الجمعة، 21 أبريل 2023

الوادي الأصفر: سينما ثورية وبيئة مُختلفة

عام 1970م قدم لنا المُخرج ممدوح شكري فيلمه الثالث "الوادي الأصفر" بعد فيلميه "ثلاثة وجوه للحب" الذي اشترك في إخراجه مع المُخرجين ناجي رياض، ومدحت بكير 1969م- كان الفيلم من قائمة الأفلام التي تضم ثلاث قصص وثلاثة مُخرجين- وفيلمه الثاني "أوهام الحُب" الذي كتب له أيضا القصة والسيناريو والحوار عام 1970م، ورغم أن الفيلمين السابقين على هذا الفيلم لم يكونا بنفس قوة فيلم "الوادي الأصفر" ولا نُضجه- كتب له أيضا السيناريو والحوار- إلا أنهما كانا بدايات المُخرج التي تعرفنا عليه من خلالهما.

لكننا نُلاحظ أن المُخرج قد نضج كثيرا في فيلمه الثالث؛ ليقدم لنا فيلما يكاد أن يكون من أهم ما قدمه في صناعة السينما- لم يقدم المُخرج سوى أربعة أفلام منها فيلمه الرابع "زائر الفجر" الذي لم يُعرض سوى عام 1975م بعد التعرض للكثير من الأزمات الرقابية وحذف 15 دقيقة منه كي يُسمح له بالعرض الجماهيري- صحيح أن فيلمه الأخير "زائر الفجر" كان من الأفلام المُهمة التي تناولت أزمة نكسة يونيو 1967م، لكننا نرى أن المُخرج قد تناول النكسة بشكل فيه الكثير من المُباشرة والصوت العالي.

في فيلم "الوادي الأصفر"- وهو من الأفلام التي لم ينتبه إليها الجمهور كثيرا، ربما بسبب موضوعه وبيئته- يقدم لنا المُخرج فيلما شديد الثورية على العادات والمُعتقدات والتقاليد التي يرتكن إليها المُجتمع في حياته، وهي العادات والأساطير التي قد تؤدي به إلى الهلاك والموت في نهاية الأمر، رغم أنه- المُجتمع- يظن أن إيمانه بهذه الأمور هو السبب في بقائه حيا والتقدم به نحو المُستقبل الآمن!

نلاحظ من تيترات الفيلم أنه كان من إنتاج شركة أفلام الطليعة، وإن كان التوزيع لجميع أنحاء العالم يخص المُؤسسة المصرية العامة للسينما، أي أنه من الأفلام التي اشترك فيها القطاع الخاص والعام معا.


يبدأ المُخرج فيلمه من بيئة شديدة الخصوصية؛ حيث يتناول حياة إحدى قبائل البدو التي تعيش في الصحراء، ولا يمكن لها الرحيل عن الواحة التي تعيش فيها، كما يوضح لنا أن هذه الواحة، المُنعزلة في الصحراء، قد ظهر فيها ما يطلقون عليه اسم الزيت، أي البترول الذي يرون فيه سبيلا لإضاءة ظلام الواحة في الليل؛ ومن ثم فهم يحرصون عليه من أجل الإضاءة ولا يرغبون في معرفة الحكومة أي شيء عنه، أو استبداله بالأموال والذهب؛ لأهميته بالنسبة لحياتهم في الليل.

لكن المُخرج يضع أهل الواحة منذ المشهد الأول من الفيلم في مأزق وجودي خطير يُحتم عليهم الرحيل من الواحة إلى مكان آخر وإلا انتهت حياتهم جميعا بالموت عطشا، حيث نسمع صوت راجح- قام بدوره المُمثل شكري سرحان- في الخلفية السمعية مع المشهد الأول يقول: حلّ في قبيلتنا موسم جفاف وعطش هدد حياتنا، المطر ما نزل، كل شيّ أخضر أصبح لونه أصفر متل رمال الوادي، حتى البير اللي طلعنا لقيناها موجودة ما عادت ميتها تكفي لري الظمأ. أي أن المُخرج منذ المشهد التأسيسي الأول لفيلمه يضع أهل الواحة بالكامل في مأزق وجودي لا بد من إيجاد حل له وإلا كانت حياتهم جميعا مُهددة بالموت الحتمي لعدم وجود المياه.


سنعرف فيما بعد أن راجح من أهم شباب القبيلة، وهو ابن الشيخ عُمران- قام بدوره المُمثل عبد المنعم أبو الفتوح- وشقيق رابحة- قامت بدورها المُمثلة مريم فخر الدين- التي يعشقها غالب- قام بدوره المُمثل يوسف شعبان- صديق راجح والراغب في الزواج منها، كما أنه طلب خطبتها من أخيها من قبل.

لكن راجح واقع في عشق سلمى- قامت بدورها المُمثلة نورا- ابنة الغريب- قام بدوره المُمثل محمود المليجي- وصديقة شقيقته رابحة. يعرف راجح من غالب أن الغريب عازم على الرحيل من الواحة للبحث عن مصدر جديد للمياه؛ حيث البقاء في الواحة لا يعني سوى موت الجميع، ويرى راجح أن رأي الغريب هو الرأي الصائب الذي لا بد أن يحذو حذوه كل أهل الواحة؛ لذلك يقتحم اجتماع شيوخ القبيلة وكبيرهم الشيخ شداد- قام بدوره المُمثل عبد الخالق صالح- ليجدهم جميعا مُجتمعين في حضرة العرافة، وهي امرأة عجوز كفيفة توهم أهل القبيلة بالعديد من الأمور باعتبارها تعلم الغيب، والكارثة أن الجميع يصدقونها وكأنها تقول كلاما مُقدسا.


حينما يدخل راجح مجلس الشيوخ مُقتحما إياه تنطق العرافة الكفيفة: راجح؟ مما يجعلهم جميعا تحت سيطرتها ويثقون بها بشكل أكبر؛ لمعرفتها بدخوله رغم عدم مقدرتها على الإبصار؛ لذلك يتساءل أحدهم مع من بجواره: كيف عرفته وهي عامية؟! لكن الغريب يقول: صدقني يا شيخ عُمران، يا خلق، هادي العرافة بتضحك عليكوا، ثم يتوجه بحديثه لكبير شيوخ القبيلة قائلا: صدقني يا شيخ شداد. ليرد عليه الشيخ شداد: قلة المقدار مش لازمة يا غريب. لكن غريب يقول: هادي هي الحقيقة، من يوم ما حليت دياركم بريد أفهمكم وما بقدر. لكن الشيخ شداد يقول بحزم: كفاية كلام، كفاية، استحملناك بينا عشرين عام. ليرد غريب: أنا أصبحت منكم، اللي يضركم يضرني، بحق الله العظيم قلبي معكم، هادي العجوز كلامها كله خُرافات. ليرد الشيخ: أستغفر الله العظيم، بلا كُفر، كيف عرفت إنه راجح وهي كفيفة؟! فيقول غريب: واحد برا الخيمة قال: عاود يا راجح، وهي سمعت هادا الكلام وأنتوا غير واعيين، بصيرتها سمعها يا شيخ شداد. لكن العرافة ترد عليه: طول ما في قلوب سودة معنا؛ طول ما ربنا غضبه علينا ماشي. إلا أن راجح يقول لها: ما تقولي له: يبعت لنا ميّ يا عارفة الغيب. لتقول: كيف يبعت لنا ميّ والشر مالينا؟


ربما نلاحظ من خلال هذا المشهد الحواري المُهم أن أهل القبيلة بالكامل يؤمنون بكل ما تقوله العرافة لهم؛ لذلك لا يسمحون لأحد أن يعارضها، ورغم أن غريب الذي حل على القبيلة منذ عشرين عاما بزوجته هاربا من الحرب قد بات منهم، إلا أنها تعمل على التشكيك فيه وتخوينه لمُجرد أنه ينصح أهل القبيلة بالهجرة من هذا المكان خشية الموت عطشا والتحرك إلى مكان آخر من أجل البحث عن الماء. ورغم أن رأي غريب هو الأصوب والأقرب إلى العقل والمنطق إلا أن مُعارضة العرافة تجعل كبير القبيلة- الشيخ شداد- رافضا لهذا الاقتراح، وهو ما يجعل أهل القبيلة جميعا راضخين لما يقرره لهم من أمور.

إذن، فالخضوع للأساطير- العرافة- والعادات والتقاليد تمنع العديدين من أهل القبيلة أن يرحلوا رغم أنه الحل الوحيد المُنقذ لحياتهم. هذه العادات والتقاليد نلاحظها في قول الشيخ عُمران- والد راجح- حينما يسأله ابنه في مشهد مُتقدم من الفيلم: ليش بتريد تقعد هنا؟! ليش تريد تجرح قلبي؟ القعاد هنا معناه الموت. فيرد عليه الأب: ما كنت أتصور اليوم اللي فيه صوتك يعلى عليّ، يا خيبة الأمل. لكن راجح يقول: ما عرفت بحياتك كيف القلب يعشق؟ تقدر تقول لي إيش نتيجة القعاد؟ فيقول الأب: كيف أواجه الناس والشعرات البيض في راسي؟! كيف أواجههم وأنا راحل؟! إيش يقولوا؟! يقول راجح: تحت جنح الظلام نرحل، ويطلع الفجر واحنا بعيد عنهم. ليرد الأب: بطيش الشباب بيفكر عقلك، راجح يا ولدي، كلامهم حتى لو ما سمعته بيطاردني في منامي. فيتوسل إليه راجح: بحق الله لا تقف في طريقي، كلامك هادا ما عاد له وزن في عقلي.


أي أن راجح المُؤمن تماما بأن الحل الوحيد لأهل القبيلة جميعا هو الرحيل للهروب من الموت، والراغب في الرحيل كذلك من أجل اللحاق بحبيبته سلمى ابنة الغريب الراحلة معه يقتنع بما يقوله الكثيرون من أهل القبيلة ومنهم والده، لكنهم غير قادرين على اتخاذ قرار الرحيل بسبب العادات والتقاليد ومظهرهم أمام الآخرين وتقولاتهم عليهم. إنهم لا يرغبون في أن يخسروا هيبتهم أمام الآخرين ويفضلون هذه الهيبة على الرحيل؛ لذلك يختارون الموت على اتخاذ هذا القرار المُهم.

يحاول راجح إقناع غريب تأخير رحيله لحين إقناع أبيه الشيخ عُمران بالرحيل معهم، لكن وقوف العرافة وسعفان- قام بدوره المُمثل محمود العراقي- في وجه غريب ومُعاداتهما له يجعله راغبا في التعجيل برحيله هو وأسرته.

يتوجه الشيخ عُمران إلى غريب حينما يعلم أنه سيرحل بعدما أعاد مهر ابنته سلمى إليه مرة أخرى، وأخبره بأنه لم يعد هناك نسبا بينه وبين راجح، ويحاول إقناعه بعدم الرحيل، لكن غريب يقول له: الموت واقف على الأبواب. ليرد عُمران: هتلاقي الميّ لما ترحل؟ ليقول غريب: المسافة 20 يوم بالكتير. لكن عُمران يقول مُحذرا: طريق الصحرا واعر يا غريب. فيرد غريب: أحسن ما يبقى الموت علينا هنا مُحتم، أنا جيتكوا زمان هربان من الحرب عشان أعيش، ما بقدر أقعد هنا عشان أموت، العقل يقول كدا يا شيخ عُمران. فيطلب منه الشيخ عُمران البقاء لحين إتمام خطبة ابنه راجح على ابنته سلمى ويوافق غريب على مضض.


ينتهز غالب الفرصة أثناء خطبة راجح وسلمى ويطلب من الشيخ عُمران قراءة فاتحته على رابحة؛ فيوافق الشيخ عُمران، كما يطلب غالب منها اللقاء عند بئر الماء في اليوم التالي. تذهب سلمى مع رابحة من أجل لقاء غالب، وحينما يلتقي بسلمى نعرف أنه يشتهيها لكنه لا يستطيع الوصول إليها حينما يقول لها: طول عمري كنت أشوفك في المنام جنبي، لكن راجح سبقني وقرا فاتحتك. لتقول سلمى: قسمة ونصيب يا غالب، راجح أخوك وأنا قلبي رايده.

تصل رابحة للقاء غالب في الوقت الذي يكتشف فيه أهل القبيلة بأن بئر الماء فيها جثة ماعز مُتعفنة، وهي الجثة التي اتفق سعفان مع العرافة على إلقائها في البئر الشحيحة الماء، التي تُعد المصدر الوحيد لبقائهم أحياء؛ من أجل إلقاء التُهمة في هذا الفعل على الغريب والشيخ عُمران معا؛ ومن ثم تنقلب عليهم القبيلة ويقومون بطردهم منها.

تذهب العرافة إلى كبيرهم الشيخ شداد لتوعز له أن كل من الغريب وعُمران يرغبان في تهجير أهل القبيلة والابتعاد عنها؛ من أجل أن يعود الغريب إلى الواحة مرة أخرى بعد تهجيرهم ويستولي على الزيت الذي ينير لهم الواحة، وهو الزيت الذي يسميه الغريب البترول أو الذهب الأسود، فتؤكد له أن الغريب يرغب في بيع الزيت للحكومة ومُبادلته معهم بالمال والذهب الأصفر، وأن هذا هو السبب الرئيس الذي يجعله يوعز لأهل القبيلة بضرورة الهجرة، كما تقوم باتهامه، هي وسعفان، بأنه هو من ألقى جثة الماعز المُتعفنة في البئر من أجل انصياع أهل القبيلة إليه.


حينما يعلم الشيخ شداد بشأن جثة الماعز المُتعفنة في البئر يصدق حديث العرافة، ويتهم غريب بأنه من فعلها؛ الأمر الذي يجعل غريب يُعجل برحيله هو وأسرته. يحاول راجح اللحاق بغريب في الرحيل، لكن والده يمنعه، كما أن شقيقته رابحة- المُتعلقة به- تشرب الزيت في محاولة منها للانتحار بسبب رغبة أخيها في الرحيل.

يلحق غالب براجح مُخبرا له أن أخته قد تناولت الزيت؛ الأمر الذي يجعله يعدل عن الرحيل ويلحقها. لكن في هذه الليلة تهب عاصفة قوية على الواحة؛ مما يؤدي إلى جفاف البئر نتيجة ردمها بالرمال، ويفقد أهل الواحة أي أمل للحياة بسبب الجفاف الكامل للبئر، كما تزداد الأمور تعقيدا حينما لا تجد المواشي والأغنام والجمال أي مصدر للمياه فيشربون من الزيت؛ الأمر الذي يؤدي إلى موت أكبر عدد من أغنام وجمال الواحة.

هنا يجتمع شيوخ القبيلة مرة أخرى مع العرافة ليتشاورا في الكارثة التي حاقت بهم، وحينما يحاول راجح إقناعهم بحتمية الرحيل عن الواحة الآن، تعارضه العرافة وتطلب من أهل الواحة أن يقوموا بحفر بئر جديدة، إلا أن راجح حينما يرى أنه لا فائدة في إقناعهم، يفضل الرحيل للنجاة بحياته، واللحاق بخطيبته سلمى، ويقرر غالب وإبراهيم الرحيل معه؛ فيخبر أبيه بأنه سيذهب للبحث عن مصدر للمياه وسيعود إليه مرة أخرى ما دام لا يرغب في الرحيل معه.


يستعد راجح للرحيل في الفجر مع صديقيه، لكن إبراهيم الكاره للعرافة يقوم بقتلها قبل رحيله مع راجح، وفي الصباح حينما تعلم القبيلة بمقتل العرافة يحاول سعفان تأليب الجميع على راجح مُتهما إياه بأنه من قام بقتلها، وبالفعل يقتنع بالأمر الشيخ شداد/ كبير القبيلة ويخبر عُمران بأنه لا بد من القصاص من ابنه الذي قتل العرافة وهرب من القبيلة.

في هذه الأثناء يصل إلى الواحة اثنان من الغرباء ويضبطهم أهل الواحة وهم يأخذون المياه من البئر فيقبضون عليهما ويخبرون الشيخ شداد، ويعرف الشيخ منهما أنهما مُهندسا بترول قد ضلا الطريق في الصحراء وأنهما كادا أن يموتا من العطش؛ فاضطرا إلى أخذ الماء من البئر. هنا يرحب بهما الشيخ شداد؛ فالبئر كانت قد جفت، لكنها عادت ونضحت بالمياه مع قدومهما، لكن سعفان يُشكك الشيخ فيهما مُخبرا إياه أنهما إذا كانا مُهندسا بترول؛ فبالتأكيد أن الغريب قد أرسلهما من أجل الاستيلاء على الزيت؛ الأمر الذي يجعل الشيخ شداد يطردهما من الواحة.


يقسم الشيخ شداد المياه التي نضحت بها البئر على أهل الواحة بالكامل ومنهم الشيخ عُمران والد راجح؛ مما يجعل سعفان يعترض على ذلك، لكن الشيخ يؤكد لسعفان أن هذا حقه باعتباره من أهل الواحة وأن القصاص لا بد أن يكون من الابن وليس من الأب، هنا يخبر سعفان الشيخ أنه سيلحق براجح هو ومجموعة من الرجال كي يعيدونه للواحة من أجل مُحاكمته والقصاص منه.

يلحق سعفان براجح وغالب وإبراهيم الذين لم يلتقوا بالغريب بعد، وتدور مُشاجرة بين سعفان وراجح ينجح فيها راجح بالتغلب على سعفان وتقييده، ويخبر إبراهيم وغالب أنه سيعود إلى الواحة من أجل حلّ الأمر وسيلحق بهما مرة أخرى.

حينما يصل راجح إلى الواحة نرى سعفان مُقيدا على ظهر خيله، ويؤكد للشيخ شداد أنه لم يقم بقتل العرافة، كما يخبره بأنه قد ارتكب الكثير من الخطأ حينما طرد المُهندسان؛ لأنهما كان من المُمكن لهما أن يقوما بحفر بئر جديدة لهم. يحاول راجح إقناع أهل الواحة بضرورة الرحيل الآن بعدما جفت البئر تماما، وبالفعل ينساق له عدد كبير من أهل الواحة ويوافقون على الرحيل معه، لكن الشيخ شداد وسعفان والقلائل يرفضون أمر الرحيل بينما الآخرين من أهل الواحة على أهبة الاستعداد للرحيل مع راجح.


يذهب راجح إلى الشيخ لإقناعه لكن شداد يقول له: راجح يا ولدي، حصّل الناس وخلي بالك منهم، إن كان لنا عُمر شفناكم لما تعودوا، واحنا آدينا عايشين على شوية الميّ اللي بتنضح، وآدي النخيل بيرمي بلح يسد جوفنا. لكن راجح يقول: لو جيتوا معانا يا بوي يمكن نقابل المُهندسين في طريقنا ونقنعهم ييجوا معنا ويحفروا البير. ليقول الشيخ: وياخدوا الزيت، مش كدا؟ ليقول راجح: ياخدوه يا بوي، إيش الضرر؟ هنا يتدخل سعفان ويسر للشيخ بقوله: فهمت يا بوي إيش المقصود؟ ليرد الشيخ غاضبا على راجح: شوية النور اللي ربنا باعتهم لينا عايز المُهندسين ياخدوهم ونعيش احنا الليل في ظلام؟! ما بدي أسمع كلمة بعد كدا.

هنا يحاول سعفان إقناع الشيخ شداد بقتل راجح: نقتله يا بوي قوام قبل ما يرحل، لو قابل المُهندسين لا بد هيعاود معاهم. ليصيح الشيخ على راجح: راجح، توعدني وعد يا ولدي؟ فيرد: وعد الرجال حق لو كان في مقدوري. ليقول الشيخ: لو لقيت المُهندسين في طريقك اوعى تعاود معاهم هنا. ليسأله راجح: ليش يا بوي؟ فيرد الشيخ: وعد الرجال حق، لو رجعت بالمُهندسين هتلاقي جتتي في الطريق، لازم تدوسوا عليها قبل ما تدخلوا. ليقول راجح: لا تخاف يا بوي، لا تخاف.


يتحرك راجح مع أهل القبيلة في رحلته من أجل البحث عن المياه واللحاق بغريب وخطيبته سلمى في نفس الوقت الذي يكون فيه غريب قد وصل إلى إحدى المُرتفعات التي توجد خلفها عين ماء صالحة للشرب، لكنه لم يكن يعلم أن المنطقة عبارة عن أرض ألغام؛ لذلك بمُجرد هبوطه إلى العين ينفجر فيه أحد الألغام ليقتله، وحينما تجد الأم ابنتها سلمى تكاد أن تموت من العطش تُغامر بالهبوط إلى العين من أجل إحضار الماء لها، لكنها تموت بانفجار لغم فيها أيضا، وبينما تعاني سلمى من الموت عطشا يصل كل من غالب وإبراهيم ويجداها؛ فيهبط غالب مُسرعا لجلب المياه لها، وبالفعل تفيق سلمى من غيبوبتها لتخبره في نفس الوقت الذي هبط فيه إبراهيم للإتيان بالمزيد من الماء بأن الأرض حقل ألغام؛ فيحذر غالب إبراهيم من التحرك من مكانه؛ الأمر الذي يجعل إبراهيم محبوسا بجوار عين الماء غير قادر على الحركة.

يشعر غالب بالرغبة في سلمى حينما يراها نائمة بينما ساقها قد تعرت، لا سيما وأنه يرغبها منذ صغره لكن حبها لراجح كان يمنعه عنها؛ فيقوم باغتصابها أمام عيني إبراهيم الذي يحاول الحركة من أجل إنقاذها لكن أحد الألغام ينفجر فيه ويموت.

يفكر غالب في الهروب للبحث عن المُهندسين والعمل معهم قبل وصول راجح ومعرفته بما حدث، لكن أثناء تفكيره في الأمر تصل القبيلة التي يسرع أهلها بالهبوط إلى عين الماء بأعداد كبيرة بينما غالب يحاول منعهم ومُناداتهم بالتوقف، إلا أنهم لا يستمعون إليه. في هذه اللحظة تنفجر العديد من الألغام في عدد كبير من أهل القبيلة، وتخبر سلمى راجح ما حدث من غالب تجاهها؛ الأمر الذي يجعله يلكمه بالكثير من اللكمات ويضربه حتى الموت هابطا به نحو عين الماء إلى أن تنفجر إحدى الألغام في غالب ليموت بدوره.


يشعر راجح بعدم أهمية الحياة بعدما عرف بأمر اغتصاب سلمى ويظل مكانه غير راغب في الحركة، بينما مجموعة كبيرة من أهل القبيلة في الأسفل غير قادرين على التحرك خوفا من الألغام بينما الباقين فوق التل يشعرون بالخوف من الهبوط. هنا يقترح أحدهم على راجح بضرورة البحث عن المُهندسين من أجل إقناعهم بالعودة معهم إلى الواحة ومُساعدتهم في حفر بئر ماء جديدة، ورغم أنه قد وعد شيخ القبيلة/ الشيخ شداد بعدم العودة إلى الواحة مرة أخرى مع المُهندسين إلا أنه يتأكد له بأنه لا يوجد أي حل آخر من أجل إنقاذ حياة الجميع سوى البحث عن المُهندسين من أجل حفر البئر رغم أن هذا الأمر سيجعلهم ينتبهون إلى الزيت، أو البترول ويستولون عليه، لينتهي الفيلم بتحركهم من أجل البحث عن مُهندسي البترول.

لا يمكن إنكار أهمية فيلم "الوادي الأصفر" للمُخرج ممدوح شكري الذي بدا لنا من أهم الأفلام الثورية التي تدعو لرفض العادات والتقاليد والأساطير التي يؤمن بها المُجتمع رغم أنها لا تقوده إلا إلى الموت المُحتم؛ ومن ثم رأى المُخرج أن الثورة على هذه الأمور من قُبيل البديهيات التي لا بد منها، أي أن الخروج من سطوة الموروث لا بد منه وإلا ظللنا في أماكننا إلى أن نموت من دون حركة، لكن رغم أهمية هذا الفيلم في هذه الفترة المُبكرة إلا أن المُشاهد لم ينتبه إليه ومن ثم لم يلاق الفيلم الترحيب الواجب به، رغم أن الفيلم كان رشيق الإيقاع لا يمكن أن يُشعر المُشاهد بالملل منه، بل كان مشوقا في أحداثه.

لكن، رغم هذه الجودة الفنية والنضج الواضح في التنفيذ لاحظنا طوال أحداث الفيلم، ومنذ بدايته أن كل من مريم فخر الدين، ونورا كانتا تضعان مكياجهما بالكامل، لا سيما الكُحل والآي لاينر بشكل لافت ومُكتمل، وهو ما لا يمكن قبوله منطقيا أو استيعابه لامرأتين من البدو تعيشان في الصحراء ورغم ذلك فمكياجهما لا يتأثر بحرارة الشمس الحارقة، ولا بالبكاء والدموع، ولا بالرياح والرمال والعواصف؛ الأمر الذي جعل المُشاهد في حالة انتباه دائم إلى ماكياج المُمثلتين الذي يتعارض مع المنطق الفيلمي ومنطق الأشياء في واقعيتها.

 

محمود الغيطاني

مجلة مصر المحروسة

عدد إبريل 2023م