الجمعة، 24 يناير 2025

المِدحلة البخارية والكمان: حرية الفن كما يراها تاركوفسكي

إن مُشاهدة الأفلام المُبكرة للمُخرجين- قبل اكتسابهم لأسلوبيتهم الفنية التي سيتميزون بها فيما بعد- من الأهمية بمكان ما يجعل الباحثين والدارسين يلجأون إليها، باحثين عنها من أجل معرفة كيفية التطور الأسلوبي والفني لهذا المُخرج أو ذاك؛ لذا، فغالبا، ما يلجأ الدارس لهذه الأفلام؛ لمعرفة كيفية التطور الأسلوبي للمُخرج، وغالبا ما يجد فيها البصمة الجينية الفنية لكل مُخرج، وهي البصمة التي تتطور مع مرور الوقت- فيلم بعد آخر- ليكتسب المُخرج في نهاية الأمر أسلوبيته الخاصة به، التي يتميز بها عن غيره من صُناع السينما.

صحيح أن هذه الأفلام المُبكرة الأولى قد لا تُدلل على أسلوبية المُخرج المُستقبلية، وما سيستقر عليه في الشكل الفني الذي يفضله ويتميز به، لكنها- غالبا- ما تحمل بعض الإرهاصات مما سيصل إليه في نهاية الأمر.

هذه الإرهاصات المُبكرة لم تكن واضحة جلية في أفلام المُخرج والسيناريست الروسي Andrei Tarkovsky أندريه تاركوفسكي الأولى، لا سيما فيلمه التليفزيوني القصير There Will Be No Leave Today لا إجازة اليوم 1959م- وهو الفيلم الطلابي الثاني للمُخرج في قائمة أفلامه التي قام بصناعتها- حيث قام بصناعة فيلمين روائيين قصيرين تحت إشراف أستاذه، المُخرج الروسي Mikhail Romm ميخائيل روم في VGIK معهد جيراسيموف للتصوير السينمائي- معهد عموم روسيا للتصوير السينمائي- كان الفيلم الأول منهما هو فيلم The Killers القتلة 1956م عن قصة قصيرة للروائي الأمريكي Ernest Hemingway إرنست هيمنجواي بنفس العنوان، وهو الفيلم الأول في تاريخ روسيا الذي يعتمد على قصة أجنبية غربية، بينما قام بصناعة فيلمه الطلابي الثاني "لا إجازة اليوم" 1959م بالاعتماد على قصة حقيقية حدثت في روسيا حينما تم العثور على مجموعة من الصواريخ المدفونة في إحدى المُدن من مُخلفات الحرب العالمية الثانية بين كل من روسيا وألمانيا.


نقول: إن الفيلمين الأولين اللذين قام المُخرج بصناعتهما أثناء دراسته في معهد جيراسيموف لم نلمح فيهما أندريه تاركوفسكي الذي نعرفه، وإن كان ثمة بعض الإرهاصات البسيطة التي رأيناها في الفيلم الأول/ القتلة 1956م التي تمثلت في مهارته في اختيار زوايا الكاميرا التي يلتقط منها المشهد، وإكساب الكاميرا لشخصيتها بحيث تنقل لنا المشهد من خلال وجهة نظرها الخاصة، وليس من خلال وجهة نظر المُخرج، فضلا عن تركيزه على بعض التفاصيل الدقيقة التي سنراها فيما بعد في كل ما يقوم بصناعته، لكننا في الفيلم الثاني الذي صنعه للتليفزيون سنجد اسم تاركوفسكي على الفيلم، إلا أننا لن نرى فيه تاركوفسكي الذي نعرفه، حيث كان الفيلم مُجرد فيلم جماهيري تشويقي، يحاول تقليد السينما الأمريكية في إمكانية صناعة فيلم يقبل عليه الجميع، مُحافظا في ذلك على درجة التوتر المُتصاعدة لحظة تلو الأخرى من أجل السيطرة على انتباه المُتلقي حتى النهاية، وإن كنا سنلمح أيضا تركيز تاركوفسكي في الفيلم على بعض التفاصيل الدقيقة التي تميز بها فيما بعد، لا سيما تركيزه على أيدي الجنود الحذرة أثناء محاولة استخراج الصواريخ من مخبأها تحت الأرض من أجل إخراجها في منطقة آمنة وتفجيرها خارج المدينة، والميل- في بعض مناطق الفيلم- إلى المشاهد الطويلة البطيئة، وهو ما سيصبح سمة أسلوبية مُستقبلية للمُخرج فيما بعد.


لكن، إذا ما تأملنا فيلمه الروائي القصير الثالث The Steamroller and the Violin المِدحلة البخارية والكمان 1961م- مشروع تخرجه من معهد جيراسيموف- سنرى فيه بشكل جلي تاركوفسكي الذي عرفناه فيما بعد من خلال أفلامه الروائية الطويلة، أي أن الفيلم يحمل من جينات تاركوفسكي، وأسلوبيته السينمائية الكثير مما استقر عليه فيما بعد في صناعة أفلامه، وهي الأسلوبية التي ظل يستغرق فيها إلى أن بلغ معها مداها الفني الأقصى في فيلمه الروائي الأخير The Sacrifice القربان 1986م- وهو الفيلم/ الوصية التي تركها للإنسانية، وتحذيره الأخير لها قبل رحيله كنبي للسينما العالمية.

ربما لا بد من الإشارة هنا إلى أن الترجمة الدقيقة لعنوان الفيلم هي "المِدحلة البخارية والكمان"، فكلمة Steamroller الإنجليزية تُقابل في ترجمتها العربية مُفردة "المِدحلة البخارية"، وهي أداة زراعية تُستخدم لتسطيح الأرض، وتكسير الكتل الكبيرة.


في فيلم تخرجه- المدحلة البخارية والكمان- نرى تاركوفسكي الذي نعرفه في كل أفلامه الروائية الطويلة التي قدمها فيما بعد، أي أن أسلوبيته التي استقر عليها ونضجت في أفلامه التالية كانت جلية في هذا الفيلم، وبالتالي إذا ما نزعنا اسم المُخرج من على تيترات الفيلم سينتابنا ثمة شعورا قويا بأن الفيلم لا يخص سوى أندريه تاركوفسكي، حيث يتأمل في الحياة بعمق، محاولا طرح العديد من التساؤلات، وهو في هذا التأمل لا يقدم لنا أي قصة، أو حبكة سينمائية؛ فتاركوفسكي في جوهر الأمر يقدم لنا شريحة من الحياة، من المُمكن لها أن تحدث في أي زمان، وفي أي مكان، وكل ما فعله أنه كان يراقب هذا المشهد من الحياة من خلال كاميرته، محاولا التركيز عليه، وهو التركيز الذي من شأنه أن يطرح العديد من التساؤلات، ويثير التفكير في عقل مُشاهد الفيلم.

يفعل تاركوفسكي ذلك بتقديم فيلمه من خلال عينيّ طفل صغير لم يتعد السابعة من عمره، ولعل اختيار المُخرج للطفل من أجل تقديم فيلمه- مُتخفيا في ذلك خلف عينيّ الطفل- سنراه بشكل أكثر وقعا ووضوحا ونُضجا في فيلمه التالي على هذا الفيلم، Ivan’s Childhood طفولة إيفان 1962م، حيث قدم لنا العالم، ورؤيته للحرب وأثرها السلبي والمُدمر على الجميع من خلال عيني إيفان في هذا الفيلم- مُخالفا في ذلك الاتجاه السوفيتي في صناعة الأفلام من أجل تمجيد الجيش السوفيتي، وبطولاته، وعظمته.


كذلك في فيلمنا "المِدحلة البخارية والكمان" فالكاميرا، ورؤية المُخرج الفنية بالكامل يتم تقديمها من خلال عينيّ ورؤية ساشا- قام بدوره المُمثل السوفيتي Igor Fomchenko إيجور فومتشينكو- الطفل الصغير الذي يجيد العزف على الكمان، وهو طفل وحيد، لا أصدقاء له، ولا يرتبط بأي شكل من أشكال العلاقات اللهم إلا بكمانه الذي يقوم بالعزف والتدرب عليه، كما أننا لن نرى أمه سوى في نهاية الفيلم فقط- وإن كنا سنراها في صورة حادة، أقرب إلى الصرامة والتجهم- أي أن الطفل هنا مُجرد كائن صغير وحيد لا تربطه أي علاقة بالعالم إلا من خلال كمانه، وموهبته الرفيعة المُرهفة التي يمارسها في مواجهة هذا العالم.

ربما نُلاحظ مع نزول تيترات الفيلم أن التيترات مكتوب عليها أن الفيلم من إنتاج اتحاد الأدباء لإنتاج أفلام الأطفال، كما أنه قد شارك في إنتاجه ستوديو Mosfilm الذي كان أكبر وأقدم استوديو في الاتحاد السوفيتي وأوروبا، لكن ما يهمنا هنا أن اتحاد الأدباء لإنتاج أفلام الأطفال قد شارك في إنتاج هذا الفيلم الذي كان بطله الرئيس هو طفل في السابعة من عمره، لا سيما أن الفيلم للوهلة الأولى سيشعرنا بأنه فيلم مصنوع خصيصا للأطفال ومُخاطبتهم، لكن مع النظرة المتأنية المُتأملة لما قدمه تاركوفسكي على الشاشة سيتضح لنا أنه فيلم يتخذ شكل أفلام الأطفال، لكنه في الحقيقة يخاطب الكبار من منظور طفولي، شديد الرهافة، كثير العقلانية. كما لا يفوتنا أيضا أن ستوديو "موسفيلم" يقوم بإنتاج فيلم لتاركوفسكي للمرة الأولى، لا سيما أن فيلميه القصيرين السابقين كانا من إنتاج معهد جيراسيموف.


يبدأ تاركوفسكي فيلمه على ساشا يفتح باب شقته، لنراه خارجا منه، حاملا معه حقيبته في يد، وفي اليد الأخرى كمانه، ليقوم بإغلاق باب الشقة، وينزل الدرج لتتابعه الكاميرا في هبوطه. إن المشهد الذي بدأ به تاركوفسكي فيلمه يجعلنا نتوقف أمامه مُتأملين نظرا لفنيته التي تخص تاركوفسكي. فبما أن المُخرج يقدم فيلما يأخذ شكل أفلام الأطفال، وبما أن بطل الفيلم هو طفل في السابعة، سنُلاحظ أن الكاميرا الواقفة أمام الباب كانت في زاوية ذات منسوب مُنخفض، وهي الزاوية التي أتاحت للكاميرا أن نرى من خلالها ساشا الضئيل الجسد، القصير القامة داخل الكادر، بينما بدا الباب من خلفه عملاقا، لا يظهر لنا منه داخل الكادر سوى مُنتصفه فقط، أي أن ثمة براعة يتميز بها المُخرج في معرفة الزاوية التي يضع فيها كاميرته من أجل التعبير من خلال عدسة الكاميرا عما يرغب في الذهاب إليه، أي العالم الطفولي الذي يرى العالم من حوله مُتسعا، شاسعا، بينما الطفل يشعر بنفسه كنقطة في هذا العالم اللامُتناهي بالنسبة له.


سنُلاحظ- مع مُتابعة الكاميرا لهبوط ساشا على الدرج وكأنها تراقبه عن كثب، أي إكساب الكاميرا شخصية خاصة بذاتها- أنه حينما يهبط إلى الطابق الذي يتواجد أسفل شقته سيرى أحد الأطفال المُصابين بكسر ما في الساق واقفا أمام باب شقته؛ مما يشعر ساشا بالخوف، ويجعله مُترددا في استكمال هبوطه، إلا أنه سُرعان ما سيركض من أمام الفتى مُستمرا في الهبوط، لكنه بمُجرد وصوله إلى مدخل البناية، وقبل الخروج من الباب الخارجي سيلمح مجموعة من أطفال البناية الأكبر منه في العمر يلعبون داخل البهو؛ مما سيجعله يختبئ منهم، متواريا، خائفا من الإقدام على الخروج حتى لا يلمحونه، وبمُجرد ما يرى إحدى السيدات مُغادرة للبناية، يسرع باتجاهها، محاولا الاحتماء بها، والتخفي في جسدها عن أعين الأطفال، لكن الأطفال يلمحونه ويلحقون به حينما ينبههم أحدهم: المُوسيقار يهرب.

مع تأمل المشهد السابق سنتأكد من أن ساشا- وهو الأصغر عمرا في الفيلم- طفل وحيد، مُرهف، ضعيف، كما سنُلاحظ أنه ضئيل الجسد، وكل هذه الأمور مُجتمعة تجعل جميع أطفال البناية- الأكبر منه في العمر والجسد- يحاولون دائما اللحاق به، والتنمر عليه، ومُضايقته، بل والاعتداء الجسدي عليه، وبما أنه لا يفعل أي شيء سوى العزف والتدرب على كمانه- مع ما يحمله ذلك من إسقاطات ودلالات على رهافته- فهو يحاول دائما الهروب منهم، لأنهم يخطفون منه الكمان، ويبدأون في التلاعب به ومُضايقته.


يلاحظ أحد عمال الإنشاءات/ سيرجي- قام بدوره المُمثل السوفيتي Vladimir Zamanskiy فلاديمير زمانسكي- الذي يقوم بتسوية الإسفلت بالمِدحلة في الشارع أمام البناية التفاف الأطفال من حول ساشا ومحاولة إرهابه ومُضايقته؛ فينهرهم، مُنقذا ساشا من بين أيديهم مُطمئنا إياه، طالبا منه المضي قدما في طريقه.

نُشاهد ساشا يسير في شوارع موسكو، مُتأملا ما حوله، ليتوقف أمام أحد المحال التجارية، ناظرا إلى العديد من المرايا المُتصدرة لواجهتها، ولعل هذا المشهد من الفيلم كان من المشاهد المُهمة التي تُدلل على أسلوبية تاركوفسكي التي نعهدها في أفلامه، حيث يقف ساشا مُتأملا من خلال انعكاس المرايا أمامه للمدينة، وما يدور فيها، فضلا عن بهجة الصورة التي تؤدي إلى العديد من الانقسامات في الرؤية، مما يُدلل على أن تاركوفسكي من خلال مشهد تأمل الطفل لهذه الانعكاسات أنه في جوهر الأمر في رحلة تأمل ذاتي داخلي، أكثر مما لو كان يتأمل العالم الخارجي الذي تنقله لنا الكاميرا.


إن الطفل هنا يتأمل بهجة العالم، واتساعه، وشعوره العميق بالضآلة فيه، وربما وحدته، ولعلنا رأينا من خلال هذا المشهد وقوع سلة مُمتلئة بالتفاح من إحدى السيدات على الأرض؛ مما يجعلها تنحني لمحاولة التقاطه، وهو ما يحيلنا مُباشرة إلى مشهد شاحنة التفاح التي رآها إيفان في حلمه في فيلم Ivan’s Childhood طفولة إيفان وانسكاب حمولة التفاح على الشط، وأكل الأحصنة منه، حتى لكأن مشهد وقوع سلة التفاح في فيلمنا هذا، وتأمل ساشا له، كان هو المشهد المُؤسس، أو هو الإرهاصة الأولى للمُخرج الذي سيحاول تعميق مثل هذا المشهد ومفهومه فيما بعد في فيلمه التالي، الذي كان فيلمه الروائي الطويل الأول.

ينتبه ساشا إلى استغراقه في تأمله داخل المرايا وانعكاساتها؛ مما يجعله يتحرك مُستمرا في تجواله داخل شوارع موسكو العملاقة بالقياس إلى جسده الضئيل، ليدخل أحد الأبنية، ونعرف أنه مدرسته التي يتدرب فيها العزف على الكمان.

ثمة مُلاحظة فنية مُهمة هنا لا بد من التوقف أمامها بمُجرد دخول ساشا إلى المدرسة التي يقوم فيها بالتدرب على العزف، فالإضاءة التي استخدمها المُخرج مُنذ بداية الفيلم كانت إضاءة ساطعة، واضحة، الألوان فيها زاهية مُبهجة، لكنه بمُجرد ما انتقل إلى داخل المدرسة سنُلاحظ أن الإضاءة قد باتت خافتة، أقل سطوعا، وقد فقدت الألوان بهجتها التي رأيناها في المشاهد السابقة- نرى هذا التباين في الإضاءة أيضا في المشاهد الداخلية لساشا في بيته حينما نراه مع أمه- أي أن ثمة اختلاف بيّن نلمحه من خلال التباين في درجات الإضاءة، وهي الإضاءة التي سنفهم الهدف منها حينما يدخل ساشا إلى حجرة مُعلمته ويقوم بالعزف أمامها، فنراه يقوم بالعزف على كمانه حالما وكأنه انفصل عن هذا العالم، لكن المُعلمة تستوقفه لتخبره بصرامة بأنه يُخالف الإيقاع في عزفه، ويقوم بالتنشيز، وسُرعان ما تطلب منه العزف مرة أخرى، ثم تُكرر طلبها عليه عدة مرات بعدما تستوقفه في كل مرة.


إن وجه المُعلمة الصارم هنا، وجهامتها المُبالغ فيهما، فضلا عن تشغيل بندول ساعة أمامه كي لا يخرج عن الإيقاع إنما يُدلل على محاولة تقييد الفن وجذبه باتجاه الأرض، أو الواقع، أي أن تاركوفسكي يرى أن الفن لا يمكن له أن يحيا إلا من خلال الانطلاق في آفاقه الحالمة، غير المُرتبطة بالقوانين، والقواعد الصارمة، فالفن في جوهره يمتلك أجنحة يستطيع من خلالها الطيران والتحليق بعيدا- لذا لا يحاول ساشا الالتزام بالقواعد/ الإيقاع الذي ترغبه المُعلمة في كل مرة يبدأ فيها عزفه، لكنها ترفض طيرانه، أو تحليقه، وتحاول في كل مرة مُقاطعته لجذبه مرة أخرى إلى الأرض عاملة على تقييده، والتزامه بالقيود. إنها رؤية تاركوفسكي الفنية التي يرى الفن من خلالها مُنطلقا في آفاق أرحب، مُعبرا عن ذلك في تنشيز ساشا في عزفه، وهو شكل من أشكال الخلق والإبداع والتفرد التي ترفضها مُعلمته المُلتزمة بالقوانين والتعليمات الصارمة.


ألا يعني ذلك من جهة أخرى محاولة حديث المُخرج عن دور الفن، وانطلاقه في آفاق أرحب من أجل خلق عوالم أخرى جديدة؟ إنه دور الفن/ الهاجس الذي يشغل المُخرج طوال حياته، وهو ما رأيناه في جل أفلامه اللاحقة، لا سيما فيلمه الملحمي Andrei Rublev أندريه روبليف 1966م الذي تناول فيه الحياة المُتخيلة لأندريه روبليف، ودور الفن والفنان في مُجتمعه من أجل حياة أفضل لأبناء المُجتمع المُحيط، كما رأينا ذلك مرة أخرى أيضا في فيلمه Stalker المُطارد 1979م حينما دار حوار فلسفي عميق بين كل من الكاتب والبروفيسور حول الفن، ومفهومه، ودوره المُجتمعي.

إذن، فالمُخرج يحمل همومه الاجتماعية، والفنية مُنذ وقت مُبكر، ويحاول التفكير فيها دائما، وإن تناولها فيما بعد بشكل أكثر تفصيلا ونضجا مما تناولها به في أفلامه المُبكرة.

مهارة تاركوفسكي في اختيار زوايا الكاميرا تتبدى لنا هنا مرة أخرى، حينما نرى ساشا مُنتظرا أمام غرفة مُعلمته لحين دخوله، وفي الوقت الذي يخرج فيه أحد الأطفال من الغرفة سنرى الكاميرا تتأمل الطفل من زاوية مُنخفضة المنسوب لتنقل لنا الطفل الضئيل الجسد، بينما الباب من خلفه يبدو عملاقا، لا نرى سوى نصفه فقط، كما أن ساشا حينما يدخل بدوره إلى الغرفة سنرى نفس زاوية الكاميرا التي تخفي نصف الباب العملاق بالنسبة لجسد ساشا، أي أن تاركوفسكي يرغب في التعبير عن اتساع العالم من حول هؤلاء الأطفال، ونقل العالم من خلال وجهة نظرهم هم، ورؤيتهم للعالم من حولهم.


حينما يعود ساشا إلى بيته، سيُلاحظ وجود الأطفال المُتنمرين عليه أمام البناية مُنتظرين اقترابه، لكن سيرجي سيقوم بإنقاذه منهم، كما سيأخذه فوق مِدحلته في رحلة يعلمه من خلالها كيفية قيادتها والتحرك بها للأمام، والخلف، مما سيجعل الأطفال المُتنمرين عليه واقفين يتأملونه بحسد، وحسرة لرغبتهم في أن يكونوا مكانه- أي أن ساشا هنا قد اكتسب مكانة ما، أعلى كثيرا أمام الأطفال الذين يتمنون أن يكونوا مكانه.

إن تاركوفسكي هنا تتلبسه روح الطفولة أثناء صناعته لهذا الفيلم، وهي روح الطفولة التي سنراها حينما يهبط سيرجي من فوق المِدحلة، تاركا إياها لساشا ليقودها، وبينما يحاول أحد الأطفال الكبار مُحاصرة ساشا بالالتفاف من حوله بدراجته، يصطدم الطفل بالدراجة في الحائط مما يجعل جرس الدراجة يقع أرضا ليدوس عليه ساشا بمِدحلته مساويا إياه بالأرض، أي أن تسوية جرس الدراجة بالأرض- رغم أنه لم يكن مقصودا من ساشا- هو الانتقام الطبيعي لساشا من الطفل الذي كثيرا ما ضايقه، ومن ثم تبدو لنا هنا الروح الطفولية التي تتلبس المُخرج أثناء قيامه بصناعة فيلمه، وهو ما سيشعرنا بالكثير من السعادة، وكأنما ساشا قد انتقم لنفسه من الطفل البغيض، وانتقم لنا بدورنا- نظرا لتعاطفنا مع ساشا.


يطلب سيرجي من ساشا التوقف لتناول الغداء، فيترك ساشا حقيبته، وكمانه على المِدحلة، مُتجها مع سيرجي في جولة داخل المدينة، وأثناء سيرهما في الطريق، بينما يحمل ساشا في يده قنينة من الحليب، يُلاحظ أحد الأطفال الصغار الذي يقوم طفل أكبر منه بالاعتداء عليه بينما يبكي الطفل الصغير- في إسقاط على ما يحدث لساشا مع أطفال بنايته- هنا ينظر سيرجي إلى ساشا قائلا: هذا ليس عدلا. ليقول ساشا: دعنا ننقذه. يرد عليه سيرجي: أنقذه أنت. يسأله ساشا: وأنت؟ يرد سيرجي مُستنكرا: اثنان ضد واحد؟ يشير ساشا إلى قنينة الحليب في يده: لكن هذه معي. يقول سيرجي: سأحملها، أراك فيما بعد.

يلتقط سيرجي زجاجة الحليب من يد ساشا، ويتظاهر بالانصراف، لكنه يتوارى على مقربة منه ليراقب فعله، فنرى ساشا مُترددا، يقول للطفل الكبير: لماذا تعتدي على شخص أصغر منك؟ اتركه وإلا سأضربك.


يترك الطفل الكبير الطفل من يده، لينظر إلى ساشا باندهاش، ثم يطلب منه اتباعه، وحينما يدخل معه إلى مدخل إحدى البنايات يقوم بضرب ساشا، لكن سيرجي يلحق به مما يؤدي إلى هروب الطفل الكبير، إلا أن ساشا يكون قد نجح في الحصول على بالون الطفل المُعتدى عليه، ويعيده إليه، مُخبرا سيرجي أنه لم يكن خائفا، لكن الولد الكبير صعب.

ألا نُلاحظ هنا أن سيرجي/ العامل يقوم تقريبا بدور الأب المُفتقد في حياة ساشا، لا سيما أننا لم نر في الفيلم سوى أمه في نهاية الفيلم، مما يوحي لنا بأنه يفتقد لوجود الأب في حياته، وبالتالي كانت هذه الصداقة، وهذا التجول مع سيرجي طوال الفيلم؟

إن العامل هنا/ سيرجي لا يقوم بدور الأب فقط، وهو الدور الذي رأينا فيه العامل يحاول تعليم ساشا التحلي بالشجاعة والمواجهة، وعدم الخوف من الآخرين حينما طلب منه أن يقوم بإنقاذ الطفل الصغير من براثن الطفل الأكبر منه، بل هو يمثل في ذات الوقت أحلام ساشا، أحلامه في الحماية، وفي الشعور بالأمان، وفي الصداقة، والأبوة المُفتقدة، أي أنه من المُمكن لنا اعتبار رحلة ساشا مع سيرجي طوال مُدة الفيلم كانت مُجرد حلم طويل تخيله الطفل، لا سيما أن أفلام تاركوفسكي- ومنها هذا الفيلم- قابلة للعديد من التأويلات، والإحالات، والإسقاطات، وإعادة التفسير.


من جهة أخرى يمكن تأويل وجود سيرجي مع ساشا، وحمله، على رغبة تاركوفسكي الماسة في إذابة الفوارق بين الطبقات، لا سيما الطبقات العمالية التي يمثلها سيرجي، وطبقة الفنانين التي يمثلها ساشا/ المُوسيقار كما يُطلق عليه أبناء الحي الذي يسكن فيه، وهو ما نلمحه بجلاء حينما يقول أحد العمال لسيرجي، قاصدا في قوله ساشا: عامل حقيقي، ماذا يعمل؟ ليرد سيرجي: مُوسيقارا. لكن ساشا يسأله بغضب حينما يستمع إلى رده على العامل: ماذا تقول؟ يرد سيرجي: مُوسيقار، أليس هذا عملك؟ لكن ساشا يشعر بالغضب الشديد ليقوم بإلقاء الخبز على الأرض، وسُرعان ما ينصرف بعيدا، لكن سيرجي يقول بصرامة: ارجع هنا، ما هو عملك في اعتقادك؟ ماذا؟ تحصل على خبزك بحرية أم تعتقد أن الأرغفة تنمو على الأشجار؟ التقطه، ماذا إذا ما رمى شخص ما كمانك على الأرض.

هذا المشهد الذي رأينا فيه ساشا غاضبا لمُجرد وصفه بالمُوسيقار هو مشهد من الأهمية بمكان ما يجعلنا نتوقف أمامه من أجل تأمله، فلقد غضب الطفل حينما قال سيرجي للعامل أنه يعمل مُوسيقارا، رغم أن هذا أدعى للفخر، وليس للسخط والغضب، لكن بما أن ساشا يرى أن الفن من الأشياء السامية؛ فلقد رفض أن يكون هذا عملا بالنسبة له، أي أن الفن من وجهة نظره هو التسامي بالروح، وتخففها من أثقالها الواقعية، وليس جذبه إلى الواقع والنزول به إلى العادية باعتباره عملا، لكن بما أن الفيلم يدور في المرحلة الاشتراكية للاتحاد السوفيتي، وهي المرحلة التاريخية التي كانت تُعلي من شأن العمل، وتعمل على تقديسه، فرؤية سيرجي مُختلفة تماما عن ساشا. فساشا هنا مُجرد طفل حالم، يرى العالم من خلال منظوره الشخصي الحالم، ورهافته التي اكتسبها من الفن، لذا فهو يرى الفن بمثل هذه الرؤية فقط، وبالتالي يكون تشبيه الفن بالعمل هو بمثابة إهانة لهذا الفن، لكن بما أن العامل هنا مُتشبع بالحياة، وخبراتها، والعقيدة السوفيتية الاشتراكية التي تُقدس العمل، وترى أن الدولة إنما تقوم على أكتافهم أولا فلقد أكد لساشا أن العمل هو أمر مُهم كي يستطيع الحياة، وإذا ما كان لا يعرف سوى العزف؛ فهو بمثابة عمل بالنسبة له، فضلا عن غضب سيرجي لإلقاء ساشا للخبز على الأرض، لا سيما أن الخبز لا يمكن الحصول عليه بسهولة إلا من خلال الكد والتعب، ومن ثم يكون فعل ساشا هنا بمثابة الإهانة لمفهوم العمل خاصة من وجهة نظر العقيدة الاشتراكية/ الأيديولوجية.


إذن، فالعلاقة بين الاثنين هي محاولة لإذبة الفوارق الطبقية بين الفئتين الاجتماعيتين، وهو ما جعلهما مُنسجمين في هذه الصداقة رغم فارق العمر الشاسع بينهما.

يلحق ساشا بسيرجي شاعرا بالخجل من فعله، ويبدآن في التجول داخل المدينة، ليقفا مع جمع كبير من المواطنين أمام أحد الأبنية القديمة الضخمة، بينما نرى كرة معدنية عملاقة تحاول هدم المبنى في إسقاط على روسيا القديمة التي يتم هدمها والتخلص منها من أجل بناء روسيا الجديدة، يقوي من هذا المعنى والدلالة أن المبنى القديم بمُجرد سقوطه سيظهر من خلفه أحد المباني الجديدة كإسقاط مُباشر على روسيا الجديدة التي تم تشييدها.

يختفي ساشا عن نظر سيرجي أثناء عملية الهدم، والسقوط الغزير للأمطار التي هطلت فجأة- سقوط الأمطار الغزير، وبرك المياه في كل مكان من المُفردات الفيلمية المُهمة في عالم تاركوفسكي، وهو ما سنراه بكثافة في أفلامه التالية، أي أن هذا الفيلم كان مُؤشرا قويا على ما ستكون عليه أفلامه فيما بعد- وحينما يعثر سيرجي عليه يجلسان في أحد الأركان من أجل تناول طعامهما، وهو المشهد الذي يؤكد لنا على رغبة ساشا في الانطلاق، ومُخالفة القواعد، وتكسيرها، وعدم التقيد بأي شيء- لاحظ أنه حينما كان يعزف كان يتعمد عدم الالتزام بالإيقاع- حيث نراه يتناول الحليب من القنينة الكبيرة ليقول لسيرجي: أمي تغلي حليبي دائما- أي أنه يحاول التحلل من قيود الأم، الدائرة الأكثر ضيقا والأقرب إليه أولا- فيسأله سيرجي: لماذا؟ يرد ساشا: تخاف من إصابتي بالأمراض. يقول سيرجي: إذن، لا تشربه. لكن ساشا يرد: أنت تشربه، وأنت بخير حال. يقول سيرجي: نعم، حتى الآن جيد جدا.

إنها محاولة التمرد المُبكرة، وهو التمرد الفني الذي يلازم أي فنان حقيقي راغب في الانطلاق بعيدا بنفسه، وبفنه، وهو ما يجعله يحاول تقطيع الخبز بالسكين، ولكن نتيجة لصغر عمره، وحجم يديه بالنسبة لرغيف الخبز يقوم سيرجي بمُساعدته في تقطيع الخبز له.


يلاحظ سيرجي أن أحد أقفال حقيبة الكمان ليس مُثبتا، فيقوم بمحاولة تثبيته، وهو الكمان المُمثل للفن بتساميه، حتى لكأنه حلم بالنسبة للآخرين. هذا الانبهار، والنظر إلى الآلة المُوسيقية باعتبارها حلما سنراه حينما يقترب الأطفال من المِدحلة التي ترك ساشا كمانه عليها للتوجه مع سيرجي من أجل تناول طعامهما، حيث سيقومون بفتح حقيبة الكمان، وحينما يرونه أمام أعينهم سيقفون أمامه مسحورين، وكأنهم دخلوا عالما سحريا من الأحلام، وبالتالي فلن يقوموا بسرقته، بل سيتأملونه لفترة ثم يقومون بإغلاق غطائه مرة أخرى.

إنه نفس السحر الذي يتأمل من خلاله سيرجي للكمان حينما يخرجه ساشا من حقيبته من أجل تثبيت سيرجي لقفلها، حيث سيعرض ساشا على سيرجي أن يحمل كمانه إذا ما كان يرغب في ذلك، فنرى سيرجي يحاول مسح يديه من الوسخ أولا قبل تناوله للكمان، مما يُدلل على تقديسه، ومعرفته لقيمته، أو نظرته إليه وكأنه شيء من السحر، ثم رؤيتنا لنظرته المُنبهرة بالآلة المُوسيقية بينما يتأملها بين يديه.


إنها قيمة الفن التي يرغب تاركوفسكي في نقلها لنا من خلال فيلمه والتأكيد عليها، لذا سيقوم ساشا- كمُكافأة لصديقه الكبير/ سيرجي- بالعزف له على كمانه، مما يشعره بالكثير من السعادة.

يتفق كل من ساشا وسيرجي على اللقاء في السابعة مساء من أجل دخول السينما، وهو ما يُشعر ساشا بسعادة أكبر، ومن ثم يتجه إلى منزله مُسرعا للاستعداد، وبينما يقوم بتبديل ملابسه تدخل أمه، لتسأله عن السبب في اتساخ يده، ويخبرها أنها مُتسخة من زيت الإسفلت، كما يخبرها بأنه ليس لديه من الوقت ما يسمح له بغسلها لأنه سيخرج للذهاب إلى السينما مع صديقه الكبير سيرجي، لكن الأم ترفض الأمر، فيقول مُعترضا حزينا: ماما، إنه ينتظرني، لقد وعدته. فتقول: في الحقيقة، لقد نسيت زيارة ناتاشا وأمها لك اليوم، أخبرتهما أنك ستكون في البيت، ذلك كان وعدا أيضا، هذه ليست طريقة للتصرف.

يبدي ساشا رفضه لما تخبره به أمه، لكنها تغلق عليه باب حجرته من الخارج مما يمنعه من الخروج، وبالتالي يظل واقفا في الشرفة عله يرى صديقه سيرجي.


يشعر ساشا بالكثير من الحزن، ويكتب في ورقة بأن ما منعه من الخروج هو أمه- إنه ليس عيبي، أمي لم تتركني أذهب- بينما المُخرج ينتقل من خلال القطع المُونتاجي إلى سيرجي المُنتظر لساشا أمام دار العرض، وحينما يقلق يتجه إلى منزل ساشا ليسأل عنه الأطفال الذين فرقهم عن ساشا في الصباح، لكنه حينما يسألهم عن طابق ساشا يفرون من أمامه خائفين.

يلمح ساشا سيرجي في الشارع، ويلقي له بالورقة التي كتب له فيها السبب في تخلفه عن موعدهما، لكن سيرجي كان قد أخذ طريقه للابتعاد، ومن ثم سقطت الورقة خلف ظهره، ولم يرها.

يعود سيرجي ليقف أمام دار العرض على أمل ظهور ساشا، لكننا نلمح إحدى الفتيات العاملات التي كانت تحاول مُغازلة سيرجي مُنذ بداية الفيلم- قامت بدورها المُمثلة السوفيتية Natalya Arkhangelskaya ناتاليا أرخانجيلسكايا- مُنتحية أحد الأركان بجوار دار العرض، مُراقبة لسيرجي الذي لا يشعر بها، ولا يهتم، وقد اشترت إحدى التذاكر من أجل الدخول. تتوجه الفتاة باتجاه سيرجي طالبة منه الدخول معها، إلا أنه يظل مُترددا لفترة على أمل قدوم ساشا، وحينما يفقد الأمل في ظهوره، يستسلم للدخول معها.


هنا يلجأ تاركوفسكي إلى أسلوبيته التي نعرفها عنه، والتي طالما لجأ إليها في جميع أفلامه- أسلوبية الأحلام والرؤى- حيث يقطع مرة أخرى على ساشا المحبوس في غرفته فتنتقل الكاميرا- ككائن حي مُستقل ومُضاف للشخصيات الفيلمية- إلى درج المنزل، وتهبط الدرج إلى أن تصل لباب البناية الخارجي- تبدو لنا الكاميرا هنا مُتماهية مع ساشا، لا سيما أننا لا نرى سوى الهبوط فقط من دون وجود شخص- وسُرعان ما نرى ساشا يعدو في الشارع من خلال لقطة علوية قادرة على جعل ساشا يبدو شديد الضآلة من خلالها، كتعبير عن اتساع العالم من حوله، وأحلامه الكثيرة، فنراه يلحق بسيرجي الذي يقود مِدحلته، وحينما يلحق بها يحمله سيرجي إلى جواره على المِدحلة، وقد انطلق سرب من الحمام من حولهما كإسقاط رمزي ودلالالي من المُخرج على الحرية، والتحليق الذي يرغب فيهما الطفل.

إن مشهد النهاية الذي لجأ إليه تاركوفسكي من أجل إغلاق عالمه الفيلمي كان من أبرع المشاهد، وأكثرها فنية للتعبير عن أسلوبية تاركوفسكي التي ستميزه فيما بعد، فلقد لجأ إلى عالم الأحلام والرؤى، وهو العالم الذي ما فتئ يلجأ إليه في سينماه من أجل التعبير عن رؤيته الفنية التي يرغب في الذهاب إليها. وبما أن ساشا هنا- كفنان/ مُوسيقار- لديه الرغبة العارمة في التحرر والانطلاق والطيران، فضلا عن سعادته بصداقة سيرجي أو أبوته البديلة للأب الغائب، فلقد نجح الطفل في تحقيق ذلك من خلال حلمه، أو رؤيته، أو تخيله بسبب انحباسه داخل الغرفة التي أغقلتها الأم عليه من الخارج.


إن الفيلم الروائي القصير "المِدحلة البخارية والكمان" للمُخرج الروسي أندريه تاركوفسكي كان من أفضل مشاريع التخرج التي نجحت في تعريفنا على المُخرج وأسلوبيته السينمائية التي سنراها فيما بعد بشكل أكثر نضجا وعمقا، فلقد رأينا من خلال هذا الفيلم مُفرداته السينمائية الأهم- المرايا وانعكاس الأشياء فيها كدلالة على التأمل الذاتي، وهطول الأمطار الغزيرة، والبرك والمُستنقعات العديدة كدلالة على الحياة، فالماء مُرادف حقيقي للحياة لدى المُخرج، فضلا عن الكاميرا المُتأملة، المُتلصصة، ذات الشخصية المُستقلة، المُراقبة باعتبارها كائنا حيا له كيانه الخاص، فضلا عن بعض المشاهد البطيئة الطويلة التي ستزداد وتيرتها فيما بعد في أفلام المُخرج المُستقبلية.

صحيح أن الفيلم لم يقدم لنا أي قصة، ولا أي تنامٍ في الأحداث، بل مُجرد شريحة من الحياة من المُمكن لها أن تحدث كل يوم، لكننا إذا ما عدنا إلى كتاب تاركوفسكي نفسه Sculpting in Time النحت في الزمن لقرأنا قوله: أردت أن أوضح كيف أن السينما قادرة على مُراقبة الحياة من دون تدخل بشكل فظ، أو واضح في استمراريتها، لأن هذا هو المكان الذي أرى فيه الجوهر الشعري الحقيقي للسينما. أي أن المُخرج من خلال أسلوبيته السينمائية يوضح لنا بشكل مُباشر ومُحدد في كتابه أن السينما هي في جوهرها أداة للتأمل، أداة للحلم، والمُراقبة، أداة تحاول نقل العالم كما هو من دون التدخل فيه، لكنه من خلال هذا النقل يحاول إطلاق العنان للتساؤلات الإيمانية، والروحية، والوجودية العديدة التي تُكسب سينماه معناها الروحاني، والأخلاقي، والإيماني الخاص.

 

 

 محمود الغيطاني

مجلة "نقد 21"

عدد يناير 2025م.

 

 

 

الجمعة، 17 يناير 2025

مرآة النبوة المُتشظية

المُخرج الروسي أندريه تاركوفسكي
ربما لم يُدرك Nikita Khrushchev نيكيتا خروتشوف لوهلة- السكرتير الأول للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، ورئيس مجلس الوزراء- كرجل سياسي مدى تأثير الإصلاحات السياسية التي قام بها في فترة توليه للمسؤولية بعد وفاة الزعيم السوفيتي Joseph Stalin جوزيف ستالين[1]، وهي الفترة التي عُرفت باسم The Khrushchev Thaw ذوبان خروتشوف[2]، لا سيما التأثير- المُباشر وغير المُباشر- لهذا الفعل السياسي على تشكيل حياة السينما السوفيتية، وتغييرها، وثورتها الجمالية والأسلوبية، والدفع بها إلى الأمام والخلود من خلال مجموعة من الأفلام التي سيقوم بصناعتها مجموعة من المُخرجين الشباب الذين ما زالوا يقومون بدراسة السينما في ذلك الوقت، لا سيما المُخرج والسيناريست والمُنظر السينمائي الروسي Andrei Tarkovsky أندريه تاركوفسكي الذي كان لم يزل يدرس السينما في ذلك الوقت في VGIK معهد عموم روسيا للتصوير السينمائي[3] كتلميذ للمُخرج الروسي Mikhail Romm ميخائيل روم[4].

ففي الوقت الذي سمح فيه خروتشوف بالانفتاح الجزئي على ثقافات وفنون العالم؛ أعطى الفرصة لهؤلاء الشباب من المُخرجين بالاطلاع على تجارب غيرهم من المُخرجين الكبار في عالم صناعة السينما، وأسلوبياتهم المُختلفة ذات الخصوصية في هذه الصناعة، مما ترك بأثر هذه التجارب عليهم، ومن ثم تشكلت لدى كل منهم أسلوبيته المُختلفة، وذائقته، وحساسيته، وثقافته التي سادت فيما بعد في تيار السينما حتى أنها باتت مدرسة سينمائية وجمالية اتبعها الكثيرون من المُخرجين الآخرين من حول العالم، أي أنه جعل من الأسلوبية السينمائية الروسية مرجعا مُهما في هذه الصناعة، بعدما مالت إلى التجمد والتقليدية، لا سيما ما قام به المُخرج الروسي أندريه تاركوفسكي الذي أصبح من أهم المُخرجين من حول العالم مُنذ ذلك الحين وحتى اليوم.


فلقد: "نشأ تاركوفسكي كمُخرج سينمائي في روسيا في خمسينيات القرن العشرين، خلال فترة يُشار إليها باسم The Khrushchev Thaw ذوبان خروتشوف، والتي أصبح خلالها المُجتمع السوفيتي أكثر قبولا للأفلام والأدب والمُوسيقى الأجنبية، كان قادرا على مُشاهدة أفلام لمُخرجين أوروبيين وأمريكيين ويابانيين، وهي تجربة أثرت على أعماله الخاصة. لقد استوعب أفلام الواقعيين الجُدد الإيطاليين[5]، والموجة الفرنسية الجديدة[6]، ومُخرجين مثل Kurosawa كوروساوا[7]، وBuñuel بونويل[8]، وBergman بيرجمان، وBresson بريسون، وAndrzej Wajda أندريه وجدة[9]، وMizoguchi ميزوجوتشي[10]"[11].

صحيح أن تاركوفسكي يرفض التجريب في مجال الفن، ولا يميل إليه، بل ويرى أنه مُجرد شيء عبثي، وغير أخلاقي؛ لأن الفن في جوهره وحدة جمالية وفلسفية واحدة لا يمكن بأي حال من الأحوال التجريب فيها، ومن ثم يبدي دهشته بقوله: "ينزع الناس إلى الحديث عن التجريب والبحث، قبل كل شيء فيما يتعلق بالطليعية، لكن ما الذي يعنيه ذلك؟ كيف يمكن أن تُجرب في الفن؟ هل تقوم بمحاولة أو تجربة ثم ترى كيف تنتهي، أو كيف ستكون النتيجة؟ لكن إذا لم تنجح المحاولة فعندئذ لن يكون هناك شيء لرؤيته غير المعضلة الخاصة بالشخص الذي أخفق. العمل الفني يحمل بداخله جمالية مُكملة ووحدة فلسفية. إنه كائن حي، يعيش ويتطور وفقا لقوانينه الخاصة. هل يمكن الحديث عن التجريب فيما يتعلق بولادة طفل؟ ذلك عبث، وغير أخلاقي. هل هذا لأن الذين بدأوا في الحديث عن الطليعية هم أولئك الذين يعجزون عن فصل الحنطة عن أي عنصر غير مرغوب فيه؟ الذين تربكهم البنى الجمالية الجديدة، أولئك التائهين الذين تعوزهم الثقة بالنفس إزاء الاكتشافات والإنجازات الحقيقية، غير قادرين على إيجاد أي معايير خاصة بهم، والذين يضعون ضمن المنبع الواحد للطليعية كل ما هو غير مألوف، وغير مفهوم بسهولة- فقط لئلا يُقال عليهم بأنهم مُخطؤون؟ إني أتفق مع بيكاسو[12] الذي- عندما سُئل عن بحثه- أجاب بذكاء- ويبدو واضحا أن السؤال قد أزعجه: أنا لا أبحث، أنا أجد"[13].

من فيلم "القتلة"

نقول: صحيح أن تاركوفسكي يرفض هذا الشكل من التجريب في الفن؛ بما أن الفن له منطقه الداخلي الخاص الذي يطور به ذاته من دون أي تدخل خارجي- كما يرى هو، وكما قام بصناعة السينما- وهو ما رأيناه بشكل واقعي ومُفصل بشكل فني دقيق من خلال فيلمه المُهم Mirror المرآة 1975م الذي امتلك آليات تطوره واكتماله من الداخل، وليس من خلال محاولة تدخل المُخرج لإيضاح حالة انسيال الأفكار غير المُنتظمة والمُفككة من الناحية الشكلانية، ورغم أن الموجة الفرنسية الجديدة اعتمدت كثيرا في تطورها وتشكلها على التجريب، ورفض الطرق والأساليب التقليدية في صناعة السينما من أجل الوصول، واكتشاف أسلوبية جديدة، إلا أنه لا يمكننا إنكار تأثر تاركوفسكي بهذه المدرسة السينمائية الجديدة، مما ترك بظلالها في ثقافته السينمائية التي عملت على تشكيل أسلوبيته التي استقر عليها في نهاية الأمر.

هذا الأثر العظيم الذي تركته إصلاحات خروتشوف/ ذوبان خروتشوف- المُباشر منها وغير المُباشر- في تجربة تاركوفسكي الفنية تبدى لنا بشكل أوضح في فيلمه الطلابي الأول The Killers القتلة 1956م، وهو الفيلم البالغ من الوقت 19 دقيقة، وأول تجربة إخراجية يحاول تاركوفسكي خوضها بالتعاون مع زميليه المُخرجة اليونانية Marika Beiku ماريكا بيكو[14]، والمُخرج الروسي Aleksandr Gordon ألكسندر جوردون.

صحيح أن الفيلم كان عبارة عن واجب طلابي للمُخرجين تحت إشراف أستاذهم المُخرج ميخائيل روم، ومحاولة أولى للتجريب الإخراجي، لكن الأهم في هذه التجربة- التي تبدو لنا شديدة الابتسار- أنها كانت مأخوذة عن قصة للروائي الأمريكي Ernest Hemingway إرنست هيمنجواي[15] بنفس العنوان، بل ومن إنتاج Gerasimov Institute معهد جيراسيموف للسينما VGIK، أي معهد الدولة. وهي المرة الأولى في تاريخ الاتحاد السوفيتي، وفي تاريخ المعهد أيضا التي يتم فيها الاعتماد على قصة أجنبية من أجل صناعة فيلم سينمائي، حيث كان قد تم نشر أعمال إرنست هيمنجواي المُجمعة للتو لأول مرة في الاتحاد السوفيتي، واقترح تاركوفسكي أن يبنوا مشروعهم الطلابي الخاص بهم على قصة "القتلة" المأساوية، المليئة بالكثير من الحقائق العميقة؛ ووافق معهد عموم روسيا للتصوير السينمائي رسميا على المشروع، ومن ثم سمح للطلاب لأول مرة بإنتاج فيلم يعتمد على قصة أجنبية.


من هنا، ومن خلال هذا الحدث الفارق في تاريخ الجمهورية السوفيتية يتبدى لنا أهمية الإصلاحات التي قام بها خروتشوف، وأثرها على تطور صناعة السينما في الاتحاد؛ فصناعة هذا الفيلم وموافقة المعهد على إنتاجه هي الأثر المُباشر والصريح والواضح لما قام به خروتشوف، بينما كان الأثر غير المُباشر كامنا في التراكم الثقافي والمعرفي والفني الذي اكتسبه تاركوفسكي، وغيره من المُخرجين، ومن ثم تكونت لدى كل منهم ثقافته، وأسلوبيته، وجمالياته الفنية الخاصة التي ميزت كل منهم فيما بعد، لا سيما تاركوفسكي الذي ابتكر أسلوبه الجمالي الخاص به، والذي أطلق عليه بنفسه اسم "السينما الشعرية"، أي السينما المُلتصقة بالذات، المُعبرة عن الذكريات، والقائمة على الذاكرة في المقام الأول مما يتيح له خلق الزمن الفيلمي داخل الزمن الواقعي. وهو المفهوم الذي يحاول شرحه بقوله: "حين أتحدث عن الشعر فإنني لا أنظر إليه كنوع أدبي، الشعر هو الوعي بالعالم، طريقة خاصة للاتصال بالواقع. هكذا يصبح الشعر فلسفة تُرشد الإنسان طوال حياته"[16]، بمعنى أن مفهوم الشعرية في السينما كما يراه تاركوفسكي لا يقصد به الشعر في حد ذاته كمفهوم أدبي، بل هو طريقة للوعي بالعالم، والتواصل معه، وإضفاء ذات المُخرج السينمائي على فيلمه، أي إسقاط رؤيته الذاتية للعالم، وفهمه للأشياء على العالم الفيلمي، ومن ثم الخروج لنا بعالم جديد له منطقه الخاص، وآلياته الذاتية التي تتطور من خلال عالمها الداخلي/ الفني المُنعزلة عن العالم الواقعي، والتي لا تتأثر به بقدر تأثرها بعالمها الداخلي الخاص، وهو ما رأيناه بشكل جلي في فيلم Mirror المرآة 1975م، حيث كانت الأفكار تنثال بلا رابط منطقي يعمل على تنظيمها من الناحية الشكلانية، لكننا إذا ما تأملنا في مفهوم الشعرية الذي يقصده المُخرج لاستطعنا بسهولة إيجاد الرابط المنطقي بين مشاهد فيلمه التي تبدو مُفككة، وعسيرة على الفهم، فهو يعتمد على ذاتيته. أفكاره، وأحلامه، ورؤاه، بمعنى أن ثمة رابط داخلي من خلال المنطق الخاص بالفيلم هو ما يربط المشاهد ببعضها البعض، مما يعني أن الفيلم في حاجة إلى مُشاهد واعٍ، قادر على الربط والتحليل، وليس مُجرد التلقي بسهولة، لذا يحاول التأكيد على هذا المفهوم بقوله: "لكن الاتجاه إلى هذا المنطق الشعري محفوف بالعداوة، المُعارضة تنتظرك عند كل مُنعطف رغم حقيقة أن المبدأ المُشار إليه هو شرعي تماما كما هو منطق الأدب والدراما. ذلك يحدث ببساطة لأن مكونا مُختلفا يصبح العنصر الرئيسي في البناء. إننا نتذكر هنا ما قاله هيرمان هيسه[17] في أسى: مُتاح لك أن تكون شاعرا، لكن ليس مسموحا لك أن تصبح شاعرا"[18].

محاولة تفسير مفهوم المُخرج هنا عن السينما التي ابتكرها، أو التي وصفها "بالسينما الشعرية" إنما يؤكد على أن مفهوم الشعرية لديه إنما يعني التداعى. تداعي الأفكار، والمشاعر، والذكريات، والصور الذهنية التي يختزنها في عقله الباطن- تيار الوعي في مفهومه الأدبي- وهي الأدوات التي يعتمد عليها اعتمادا يكاد يكون كليا من أجل صناعة أفلامه السينمائية- رأينا ذلك في كل أفلامه التي قام بصناعتها تقريبا، وإن كان المثال الأكثر وضوحا على نظريته في الفيلم هو فيلمه Mirror المرآة الذي تدور أحداثه- التي تكاد أن تكون راكدة، متوقفة- في ذهن بطل الفيلم المُشرف على الموت، بمعنى أنه يرى المواقف الأكثر تأثيرا في حياته الماضية أثناء احتضاره، ويعيد تأملها وتقييمها أثناء فترة الاحتضار، وهو ما يجعلها تكاد أن تكون مُفككة شكلانيا، وإن كانت شديدة الترابط على مستوى المنطق الفيلمي الخاص به.

من فيلم "القتلة"

هذا التراكم المعرفي والثقافي كنتيجة لذوبان خروتشوف هو الأمر الذي يؤكد عليه ألكسندر جوردون[19]- زميل تاركوفسكي في دراسته وشريكه في إخراج فيلميه الطلابيين الأولين The Killers القتلة 1956م، وThere Will Be No Leave Today لا إجازة اليوم 1959م، والذي تزوج أخت تاركوفسكي Marina Tarkovskaia مارينا تاركوفسكايا فيما بعد- في حواره مع Gonzalo Blasco جونزالو بلاسكو الذي سأله: "كان هناك تأثير على تاركوفسكي من المُخرجين اليابانيين الكلاسيكيين مثل Mizoguchi ميزوجوتشي؟ ليرد جوردون: أبدى تاركوفسكي، مُنذ البداية، في أكاديمية السينما اهتماما كبيرا بكل ما تم عرضه في دور السينما في موسكو، وأعطى فرصة عرض الأفلام اليابانية في موسكو في تلك اللحظة الكثير من الاهتمام لمُخرجين مثل ميزوجوتشي، وKurosawa كوروساوا، وآخرين غير معروفين. بدا له هؤلاء المُخرجين أصليين جدا فيما يتعلق بالشكل. على سبيل المثال، تم استخدام مشاهد سلبية في بعض الأفلام، وهو الأمر الذي كرره تاركوفسكي قريبا في Ivan’s Childhood طفولة إيفان 1962م. إنه ليس مُجرد تقليد إن لم يكن اهتماما حيا بكل ما هو جديد. لقد شكلنا مجموعة مُهتمة جدا بالسينما الإيطالية، بأفلام Giussepe de Santis جوزيبي دي سانتيس[20]، وVittorio de Sica فيتوريو دي سيكا[21]، وكل ما يُشكل الواقعية الإيطالية الجديدة"[22].

المُخرج السوفيتي ميخائيل روم

إذن، فلولا هذه الصدفة التاريخية البحتة التي قام بها خروتشوف لما تشكلت ثقافة أندريه تاركوفسكي بمثل هذا الشكل الذي رأيناه في نهاية الأمر، ولما استطاع تقديم أي من أفلامه التي تركها قبل رحيله، لأنه من دون هذه الصدفة كان سيوضع أمام خيارين لا ثالث لهما، إما صناعة أفلام دعائية لتمجيد القوات العسكرية للاتحاد السوفيتي- كما كان يفعل غيره من المُخرجين، وكما رأينا في فيلمه الطلابي التليفزيوني "لا إجازة اليوم" 1959م- أو ينصرف عن دراسة السينما، ومن ثم عن صناعة الأفلام، لا سيما أنه انصرف من قبل عن إكمال دراسته في اللغة العربية التي استمر فيها لمُدة عام واحد فقط: "من عام 1951م حتى 1952م، حيث درس اللغة العربية في Oriental Institute المعهد الشرقي في Moscow موسكو، وهو فرع من Academy of Sciences أكاديمية العلوم في Soviet Union الاتحاد السوفيتي، ورغم أنه كان يتحدث بعض اللغة العربية، وكان طالبا ناجحا في فصوله الدراسية الأولى إلا أنه لم يكمل دراسته، وترك الدراسة للعمل مُنقبا في Academy of Science Institute for Non- Ferrous Metals and Gold معهد أكاديمية العلوم للمعادن غير الحديدية والذهب. وشارك في رحلة بحثية لمُدة عام إلى نهر Kureyka كوريكا بالقرب من Turukhansk توروخانسك في مُقاطعة Krasnoyarsk كراسنويارسك، وخلال هذا الوقت قرر تاركوفسكي دراسة السينما، وعند عودته من البعثة البحثية في عام 1954م تقدم بطلب إلى معهد الدولة للتصوير السينمائي VGIK"[23].


في هذا السياق- موضوع دراسته للغة العربية- يذكر Maximilian Le Cain ماكسيمليان لو كاين: "درس تاركوفسكي اللغة العربية في معهد موسكو للغات الشرقية بين عامي 1951م، و1954م، والجيولوجيا في سيبيريا قبل أن يلتحق بمدرسة السينما VGIK الشهيرة في موسكو عام 1959م"[24]، وهو ما يتعارض مع ما ذكرته السيرة الذاتية للمُخرج في الموقع الموجود باسمه، والذي يُديره ابنه أندريه/ أندريوشا، كما يتعارض هذا القول مع ما ذكرته شقيقة المُخرج، مارينا تاركوفسكايا، التي أكدت على أن تاركوفسكي لم يدرس اللغة العربية سوى عام واحد فقط، وسُرعان ما انصرف عن استكمال الأمر، ولكن يبدو لنا أن ماكسيمليان لو كاين قد خلط الفترة التي درس فيها تاركوفسكي اللغة العربية، بالفترة التي عمل فيها كجيولوجي مُنقبا، واعتبرها فترة واحدة قام فيها تاركوفسكي بدراسة اللغة العربية.

هذه الرحلة التي قضاها تاركوفسكي في سيبيريا كمُنقب عن الألماس ربما كانت هي السبب الرئيس في تفكيره من أجل دراسة السينما، فلقد أراد تحويل مُشاهداته، وتأملاته، وحياته في سيبيريا إلى فيلم سينمائي، وهو ما دفعه إلى كتابتها في شكل سيناريو من أجل اجتياز امتحانات القبول في المعهد. إنه السيناريو الذي تساءل عنه Gonzalo Blasco جونزالو بلاسكو في حواره مع ألكسندر جوردون، ومارينا تاركوفسكايا بقوله: "هناك اهتمام كبير بالسيناريو المُسمى KonsentratExtract أو Concentrate، حول إذا ما كان قد تم تصويره بالفعل خلال سنوات VGIK أم لا. هل كان مُجرد سيناريو لا أكثر؟ كيف جاء إلى الوجود؟ هل تم تصوير أي أجزاء منه؟ لتجيبه مارينا تاركوفسكايا: لم يكن نصا تماما، بل كان أشبه بقصة قصيرة. إنها مقالة كتبها أندريه أثناء امتحان القبول في VGIK، وقد كُتب في جلسة واحدة، ويتكون من ست صفحات مكتوبة بخط اليد. لهذا العمل حصل أندريه على أعلى درجة- 5- وتستند القصة إلى تجاربه خلال رحلته إلى سيبيريا في صيف عام 1953م، حيث عمل أندريه كمُساعد في بعثة علمية أرسلها معهد الذهب في موسكو إلى سيبيريا، رغم أن الهدف الرسمي للبعثة لم يكن البحث عن الذهب، بل البحث عن الماس، الماس الطبيعي للاستخدام الصناعي، حيث كان الطلب عليه مُرتفعا من قبل الاتحاد السوفيتي. كانت القصة تُسمى Konsentrat، لأنه في عملية تحليل الصخور كان لا بد من اتباع الإجراء الذي يتم فيه "تركيز" الصخرة أربع مرات لتحليل محتواها. كانت الرحلة مُحاطة بغموض كبير، واعتبرت سرا من أسرار الدولة. لكن القصة لم يتم تصويرها قط، ولم يتم إنتاجها للشاشة قط"[25].


إذن، فتاركوفسكي لا يعنيه إلا ما يؤمن به فقط، وما يراه صائبا تبعا لمفهومه عن صناعة السينما كفن، وإذا ما وجد أي تعارض بين رؤيته الفنية، أو حتى نظرته إلى الحياة، وبين ما هو واقع؛ سُرعان ما ينصرف عن الأمر مُستمرا في طريقه الخاص الذي اتخذه لنفسه، وهو ما يُفسر لنا انفصاله عن أستاذه، المُخرج السينمائي Grigory Chukhrag جريجوري تشوكراي[26] الذي كان أستاذا في معهد VGIK وأبدى الكثير من الإعجاب بتاركوفسكي: "كان للمُخرج السينمائي جريجوري تشوكراي تأثير مُهم على تاركوفسكي، والذي كان يقوم بالتدريس في VGIK، حيث أُعجب تشوكراي بموهبة تلميذه، وعرض عليه منصب مُساعد مُخرج في فيلمه Clear Skies سماوات صافية 1961م، لكن تاركوفسكي أبدى اهتماما في البداية، وسُرعان ما قرر فيما بعد التركيز على دراساته ومشاريعه الخاصة"[27]. مما يعني أن تاركوفسكي إذا لم يجد ذاته فيما يقوم به فهو سُرعان ما ينصرف عنه لتحقيق ما يؤمن به، ومن ثم فالظروف المُحيطة به لا يمكن لها أن ترغمه على القيام بما لا يرغب فيه.

إن العقلية الانتقائية- على المستوى الفني- لتاركوفسكي، ورؤيته للسينما من خلال ذاتيته الخاصة جدا هما ما جعلاه شديد الصرامة في انتقاده لغيره من المُخرجين وما يقدمونه من أفلام، لقد: "كان عشقه للمُخرجين الآخرين وأفلامهم دائما محسوبا، وغالبا ما كان مصحوبا بنوع من النقد. لقد أشاد بكوروساوا Kurosawa باعتباره واحدا من أعظم المُخرجين في العالم، لكنه لم يكن خائفا من انتقاد ما شعر بأنه مُؤثرات خاصة دون المستوى المطلوب في خاتمة فيلم Throne of Blood عرش الدم 1957م، حتى أنه أشاد بفيلم James Cameron جيمس كاميرون[28] The Terminator المُبيد 1984م قائلا: إن رؤيته للمُستقبل والعلاقة بين الإنسان ومصيره تدفع حدود السينما كفن. ومع ذلك ظل ينتقد وحشية الفيلم ومهارات التمثيل المُنخفضة"[29]، مما يعني أن إيمان تاركوفسكي بالسينما كفن له خصوصيته، ودوره الاجتماعي، والروحاني، بل ومهمته الأخلاقية- كما يرى- حولته إلى ناقد لا يهاب من قول رأيه في غيره من المُخرجين من حول العالم، ويرفض ما لا يراه متوافقا مع رؤيته الفنية للسينما بشكل عام.

الزعيم الروسي جوزيف ستالين

هذه المعطيات السابقة تؤكد لنا أنه لولا صدفة خروتشوف التاريخية، لما رأينا أندريه تاركوفسكي الذي نعرفه اليوم، ولأصبح- إذا ما استمر في مجال صناعة السينما- مثله مثل غيره من المُخرجين الذين يحرصون على الدعاية للقوات العسكرية السوفيتية من خلال صناعتهم للسينما، أي مُجرد بوق فارغ أجوف، مُجرد أداة، لا يقدم لنا السينما بمفهومها الفني بقدر تقديمه لأفلام دعائية جافة، لا روح فيها. أو- وهذا هو الأرجح- لكان قد انصرف تماما عن صناعة السينما إلى أي مجال آخر، لا سيما أن تاركوفسكي المُعذب دائما برحلته الطويلة في البحث عن الله بداخله- الروحاني في مُقابل المادي- ما كان له أن يخضع للمادية المفروضة من قبل السُلطة السوفيتية على الجميع، وهي المادية التي ظل طوال حياته يقاومها، ويرفضها، محاولا الإعلاء من القيم الروحية في مُقابل القيم المادية التي تقتل الروح داخل الإنسان، وتتركه مُجرد خراب لا معنى له، ولعلنا لا ننسى أن هذا هو السبب الرئيس الذي جعله يرحل عن روسيا من دون رجعة في أوائل الثمانينيات؛ بسبب الحرب الشعواء التي شنها النظام السوفيتي عليه، وعلى أفلامه باعتبار أنه يقوم بصناعة أفلام تتناقض مع الروح السوفيتية، أو أنها أفلام دعائية ضد السوفييت بسبب مفهومها الروحاني العميق.

إنها الصدفة التي يؤكد عليها Naum Kleiman نعوم كليمان، مُدير State Cinema Museum in Moscow متحف الدولة للسينما في موسكو: "إن تاركوفسكي المُخرج جاء في الوقت المُناسب. في عام 1962م: لقد وصلنا إلى طريق مسدود من نوع ما في بلادنا "ذوبان الجليد" في Khrushchev خروتشوف كان إما لحشد الزخم، أو ليتم القضاء عليه تماما، وهنا، عند نقطة التحول هذه ظهر تاركوفسكي وأسئلته. ومن المعروف أنه في اللغة الإسبانية توضع علامات الاستفهام قبل الجملة وبعدها، وهذا ينطبق أيضا على تاركوفسكي؛ فهو دائما يبدأ بسؤال، ويتركنا في النهاية بسؤال. سؤال موجه إلى كل واحد منا على حدة، وليس إلى المُجتمع ككل"[30]، ألا نُلاحظ فيما قاله نعوم كليمان المزيد من التأكيد على ما ذهبنا إليه من أنه لولا هذه الصدفة التاريخية البحتة التي لم يكن مقصودا منها سوى الإصلاح السياسي الذي قام به خروتشوف لما كان تاركوفسكي قد تشكل سينمائيا، ولما عرفنا المُخرج الذي نعرفه اليوم؟ إنها الصدفة التي شكلت مسار المُخرج، ونحت بالسينما الروسية إلى مسار الريادة بدلا من تجمدها الذي كادت أن تصل إليه.

الروائي الأمريكي إرنست هيمنجواي

صحيح أنه لا يمكن لنا إنكار قيام تاركوفسكي بإخراج فيلم دعائي للقوات العسكرية السوفيتية، وهو ما رأيناه في فيلمه الطلابي الثاني الذي تعاون في إخراجه مع المُخرج ألكسندر جوردون There Will Be No Leave Today لا إجازة اليوم 1959م، حيث بلغت مُدة عرضه 45 دقيقة، لكنه كان مُجرد فيلم طلابي، رغبا من خلاله المُخرجان في تجريب إمكانية صناعة فيلم تشويقي جماهيري يُضاهي تشويقية الأفلام الأمريكية، بمعنى أنهما رغبا في تجريب مدى مقدرتهما على صناعة فيلم تجاري من المُمكن أن يُقبل عليه أي مُشاهد مهما كانت درجة ثقافته، أو درجة تلقيه للأفلام، وهو الأمر المُثير للكثير من الدهشة؛ لأن تاركوفسكي يرفض التجارية في السينما، ويرى أن فن السينما هو فن أرستقراطي، لا يمكن له الهبوط إلى مستوى التجارية؛ لذا يقول: "أي كلام عن "النوع الفني" في السينما يشير عادة إلى الأفلام التجارية، كوميديا الموقف، الويستيرن، الدراما النفسية، الميلودراما، الفيلم الاستعراضي، البوليسي، أفلام الرعب والإثارة، لكن ما علاقة كل هذا بالفن؟ إنها تنتسب إلى الإعلام الجماهيري، وهي موجهة إلى المُستهلك العام. لكن للأسف، هي أيضا الشكل الذي فيه توجد السينما الآن عالميا، الشكل المفروض عليها من الخارج ولأسباب تجارية. هناك طريقة واحدة فقط للتفكير في السينما: شعريا"[31]، وهو ما عاد للتأكيد عليه مرة أخرى لرفضه لما يُسمى بالنوع الفني الذي يُخفض من قيمة السينما كفن: "السينما تعتمد على الحياة أكثر مما ينبغي، وتصغى إليها بتركيز أكثر مما ينبغي، لذلك هي لا تحتاج إلى أغلال في هيئة نوع فني مُعيّن، أو إظهار عاطفة ما بعون من قوالب النوع الفني. السينما ليست مثل المسرح الذي يعمل من خلال الأفكار، حيث حتى الشخصية الفردية هي فكرة. بالطبع كل فن هو اصطناعي. إنه في النهاية يرمز إلى الحقيقة، ذلك جلي تماما، لكن طبيعة الاصطناعية التي تأتي من الافتقار إلى المهارة، الافتقار إلى الحس الاحترافي، لا يمكن تمريرها وتقديمها بوصفها أسلوبا. عندما لا تكون المُبالغة مُتضمنة في اللغة المجازية، إنما هي مُجرد محاولة مُبالغ فيها، وتوق إلى الإرضاء، فإنها تكون سمة تُشير إلى ضيق الأفق، وإلى الرغبة في أن يكون المرء ملحوظا كفنان. ما يستحقه الجمهور هو الاحترام، الإحساس بالكرامة، لا تنفخ في وجوههم، ذلك شيء مكروه، حتى القطط والكلاب لا تحب ذلك"[32].

المُخرج الياباني أكيرا كوروساوا

بالتأكيد حينما نقرأ ما كتبه تاركوفسكي عن فنية الفيلم في مُقابل تجاريته التي يرفضها، ثم نشاهد فيلمه الطلابي "لا إجازة اليوم" 1959م لا بد أن تنتابنا الكثير من الدهشة، لأن الفيلم لم يكن سوى مُجرد فيلم تجاري، مصنوع خصيصا لجمهور التليفزيون الذي لا يعنيه فنية الفيلم، أو جمالياته الأسلوبية.

هذه الدهشة لاحظناها في سؤال Gonzalo Blasco جونزالو بلاسكو الذي توجه بسؤاله للمُخرج ألكسندر جوردون: "كيف عاش أندريه الإنجاز في فيلم تقليدي جدا مثل "لا إجازة اليوم"، واضطر لقبول السيناريو؟ ليرد جوردون: لا، النص من تأليفنا. اقترح VGIK أن نصنع فيلما تدريبيا مُخصصا لجمهور التليفزيون، وفيلما دعائيا عن انتصار الاتحاد السوفيتي على الألمان وما إلى ذلك، لقد اخترنا نصا سهلا وغير مُعقد، لم نُخطط لتقديم تُحفة فنية، بل فيلما كان من السهل صنعه، ويسهل على الناس مُشاهدته. كان أندريه سعيدا بهذا، ولم يكن لديه مشاكل مع هذا النهج"[33]!

ربما كانت لدى تاركوفسكي الرغبة في إثبات مقدرته على صناعة أي شيء حتى لو كان فيلما تجاريا دعائيا، وبما أنه كان فيلما طلابيا، أي لا بد من القيام به من أجل تقديمه للمعهد فلقد قام به، ولعلنا نُلاحظ أن تاركوفسكي كان حريصا في الفيلم على تقديم بعض الخطوط الدرامية التي من المُمكن لها أن تُكسب السيناريو معنى أعمق- وهو ما أكد عليه جوردون أيضا- مثل قصة المُصاب الذي وصل إلى المشفى في الوقت الذي كان قد تم فيه إخلاؤه؛ مما جعل الطبيب يقرر البقاء من أجل إنقاذ المريض، مُخاطرا بحياته بالبقاء داخل المدينة التي تم إخلاؤها بالكامل.

المُخرج السويدي إنجمار برجمان

عن هذا الفيلم يقول تاركوفسكي: "في عامي الرابع في المعهد، حالة التأمل الميتافيزيقي عندي أفسحت المجال فجأة لتفجر الحيوية. طاقاتنا كانت تشق مجراها نحو تدريبات عملية أولا، ثم نحو تحقيق فيلم قبل التخرج، وهو الفيلم الذي أخرجته بالتعاون مع ألكسندر جوردون الذي كان ضمن دفعتي. كان فيلما طويلا نسبيا، أنتجه المعهد واستوديوهات التليفزيون المركزي التي وفرت لنا التسهيلات، وهو عن خبراء مُتفجرات يعطلون قنبلة كانت موضوعة في متجر أسلحة ألماني تُرك مهجورا بسبب الحرب[34]. كان السيناريو الذي كتبته بنفسي عقيما جدا، وبعد تصويره لم أشعر مُطلقا بأني كنت أقترب من فهم ما يسمونها السينما. الأمور صارت أسوأ بسبب واقع أننا كنا طوال فترة التصوير نتوق إلى تحقيق فيلم درامي طويل، أو فيلم حقيقي كما تخيلنا على نحو خاطئ. في الواقع إن تحقيق فيلم قصير هو تقريبا أصعب من تحقيق فيلم طويل: إنه يقتضي إحساسا لا يخطئ بالشكل. لكن في تلك الأيام كنا قد تدربنا قبل كل شيء على أفكار طموحة عن الإنتاج والتنظيم، بينما مفهوم الفيلم كعمل فني هو مراوغ، ويفوتنا إدراكه على نحو مُتماسك. بالنتيجة، كنا عاجزين عن الاستفادة من عملنا في الفيلم القصير من أجل تعيين أهدافنا الجمالية الخاصة"[35].

الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف

مع قراءة ما كتبه تاركوفسكي نفسه عن الفيلم يتأكد لنا أنه رغم قيامه بهذه التجربة الدعائية لصالح المعهد، والتليفزيون السوفيتي إلا أنه لم يكن راضيا عنها، سواء أثناء القيام بتصوير وإخراج الفيلم، أو حتى بعد الانتهاء منها، ورغم ظنه أنه قد يقوم من خلالها بتقديم فيلم جمالي كما يرى السينما، إلا أنه قدم- في الواقع- أسوأ تجاربه الفيلمية لدعائيتها، وافتقارها إلى الجماليات أو حتى الأسلوبية، ولكن يجب ألا يفوتنا أن فرصة توفير ميزانية من التليفزيون المركزي السوفيتي، ومعهد VGIK لطالبين كانت فرصة لا تتوافر كثيرا، وقد يكون هذا هو السبب الرئيس الذي دفع المُخرج لخوض هذه التجربة. كما لا يفوتنا أن تاركوفسكي نفسه يعترف بأنه لم يكن قد تشكل سينمائيا بشكل كامل، بل كانت السينما بالنسبة له ما زالت عالما مُغلقا غير قادر على فهمه: "ينبغي أن أعترف بأني قبل ظهور فيلمي الطويل الأول، طفولة إيفان 1962م، لم أكن أشعر بأنني مُخرج سينمائي، ولم تكن للسينما أي معرفة طفيفة بوجودي. فقط بعد "إيفان" أدركت أن عليّ أن أعمل في السينما. حتى ذلك الحين كانت السينما عالما مُغلقا بالنسبة لي إلى حد أنني لم أكن أملك أي فكرة واضحة عن الدور الذي هيأه لي أستاذي ميخائيل روم. كان ذلك أشبه بالسفر عبر مسالك متوازية، والتي أبدا لا تحاذي ولا تؤثر في بعضها البعض. المُستقبل لم يمس الحاضر. لم يكن جليا بالنسبة لي- في المستوى الأعمق- ما الذي ستكون عليه وظيفتي"[36].

المُخرج البولندي أندريه وجدة

ربما من الواجب علينا هنا تأمل الأمر بروية من دون الدفاع عن تاركوفسكي، أو حتى الهجوم عليه بسبب قيامه بإخراج هذا الفيلم الشديد الدعائية/ التجارية؛ فلقد كان تاركوفسكي ما زال طالبا في VGIK، لم تتشكل ثقافته الفنية والجمالية والأسلوبية بشكل مُكتمل، بمعنى أنه كان لم يزل مُتخبطا في الإحاطة بمفهوم السينما، ودورها الفني، كما لم يكن قد فهم معنى السينما كما استطاع أن يفهمها فيما بعد- وهو ما أكد عليه فيما سبق- بالإضافة إلى ضرورة قيامه بفيلم طلابي لتقديمه لأستاذه في المعهد- أي الواجب أو التمرين الذي سيتم من خلاله تقييمه- فضلا عن توفير ميزانية مالية- كبيرة إلى حد ما- من قبل التليفزيون المركزي السوفيتي ومعهد VGIK، وهو ما لا يتوافر بسهولة للطلاب، كل هذه الأمور مُجتمعة قد تكون قد دفعته لخوض هذه التجربة التي لفظها بالتأكيد فيما بعد، لا سيما بعدما توصل إلى يقين بابتذال الأفلام التجارية التي تُخادع المُشاهد، وتعمل على تخديره والتلاعب به: "لا يسع المرء إلا أن يشعر بالذهول من غرور الفنانين المُعاصرين إذا ما عقدنا المُقارنة بينهم وبين البنائين المتواضعين الذين بنوا الكاتدرائيات دون أن يعرف أحد أسماءهم. يتعيّن على الفنان أن يكون مُتميزا بالإخلاص واللاأنانية في تأدية الواجب، لكننا تغاضينا عن ذلك مُنذ زمن طويل. في المُجتمع الاشتراكي، العامل في المصنع، أو الشخص الذي يعمل في الحقل، كلاهما مسؤول عن صُنع أشياء نافعة ماديا، مُعتبرين نفسيهما سادة الحياة. ومثل هؤلاء الأشخاص يدفعون نقودا من أجل أن يحصلوا على القليل من التسلية والترفيه من "فنانين" مُتلهفين على تقديم المُساعدة، لكن مثل هذه اللهفة مُنطلقة من اللامُبالاة؛ ذلك لأن هؤلاء الفنانين يستفيدون من الوقت الإضافي لدى الأشخاص البسطاء، الكادحين، مُستغلين سذاجتهم، وجهالتهم وافتقارهم إلى الثقافة الجمالية، في سبيل هدم دفاعاتهم الروحية وكسب المال. إن نشاطات ذلك النوع من "الفنانين" هي بغيضة أخلاقيا. الفنان لا يثبت أهليته في عمله إلا حين يكون العمل حاسما لطريقته في الحياة: ليس عملا جانبيا، ثانويا أو طارئا، بل شكل وجود لذاته المُنتجة. إن التضمينات الأخلاقية لتأليف كتاب هي ذات نظام آخر تماما. بمعنى ما، إنه أنت الذي تُقرر أي نوع من الكتب تريد أن تنتجه، لأن القارئ يُقرر ما إذا سوف يشتري الكتاب، أو يتركه ليغطيه الغبار على أرفف المكتبات. الوضع الموازي يوجد في السينما، لكن بالحس الشكلي في أن الجمهور بوسعه أن يختار بين أن يذهب لرؤية الفيلم أو لا يذهب. لكن بسبب الاستثمار الهائل لرأس المال في صُنع الأفلام فإن السينما عدوانية على نحو استثنائي، ومُثابرة في طرائقها لانتزاع الربح الأقصى. الفيلم يُباع مثل أي سلعة، وهذا يفضي إلى جعل مسؤوليتنا أكبر تجاه "بضاعتنا""[37].

المُخرج الإسباني لويس بونويل

لاحظ هنا أن تاركوفسكي حينما توصل إلى مفهومه الخاص عن معنى السينما، وقيمتها، وضرورتها، ومسؤوليتها، بل وضرورة إخلاص الفنان لفنه، والابتعاد به عن التجارية والابتذال- أي في الحين الذي كتب فيه هذا الكلام- كان قد فات عشرات السنوات على صناعته لفيلمه الدعائي التليفزيوني الطلابي، كما لا يفوتنا أنه قد صرح بأنه لم يكن راضيا عن هذه التجربة التي خاضها، والتي لم تُفرز في النهاية فيلما فنيا بقدر ما أفرزت فيلما يميل إلى الابتذال التجاري- ألا تتشابه حالته هنا في تأمل ما قام به سابقا، أو ما حدث معه في الماضي مع حالة راويه المُحتضر في فيلمه Mirror المرآة 1975م؟ إنها نفس الحالة تماما مع الفارق حتى لكأن المُخرج هنا يعيش ما يقوم بصناعته في حالة تماهٍ عميقة ما بين الفني/ الفيلمي والواقعي.

لكن، رغم ذلك الفيلم الذي حاول الدعاية للقوات العسكرية السوفيتية، والذي حاول فيه تاركوفسكي قدر جهده أن يُكسبه شيئا من الفنية، فهو لم يُكرر هذه التجربة مرة أخرى، واستمر في صناعة السينما بأسلوبية خاصة، مُتأملة، مُشبعة بالروحانية، مُختلفة تماما عما يقوم به صانعو السينما السوفييت؛ مما جعل الرقابة السوفيتية تُعاديه، وتحاول وأد أفلامه، ومنعها من العرض، أو القص منها كشرط لعرضها، بل ومنعها من المُشاركة في المهرجانات الدولية، وإذا ما نجح في الاشتراك فهم يحاولون منع الجوائز عن أفلامه بحملاتهم عليه!

إذا ما تأملنا بروّية النضج الفني والمفاهيمي الذي توصل إليه تاركوفسكي بشأن الفيلم السينمائي؛ سنفهم بالضرورة لما كانت أفلامه التي قام بصناعتها فيما بعد كانت على هذا المستوى الرفيع من الفن، يقول: "الفنان لا يستطيع، وليس له الحق في أن ينزل نفسه إلى مستوى تجريدي ذي معايير مُعينة من أجل مفهوم- يُساء تفسيره أو فهمه- عن إمكانية بلوغ عدد أكبر من الناس، وبالتالي يكون العمل مفهوما من قبلهم. لو فعل ذلك؛ فلن يفضي هذا إلا إلى انحطاط الفن. نحن نتوقع من الفن أن يزدهر، ونؤمن بأن الفنان لا يزال لديه موارد لم تُكتشف بعد، وفي الوقت نفسه نعتقد أن الجمهور سوف يُحدد مطالب جادة أكثر من أي وقت مضى. على أي حال، ذلك ما نرغب في الاعتقاد به. قال كارل ماركس[38]: "إذا ما أردت الاستمتاع بالفن؛ فيجب عليك أن تكون مُثقفا فنيا". الفنان لا يستطيع أن يُحدد هدفا مُعينا بأن يكون مفهوما، ذلك سيكون مُنافيا للعقل، تماما كما النقيض- محاولة الفنان لأن يكون مُبهما، وغير قابل للفهم. الفنان ونتاجه وجمهوره هم كينونة لا تتجزأ، وغير قابلة للانقسام، مثل كائن حي مُرتبط بمجرى الدم ذاته. إذا ما حدث تعارض بين أجزاء الكائن الحي؛ فذلك يقتضي مُعالجة خبيرة، ومُعاملة حريصة. لا شيء يمكن أن يكون أكثر ضررا في التأثير من المستويات الأدنى للسينما التجارية، أو المعايير الإنتاجية للتليفزيون. هذه الأشياء تُفسد الجمهور إلى درجة لا يمكن غفرانها، وتحرم الجمهور من اكتشاف الفن الحقيقي"[39].

المُخرج الكندي جيمس كاميرون

ألا نُلاحظ هنا مدى النضج الذي وصل إليه تاركوفسكي في مفهومه عن فن الفيلم؟ إنه يقوم بالتنظير السينمائي عما يجب أن يكون عليه فن السينما، وهو لا يقبل التفاوض أو المُهادنة في المعايير الفنية التي يضعها في صناعة السينما؛ لأن مُجرد الرضوخ، أو التهاون في هذه الرؤية الفنية التي يراها يعني في جوهره إفساد المُشاهد، وخداعه، بل وحرمانه من اكتشاف مفهوم الفن/ الفيلم- مما يعني ارتكاب جريمة في حق المُشاهد، وهو ما لا يمكن له الانسياق خلفه.

 

 

 

 محمود الغيطاني

مجلة "نقد 21"

عدد يناير 2025م

 

 

 

 

 



[1]  Joseph Vissarionovich Stalin جوزيف فيساريونوفيتش ستالين. من مواليد 18 ديسمبر 1878م، وتوفي في 5 مارس 1953م. كان سياسيا وثوريا سوفيتيا، قاد الاتحاد السوفيتي من عام 1924م حتى وفاته في عام 1953م. تولى ستالين السُلطة كجنرال أمينا للحزب الشيوعي من عام 1922م إلى عام 1952م، ورئيسا لمجلس الوزراء من عام 1941م حتى وفاته. كان ستالين يحكم في البداية كجزء من قيادة جماعية، ثم عزز سُلطته ليصبح ديكتاتورا بحلول ثلاثينيات القرن العشرين. قام بتدوين تفسيره اللينيني للماركسية باسم Marxism- Leninism الماركسية اللينينية، في حين أصبح النظام السياسي الشمولي الذي أسسه يُعرف باسم Stalinism الستالينية.

[2]  The Khrushchev Thaw ذوبان خروتشوف، هي الفترة المُمتدة من مُنتصف الخمسينيات إلى مُنتصف الستينيات من القرن الماضي عندما تم تخفيف القمع والرقابة في الاتحاد السوفيتي بسبب سياسات Nikita Khrushchev نيكيتا خروتشوف في إزالة الستالينية، والتعايش السلمي مع الدول الأخرى، وقد تمت صياغة هذا المُصطلح بعد رواية Ilya Ehrenburg إيليا إهرنبرغ عام 1954م المُثيرة للاهتمام حينها، والتي صدرت بعنوان The Thaw الذوبان. أصبح ذوبان الجليد مُمكنا بعد وفاة جوزيف ستالين في عام 1953م، حيث ندد السكرتير الأول خروتشوف بالأمين العام السابق ستالين في Secret Speech الخطاب السري، في المُؤتمر العشرين للحزب الشيوعي، ثم أطاح بالستالينيين خلال فترة حُكمه، وقد تم تسليط الضوء على هذا الذوبان من خلال زيارة خروتشوف عام 1954م إلى Beijing, China بكين، الصين، وزيارته عام 1955م إلى Belgrade, Yugoslavia بلجراد، يوغوسلافيا- التي توترت العلاقات معها مُنذ انفصال Tito- Stalin تيتو ستالين في عام 1948م- واجتماعه اللاحق مع Dwight Eisenhower دوايت أيزنهاور، وقد بلغت ذروة هذه الفترة في اتفاق خروتشوف 1959م على زيارة United States الولايات المُتحدة الأمريكية. وقد سمح ذوبان الجليد ببعض حرية المعلومات في وسائل الإعلام والفنون والثقافة، والمهرجانات الدولية، ودخول أفلام أجنبية، وكتب غير خاضعة للرقابة، وأشكال جديدة من الترفيه على التليفزيون الوطني الناشئ، بدءا من المسيرات والاحتفالات الضخمة إلى المُوسيقى الشعبية، والعروض المتنوعة، والهجاء، والكوميديا. وكان لهذه التحديثات السياسية والثقافية تأثير كبير على الوعي العام لعدة أجيال من الناس في الاتحاد السوفيتي.

[3]  The Gerasimov Institute of Cinematography معهد جيراسيموف للتصوير السينمائي، رسميا S. A. Gerasimov All Russian University of Cinematography جامعة إس إيه جيراسيموف عموم روسيا للتصوير السينمائي، وهو أيضا معهد عموم روسيا للتصوير السينمائي، المعروف أيضا باسم VGIK كمدرسة سينمائية في Moscow, Russia موسكو، روسيا. تأسس المعهد عام 1919م على يد المُخرج السينمائي Vladimir Gardin فلاديمير جاردين باسم Moscow Film School مدرسة موسكو للسينما، وهي أول وأقدم مدرسة للسينما في العالم. من عام 1934م إلى عام 1991م عُرفت مدرسة السينما باسم All- Union State Institute of Cinematography معهد عموم الاتحاد الحكومي للتصوير السينمائي. ومن بين مُخرجي الأفلام درسوا في المعهد Lev Kuleshov ليف كوليشوف، وMarlen Khutsiev مارلين خوتسييف، وAleksey Batalov أليكسي باتالوف، وSergei Eisenstein سيرجي أيزنشتاين، وMikhail Room ميخائيل روم، وVsevolod Pudovkin فسيفولود بودوفكين. مُنذ عام 1986م تم تسمية المدرسة على اسم المُخرج والمُمثل السينمائي Sergei Gerasimov سيرجي جيراسيموف. وثد تمت الموافقة على تأسيس المعهد من قبل Lenin لينين عام 1919م، وقد تعرقل عمله في السنوات الأولى بسبب نقص مخزون الأفلام. وهو من بين مدارس السينما القليلة التي تُقدم دورات في كتابة السيناريو.

[4]  Mikhail Ilyich Romm ميخائيل إيليتش روم. من مواليد 11 يناير 1901م، وتوفي في 1 نوفمبر 1971م. كان مُخرج أفلام، وكاتب سيناريو، ومُعلما سوفيتيا. حصل على لقب فنان الشعب في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية عام 1950م.

[5]  Italian Neorealism الواقعية الجديدة الإيطالية، والمعروفة أيضا باسم العصر الذهبي للسينما الإيطالية. كانت حركة سينمائية وطنية تتميز بقصص تدور أحداثها بين الفقراء والطبقة العاملة، يتم تصويرها في الموقع في الكثير من الأحيان مع مُمثلين غير مُحترفين، وهي تتناول في المقام الأول الظروف الاقتصادية والأخلاقية الصعبة لإيطاليا ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتُمثل التغيرات في النفس الإيطالية، وظروف الحياة اليومية بما في ذلك الفقر، والقمع، والظلم، واليأس. استخدم صانعو الأفلام الإيطاليون الواقعيون الجُدد أفلامهم لرواية قصص تستكشف الحياة اليومية المُعاصرة ونضالات الإيطاليين في فترة ما بعد الحرب. أصبحت أفلام الواقعية الجديدة الإيطالية خطابا توضيحيا للأجيال القادمة لفهم تاريخ إيطاليا خلال فترة مُحددة من خلال سرد الحياة الاجتماعية في السياق، مما يعكس الطبيعة الوثائقية والتواصلية للفيلم. يعتقد بعض الناس أن أفلام الواقعية الجديدة تطورت من أفلام المُونتاج السوفيتية، لكن في الواقع، بالمُقارنة مع صانعي الأفلام السوفييت الذين يصفون مُعارضة الشعب للثراع الطبقي من خلال أفلامهم، تهدف أفلام الواقعية الجديدة إلى إظهار مقاومة الأفراد للواقع في بيئة اجتماعية.

[6]  New Wave الموجة الجديدة، وتُسمى أيضا French New Wave الموجة الفرنسية الجديدة، هي حركة أفلام فنية فرنسية ظهرت في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين. تميزت الحركة برفضها لاتفاقيات صناعة الأفلام التقليدية لصالح التجريب، وروح تحطيم المُعتقدات التقليدية. اكتشف صانعو أفلام الموجة الجديدة أساليب جديدة في التحرير، والأسلوب البصري، والسرد، بالإضافة إلى التعامل مع الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في تلك الحقبة، وغالبا ما كانوا يستخدمون السُخرية، أو يستكشفون موضوعات وجودية. غالبا ما تُعتبر الموجة الجديدة واحدة من أكثر الحركات تأثيرا في تاريخ السينما.

[7]  Akira Kurosawa أكيرا كوروساوا، من مواليد 23 مارس 1910م، وتوفي في 6 سبتمبر 1998م. كان مُخرجا يابانيا أخرج 30 فيلما في مهنة امتدت لأكثر من خمسة عقود. يُنظر إليه على أنه أحد أعظم صانعي الأفلام، وأكثرهم تأثيرا في تاريخ السينما. أظهر كوروساوا أسلوبا جريئا وديناميكيا مُتأثرا بشدة بالسينما الغربية، ولكنه مُختلف عنها، كما شارك في جميع جوانب إنتاج الأفلام. وقد دخل كوروساوا صناعة السينما اليابانية في عام 1936م بعد فترة قصيرة قضاها كرسام. بعد سنوات من العمل في العديد من الأفلام كمُساعد مُخرج وكاتب سيناريو، ظهر لأول مرة كمُخرج خلال الحرب العالمية الثانية مع فيلم الحركة الشهير Sanshiro Sugata سانشيرو سوجاتا 1943م. بعد الحرب عزز فيلم Drunken Angel الملاك المخمور 1948م- الذي نال استحسان النقاد، والذي لعب فيه كوروساوا المُمثل غير المعروف آنذاك توشيرو ميفوني في دور البطولة- سُمعة المُخرج كواحد من أهم صانعي الأفلام الشباب في اليابان.

[8]  Luis Buñuel Portolés لويس بونويل بورتوليس، من مواليد 222 فبراير 1900م، وتوفي في 29 يوليو 1983م. كان مُخرجا إسبانيا. صانع أفلام عمل في فرنسا، والمكسيك، وإسبانيا، وقد اعتبره العديد من نقاد السينما والمُؤرخين والمُخرجين واحدا من أعظم صانعي الأفلام، وأكثرهم تأثيرا على الإطلاق. اشتهرت أعماله بسيرياليتها الطليعية، والتي كانت مليئة أيضا بالتعليقات السياسية. وغالبا ما ارتبطت مسيرة بونويل المهنية بالحركة السيريالية في عشرينيات القرن العشرين، وقد امتدت من عشرينيات القرن الماضي حتى سبعينياته. تعاون بونويل مع مع الرسام السيريالي غزير الإنتاج Salvador Dali سلفادور دالي في Un Chien Andalou كلب أندلسي 1929م، وL’Age d’Or العصر الذهبي 1930م، ويُعتبر كلا الفيلمين من روائع السينما السيريالية. من عام 1947م إلى عام 1960م صقل مهاراته كمُخرج في المكسيك، حيث أنتج ميلودراما إنسانية مثل Gran Casino الكازينو الكبير 1947م، وLos Olvidados المنسي 1950م، وÉl هو 1953م، وهنا اكتسب أساسيات رواية القصص.

[9]  Andrzej Witold Wajda أندريه ويتولد وجدة، من مواليد 6 مارس 1926م، وتوفي في 9 أكتوبر 2016م. كان مُخرجا سينمائيا ومسرحيا بولنديا، حصل على جائزة Oscar الأوسكار الفخرية، وPalme d’Or السعفة الذهبية، كذلك Golden Lion الأسد الذهبي الفخري، وجائزة Golden Bear الدب الذهبي الفخرية. وكان عضوا بارزا في Polish Film School مدرسة السينما البولندية. كما كان معروفا بشكل خاص بثلاثيته عن أفلام الحرب المكونة من A Generation جيل 1955م، وKanal قناة 1957م، وAshes and Diamonds الرماد والألماس 1958م. ويُعتبر وجدة واحدا من أشهر صانعي الأفلام في العالم الذين أرخت أعمالهم للتطور السياسي والاجتماعي في بلده، كما تناولت أساطير الهوية الوطنية البولندية، حيث قدمت تحليلات ثاقبة للعنصر العالمي للتجربة البولندية- النضال للحفاظ على الكرامة في أصعب الظروف. وقد تم ترشيح أربعة من أفلامه لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية، وهي The Promised Land أرض الميعاد 1975م، وThe Maids of Wilko خادمات ويلكو 1979م، وMan of Iron رجل من حديد 1981م، وKatyń كاتين 2007م.

[10]  Kenji Mizoguchi كينجي ميزوجوتشي، من مواليد 16 مايو 1898م، وتوفي في 24 أغسطس 1956م. كان مُخرج أفلام ياباني أخرج ما يقرب من مئة فيلم خلال حياته المهنية بين عامي 1923م، و1956م. تشمل أعماله الأكثر شهرة The Story of the Last Chrysanthemums قصة الأقحوان الأخير 1939م، وThe Life of Oharu حياة أوهارو 1952م، وUgetsu يوجيتسو 1953م، وSansho the Bailiff سانشو المأمور. الثلاثة أفلام الأخيرة السابقة فازت جميعا بجائزة Venice International Film Festival مهرجان البندقية السينمائي الدولي. كان الموضوع المُتكرر لأفلامه هو اضطهاد المرأة في اليابان التاريخية والمُعاصرة.

[11]  للمزيد انظر ما كتبه Vikram Zutshi فيكرام زوتشي بعنوان Sculpting in Time with Andrei Tarkovsky النحت في الزمن مع أندريه تاركوفسكي/ vikramzutshi.medium.com/ 12 يناير 2019م.

[12]  Pablo Ruiz Picasso بابلو رويز بيكاسو، من مواليد 25 أكتوبر 1881م، وتوفي في 8 إبريل 1973. كان رساما، ونحاتا، وصانع طباعة، وخزفيا، ومُصمما مسرحيا إسبانيا. قضى مُعظم حياته البالغة في فرنسا، وهو أحد أكثر الفنانين تأثيرا في القرن العشرين، وهو معروف بمُشاركته في تأسيس الحركة التكعيبية، واختراع النحت المبني، والاختراع المُشترك للكولاج. من بين أعماله الأكثر شهرة لوحة Les Demoiselles d’Avignon آنسات أفينيون 1907م، واللوحة المُناهضة للحرب Guernica جيرنيكا 1937م، وهي تصوير درامي لقصف جيرنيكا من قبل القوات الجوية الألمانية والإيطالية خلال الحرب الأهلية الإسبانية. وقد أظهر بيكاسو موهبة فنية غير عادية في سنواته الأولى، حيث رسم بطريقة طبيعية خلال طفولته ومُراهقته. خلال العقد الأول من القرن العشرين تغير أسلوبه، حيث جرب نظريات وتقنيات وأفكارا مُختلفة. بعد عام 1906م حفزت الأعمال الوحشية للفنان الأكبر سنا Henri Matisse هنري ماتيس بيكاسو على استكشاف أساليب أكثر تطرفا مما أدى إلى بدء مُنافسة مُثمرة بين الفنانين اللذين غالبا ما يقرنهما النقاد كقادة للفن الحديث.

[13]  للمزيد اقرأ كتاب "النحت في الزمن" للمُخرج أندريه تاركوفسكي/ ترجمة: أمين صالح/ المُؤسسة العربية للدراسات والنشر/ الطبعة الأولى/ 2006م/ الكتاب ص 95.

[14]  Marika (Maria) Beikou ماريكا (ماريا) بيكو، وُلدت في Istiaia إستيايا بجزيرة Evia إيفيا اليونانية، ودرست في الأصل لتصبح طبيبة، ولكن بسبب الاحتلال النازي توقفت عن دراستها لمُساعدة المقاومة. أصبحت عضوا في EPON الأسطوري، ثم عضوا في جيش الشعب اليوناني ELAS، وفي النهاية عضوا في الحزب الشيوعي اليوناني. خلال الحرب الأهلية كانت عضوا في الجيش الديمقراطي اليوناني DSE، وبعد هزيمة 1949م غادرت إلى الاتحاد السوفيتي من أجل إنقاذ حياتها. في عام 1952م بدأت العمل في محطة إذاعية في Moscow موسكو، وأثناء دراستها في Gerasimov Institute معهد جيراسيموف للسينما التقت بأندريه تاركوفسكي وتشاركا مع Aleksandr Gordon ألكسندر جوردون في إخراج الفيلم القصير The Killers القتلة 1956م عن قصة لإرنست هيمنجواي. توفيت ماريكا في Athens, Greece أثينا، اليونان عام 2011م.

[15]  Ernest Miller Hemingway إرنست ميللر هيمنجواي، من مواليد 21 يوليو 1899م، وتوفي في 2 يوليو 1961م. كان روائيا أمريكيا، وكاتب قصة قصيرة، وصحفيا. اشتهر بأسلوبه الاقتصادي البسيط الذي أثر على كتاب القرن العشرين في وقت لاحق، وقد تم إضفاء طابع رومانسي عليه أسلوب حياته المُغامر، وصورته العامة الصريحة. أصبحت بعض رواياته السبع، وست مجموعات قصصية، وعملين واقعيين من كلاسيكيات الأدب الأمريكي، وقد حصل على Noble Prize جائزة نوبل في الأدب عام 1954م. وقد نشأ هيمنجواي في Oak Park, Illinois أوك بارك، إلينوي، إحدى ضواحي Chicago شيكاغو. بعد المدرسة الثانوية أمضى ستة أشهر كمُراسل لصحيفة Kansas City Star كانساس سيتي ستار قبل الالتحاق بالصليب الأحمر. عمل كسائق سيارة إسعاف على الجبهة الإيطالية في الحرب العالمية الأولى، وأُصيب بجروح خطيرة بسبب شظية عام 1918م. في عام 1921م انتقل هيمنجواي إلى Paris باريس، حيث عمل كمُراسل أجنبي لصحيفة Toronto Star تورنتو ستار وتأثر بالكتاب الحداثيين. فنانو جالية Lost Generation الجيل الضائع المُغتربين، ونُشرت روايته الأولى The Sun Also Rises الشمس تُشرق أيضا عام 1926م. وفي عام 1928م عاد هيمنجواي إلى الولايات المُتحدة الأمريكية واستقر في Key West, Florida كي ويست، فلوريدا. وقد قدمت تجاربه خلال الحرب مادة لروايته A Farewell to Arms وداعا للسلاح الصادرة في 1929م.

[16]  للمزيد اقرأ كتاب "النحت في الزمن" للمُخرج أندريه تاركوفسكي/ ترجمة: أمين صالح/ المُؤسسة العربية للدراسات والنشر/ الطبعة الأولى/ 2006م/ الكتاب ص 19.

[17]  Hermann Karl Hesse هيرمان كارل هيسه، من مواليد 2 يوليو 1877م، وتوفي في 9 أغسطس 1962م. كان شاعرا، وروائيا، ورساما ألمانيا سويسريا. رغم أن هيسه وُلد في منطقة Black Forest الغابة السوداء في Swabia, Germany شوابيا بألمانيا، إلا أن تراث والده الشهير باعتباره ألمانيا من منطقة Baltic البلطيق، وجذور جدته الفرنسية السويسرية كان لهما تأثير فكري عليه. لقد كان طفلا مُبكر النضج، إن لم يكن صعبا، وشارك والدته شغفا بالشعر والمُوسيقى، وكان مُثقفا مقروءا بشكل خاص، ويرجع ذلك جزئيا إلى تأثير جده مُتعدد اللغات. عندما كان شابا درس لفترة وجيزة في مدرسة اللاهوت، وعانى من نوبات الاكتئاب، وحاول الانتحار مرة واحدة، مما أدى به مُؤقتا إلى مصحة. أكمل هيسه في نهاية المطاف المرحلة الثانوية، واجتاز امتحاناته في عام 1893م، ومع ذلك ظل مُتعلما ذاتيا، وقرأ بنهم الرسائل اللاهوتية، والأساطير اليونانية، وJohann Wolfgang يوهان فولفجانج، وvon Goethe فون جوته، وGotthold Ephraim Lessing جوتولد إفرايم ليسينج، وFriedrich Schiller فريدريك شيلر، وFriedrich Nietzsche فردريك نيتشه، وقد نُشرت أعماله الشعرية والنثرية الأولى في تسعينيات القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، حيث ظهرت روايته الأولى Peter Camenzind بيتر كامينزند قي عام 1904م.

[18]  للمزيد اقرأ كتاب "النحت في الزمن" للمُخرج أندريه تاركوفسكي/ ترجمة: أمين صالح/ المُؤسسة العربية للدراسات والنشر/ الطبعة الأولى/ 2006م/ الكتاب ص 28.

[19]  Aleksandr Vitalyevich Gordon ألكسندر فيتاليفيتش جوردون، من مواليد 26 ديسمبر 1931م، وتوفي في 7 ديسمبر 2020م. كان مُخرج أفلام سوفيتي، ومُؤلف روسي، كما كان زميلا لأندريه تاركوفسكي في معهد عموم روسيا للتصوير السينمائي VGIK في قسم الإخراج الذي يُدرس فيه ميخائبل روم، وتخرج عام 1960م. شارك جوردون وتاركوفسكي في إخراج وكتابة أول فيلمين قصيرين للطلاب معا 1956م، و1959م. كما ظهر جوردون في كليهما. وكان عضوا في Russian Cinematographers Union (CPSU) اتحاد السينمائيين الروس مُنذ عام 1953م، وأثناء وجوده في VGIK تزوج أخت تاركوفسكي الصغرى Marina Arsenyevna Tarkovskaya مارينا أرسينيفنا تاركوفسكايا، كاتبة ولغوية. وأنجبا طفلين.

[20]  Giuseppe de Santis جوزيبي دي سانتيس، من مواليد 11 فبراير 1917م، وتوفي في 16 مايو 1997م. كان مُخرج أفلام إيطالي، ومن أكثر صانعي الأفلام الواقعية الجديدة مثالية في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، حيث كتب وأخرج أفلاما تخللتها صرخات مُتحمسة من أججل الإصلاح الاجتماعي. كان شقيق المصور السينمائي الإيطالي Pasqualino de Santis باسكوالينو دي سانتيس. وكانت زوجته Gordana Miletic جوردانا ميليتش، مُمثلة يوغوسلافية وراقصة باليه سابقة.

[21]  Vittorio de Sica فيتوريو دي سيكا، من مواليد 7 يوليو 1901م، وتوفي في 13 نوفمبر 1974م. كان مُخرجا ومُمثلا سينمائيا إيطاليا، وشخصية بارزة في حركة الواقعية الجديدة. يُعتبر دي سيكا من أكثر صانعي الأفلام تأثيرا في تاريخ السينما، وقد فازت أربعة من الأفلام التي أخرجها بجوائز Academy Awards الأوسكار: Sciuscià ماسح الأحذية 1946م، وBicycle Thieves سارقو الدراجات 1948م بجوائز فخرية، بينما فاز Yesterday, Today and Tomorrow أمس واليوم وغدا 1963م، وIl Giardino dei finzi Contini حديقة فينزي كونتيني 1970م بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم. النجاح النقدي الكبير الذي حققه فيلم Sciuscià ماسح الأحذية - أول فيلم أجنبي يتم الاعتراف به من قبل أكاديمية فنون وعلوم الصورة المُتحركة- وفيلم Bike Thieves سارقو الدراجات ساعد في إنشاء جائزة أفضل فيلم أجنبي دائمة، ويعتبر هذان الفيلمان جزءا من شريعة السينما الكلاسيكية، وقد تم اعتبار فيلم "سارقو الدراجات" أعظم فيلم من خلال استطلاع الرأي الذي أجرته مجلة Sight & Sound لصانعي الأفلام والنقاد عام 1952م، واستشهدت به شركة Turner Classic Movies كواحد من أكثر 15 فيلما تأثيرا في تاريخ السينما.

[22]  للمزيد اقرأ الحوار الذي أجراه Gonzalo Blasco جونزالو بلاسكو مع المُخرج ألكسندر جوردون، وزوجته مارينا تاركوفسكايا بعنوان An Interview with Marina Tarkovskaia and Alexander Gordon مُقابلة مع مارينا تاركوفسكايا وألكسندر جوردون/ nostalghia.com/ وقد تم إجراء هذه المُقابلة مع مارينا تاركوفسكايا وألكسندر جوردون مساء يوم 10 نوفمبر 2003م في Zaragoza, Spain سرقسطة، إسبانيا.

[23]  للمزيد انظر السيرة الذاتية للمُخرج على موقع Andrei-tarkovsky.com وهو الموقع الذي يديره والمسؤول عنه ابن المُخرج الذي يدعى Andrei أندريه مثل والده، حيث كان يناديه تاركوفسكي بأندريوشا، والتي تعني في اللغة الروسية "أندريه الصغير".

[24]  للمزيد انظر ما كتبه Maximilian Le Cain ماكسيمليان لو كاين بعنوان: Andrei Tarkovsky أندريه تاركوفسكي/ sensesofcinema.com/ Issue 20/ مايو 2002م.

[25]  للمزيد اقرأ الحوار الذي أجراه Gonzalo Blasco جونزالو بلاسكو مع المُخرج ألكسندر جوردون، وزوجته مارينا تاركوفسكايا بعنوان An Interview with Marina Tarkovskaia and Alexander Gordon مُقابلة مع مارينا تاركوفسكايا وألكسندر جوردون/ nostalghia.com/ وقد تم إجراء هذه المُقابلة مع مارينا تاركوفسكايا وألكسندر جوردون مساء يوم 10 نوفمبر 2003م في Zaragoza, Spain سرقسطة، إسبانيا.

[26]  Grigory Naumovich Chukhray جريجوري نوموفيتش تشوكراي، من مواليد 23 مايو 1921م، وتوفي في 28 أكتوبر 2001م. كان مُخرجا سينمائيا، وكاتب سيناريو أوكراني سوفيتي روسي. فنان الشعب في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، وهو والد المُخرج السينمائي الروسي Pavel Chukhray بافل تشوكراي، من أفلامه Ballad of a Soldier أغنية جندي 1959م، وClear Skies سماء صافية 1961م.

[27]  للمزيد انظر السيرة الذاتية للمُخرج على موقع Andrei-tarkovsky.com وهو الموقع الذي يديره والمسؤول عنه ابن المُخرج الذي يدعى Andrei أندريه مثل والده، حيث كان يناديه تاركوفسكي بأندريوشا، والتي تعني في اللغة الروسية "أندريه الصغير".

[28]  James Francis Cameron جيمس فرانسيس كاميرون، من مواليد 16 أغسطس 1954م. هو مُخرج أفلام كندي، ويُعد شخصية رئيسية في عصر ما بعد هوليوود الجديدة، وغالبا ما يستخدم تقنيات جديدة بأسلوب صناعة الأفلام الكلاسيكي. حصل لأول مرة على التقدير لكتابة وإخراج فيلم The Terminator المُبيد 1984م، وحقق المزيد من النجاح مع The Abyss الهاوية 1989م، وTrue Lies أكاذيب حقيقية 1994م، وكذلك Avatar أفتار 2009م. قام بإخراج فيلم Titanic تيتانيك 1997م، وكتبه وشارك في إنتاجه وتحريره، وفاز بحوائز Academy Awards الأوسكار لأفضل فيلم، وأفضل مُخرج، وأفضل مُونتاج، كما حصل على العديد من الأوسمة الأخرى، وتم اختيار ثلاثى من أفلامه للحفظ في National Film Registry السجل الوطني للسينما من قبل Library of Congress مكتبة الكونجرس.

[29]  للمزيد انظر ما كتبه Patrick Gamble باتريك جامبل بعنوان 10 great films that inspired Andrei Tarkovsky عشرة أفلام رائعة ألهمت أندريه تاركوفسكي/ bfi.org.uk/ 22 أكتوبر 2015م.

[30]  للمزيد انظر ما كتبته Maria Fadeeva ماريا فاديفا بعنوان: Andrei Tarkovsky: The Filmmaker who saw an Angel أندريه تاركوفسكي: المُخرج الذي رأى ملاكا/ vbth.com/ 4 إبريل 2012م.

[31]  للمزيد اقرأ كتاب "النحت في الزمن" للمُخرج أندريه تاركوفسكي/ ترجمة: أمين صالح/ المُؤسسة العربية للدراسات والنشر/ الطبعة الأولى/ 2006م/ الكتاب ص 144.

[32]  للمزيد اقرأ كتاب "النحت في الزمن" للمُخرج أندريه تاركوفسكي/ ترجمة: أمين صالح/ المُؤسسة العربية للدراسات والنشر/ الطبعة الأولى/ 2006م/ الكتاب ص 148.

[33]  للمزيد اقرأ الحوار الذي أجراه Gonzalo Blasco جونزالو بلاسكو مع المُخرج ألكسندر جوردون، وزوجته مارينا تاركوفسكايا بعنوان An Interview with Marina Tarkovskaia and Alexander Gordon مُقابلة مع مارينا تاركوفسكايا وألكسندر جوردون/ nostalghia.com/ وقد تم إجراء هذه المُقابلة مع مارينا تاركوفسكايا وألكسندر جوردون مساء يوم 10 نوفمبر 2003م في Zaragoza, Spain سرقسطة، إسبانيا.

[34]  يبدو أن تاركوفسكي لم يراجع ما كتبه، ولم يحاول تدقيقه، فلقد خانته الذاكرة أثناء كتابته عن هذا الفيلم- ربما لأنه كان يكتبه أثناء مرضه الأخير- فالمُتفجرات/ الصواريخ التي تم العثور عليها في الفيلم لم تكن في "متجر أسلحة ألماني تُرك مهجورا بسبب الحرب" كما ذكر في كتابه، بل تم اكتشاف المُتفجرات أثناء العمل على رصف أحد الشوارع، وقيام الجرافة بتجريفه مدفونة تحت الأرض، وهو ما جعل العمال يسرعون لإخبار اللجنة البلدية لمعرفة ما يجب عليهم أن يقوموا به.

[35]  للمزيد اقرأ كتاب "النحت في الزمن" للمُخرج أندريه تاركوفسكي/ ترجمة: أمين صالح/ المُؤسسة العربية للدراسات والنشر/ الطبعة الأولى/ 2006م/ الكتاب ص 88- 89.

[36]  للمزيد اقرأ كتاب "النحت في الزمن" للمُخرج أندريه تاركوفسكي/ ترجمة: أمين صالح/ المُؤسسة العربية للدراسات والنشر/ الطبعة الأولى/ 2006م/ الكتاب ص 85.

[37]  للمزيد اقرأ كتاب "النحت في الزمن" للمُخرج أندريه تاركوفسكي/ ترجمة: أمين صالح/ المُؤسسة العربية للدراسات والنشر/ الطبعة الأولى/ 2006م/ الكتاب ص 181.

[38]  Karl Marx كارل ماركس، من مواليد 5 مايو 1818م، وتوفي في 14 مارس 1883م. كان فيلسوفا ألماني المولد، ومُنظرا سياسا، وافتصاديا، ومُؤرخا، وعالم اجتماع، وصحفيا، واشتراكيا ثوريا. أشهر أعماله هي كُتيب The Communist Manifesto البيان الشيوعي 1848م مع Friedrich Engels فريدريك إنجلز، ومُجلده المكون من ثلاثة مُجلدات Das Kapital رأس المال 1867- 1894م. يستخدم كتاب رأس المال منهجه النقدي للمادية التاريخية في تحليل الرأسمالية. كان لأفكار ماركس وتطورها اللاحق- المعروفة بشكل عام بالماركسية- تأثبر هائل على التاريح الفكري والاقتصادي، والسياسي الحديث. وقد وُلد ماركس في Trier ترير في Kingdom of Prussia مملكة بروسيا، ودرس في جامعات Bonn بون، وBerlin برلين، وJena يينا، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة منها عام 1841م. كان هيجليا شابا، وتأثر بفلسفة Georg Wilhelm Friedrich Hegel جورج فيلهلم فريدريش هيجل، وقام كلاهما بنقد أفكار Hegel هيجل وتطويرها في أعمال مثل The German Ideology الأيديولوجية الألمانية المكتوب عام 1846م. أثناء وجوده في باريس عام 1844م كتب ماركس مخطوطاته الاقتصادية والفلسفية والتقي Engels بإنجلز الذي أصبح أقرب أصدقائه ومعاونيه. بعد انتقالهم إلى Brussels بروكسل عام 1845م نشطا في الرابطة الشيوعية، وفي عام 1848م كتبا البيان الشيوعي الذي يعبر عن أفكار ماركس، ويضع برنامجا للثورة. طُرد ماركس من Belgium بلجيكا، وGermany ألمانيا، وفي عام 1849م انتقل إلى London لندن The Eighteenth Brumaire of Louis Bonaparte الثامن عشر من برومير للويس بونابرت 1852م، ورأس المال. مُنذ عام 1864م شارك ماركس في International Workingmen’s Association جمعية العمال العالمية- First International الأممية الأولى- والتي حارب فيها تأثير الفوضويين بقيادة Mikhail Bakunin ميخائيل باكونين. في كتابه Critique of the Gotha Programme نقد برنامج جوتا 1875م كتب ماركس هن الثورة والدولة والانتقال إلى الشيوعية. توفي عديم الجنسية عام 1883م، ودُفن في مقبرة Highgate هايجيت.

[39]  للمزيد اقرأ كتاب "النحت في الزمن" للمُخرج أندريه تاركوفسكي/ ترجمة: أمين صالح/ المُؤسسة العربية للدراسات والنشر/ الطبعة الأولى/ 2006م/ الكتاب ص 160.