمال للجنوب، طعنة مستقيمة من الخضرة والمياه، ندبة طويلة في أرض سمراء لا تلتهمها رمال الصحراء الحمراء التي تهب ببخرها المُجدب. وما السبب وراء تلك الحالة الشاذة الرائعة؟ تيار لا يتكرر، شئ يتدفق منذ سنوات كثيرة تسبق مصر القديمة، ينبوع مياه لا ينضب، نهر مثل الإنسانية ذاتها وُلد في قلب إفريقيا، واسمه النيل. هكذا، وبالطريقة ذاتها، التي لا تزال توجد بها تساؤلات بلا أجوبة حول أصل الإنسان- حتى ولو كان معروفا أن الرد: هناك في إفريقيا- فإنه طوال آلاف السنين ظل أصل النيل لغزا، هناك قول شائع كان يُقال في روما للسخرية من أي شخص يسعى وراء أمر مستحيل وهو "إنه يبحث عن أصل النيل"".
من خلال ما يخطه الكاتب عن رحلته وتأملاته حول مصر، والقاهرة يتضح لنا أنه يشعر بالإعجاز أمام هذه المدينة والبلد بالكامل؛ فجميع الكتابات صورتها باعتبارها حالة إعجازية لم تتكرر في تاريخ البشرية سواء على المستوى التاريخي، أو الثقافي، أو الجغرافي؛ لذلك نراه آتيا لها بشكل مندفع فيه من الشوق والرغبة العارمة لرؤية هذه الثقافة المختلفة السحرية الأسطورية والاندماج معها بأي شكل.
هذه القراءات المكتظة، والرغبة الشغوفة بالمدينة كانت سببا رئيسا في صدمته للوهلة الأولى، وهي الصدمة التي من الممكن أن نقول عليها: الصدمة الحضارية، أو الثقافية، أو حتى صدمة الطقس ورؤية المجتمع الذي لم يكن يتصوره بهذا الشكل، بل رآه من خلال خياله وأفكاره النمطية التي كونها من الكتب التي رأى فيها المدينة؛ لذلك نراه حينما يصل إلى القاهرة في صدمة حقيقية لن يخرج منها إلا بالاندماج في هذا المجتمع فيما بعد؛ وبالتالي يراه عاديا ويتآلف معه مثل سكانه تماما: "القاهرة لا تزال ناجية بفضل النيل، لكن النهر مجرد تيار وليس رشاشا للمياه، الأمطار هي رشاش المياه، وكل شيء هنا ينقصه الاغتسال، لا تقدر المباني على الاستحمام بالانغماس في النهر ولا الشوارع ولا الأرصفة، فكل شيء مُغطى بالتراب والرمل، لذا فإن كل شيء يحتاج إلى "دُش"، هذا هو الانطباع الأول، هنا لا تُمطر مياها، بل ترابا، ورائحة الهواء دون دش المياه المُنظف هي دخان المصانع وعوادم السيارات، يعيش ما يقرب من 17 مليون نسمة- ربما تكون البيانات الديموغرافية غير دقيقة، حيث يتراوح التعداد بين 16 و19 مليونا، وفقا لطريقة الحساب- يعيشون هنا بكل دخانهم وقماماتهم ودون المياه التي تُطهر، أول شعور تملكني كان فظيعا، قاومت رغبتي في التنفس، رفض جسدي هذا وانسدت أنفي، وبقيت رئتاي في منتصف الطريق، وعانيت في كل الأيام التالية لي بالقاهرة من حالة ربو نفسية؛ لأنني لم أرغب في تنفس هذا الهواء".
إن حالة التلوث الكبيرة التي وصلت إليها القاهرة على يد أبنائها، وهو التلوث الذي اعتاده من يعيش فيها ولا يراه غريبا كان أول الحُجُب التي واجهت المؤلف تجاه معشوقته التي عشقها من الكتب التي قرأها؛ لذلك فهو يبدأ منذ الوهلة الأولى في المقارنة بين طقسها وبين الطقس الذي يعيشه في كولومبيا، لكنه لا يحاول المُفاضلة بينهما. هو هنا يرصد ويتأمل فقط: "في إحدى الليالي حينما كنا نتنزه في شارع كورنيش النيل الجميل، حدثت المعجزة الاستثنائية، بدأت قطرات بسيطة وخفيفة من المياه في التساقط، ارتجلت (ك)- بكل حبها المعروف للتمايل- رقصة وهي تقفز وتردد كلمات أغنية "الغناء تحت المطر"، لترد (آ) بابتسامة مليئة بالشك "المطر في القاهرة"، توقف بعض الأشخاص لمشاهدة (ك) التي تظاهرت بحمل مظلة، وأشاروا إليها ثم ضحكوا، لم يستمر سقوط رذاذ الماء سوى دقيقة واحدة، كانت مجرد قطرات هزيلة مُشتتة تتبخر بمجرد سقوطها على الإسفلت، لم يصدق القاهريون حتى سقوطها، نظروا بلا مبالاة إلى سمائهم القاحلة، التي تُعد انعكاسا لصحرائهم حيث كانت تمر سحابة بيضاء تحملها الرياح، خاضعة بين القلق والعجز، لا توجد بالوعات في شوارع القاهرة لصرف مياه الأمطار؛ فهي في الأساس غير ضرورية لأنها لا تسقط أبدا، بل إن بيوت النوبة (جنوبا) ليست بها حتى أسقف؛ لأن الأمر الوحيد الذي يسقط من السماء الزرقاء هو بريق النجوم، وما من شيء قد يؤدي للشعور بالبلل والاستياء، لا يوجد أي مكان للمعاطف أو المظلات في مصر، هذا الرذاذ الخفيف الذي لا يجعل الجسد حتى يبتل، ذلك الندى الذي مس أنف (ك) ذكرني بموطني الذي قد تمر فيه شهور وشهور دون أن يأتي يوم واحد يخلو من الأمطار، تذكرت "تشوكوه" وهو أحد أكثر الأماكن رطوبة على وجه البسيطة، والذي تبلغ فيه كمية الأمطار التي تسقط في دقيقة واحدة ربما ما يسقط بمصر طوال عام كامل".
هذه الحالة من المقارنة بين طقس القاهرة وطقس كولومبيا لا تتوقف فقط عند حدود المناخ، بل تتعداها ليبدأ الكاتب في المقارنة بين المجتمعين، ونقاط تشابههما، وأنماط حياتهما الاستهلاكية والاقتصادية فيقول: "في بلادي المليئة بالمهربين ورجال المافيا، نحن خبراء في حداثة النعمة، نحن أشقاء مصر في هذا، وأيضا في مسألة الانتماء للعالم الثالث، شاهدت ما يشبه قذارة القاهرة في قرانا بمنطقة الساحل ووسط ميديين خصوصا في ليالي السبت، فقر القاهرة مثل فقرنا، وإن كان ذلك الذي يخصها أكثر كرامة ولا يزال يحتفظ، حتى في أكثر حالاته مأساوية، بنوع من الاحترام، ما لا يصب في صالحنا هو مسألة العنف، إذا ما كانت الأبواق في القاهرة لا تتوقف (وهذا الأمر يُصيب أكثر العقول حكمة بالجنون)، فإنها في ميديين لا تُسمع لسبب أسوأ؛ الخوف من أن يقدم مجنون غاضب على قتلك إذا ما استخدمت بوق سيارتك معه، عمليات السرقة بالإكراه والقتل، الخبز اليومي الذي تتناوله كولومبيتنا الحبيبة المنتمية للعالم الثالث، هي الأمور التي لو حدثت في القاهرة ستصبح استثناء وفضيحة. على النقيض، هم يتفوقون علينا أحيانا في حداثة النعمة، وربما تفيد مظاهر الترف المبتكرة في تلك الأراضي رجال المافيا في بلادنا وتصبح مصدرا لإلهامهم، على سبيل المثال، لم يكن سبق ورأيت لهّاية رُضّع مصنوعة من الفضة مثل تلك التي شاهدتها بالقاهرة في الكاتدرائية الجديدة لزماننا الحالي؛ دار العبادة التي لا تخلو منها أي عاصمة في عام 2000م، المركز التجاري، لم يجدوا هنا اسما أكثر كلاسيكية ورداءة من هذا، "أركاديا"، رواده المصطفون من مستهلكين مستأنسين يعيشون في فردوسهم الزائف، يشبهون كثيرا زبائن أي مركز مماثل بأي مكان في العالم، إنها نفس المتاجر ولكن مع تغييرات شرقية ظاهرة، مثل لهاية الرضيع الفضية على سبيل المثال، ولكن هناك أيضا نفس المتاجر الرائجة التي يفرضها السوق العالمي، نفس أماكن تناول الطعام أو بيع الأحذية أو أحدث صيحات الموضة للرجال والنساء والملابس والملحقات الرياضية والأثاث، عملية توحيد ذوق معين وفرضه على الناس قائمة هنا أيضا: في هذه البوابة الافتراضية للشرق".
إذن، فلم يقتصر الأمر لدى المؤلف على المقارنة الدائمة بين الطقس الجوي في القاهرة وبين كولومبيا، بل ظل يعيش في حالة مقارنة بين العالمين، ويؤكد أن ثمة صلة عميقة وقوية بين كل أبناء العالم الثالث لا يمكن لهم أن يختلفوا فيها عن بعضهم البعض، وربما كانت هذه المقارنة، أو النظرة التأملية الخاصة نابعة من الفارق بين الحقيقة والخيال، أو بين التصورات الجاهزة والنمطية عن المدينة وما عايشه على أرض الواقع حينما زارها. إن هذا الاختلاف البيّن له أكبر الأثر على الكاتب الذي تأكد أنه كثيرا ما ظن في القاهرة الكثير من الأمور التي لم تكن حقيقية ولا علاقة لها بالمدينة التي رآها في الواقع؛ الأمر الذي يؤدي إلى الصدمة الثقافية، أو الحضارية الأولى لكل من يرى الأمور على خلاف ما تصورها أو رآها في خياله. هذه الصدمة يتحدث عنها حتى من خلال ما قرأه في الكتب عن المدينة فيقول: "ما أن وصل فلوبير إلى القاهرة حتى شعر بالرغبة في العودة إلى نورماندي، كان يرغب في التخلي عن عيش الرحلة ليبدأ في رواية كل هذا، مساوئ السفينة، وقسوة امتطاء الحمير، وغبار الصحراء، والرياح الرملية، وشمس المتوسط العمودية عديمة الرحمة، الفوارق بين شرق المخيلة والرغبة والشرق الحقيقي هائلة، والإحباط هو واجهتها. لم يعترف بهذا الأمر مباشرة في خطاباته، لكن رفيق الرحلة وصديقه المصور ماكسيم دو كامب يقص الأمر دون كلمات منمقة: "منذ أيامنا الأولى في القاهرة لاحظت إرهاقه وضجره، هذه الرحلة التي داعبنا حلمنا زمنا طويلا والتي بدا تنفيذها مستحيلا، لم تكن الآن ترضيه، كنت واضحا معه وقلت له: إذا ما كنت ترغب في العودة لفرنسا؛ سأترك الخادم لكي يصحبك، ولكنه أجاب: لا، لقد بدأت الطريق ويجب عليّ خوضه حتى النهاية، تول أنت مسؤولية خط الرحلة وسأتبعك، لم أعد أبالي إذا كنا سنذهب يمينا أم يسارا". أي أن التصور الجاهز يختلف اختلافا بينا عن الحقيقة؛ الأمر الذي يجعل المرء مُصابا بنفور من المكان للوهلة الأولى غير راغب في الاستمرار في البقاء فيه، وهو بالفعل ما شعر به مؤلفنا فاسيولينسي حينما وصل إلى القاهرة؛ لذلك نراه يقول: "أعترف بتدفق مشاعر النفور والرفض، وربما وجود رغبة داخلي في الهرب عند وصولي، لم أكن أرغب في التواجد هنا وسط الغبار والأدخنة والضوضاء وكل هؤلاء الفقراء، بل كنت أرغب في الرحيل! القاهرة صعبة وقاسية لدرجة جعلتني أشعر بأمر لم ألمسه من قبل، وهو اشتياقي لميديين. يرى أحد نقاد العجائبية أن الشرق أشبه بحلم بالنسبة لنا، ولكنه حينما يتحقق قد يتحول إلى هراء".
الروائي الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي
هذا الميل الواضح للمقارنة الدائمة- التي كان السبب فيها التصورات النمطية عن الشرق والمتناقضة تماما مع الواقع- يؤدي بالضرورة إلى الصدمة الشديدة وهو ما يعترف به دائما حينما يقول: "أدلتي السياحية قديمة بعض الشيء، هي بوجه عام كتب رحلات تعود للقرن التاسع عشر، ولهذا وصلت للقاهرة منتويا المبيت- لليلة واحدة لو كان الأمر باهظا- في فندق (شيبرد)، أكثر الفنادق التي أوصى بها رحالتي، كنتُ قد شاهدتُ صورا قديمة لقاعاته المُغطاة بالسجاد الفارسي، ولسيدات جميلات دون حجاب يتجاذبن أطراف الحديث مع رجال بعمائم في بهوه الخارجي الواسع، لنراجيل وسجائر مشتعلة وكؤوس مليئة بالكونياك وأجساد واعدة تكتسي بفساتين من أقمشة التُل، لرجال إنجليز وقورين متنكرين في هيئة مستكشفين، وأخرى لشرفته المذهلة وسقفه العالي وأثاثه الفاخر، كل رفاهية الشرق، التي يحلم بها الغرب، والمُبتكرة عمدا كأحد أسباب الجذب الإضافية، في الحقيقة لم أكن أتوقع أن أجد شيئا مشابها؛ لأن الواقع لا يبدو أبدا مثل الصور، ولأن قرنا من الزمان هو قرن من الزمان، ولكن كنت أتوقع بقاء شيء من أجواء المستعمرين الإنجليز والأفلام الصامتة بالأبيض والأسود، ولهذا أثناء وجودي في المطار وفي لحظة سريعة بين ضوضاء بالعربية هنا وأخرى هناك، حجزت غرفتين بفندق (شيبرد) وحددت إقامتنا هناك لليلة واحدة بسبب سعرهما الباهظ، ليلة من الملذات الشرقية، هكذا قلت لنفسي، ولكن حينما وصلت للمكان وجدت أن الفندق لم يعد كما كان، لا يتعلق الأمر بأنه تدهور، هذا كان ليصبح أمرا جيدا وطبيعيا، بل إن كل ما تبقى من الفندق الإنجليزي القديم بكل بساطة كان هو اسمه فقط، تلك النسخة الجديدة من (شيبرد) كانت بكل تأكيد أكثر راحة ورفاهية مما كان عليه الأمر منذ قرن، ولكنها كانت نسخة أخرى، مبنى حديث متعدد الوظائف، مرتفع وبارد ونظيف مثل المستشفيات".
إن الخيال الخصب والساخن حول الشرق، وهو الخيال الذي يتخيله دائما الغربيون، ويعملون على تغذيه أذهانهم به يتحطم تماما على صخرة الواقع القاسية حينما يعيشون التجربة الشرقية؛ لذلك فهم لا يجدون ما كانوا يحلمون به، ويحاولون دائما التأقلم مع ما قابلوه من واقع مضاد لتخيلاتهم، وهو ما يؤكده المؤلف في قوله: "بالنسبة للسائح صاحب التوجهات الجنسية التقليدية الذي قد يرغب في خوض تجارب إباحية مع فاتنات الشرق المُحجبات اللاتي يظهرن في الكتب، فإن طريقه سيكون مُعقدا للغاية؛ فحتى راقصات هز الوسط حينما يُبدين استعدادا لحدوث شيء ما بعيدا عن العرض الذي يراه الجميع، فإن التحلية لا تكون من المصريات، بل كما قلت من البلقان، النساء المصريات محفوظات تحت الرقابة في منازلهن بناء على غيرة دينية، وما أمكن لسائح متجول لا يحمل الكثير من عناصر الجذب (ويصحبه أيضا ثنائي من الزوجات) ملاحظته، فإن الانغماس في علاقة عرضية سعيدة بدون أجر مع امرأة من هذه الأنحاء لا يبدو شيئا سهلا بالمرة، في هذه النقطة تحديدا تتحدث الكتب بخصوص فكرة عن الشرق، بالنسبة لي ليست موجودة، أكثر من الحديث عن الشرق نفسه، ففيما يتعلق بالدعارة فهي موجودة بصورة أكبر في كولومبيا وكوبا وإيطاليا وهولندا".
رغم معاناة الكاتب هنا مع عالم القاهرة الجديد عليه، والمُلوث، والمليئ بالضوضاء والفقراء، والقمامة في كل مكان إلا أنه يتحدث بشكل فيه من الطرافة عن كيفية بداية اندماجه واعتياده لعالم القاهرة بقوله: "جاءت أيام الدوسنتاريا التي لا يمكن تجنبها، "اركض قبل أن ألحق بك"، هكذا نُعرِف الأمر في بلادنا، ذلك الإسهال الذي يصعب إيقافه والذي يأتي مصحوبا بتقلصات مؤلمة في البطن تُجبرك على تغيير طريقك مُجددا بكل بؤس نحو الفندق. كم من سائح شوهد يتسابق؛ لطلب مفتاح غرفته بصوت هامس متحشرج يعرفه موظفو الاستقبال أجمعون، أو وهو يستدعي المصعد ضاما ساقيه خائفا وعلى وجهه ترتسم نظرة بؤس بالغ كأنه يحتضر! ترى السماء وتشعر بالحرية حينما تتخلص من ثقل كارثة تلك الفضلات السائلة القاتمة، يحدث الأمر ذاته في المكسيك، وكوبا، والهند، ونابولي، بل وفي كولومبيا نفسها بالنسبة للغرباء؛ فكل دولة تمتلك عالمها الخاص من البكتيريا في خضرواتها ومياهها، الأمر ليس قاتلا، ولكنه ببساطة يهاجم الأجسام التي لا يعرفها، هي تأشيرة ضرورية يجب أن تحصل عليها، وقد يستغرق استخراجها يوما أو اثنين، حالة من التأقلم الإجباري للجسد التي يُسدد ثمنها عبر الألم والضيق والروائح الكريهة. بعد تخطي هذه العقبة التي لا يمكن تجنبها؛ عملية التطهير الحادة التي تُحررك من كل ما هو قديم داخل أمعائك وتجعلك مُستعدا لهذا العالم الجديد، وتؤقلم وتثري معدتك بعالم بكتيري مختلف، وعقب انخفاض كراهية النظرة الأولى الموجودة في عينيك تبدأ في تأمل الروعة والكنوز المخفية بين الحشود والغبار، يجب أن تنفض الغبار والرمال من على الآثار والمباني والشوارع ذاتها، كمن ينظف منزله بعد شهور من الغياب، يجب على من يرغب في هذا الأمر داخل تلك المدينة المتسعة أن يتحلى بالخيال. حينما تنفض عن القاهرة الرمال التي تغزوها وتغطيها، تبدأ في نزع أحجبتها لتظهر الروائع، هكذا بدأنا نتأقلم"، أي أن المدينة الأسطورية لا يمكن لها أن تمنح الغريب نفسها إلا بعد تطهره ومروره بالعديد من التجارب التي تجعله صالحا لتلقي هذه الأسرار.
في عالم يزخر بالمفاجآت داخل مدينة أسطورية مثل مدينة القاهرة لا بد لمن يرتادها محاولا الخوض فيها أن يتأمل كثيرا ليختزن هذه المشاهدات داخله؛ فهذه المشاهدات وحدها هي ما ستجعله يفك مغاليق هذه المدينة المنكفئة على ذاتها، وإذا لم يجنح نحو التأمل العميق فإنه لن يستطيع أن يفهم شيئا مما يدور حوله؛ لذلك كان كاتبنا يشرد لأوقات طويلة في التأمل الواعي: "يوجد بعض البنايات الأخرى التي تجدر الإشارة لها في الجزيرة، المُجمع الذي تبرع به اليابانيون بمسرح جديد للأوبرا، ومتحف الفن المصري الحديث، وكلية الفنون الجميلة، المتحف عبارة عن بناء هندسي رائع ولكن محتواه لا يثير الإعجاب دائما بنفس الدرجة؛ فهو عبارة عن خليط كبير من بعض الأعمال منخفضة القيمة مع أكثر الدلائل الملموسة على تدهور الفن المصري، حيث يبدو أن تحريم كل أشكال الفن التشخيصي وغياب التجسيد الذي تتضمنه  العقيدة الإسلامية، أثر بشكل كبير في إفقار الرسم بمصر الحديثة، على الرغم من هذا، هناك بعض المنحوتات الجيدة واللوحات التي تستحق التواجد منفردة بدون الصحبة الكريهة لعشرات من الرسوم السخيفة، ربما يُعد كل ما يتعلق بمسألة التحريم مجرد سوء فهم، حيث يقول الطاهر بن جلون: إن الفكرة الموجودة لدينا بخصوص التحريم الإسلامي للفن التشخيصي تُعد خاطئة".
هذا التأمل في أسرار العالم الأسطوري نراه أيضا في: "سيارات الأجرة في القاهرة سوداء اللون، وكلها تقريبا متهالكة ومُتربة وقذرة وذات رائحة نفاذة مثل الحمير المُتعبة، تنتمي لسلالة "الستار الحديدي" قبل سقوط حائط برلين؛ أو بمعنى آخر (فيات) بولندا الزائفة، خردة سوفيتية، هياكل متأرجحة مجرية أو من ألمانيا الشرقية، تصدر محركاتها المُنهكة الكثير من الدخان وبخلاف الفوضى المُستشرية في الشوارع والضوضاء التي تصم الآذان، لا يمكن أن يتوقف سائقوها عن إطلاق أبواقها، صوت الأبواق يتردد دون توقف نهارا، بل ويزداد ليلا، ربما لأن سيارات الأجرة أشباح سوداء لا يراها أحد ويجب على الأقل سماعها، يمتلك سائقو الأجرة والكثير من مُلاك السيارات في القاهرة عادة القيادة ليلا والأنوار مُطفأة، ولفت انتباه المارة بتشغيلها بصورة خاطفة مثل البرق، السبب وراء قيادتهم ليلا دون تشغيل الأضواء يُعد سرا مخفيا بصورة أفضل من مقابر الفراعنة التي لم تُكتشف بعد، القيادة هناك عدائية؛ الانتقال من حارة مرورية إلى أخرى دون إشارة أو إنذار مُسبق لتتشكل ثلاثة خطوط في مساحة لا تكفي سوى لواحد، وكل هذا دون احترام الأدوار والصفوف وأفراد شرطة المرور المساكين، أو العرائس البالية التي تشير بأيديها كدمى متحركة دون أن ينظر إليها أحد- وهم نصف نائمين وسط كل الارتباك الذهني الذي يسببه لهم يوم كامل من استنشاق الغازات السامة، إشارات المرور مجرد زينة حضرية، أحد أشكال اللافتات الدعائية للغرب، شجرة عيد ميلاد صغيرة ليس لها نفع تعرض بإيقاع معين تعاليمها ثلاثية الألوان مرارا وتكرارا دون أن ينظر لها أي سائق، إنها الأناركية التي- وفقا للأناركيين- تنجح، ولكنها لا تنجح، هي في الوقت ذاته ليست الفوضى التي يفترضها الهوبزيون؛ فدون أن تعرف كيف أو لماذا فإن الاختناقات المرورية تنحل، ووسط الضوضاء والدخان تنساب الحركة".
ألا نلاحظ هنا أن المؤلف يحرص على استعراض ثقافته الواسعة عن الشرق إلى حد كبير طوال صفحات كتابه؟ هو بالفعل يعمد إلى ذلك؛ لذلك سنرى أنه كثيرا ما يستشهد بما قاله العديد من الكتاب عن الشرق لا سيما مدينة القاهرة التي يعشقها مثلما يعشقها كل من كتبوا عنها حتى لو كانوا ينتقدونها؛ لذلك نراه مثلا يتحدث عن التاريخ المصري- سواء كان منه الإسلامي أو القديم أو الحديث- فيقول: "حكم الحاكم بأمر الله القاهرة منذ 996 وحتى 1021م وخلال ولايته أصدر مجموعة من أكثر القوانين غرابة، ساعات النهار هي للراحة والتسلية، أما العمل فسيكون ليلا فقط، إنها نعمة لمحبي المساء، يقول البعض: إن هوس القاهريين بالليل يأتي بسبب قرارات الحاكم التي لم ينمحِ تأثيرها بالكامل من العادات المحلية على الرغم من تلك الألفية التي مرت، كان مجلس حكومته (المكون من قلة من المقربين والمستشارين) يجتمع بعد منتصف الليل، ولكن هذه الاجتماعات لم تدم طويلا؛ لأن الخليفة لم يكن يحب أن يعارضه أحد، وواحدا تلو الآخر تعرض المستشارون لجز أعناقهم، إذا ما كان رمضان اليوم تُرى فيه قلة من السيدات وحدهن بالشوارع، فإن عددا أقل بكثير كان يمكن رؤيته في زمن الحاكم؛ لأنه من ضمن المراسيم الأخرى التي أصدرها ذلك الطاغية كانت حرمان النساء من الخروج من منازلهن، حيث فرض الأمر فورا عبر مرسوم منع فيه الأساكفة من تصنيع أحذيتهن، خليفة بوجوتا الحالي، ويدعى موكوس، يبدو أنه وجد إلهامه في الحاكم لإصدار مرسوم جديد في العاصمة الكولومبية يقضي بمنع الشباب خلال يوم واحد في الأسبوع من الخروج ليلا، ولكن قراره لم يُطبق، على عكس أمر الحاكم الذي نُفذ بحذافيره، وطوال سبع سنين طوال (حتى ولو لم يصدق البعض) لم تظهر امرأة واحدة في شوارع القاهرة".
إن هذا الاستعراض بقدر كثرته على طول الكتاب إلا أنه كان مفيدا وممتعا في طريقته؛ حيث يمنح القارئ المزيد من المعلومات التي يتحدث عنها الكاتب بشكل فيه الكثير من التشويق والسلاسة؛ لذلك يحرص الكاتب على المزيد من المشاهدات التي تجعله في حالة مقارنة دائمة بين مصر الماضي ومصر الآنية التي يراها الآن، ثم انتقال هذه المقارنة إلى عالمه الأساس في كولومبيا؛ فيتحدث مثلا عن ملابس النساء الآنية قائلا: "تفهمت أنه على الجانب الآخر، فإن المزاج الجيد الذي نشعر به بعد نزهة في وسط ميديين يُعد بشكل كبير وليد السعادة التي يتركها النظر للنساء؛ سيدات يتنزهن ويظهرن ما لديهن ويتركن الأنظار تتجه إليهن كأنه وعد لا يكتمل، كل ما ينتقده التطهريون بخصوص الغرب، تفاخر النساء بتنوراتهن القصيرة ونهودهن الممتلئة وشعرهن المنساب وملابسهن الشفافة، أقول فقط: إن كل هذه الأمور، التي ربما تدخل في حدود الابتذال، تُعد أحيانا السعادة بعينها، ما كنت أسعى للبحث عنه في الشرق هو فقط مجرد ذكرى، حالة اشتياق للغرب أو أحد ابتكارات الرحالة، كنت أبحث هنا ضمن أشياء أخرى عن "إثارة الشرق"".
إن المؤلف هنا يشعر بالكثير من الانقباض نتيجة مظهر النساء اللاتي يحرصن على الحجاب أو الإخفاء تماما، وهو ما لم يعتده من قبل في بلده، كما أن هذا الملبس الغريب التديني يتناقض تماما مع فكرته الجاهزة عن الشرق الذي هو منبع الملذات كما قرأ في ألف ليلة وليلة؛ لذلك يقول: "لم تقم النساء بشيء منذ حقبة السبعينيات سوى العودة لتغطية أجسادهن، إذا كان يصعب في عقدي الخمسينيات والستينيات العثور على امرأة ترتدي الحجاب في القاهرة (كما يظهر في صور تلك الفترة)، فإن ما أصبح صعبا في عام 2000م هو رؤية العكس، حيث يزداد بمرور الوقت عدد النساء المتدثرات "برداء الإيمان". وفقا للكاتبة هبة صالح فإنه منذ نزع النسوية المصرية هدى شعراوي للحجاب علانية في 1923م، ومنذ تعزيز هذا التحرر في العقود التالية، بدأت لاحقا حالة من الدوران للخلف".
يتحدث الكاتب عن حيوية المصريين ومقدرتهم على التواصل مع الآخرين مهما كانوا غرباء عنهم، وهو هنا يركز على عادات المصريين في البيع والشراء؛ ومن ثم الفصال، وهو الأمر الذي يجعلهم على قدر كبير من النقاش والحميمية مع الآخرين الذين يشترون منهم بضائعهم، يقول في ذلك بشكل فيه قدر كبير من المقارنة والمفاضلة أيضا بين الشرق والغرب: "بدأت هذه الرحلة في بوسطن، المدينة وصل فيها فن تجاهل الغير إلى مستوى لا يُصدق، ربما يرونك هناك ولكن لا أحد ينظر إليك، هناك تجنب لأي اتصال إنساني- سواء كان بدنيا أو لفظيا- مع الغرباء. للقيام بمشترياتك تخدم نفسك بنفسك، وللسداد تستخدم ماكينات وبطاقات ثقافة "السوبر ماركت" تلغي كل أشكال التعامل الشخصي، يمكن القيام بالمشتريات عبر الإنترنت عبر إدخال رقم بطاقتك البنكية، وفي اليوم التالي ستجد أمام بابك الفواكة والخبز والحبوب، تظهر الإمدادات هناك وحدها كأن الأمر بفعل السحر بعد أن نقلها شخص ما فجرا، كل شيء غاية في الدقة، ولا توجد حاجة في الأساس لمعرفة الإنجليزية، فيكفي أن تفهم الأرقام فقط لكي تتحرك باطمئنان، الأسعار ثابتة ولا يمكن أن يخطر في بال أي أمريكي المفاصلة في سعر البرتقال سواء في السوبر ماركت أو على الشبكة. "الفصال" هنا على العكس من هذا يُعد أحد مظاهر الحياة واختبارا لمحاورك، بدون هذا النقاش المبدئي حول الأسعار يستحيل خلق محادثة حقيقية وحيوية؛ فمنذ تبادل الكلمات الأولى بخصوص الشؤون النقدية يصل الأمر للحديث بخصوص وظيفة كل فرد أو العائلة، إنه إرساء لاتصال بشري يُصعِب عملية البيع والشراء، ولكنه يُحسِن نوعية الحياة".
يتعرض الكاتب للحديث عن عادات أهل القاهرة وسلوكياتهم من خلال الرصد دائما، وهو في هذا يحرص على أن يعرف حقيقة المجتمع الأسطوري الذي جاء من أجله، أي أنه لا يقصد من ذلك الانتقاد السلبي؛ لذا يقول: "يتعرض السائح في القاهرة لنتف ريشه، وإذا لم يأت مستعدا فإنه خلال الأيام الثلاثة التي يقضيها هنا لن يتعلم شيئا، يحصل سائقو الأجرة منه على عشرات وربما عشرينات الأضعاف مما يتقاضونه من القاهريين، يطلب منه التجار خمسة أضعاف سعر الأشياء، أما الفصال الذي ينصح به المرشدون يجعل الأسعار تبدأ في الأساس من قيمة مرتفعة، ولكن لا يجب أن يصل الأمر لابتكار حكمة معارضة "خاف من المصريين يا غريب"، لا، هذا ليس صحيحا، هنا بشكل كبير لا وجود للسرقة خفية أو بالإكراه، وبالتالي أيضا القتل، صحيح أنه وقعت بعض الأحداث الفظيعة في الأقصر، والمتحف المصري بسقوط عشرات السائحين قتلى على يد متعصبي الإيمان، ولكن هذه الأرقام مقارنة بملايين السائحين الذين يمرون من هنا كل عام تُعد ضئيلة للغاية". ربما نلاحظ هنا أن المؤلف يرصد ما يراه وإن كان لا يحاول الاتهام، بل هو يدافع عن المجتمع المصري وما يدور فيه؛ لذلك فهو يلحظ ويتأمل حالة الكتابة والكُتاب في مصر ويرى أنهم مظلومون كثيرا ويحاول التعاطف مع ظروفهم القاسية التي يكتبون فيها: "إن بيع ألف نسخة من كتاب يُعد نجاحا كبيرا بالنسبة لأي مؤلف أدبي، ولكنه على الرغم من هذا لا يحصل على عوائد الملكية الفكرية الكافية من دور النشر، ربما لم يعد أحد في مصر اليوم يتلو النشيد القديم للكاتب، أن تكون كاتبا دون أن تتبع لوائح النظام والنبي يُعد أمرا خطيرا، إلهنا القديم تحوت، صاحب رأس أبو منجل بمنقاره المُدبب مثل قصبة الكتابة ومن يوثق المحاكمة النهائية في العالم الآخر، لم يعد يحمينا بصورة كافية، ربما مات هو الآخر مثل بقية الآلهة الأخرى، حيث يبدو أن البشر في مصر، كما يحدث في أي مكان بالعالم، فانين، وبالتالي فإن الآلهة ليسوا أقل فناء منهم، إذن ليست هناك حاجة للحديث عن فناء الكُتاب ومن يكتبون، حينما أفكر أن مصر، بين الدول العربية، تُعد من أكثر البلاد انفتاحا في السينما أو الأدب، يملؤني التعاطف مع زملائي الكُتاب في هذه المنطقة من العالم؛ لأنه حتى في كولومبيا، بلادي التي قد يقتلونك فيها أحيانا بسبب ما تكتبه، يبدو لي المجتمع أكثر انفتاحا على هذه الوظيفة التي تدور حولها حياتي، يا كُتاب مصر، لن يُترجم هذا الكتاب بكل تأكيد للعربية، لكن عبر الإسبانية التي تأثرت باللغة الجميلة التي تتحدثون بها وتكتبونها أُرسل لكم تحية إعجاب وتضامن. متى سيصل إلى مصر فولتير الذي سيحررها من تدخل متعصبي الدين الشائنين؟".
ربما نلاحظ من حديث الكاتب عن الكتابة والكُتاب في مصر أن تعاطفه معهم عن الظروف التي يعيشون فيها قد جعله يظن أن كتابه لا يمكن ترجمته إلى العربية، وهذه من الأمور الطريفة؛ حيث تمت ترجمة الكتاب بلغة سلسلة وشيقة.
المترجم محمد الفولي
يرصد الكاتب العديد من الأمور- سواء كانت إيجابية أم سلبية في القاهرة- لذلك فهو يتعجب كثيرا من مقدرة المصريين على الفرح والبهجة رغم كل ما يحيطهم من مُسببات الاكتئاب الحاد، والبؤس الدائم، ويرى أن ثمة سحرا في القاهرة، أو سرا لا يمكن أن تمنحه سوى لأهلها ليمارسوا سعادتهم وسط كل الظروف البائسة: "يبدو أن القاهريين يعيشون بحالة مزاجية جيدة للغاية، كما لو أن أيا من كل الأشياء التي تُضايقنا من حر وصخب وتلوث، لا تؤثر فيهم، لا تؤثر فيهم حقا؛ فهم يعيشون ويلقون التحية ويبتسمون ويلعبون كأنهم يحتفظون داخل أنفسهم بسر ما، جين سعادة لا يقبل التحول ومُحصن ضد هجمات الواقع، الكرات التي تقفز وترتد بين المقابر هي أفضل صورة لانتصار هذه السعادة في مساحة مُخصصة في الأساس للموت، هناك رجل واحد سيئ المزاج عرفته في هذه الرحلة، الهارب الفظ حامد أبو أحمد، الذي عُدت للاتصال به بعد زيارتنا للمدافن، بدا مكفهرا أكثر من أي وقت مضى وأخبرني بغضب أن أتوقف عن الإلحاح، وبأنه في يوم ما سيُعلمني متى سنلتقي، لم يعد هذا الحوار يسليني بالفعل؛ لأنه حوار هاتفي وخاطف ومع شبح".
رغم محاولة الكاتب أن يكون دقيقا تماما في كل ما يكتبه عن القاهرة وعاداتها، ومشاهداتها إلا أنه يقع في بعض الأخطاء البسيطة التي لا بد أن تحدث مع أي شخص يتعامل مع المدينة باعتباره سائحا؛ فنراه يقول مثلا: "من كل الكلمات التي ورثناها من العربية ربما تُعد (Ojala) هي الأكثر استخداما، وبعد قضائي عدة أيام هنا أصبح هذا الأمر مفهوما؛ بسبب كثرة استخدام المسلمين لعبارة "إن شاء الله"، بات هذا الإرث مفهوما بسبب الإفراط في استخدام هذا الاسم المقدس، يُفسر هذا الأمر شيئا آخر من ضمن الخصائص المحلية، لوحة الآلات الكاتبة بالعربية بها زر مُخصص لكلمة الله وآخر لمحمد، يتعلق جانب كبير من الأدب وكل ما يُكتب بالدين أو بضرورة الإشارة إليه، لهذا يتكرر دائما اسما الرب والنبي لدرجة أدت لتخصيص زر لكل منهما"، ربما نلاحظ هنا أن الكاتب مخطئ تماما فيما ذهب إليه، بل هو يُكرس لأسطورة جديدة عن الشرق في القاهرة؛ فلا توجد بالفعل هذه اللوحات الكاتبة المُخصصة لكلمة الله أو محمد في مصر، كما أن تعلق الجانب الأكبر من الأدب في مصر بالدين، وضرورة الإشارة إليه غير موجود، حتى لو ذهبنا إلى الوقت الزمني الذي كتب فيه الكاتب كتابه ورحلته التي كانت في 2000م، فلم يكن الأدب المصري مُتعلقا بالجانب الديني أو له أي علاقة معه، وهذا ما نراه مرة أخرى في قوله: "أن تكون كاتبا في مصر ليس أمرا هينا، لا تربح كثيرا وهو عمل خطير، نحن جميعا نعرف الفتوى بخصوص سلمان رشدي، والتي لم تصدر في مصر بل في إيران من قبل نظام آية الله، لكن الأمور صعبة هنا مثل هناك، لكي يُنشر أي عمل أدبي في مصر لا بد وأن يمر عبر رقابة شيوخ الأزهر، أقدم جامعات القاهرة والعالم الإسلامي والتي تعمل منذ أكثر من ألف عام"، هذه المعلومة أيضا التي يذكرها المؤلف تفتقد للكثير من الموضوعية والدقة على أرض الواقع؛ لأن الأزهر لا علاقة له من قريب أبو بعيد بإصدار الكتب إلا فيما يتعلق بإصداراته الدينية فقط، أما عن الكتب الثقافية أو الأدبية أو الفكرية فهي لا علاقة لها بالأزهر، بل لا يوجد أي شكل رقابي على إصدار الكتب في مصر، أو محاولة مراجعتها، أو قراءتها قبل صدورها.
يُعد كتاب "الشرق يبدأ في القاهرة" للروائي الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي من أهم الكتب التي صدرت عن القاهرة في الآونة الأخيرة؛ حيث يحاول من خلاله المؤلف تتبع كل دقائق الحياة في القاهرة، ويعمل على تصحيح مفاهيمه، ومفاهيم الغرب الجاهزة عن الشرق والتي تمنحه الكثير من الأسطورية غير الحقيقية، ومن هنا جاء الكتاب من أجل تصحيح هذه المفاهيم، وبناء أسطورة حقيقية على أرض الواقع لمدينة لا يمكن وصفها سوى بالقول: "هي مدينة ذات ألف وجه"، ومن هنا تكتسب مشروعية أسطوريتها التي لا تنتهي على مر التاريخ.





 محمود الغيطاني

مجلة عالم الكتاب
عدد مايو 2020م