يعد أحد الكتاب الثائرين دوما تجاه كل ما يحيط بالبيئة الأدبية، الثقافية، الإنسانية من سطحية وابتذال. ثورته على كل ذلك ماثلة في كتاباته، حاضرة في أقواله وأفعاله، له وجهات نظر خاصة حول علاقة المثقف بالناقد والسياسي، كذلك علاقة كليهما بالمبدع الحق والمبدع المزور، له وجهة نظره الخاصة في الجوائز الأدبية على المستوى المصري والعربي.
حول أعماله، رأيه في الجوائز
الأدبية، التقت "السياسة" الكاتب المصري "محمود الغيطاني" في
هذا الحوار.
حاوره: محسن حسن
- ما سر الثورة النقدية الكامنة بداخلك والتي تعجل دوماً
بمعارك ثقافية لا تنتهي؟
كل ما يدور حولنا من هوان
وزيف، ومجاملات، وشلليات، وسقوط مروع للثقافة العربية والعقل العربي الذي بات
فارغا ومخجلا ودافعا للتنكر من الانتساب إليه. كل هذه الأسباب تدعو للثورة
الحقيقية على كل هذا الفساد الذي غزانا واستكان داخلنا مطمئنا. أن ترى من لا علاقة
له بالكتابة الحقيقية يتربع على عرش الأدب باعتباره من أفضل من يكتب بالعربية في
الوقت الذي ترى فيه الكتاب الحقيقيين لا يلتفت إليهم أحد، ولا يعرفهم أو يروج لهم
أحد لمجرد عدم وجود مصالح ومنفعة من ورائهم؛ الأمر الذي يؤدي إلى تهميشهم بالكامل.
الثقافة العربية في مشهديتها
الحالية هي ثقافة العار، والنفاق، والكذب، والزيف، والانتفاع فقط، لم يعد هناك
إعلام حقيقي، ولا نقد حقيقي، بل ساهم النقد نفسه في تهميش الكثيرين من الكتاب
المهمين والحقيقيين، وتسليط الضوء على من لا معنى لوجودهم في المشهد الثقافي العربي.
حتى الجوائز العربية باتت تلعب دورا خطيرا في تقزيم دور الكتاب الجيدين في مقابل
الكتابة البائسة التي يكتبها الطفيليون على عالم الكتابة. كل هذه الأمور كفيلة
بوجود ثورة عارمة تحاول أن تُسخر كل قدراتها وطاقاتها من أجل الكشف والفضح فقط لكل
ما هو بائس وتافه يتم تصديره باعتباره الأجود في حين أنه الأقل، وبما إني لا مصالح
حقيقية لي بيني وبين الآخرين، وبما إني خارج نطاق الشلليات؛ فأنا مزعج للكثيرين
لأني في جوهر الأمر أُفسد الكثير من الصفقات الفاسدة في الثقافة العربية.
- ما التصور النقدي الأمثل من وجهة نظرك للمعطيات
الظاهرة والباطنة لمخرجات الثقافة والأدب؟
الأمر بسيط لا يحتاج إلى تفكير عميق وتصور ما؛ النقد
هو النقد في نهاية الأمر، ليس مجرد شلليات ولا مدح، ونفاق لمجرد أن هذا الكاتب
توجد من خلفه مصلحة ما، أو أن هذه الكاتبة جميلة لا بد من مغازلتها حتى لو كانت كتابتها
تافهة وبائسة وركيكة. للأسف هذا ما نراه اليوم؛ العديدون ممن يطلقون على أنفسهم
نقادا يجاملون إما من أجل المصالح المادية، والدعوات، والمناصب، وو..، وغيرهم
يجاملون من أجل جمال الكاتبات. لكن الواقع يؤكد لنا أن جمال الكاتبات مكانه
الطبيعي هو الفراش وليس إفساد النقد، والكتابة والثقافة بالكامل، ومن ثم تضليل
القارئ الذي قد يعتمد على ما يكتبه الناقد ويثق فيه. نحن في مجال ثقافي تحول إلى
مجال دعارة مقننة باسم الثقافة. أنا لست ضد الدعارة في حد ذاتها، ولكن لا بد أن
تكون بعيدا عن تزييف المجال الثقافي.
يرى البعض أن النقد الحقيقي الذي يوضح سلبيات العمل
الضعيف أو المتهافت مجرد إساءة للكاتب، في حين أن هذا التصور هو ما أفسد الثقافة
العربية بالفعل؛ لأن مفهوم النقد في حد ذاته هو توضيح الجيد من الرديء، ولو نظرت
إلى مفهوم النقد لغويا وهو الأصل ستجده كذلك، لكن للأسف مع انقلاب المعايير
وتغيرها تبعا للمصالح بات مفهوم النقد عند الكثيرين مجرد المجاملات والتملق،
والمدح، أو على أقل تقدير كتابة "ريفيو" للرواية باعتباره نقدا. ما يحدث
حولنا يعمل بشكل جدي على قتل النقد، الذي يستتبعه قتل الثقافة العربية بالكامل
ودفعها باتجاه الإبادة لتفاهتها وركاكتها.
- برأيك إلى أي الحدود أوصلنا الانسياق خلف "زيف النقد"
ومجاملاته؟
أوصلنا إلى وجود أسماء لا تستحق قيمة الورق الذي تكتب
عليه وأمست هذه الأسماء مفروضة علينا باعتبارها من أهم الأسماء العربية في عالم
الأدب والثقافة؛ ومن ثم رأينا هذه الأسماء مترجمة إلى العديد من اللغات، وباتت هي
المتصدرة للمشهد الثقافي فترى كتاباتهم هنا وهناك في كل المطبوعات العربية في حين
أنهم أجهل من أن يكتبوا كلمة واحدة، وحينما يتناولهم أحد بالنقد الحقيقي من دون
مجاملات تجدهم هم وجوقتهم من الفاسدين يجأرون بأن الناقد حاقد وحاسد وغير ذلك! هل
من الممكن أن يرد لخاطرك أن هناك ناقدا حاقدا أو حاسدا؟! ولم سيفعل ذلك؟ وكيف يكون
هكذا في حين أنه من خلال نقده أوضح مواطن القوة والضعف؟!
الخطورة الحقيقية أن هذه الأسماء بتكريسها تتم ترجمتها
إلى العديد من اللغات باعتبارها أفضل ما نمتلكه، أي أننا نُصدر إلى العالم أتفه
وأضعف ما فينا، وننقل له صورتنا البائسة كأننا نقول لهم: هذه هي صورتنا وثقافتنا
الركيكة، ونحن لن نستطيع أن نكون أفضل من ذلك؛ لأننا في جوهرنا لا نمتلك الثقافة،
أي أننا كعرب سنظل في قاع العالم حتى على المستوى الثقافي.
زيف النقد الذي ابتكره صلاح فضل بمجاملاته وتملقه لمن
لا يستحقون الكتابة عنهم وغيره من النقاد قتل الثقة بين القارئ والناقد؛ فلم يعد
هناك من يثق في النقد والنقاد، وصار كل قارئ يتجرأ على النقد باعتباره مجاملة-
وأنا هنا لا أستطيع لوم القارئ الذي انساق لذلك المفهوم؛ لأن الناقد هو من كرس هذا
المفهوم بفساده الحقيقي-. هناك الكثيرون من النقاد الذين قتلوا العديد من الأسماء
الموهوبة موهبة لا غبار عليها؛ لأنهم ظنوا أنفسهم حكام دولة الثقافة، وأظن أن ما
فعله جابر عصفور مع الكثيرين ومنهم الروائي الراحل محمد ناجي ليس بعيدا زمنيا حتى
تنساه الذاكرة الثقافة العربية بعد. إن تغليب المصالح والرغبات والأهواء الشخصية
على النقد يؤدي إلى تزييف المشهد الثقافي العربي بالكامل؛ ومن ثم صرنا نحيا في
فوضى ثقافية حقيقية لا معنى لها.
- كتابك "زيف النقد ونقد الزيف" يأتي بمثابة
الصدمة التي لطمت وجه أدعياء النقد الانطباعي والسطحي.. تتفق أم تختلف؟
كتابي "زيف النقد ونقد الزيف" كان بمثابة
لطمة قوية على وجوه الجميع. أنا لا أنكر هذه اللطمة؛ فالرغبة في التغيير في حاجة
إلى الصدمة المباغتة والحقيقية، التغيير يحتاج إلى الانفجار المفاجئ والثورة على
كل ما هو فاسد وغير حقيقي. كل هذا الخراب الذي نراه حولنا، وهذه الجوائز التي يتم
منحها من خلال العديد من الصفقات والاتفاقات، بل والرشاوي كان لا بد من كشفها
وفضحها وبيان تهافت وركاكة هذه الأعمال التي تُمنح الجوائز من دون وجه حق. هل بات
من يقول الحق من دون وجود أي مصالح هو الشاذ وغير الطبيعي، والحاسد والحاقد
والراغب في الصعود على أكتاف الآخرين؟! وهل يُعقل أن يصعد أحدهم على أكتاف
الفاشلين أساسا؟!
إن تكريس العديد من الأسماء العربية التي لا تستحق مثل
هذا التكريس جعلني غير راغب سوى في الكشف فقط، إن مهمتي النقدية الأساسية هي كشف
كل ما هو زائف وغير حقيقي ولا يستحق، من هنا كان هذا الكتاب الذي كرسته من أجل كشف
زيف النقاد الذين يكتبون عن أعمال ركيكة باعتبارها أعمال مهمة؛ ومن ثم كان أن انتقدت
ما كتبوه من نقد متهافت لا يستحق أن نسميه نقدا، ثم كان التركيز على زيف مصداقية
جائزة البوكر العربية التي باتت منذ فترة طويلة جائزة مشبوهة فيما تمنحه من جوائز
باختياراتها البائسة لأعمال ضعيفة وركيكة لا تستحق، بل وتعمل على تصعيد هذه
الأعمال في مقابل تجاهل أعمال أخرى مهمة في المشهد الروائي العربي.
- لديك مجموعة قصصية واحدة وروايتان.. هل هذا انحياز قادم
ومستمر إلى الرواية؟ أم أن الأمر يعود إلى مقتضيات أخرى وجدانية وأدبية؟
منذ أيام صدرت مجموعتي القصصية الجديدة
"اللامنتمي"، وهكذا صار لدي مجموعتين قصصيتين وروايتين أي أن الجنسين
الأدبيين تساويا في الإنتاج. لكن الأمر ليس كما تتصور في سؤالك. أنا كاتب، مجرد
كاتب من دون تصنيف، أي إني لا يعنيني أن تُصنفني كروائي، أو قاص، أو ناقد سواء في
مجال الأدب أو السينما. إنها عملية الكتابة في حد ذاتها التي تستهويني وأشعر معها
بالمتعة في أي مجال من هذه المجالات، وما دامت الكتابة تمنحني المتعة، وما دمت
أحاول الوصول إلى الكمال الذي أنا مهووس به في كتابتي؛ فالتصنيف لا يهم مطلقا.
النقد في حد ذاته إبداع ممتع يقوم على إبداع سابق، أي
أن عملية الكتابة هي إبداع مستمر في كل مجالاتها، ومن هنا فأنا لا أنحاز إلى جنس
أدبي على حساب جنس آخر، بل أنحاز للكتابة الجيدة الصادقة في وجهها العام.
- ما الذي مثله فوزك بجائزة ساويرس عن روايتك "كادرات
بصرية"؟ وإلى أي حد تراهن على عروش الجوائز الأدبية والثقافية؟
جائزة ساويرس بالنسبة لي كانت مجرد مبلغ من المال
أسعدني أن أناله فقط؛ فأن تنال المال بالتأكيد هو شيء مبهج؛ لأنك ستتعيش منه
وتنفقه على رغباتك الشخصية، صحيح إني أرى جائزة ساويرس ما زالت حتى اليوم من أنزه
الجوائز العربية وبعيدة عن النفاق والمصالح؛ حتى إن من يحصل عليها يكون فخورا بها
أكثر من فخره بنيله جائزة الدولة، لكنها في النهاية مجرد حفنة من المال سأنفقها
سريعا، وإنفاقها سيسبب لي الكثير من السعادة.
الجوائز لا يمكن لها أن تخلق كاتبا، كما أنها ليست
اعترافا بأني صرت كاتبا مهما؛ فأنا كاتب مهم قبل الجائزة أو بعدها، وكان من الممكن
ألا أحصل على هذه الجائزة لأن الرواية لم ترق لجنة التحكيم في هذا العام، في حين أنها
قد تعجب لجنة التحكيم في عام آخر. هذا يعني أن الحاصل على جائزة ما لا يعني حصوله
عليها- حتى لو كانت الجائزة نزيهة- بأنه كاتب لا يشق له غبار، بل يعني ذلك أن
الرواية لاقت قبولا من اللجنة المنعقدة هذا العام.
أما بالنسبة للجوائز العربية فهي مجرد مكافأة مالية
للكاتب فقط، وبما أننا جميعا في حاجة إلى المال؛ فنحن نتقدم إلى هذه الجوائز لنحصل
عليه، وليس من أجل الحصول على شهادة بأننا كتاب حقيقيين، أما من يرى أن حصوله على
جائزة ما فهو بذلك قد صار كاتبا مكرسا ومهما، ومن يرى أن الجائزة قد صنعت اسمه فهو
في حقيقة الأمر لا اسم حقيقي له، ولا يستحق أن يكون اسما؛ لأنه يتشكك في قدرته
الكتابية من الأساس وكان ينتظر الجوائز التي لا معنى لمصداقيتها كي تصنع اسمه.
- تنتصر دوماً لذاتيتك وعالمك الخاص بعيداً عن زخم الحياة
ومتناقضاتها .. هل تصلح الذاتية حلاً لمشكلاتنا من وجهة ما؟
أنتصر لذاتيتي لأنها الأهم مما يدور حولنا من خراب؛
ومن ثم ألجأ إلى ذاتي بعيدا عن الآخرين ونفاقهم وزيفهم، قد أكون أنا أيضا مزيفا في
نظر الآخرين؛ فليس هناك شيئا يقينيا في هذا العالم ومعظم الحقائق خاضعة للنسبية
والمنطلق الذي تنطلق منه هذه الحقيقة، لكني في النهاية أكتفي بذاتي التي تكفيني
وأرضى عنها كما هي، كما أنه ليس هناك ما هو أهم من ذاتي كي أنتصر له. لا تنخدع
بقول البعض بأن الآخرين مهمين وما إلى ذلك من الأقوال. الذات هي الأهم عند الجميع،
ولولا ذواتنا لما تحركنا من أماكننا قيد أنملة. الحقيقة أنك لا بد أن تُرضي ذاتك
أولا كي تكون قادرا فيما بعد على إرضاء الآخرين، وإن لم تفعل هذا لذاتك ستفشل
بالضرورة مع الغير.
أجل أنا ممتلئ تمام الامتلاء بذاتي، ولا أنطلق سوى
منها أولا؛ لذا لم أعان من أمراض النفاق الاجتماعي، والغيرة، والحسد، والرغبة في
أن أكون وحدي الأفضل كما يعاني منها الكثيرون في عالمنا العربي. الحقيقة إنك إذا
ما كنت راضيا عن عالمك الخاص ستكون أكثر مقدرة على التعامل مع تناقضات العالم.
- يتنازعك
انتماءان؛ الأول للنقد السينمائي والثاني للكتابة الروائية.. هل ترى هذا في صالح مشوارك
الثقافي أم العكس؟
كان هذا في صالح مشواري الثقافي إلى حد كبير؛ فأن
تمتلك ذاكرة بصرية لا ترى الأحداث والكلمات والأشياء إلا من خلال المشهدية فهو أمر
يفيدك أيما إفادة في عالمك الروائي، ومن ثم ينعكس على كتابتك الروائية وحتى
النقدية، ولعل هذه المشهدية واضحة فيما كتبته من إبداع سواء في الرواية أو القصة،
كما أنها تتجلى بشكل أكبر في روايتي "كادرات بصرية" التي كانت مشهدية
بامتياز وأفادتني السينما فيها بأن استخدمت كل تقنيات الفيلم السينمائي مطوعا لها
لخدمة العمل الروائي، وهو ما ستراه بشكل أكثر تجليا في مجموعة
"اللامنتمي".
إذن فالسينما لا يمكن أن تكون ضد الرواية، كما أننا
ندرك جيدا أن السينما والرواية تتبادلان العديد من الخبرات منذ بدايتيهما سواء في
تحويل الأعمال الروائية إلى السينما، أو الاستفادة من تقنيات السينما في الأعمال
الروائية
- إلى أي حد تؤثر تقنيات النقد السينمائي لديك على آليات
الكتابة الروائية لديك؟
تقنيات السينما تتجلى في كل ما كتبته من أعمال، ربما
تشاهد هذه التقنيات في نقدي الأدبي أيضا، أي أن السينما أفادتني في كل المجالات؛
فهي السحر الذي أنطلق منه إلى العالم. أن ترى الكلمات في شكل صور أفضل من أن تراها
في صورة حروف ومفردات. ستجد فيما كتبته من أعمال إبداعية الحرص كثيرا على التقطيع،
وهذا التقطيع هو في جوهره تقنية المونتاج السينمائي، كذلك الفلاش باك والتداخل
وغيره من التقنيات. حتى التوثيق الذي تحرص عليه السينما ستراه في معظم ما كتبته،
أي أن السينما في نهاية الأمر هي حياة كاملة متكاملة من الممكن أن ينطلق منها
العالم بأثره.
- كيف هي مقارنتك بين أنصار التجريب من جهة ودعاة النموذج
المحتذى من جهة أخرى؟
الفن بمعناه الواسع والمطلق إذا لم يستند إلى التجريب
لا أستسيغ أن يُطلق عليه فنا؛ فكيف تكون فنانا وأنت لم تسع إلى التجريب في فنك؟!
الفن هو مغامرة في حاجة إلى التحليق والتجريب والجنون، وإذا لم تتحل بالجنون ستظل
نمطيا نموذجيا لا جديد فيما تقدمه. التجريب هو الذي أدى إلى تطور الفنون الكتابية
منها والبصرية، هو الذي وصل بالرواية إلى ما هي عليه الآن، والسينما، والنقد، أي
أننا نستطيع القول: إذا لم تتحل بالجنون الذي يحمل في معناه التجريب فأنت لا علاقة
لك بالفن وستظل في قاع هذا العالم ولن تقترب من التفرد والتميز.
- ما مدى انتصارك لكتابات السيرة الذاتية؟ وهل تنوي مثل
هذا التوجه في كتابات قادمة؟
كتابات السيرة الذاتية من أهم ما يمكن أن تطلع عليه
ولكن من هو الذي يجرؤ على كتابة سيرته الذاتية بشكل صادق وكما حدثت في منطقتنا
العربية؟ أن تكتب ما كان كما هو فيه الكثير من المسؤولية والجرأة التي تحتاج إلى
كاتب حقيقي ومتفرد؛ لأنك في سيرتك الذاتية لن تكشف نفسك فقط، بل ستكشف كل من مروا
في طريقك يوما ما. ستعري الجميع بكل ما فيهم من إيجابيات وسلبيات وأنت منهم. فهل
هناك من يجرؤ على ذلك؟
أنا شخصيا من يقرأ أعمالي الإبداعية سيجد الكثير جدا
من مفردات حياتي وتجاربي متناثرة فيها هنا وهناك، والحقيقة أنك كي تعرفني جيدا في
الحياة الحقيقية عليك أن تقرأ ما أكتبه من إبداع؛ ففيه أبث الكثير من حياتي
وتجاربي كما هي أو كما حدثت، صحيح إني أطعمها بالقليل أو الكثير من الخيال، لكنك
ستجدني داخل أعمالي.
لا أنكر إني كثيرا ما أفكر في كتابة سيرتي الذاتية،
كما لا أنكر إني سأفعلها وأكتبها كما حدثت تماما من دون تجميل أو حذف، أنا حريص
على تعرية كل ما يدور حولي وتعرية نفسي قبل تعرية الآخرين، فلم لا أفعل ذلك. أظن
أنها ستظهر حينما يحين وقتها وأجد إني لا بد من تأمل كل ما فات وتوثيقه بحيادية
وصدق.
- منذ البدايات الروائية في "كائن العزلة" وعبر
مشوار الكتابة الروائية حتى الآن.. ما الثابت والمتغير في تقنيات الكتابة والحكي لديك؟
هناك الكثير من التغيرات وهناك بعض الثوابت؛ فسمة
الحياة هي التغيير، وكلما اكتسبت المزيد من الخبرات والثقافات كلما تغيرت وجهة
نظرك باتجاه العالم وتجاه نفسك أيضا. لا أنكر أن استفادتي من السينما والمشهدية
التي أحرص عليها كانتا من الثوابت التي لم تتغير في كتابتي حتى اليوم وستظل كذلك
فيما أظن، لكني تغيرت في كتابتي بأن صرت أكثر تشككا فيما أكتبه من الإبداع، وغير
راض عن الكثير مما أكتبه، كما إني صرت كثير الحرص على الحذف من الإضافة، كما إني
اكتسبت الكثير من الخوف والقلق من عملية الكتابة رغم إني أكتب كثيرا، لكني أظل
أراجع ما كتبته وأقرأه مرة بعد أخرى تخوفا من أن يكون هناك نقصا ما يشوب ما كتبته،
أي إني أقبل على الكتابة في كل مرة بقلق أكبر مما كنت عليه في بدايتي. ربما أدى
ذلك إلى إني حذفت 3000 كلمة من رواية "كائن العزلة" في طبعتها الجديدة
التي ستصدر قريبا.
المثقف لا علاقة له بالسياسي. مفهوم المثقف العضوي كما
قدمه أنطونيو جرامشي الذي يعني "صاحب المشروع الثقافي الذي يتمثل في الإصلاح
الثقافي والأخلاقي" كان يخدم أيديولوجيته في المقام الأول، أي أنه يخدم
التيار السياسي والفكري الذي انطلق منه جرامشي. السياسة مُعطلة للإبداع والثقافة،
صحيح أن الثقافة قادرة على التغيير الجذري الحقيقي باعتبارها القوة الناعمة كما
نقول، لكنها قادرة على هذا التغيير من داخلها وليس انطلاقا من السياسة. عليك أن
تعطي كتابا فقط للجماهير كي تقرأ وتفهم، وحينما تفهم سيكون التغيير والإصلاح هو
هدفها الأساسي في حياتها، أما أن تطلب التغيير من أناس لا علاقة لهم بالثقافة أو
الفهم والتفكير فهي لن تسعى إلى أي شكل من أشكال الإصلاح وستظل مستكينة راضية بكل
ما يقع عليهم من ظلم وطغيان من الأنظمة السياسية. قد يتناول الكاتب السياسة من
خلال عمله الفني، ومن خلال هذا التناول يستطيع بالفعل التغيير الحقيقي، لكن أن
يمارس المثقف السياسة بشكل مباشر فهذا ما لا يتفق مع الكتابة والثقافة. المثقف له
دوره والسياسي له دوره أيضا.
- ما الذي استخلصته من واقعة رفض عضويتك باتحاد كتاب مصر؟
أننا نحيا في مجتمع مهترئ جاهل لا علاقة له بالثقافة
الحقيقية وإن كنا كثيرا ما ندعي الثقافة، والتثاقف، والوعي، والمعرفة.
حينما حدثت واقعة اتحاد الكتاب في 2008م كان سبب الرفض
إن الفاحصة الجاهلة رأت إني مجرد كاتب للجنس، وبما إني أكتب جنسا فأنا من وجهة
نظرها لا علاقة لي بالكتابة ولا يصح أن أنتسب للاتحاد "المقدس" وكأني
سأدخل المسجد حينما أنتسب إليه. بالطبع كان الأمر مدهشا؛ فأن تقول كاتبة هذا
القول، وأن يرفض الاتحاد المنوط به الدفاع عن حرية الإبداع قبول عضويتي يُدلل على
أننا في مجتمع متهتك يتغنى بالفضيلة والأخلاق رغم تهتكه وزيفه وكذبه وتدليسه. لكن
الأمر انتهى بقبول العضوية بعد شهر واحد من المعارك الضارية بيني وبين الاتحاد.
- في الختام، كيف ترى السينما المصرية والعربية من وجهة
نظر نقدية؟ وما الجديد القادم لديك على مستوى الكتابة؟
نرى الآن على مستوى السينما العربية الكثير من التجارب
السينمائية المهمة التي تقدمها العديد من الدول العربية، صحيح أنها تجارب فردية
لكنها متميزة سينمائيا لاسيما في فلسطين ولبنان ودول المغرب العربي، أما بالنسبة
للسينما المصرية فلقد وقعت في مأزق الإنتاج، وبما أن معظم شركات الإنتاج السينمائي
اتجهت إلى التوزيع بعد ثورة يناير بسبب ضحالة الظروف الاقتصادية المصرية، وعدم
ضمان ما يحدث في السوق السينمائي المصري؛ فلم يعد لدينا سوى السبكي تقريبا الذي
يكاد أن يكون الوحيد الذي يحمل عبء الإنتاج في السينما المصرية بالإضافة إلى بعض التجارب
الفردية القليلة؛ لذلك أندهش ممن يطالبون السبكي بالتوقف عن الإنتاج السينمائي،
فهذا الرجل لو توقف لتوقفت عجلة الإنتاج في السينما المصرية تماما ولأصابها الشلل
الحقيقي. فلندع الرجل يُنتج، صحيح أن إنتاجه ليس دائما جيدا، لكنه ينتج السيء
والجيد، وهذا أمر موجود في كل سينمات العالم، لم لا ننظر إلى السينما الأمريكية
التي تُنتج الآلاف من الأفلام سنويا والجيد منها لا يتعدى 10%؟ ليس بالضرورة أن
يكون كل ما تنتجه السينما جيدا، المهم أن تستمر عجلة الإنتاج.
أنا لا أنكر أن مستوى السينما المصرية قد تراجع كثيرا
فيما تنتجه، لكن هذا التراجع يعود في المقام الأول إلى الاقتصاد، ولا يمكن لأحد
إنكار أن الاقتصاد يرتبط ارتباطا وثيقا بكل مناحي الحياة الثقافية والفنية
والأخلاقية؛ فإذا ما انهار الاقتصاد انهار معه كل شيء وأول هذه الأشياء الأخلاقيات
الاجتماعية.
لدي العديد من الأعمال التي انتهيت منها وتنتظر النشر
حوالي عشرة أعمال ما بين النقد السينمائي والنقد الأدبي ورواية ما زلت غير راض
عنها، وغير ذلك، لكني لست متعجلا في عملية النشر وأتركها لحينها.
حوار: محسن حسن
جريدة "السياسة الكويتية"
عدد 6 مارس 2018مٍ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق