الاثنين، 10 أكتوبر 2022

مجدي أحمد علي: شاعرية النضال من أجل المرأة!

المخرج مجدي أحمد علي
خرج المُخرج مجدي أحمد علي من رحم صناعة السينما المصرية؛ لذلك حينما رغب في تقديم فيلمه الأول "يا دنيا يا غرامي" 1996م، قدم فيلما من أهم أفلام هذه السينما، وأكثرها شاعرية وانحيازا للحياة والمرأة لافتا نظر المُتابعين لهذه السينما بأنها قادرة على الانبعاث من الموات الذي يصيبها على فترات متفاوتة.

صحيح أن المُخرج قد تخرج في كلية الصيدلة 1976م، لكن عشقه للفن السينمائي جعله مُصرا على دراسة السينما؛ فحصل على بكالوريوس المعهد العالي للسينما قسم الإخراج عام 1980م؛ ومن ثم بدأ حياته الفنية كمُساعد مُخرج لعدد من أهم مُخرجي الواقعية في السينما منهم محمد خان، وخيري بشارة، ويوسف شاهين، ومما لا يمكن إنكاره أن عمل المُخرج مع هؤلاء المُخرجين المُهمين في مسيرة السينما المصرية قد ترك بأثره على رؤيته الفنية وتفكيره تجاه صناعة سينما مُختلفة يستطيع من خلالها أن يتميز بها عمن سبقوه من مُخرجين، ويستمر في مسيرتهم التي تشتبك مع الواقع محاولة استعراضه وتأمله من دون طرح حلول، أو إلقاء أحكام أخلاقية، أو أيديولوجية مُسبقة، أي أن المُخرج هنا كان راغبا في تقديم ما هو كائن من خلال أسلوبيته الخاصة التي تتميز بالكثير من الشاعرية والانحياز للمُهمشين والفقراء والمرأة من دون إدانتهم أو إلقاء اللوم عليهم في شيء؛ فالمُجتمع والسياسات المُختلفة هي التي أدت بهم إلى الوقوع في براثن ظروفهم الاجتماعية القاسية التي يحاولون التكيف معها من أجل الاستمتاع بالحياة، حتى لو كانت هذه المُتعة مُجرد مُتع صغيرة كضحكة عابرة، أو تناول فنجان من "الكابتشينو".


رغم بداية مجدي أحمد علي في حياته العملية كمُساعد مُخرج مع العديد من المُخرجين إلا أنه لم يفته الاهتمام والاتجاه لصناعة السينما التسجيلية- المصنع الحقيقي لصناعة السينما- وهي السينما التي تعمل على تدريب المُخرجين وإصقال مواهبهم من أجل صناعة أفلام روائية؛ فقدم العديد من الأفلام التسجيلية منها فيلم "الفرح لا يؤجل" 1998م، وهو الفيلم الذي صنعه بعد تقديم فيلمه الروائي الأول عن تجربة تبناها الفنانان التشكيليان عادل السيوي، ومحمد عبلة، والناقدة الراحلة فاطمة إسماعيل عن تجميل منازل حي "كوم غراب"؛ الأمر الذي دفع الدولة إلى الاهتمام بالحي، وتحسين مرافقه.

في عام 1996م يقدم المُخرج فيلمه الأول "يا دنيا يا غرامي"، وهو الفيلم الذي كتب له السيناريو السيناريست محمد حلمي هلال، وتحمس لإنتاجه المُخرج رأفت الميهي من خلال "ستوديو 13"، ولعل السيناريو الذي كتبه هلال كان من أهم السيناريوهات التي ساعدت المُخرج كثيرا على تقديم نفسه كمُخرج تعرفه السينما المصرية لأول مرة؛ حيث اعتمد السيناريست على تقديم شخصيات بسيطة تماما تنتمي للجزء الأكبر من المُشاهدين؛ لدرجة تجعل المُشاهد يشعر بأن الفتيات الثلاث اللاتي يتحدث عنهن الفيلم هن أخت أو ابنة عم، أو ابنة خال أي واحد منا؛ الأمر الذي جعل المُشاهدين ينتمون إلى العمل ويشعرون بما تعانيه بطلاته.

يتحدث الفيلم عن ثلاث فتيات صديقات من الطبقة الفقيرة يعملن في مهن مُختلفة وقد وصلن إلى العقد الثالث من عمرهن وقارب قطار الزواج على الابتعاد عنهن. الأولى "فاطمة" أو "بطة" التي تعمل في مصنع للملابس الجاهزة وتعيش مع أمها وأبيها المقعد، وأخيها "عبده" المُنضم لجماعة دينية مُتطرفة. تجد فاطمة نفسها مُرغمة على تولي مسؤولية الأسرة بعدما تاه أخوها في خضم الجماعات الإسلامية ولم تجد الأسرة من ينفق عليها في وجود الأب المُقعد. تحب بطة ابن خالتها "يوسف" ميكانيكي السيارات والمخطوبة له مُنذ عشر سنوات، لكنه لا يجد المال الكافي لإتمام زواجه منها. يُقابل يوسف العجوز "زهيرة هانم" وهي من نسل أسرة محمد علي باشا التي تأمل في أن تُدفن في مقابر الأسرة الخديوية بجامع الرفاعي في القلعة، ولكن ينقصها إتمام الإجراءات؛ فتسلم ليوسف 1500 جنيه لإكمال إجراءات التصاريح، إلا أنه يشتري بالمال شبكة لبطة ويُقيم لها عُرسا في الحارة، كما يسطو على سيارة فارهة ملك لأحد السياح العرب؛ ليزف فيها عروسه ويحقق آمالها، لكنه يُقبض عليه ويُسجن ثلاث سنوات، وترفض بطة طاعة أخيها المُتطرف بالحصول على الطلاق من يوسف والزواج من أحد المُتطرفين.


أما الثانية فهي "سكينة" التي تعيش مع أمها وأخيها النرجسي العاطل "حسن" والذي أصابته لوثة عقلية تُشعره بالعظمة دائما، وتعمل سكينة في محل لبيع الملابس الجاهزة، ويحبها مُدير المحل "عادل" وقد كانت سكينة على علاقة سابقة بعبده شقيق بطة الذي استسلمت له وفقدت عذريتها، وسافر عبده للكويت لجمع المال، ولكن حينما قامت الحرب؛ عاد كما سافر من دون مال وانضم لجماعة مُتطرفة، وطلب من سكينة الالتزام الديني على طريقته كشرط للتستر عليها. ترفض سكينة ويصبح موقفها صعبا حينما يتقدم عادل للزواج منها؛ فتنصحها بطة بإجراء عملية رتق لبكارتها، لكنها ترفض وتُصارح عادل الذي يهرب منها، وتشاء الظروف أن تفوز سكينة في أحد البرامج الدعائية بالإقامة في شقة بالمُهندسين لمدة 15 عاما، وهي الشقة التي تكون سببا في تقدم أحد المُدرسين للزواج بها؛ فتجري عملية رتق بكارتها هذه المرة استعدادا لزواجها. أما الصديقة الثالثة فهي "نوال" التي تعمل في محل لبيع الزهور وتتعرض لتحرش صاحبه، وقد كانت نوال على علاقة حُب مع "حسن" شقيق سكينة، والذي كان يرى أنه أعظم من أن يتزوج نوال، وحتى تلحق نوال بقطار الزواج توافق على الزواج العرفي من "رياض" المتزوج من امرأة ثرية، وذلك نظير شقة باسمها، وشبكة، ومهر كبيرين. تذهب زهيرة هانم إلى بطة وتخبرها بالمال الذي أخذه زوجها المسجون، وترفض استرداد المبلغ في مُقابل صداقة بطة؛ حتى إذا ما ماتت يكون هناك من يعتني بجثمانها وبالفعل يصرن صديقات. تموت زهيرة وتدفنها بطة في مقابر الأسرة الخديوية، ولكن في زفاف سكينة يقوم عبده بطعن أخته بطة انتقاما، وتدخل المُستشفى ويتم إنقاذها، وتخرج مع صديقتيها يستقبلون الحياة من جديد في تأكيد من الفيلم على أن الحياة لا بد لها من أن تستمر، ومن المُمكن لمن يحياها أن يقتنص منها الفرحة البسيطة أيا كانت معوقات هذه الحياة.


ربما نُلاحظ في الفيلم الذي قدمه مُخرجه مجدي أحمد علي مدى اشتباكه مع الواقع المعيش ومشاكله الآنية سواء على مستوى الفقر الذي تعيشه شخصيات الفيلم، أو الإسلام السياسي الذي بدأ يُظهر وجهه الجهم في هذه الفترة الزمنية، أو أخلاقيات المُجتمع الجهمة التي تجعل من المرأة مُجرد ضحية من ضحاياه ويلقي باللوم عليها دائما في كل سقطاته رغم أنهن لا حيلة لهن بسقطات هذا المُجتمع، كما لا يفوتنا مدى الشاعرية التي تناول بها المُخرج مُشكلات بطلاته الأربع- زهرة هانم منهن- ومدى مقدرته على التعبير عن حاجاتهن النفسية والجسدية، وانهزامهن أمام مُجتمع يُلقي بالتبعة الأخلاقية عليهن طوال الوقت، إلا أنهن يقاومن كل هذه الاتهامات وهذا الحزن بمحاولة اقتناص الفرح حتى لو كان مُجرد لحظات بسيطة لا قيمة لها لدى الآخرين.

نستطيع القول: إن المُخرج مجدي أحمد علي كان من أهم المُناصرين للمرأة من خلال هذا الفيلم، كما أنه تبنى مشاعرهن، وقضيتهن من دون فجاجة أو مُباشرة، بل نجح في التعبير عنهن من خلال التوحد معهن وتقمص مشاعرهن التي يشعرن بها؛ فخرج الفيلم مُشبعا بروح شاعرية شديدة النسوية للتعبير عن روحهن وأزماتهن اللاتي لا يستطعن التعبير عنها في المُجتمعات العربية المُنغلقة.

لكن، هل نستطيع من خلال هذا الفيلم القول: إن مجدي أحمد علي قد كان أكثر تحررا وانطلاقا من مُخرجي الواقعية الجديدة الذين تتلمذ على أيديهم وعمل معهم؟


بالفعل إذا ما تأملنا فيلم "يا دنيا يا غرامي" لرأينا كيف كان الفيلم مُشتبكا اشتباكا حقيقيا مع الواقع، مُحاولا نقاش أوضاع وهموم، ومشاكل الطبقة الوسطى وما يعانون منه، لكنه لم يكن مُقيدا بأيديولوجية ما، أو أفكار سياسية، كما لم يحاول إلقاء اللوم على السياسات التي اتبعتها الأنظمة المصرية المُتتابعة- السبب الحقيقي فيما وصل إليه حال المُجتمع المصري من أزمة اجتماعية واقتصادية خانقة- بل حاول التعاطي مع مُشكلات هذه الطبقة، لا سيما ما تُعاني منه المرأة من ضغوط داخل هذا المُجتمع. صحيح أن خان وغيره من مُخرجي الواقعية قد ناقشوا الضغوط التي تتعرض لها المرأة في المُجتمع المصري، وهذا ما رأيناه في "أحلام هند وكاميليا" مثلا للمُخرج محمد خان، لكن المُقارنة بين ما قدمه المُخرجون السابقون من واقعية في مُقابل ما قدمه مجدي أحمد علي في فيلمه الأول يجعل هؤلاء المُخرجين مُجرد مُحافظين، لم يستطيعوا الانطلاق ومُناقشة مشاكل المرأة الخاصة جدا، سواء منها العاطفية أم الجنسية مثلما رأينا لدى أحمد علي في فيلمه الأول، ومثلما سنرى فيما بعد في فيلمه "أسرار البنات" 2001م الذي كان أكثر جرأة وانطلاقا في التناول، بل والأكثر انغماسا في الشاعرية والحنو على بطلته والتعامل معها من دون أي شكل من أشكال الإدانة الاجتماعية أو الأخلاقية، وهذا ما يؤكد عليه المُخرج نفسه بقوله: "كان لدي إحساس بأنه الفن ما هواش السياسة بالضبط، أعتقد هو دا اللي خلاني لما قررت أعمل "يا دنيا يا غرامي"، وأعمل "أسرار البنات" كان إن الوطن ما هواش كلام في السياسة، لكن إن كل كلام في قضايا المواطن المصري، وخاصة الطبقة الوسطى اللي هي.. يعني موكل إليها قيادة حركة التنمية والتقدم، الكلام عن المواطن هو المُهم، الكلام عن البشر هو المُهم، والكلام عن البشر العاديين بأخطائهم، بهمومهم، بأحلامهم، بإخفاقاتهم، بنجاحاتهم هو دا المُهم.. يعني إن أنا رميت نفسي في التجربة السياسية والاجتماعية للوطن كله في السبعينيات، ودي كانت فترة حية وخصبة جدا خلّت في الآخر الواحد يبقى عنده الروح دي.. روح عدم الربط المُباشر، وعدم وجود سينما مُباشرة، أو تعبير مُباشر عن أفكار سياسية لها طبيعة دوجماتيكية.. يعني في الفن"[1].


لكن، هل استمر المُخرج على هذه الشاعرية والاهتمام بما تعانيه المرأة في الطبقة المتوسطة المصرية بعدما قدم فيلمه الأول؟

في عام 1998م قدم المُخرج فيلمه الثاني "البطل"، وهو الفيلم الذي يقول عنه: "في "البطل" أقدر أقول: إن دي إضافة أنا عملتها، يعني بمعنى إنه السيناريو كان بيتكلم عن البطولة كقيمة، وهي قيمة في حد ذاتها تعمل فيلم فعلا، يعني مش متعملش، إنما أنا في الوقت دا استلفت نظري إنه الفيلم دا بيتعمل في أيام العشرينيات، يعني إذن لماذا لا نربطه بثورة 1919م وشخصية سعد زغلول نفسه، وإنه سعد زغلول في الوقت دا كان بيطرح فكرة إعادة القومية المصرية.. يعني قبله مُصطفى كامل كان بيدافع أصلا عن فكرة إن احنا مصريين، يعني كان فيه ناس الإنجليز كانوا بيقولوا لهم أدبيات في الوقت دا، في التاريخ دا بتقول: ليس هناك شيء اسمه الشعب المصري، دول مزيج من الأتراك والهجرات العربية والهجرات الأجنبية وبتاع، مين هو الشعب المصري؟ في الوقت دا احنا كنا طبعا عددنا في حدود ثمانية مليون أو أقل، منهم كتير أجانب، ومنهم كتير مُتمصرين، فكان فيه كلام عن الهوية نفسها، هوية المصري نفسه، فلما.. اللي كان بيتكلم على دا مُصطفى كامل، لما جاء سعد زغلول وطلعت ثورة الشعب كلها توحدت حول شخص سعد زغلول كان دا مُهم جدا، إنت بتتكلم على فكرة أخرى غير فكرة البطولة، فكرة إن مصري يصبح بطل عالمي في رياضة ما، فبطل عالمي كمصري.. كهوية مصرية دا كان جديد، دا اللي أنا كنت عايز أؤكده، وكنت عايز البطل دا يبقى عنده الحلم بتاع سعد زغلول نفسه"[2].

لكن، هل كان فيلم "البطل" بمثل هذه الأهمية التنظيرية التي يحاول المُخرج إسباغها على فيلمه؟ بمعنى آخر، هل خرج الفيلم في شكله النهائي بمثل هذا الشكل الذي كان يأمله المُخرج؟ وهل استمر على منهاجه الذي اتبعه في فيلمه الأول من الشاعرية في التعامل مع أبطاله من المُهمشين والمطحونين اجتماعيا، أو مُناصرة المرأة في مشاكلها الاجتماعية التي تُعاني منها؟


يدور فيلم "البطل" أثناء اندلاع ثورة 1919م بقيادة الزعيم سعد زغلول، حيث جمعت الصداقة بين النجار "حودة كلاوي"، والبارمان "بيترو غطاس"، وعامل المطبعة "حسن حليم"، وهم جميعا من أبناء الطبقة الفقيرة. كان حودة كلاوي الذي يهوى المُلاكمة ويعمل في ورشة نجارة يعيش مع أمه وشقيقته الشابة "فاطمة". تغويه الخواجاية "غادة عبد الرازق" زوجة الخواجة صاحب ورشة النجارة لمُمارسة الجنس معها، وينصاع لرغباتها، بينما كانت جارته "حنيفة" واقعة في غرامه، وهي ابنة الشيخ الكفيف "عبد البديع" بينما هو لا يستجيب لحنيفة؛ بسبب سعيه لتحقيق بطولة الإسكندرية للمُلاكمة، وتطلعه للصعود إلى طبقة اجتماعية أعلى.

يظن حودة أن البطولة هي جواز مروره إلى هذه الطبقة الجديدة، كما كان من أشد المُعجبين والمُؤيدين للزعيم سعد زغلول ويحلم بلقائه؛ لذلك حينما يراه في أحد المُؤتمرات يندفع نحوه ويصافحه، ويكتمل حلمه في نفس اليوم عندما يشاهد الفتاة الأرستقراطية "ياسمين" تبتسم له، والتي أُعجبت به؛ لسعيه نحو الزعيم، وطموحه للخروج من طبقته عن طريق البطولة. كانت ياسمين ابنة "محمد باشا شفيق" قد فشلت في زواجها مرتين، ونصحها الزعيم سعد زغلول في زيارة لمنزل والدها الباشا أن تقترب من الناس ولا تتعالى عليهم؛ فأنشأت جمعية خيرية؛ لتقترب من عامة الشعب، ووجدت في حودة نموذجا طموحا لهذا الشعب، ورحبت به عندما اقتحم منزلها ليبثها حبه، غير أن اختلاف أسلوب حياة وسلوكيات طبقتها الأرستقراطية عن طبقته الفقيرة حالت بينهما، بينما كان بيترو يعمل بارمان ويهوى الغناء ويمارسه في نفس البار، وعلى علاقة عاطفية بمغنية البار "أوديسا"، ويعيش في نفس الوقت مع أبيه، موظف شركة السجائر، ومُغني البارات السابق الذي كان متزوجا من والدة بيترو التي كانت تعمل كمُغنية في البارات أيضا، لكنها تركت غطاس وبيترو وهربت إلى الخارج، وعاش غطاس وحيدا مع بيترو مُمارسا العشق مع جارته "عديلة" التي سبق لها أن دعت بيترو لدخول شقتها ليلا، لكنه كان مشغولا بإدخال أوديسا لمخدعه، وعندما فوجئ عم غطاس بوجود أوديسا في أحضان بيترو بينما كانت عديلة في أحضانه يقوم بطردهما من الشقة ليلا؛ لأنه لا يحب المسخرة!


أما حسن العامل في المطبعة نهارا، فكان خطيبا لفاطمة شقيقة حودة ويعيش مع والده "عم حليم"، مبيض النحاس"، وكان لديه كابينة على البحر بصحراء شاطئ "أبو قير" يصطاد فيها الساقطات بمُصاحبة حودة وبيترو، حتى تعرف على "نور"، عامل شركة البيرة، والذي قاده للاشتراك في المُظاهرات المُناهضة للإنجليز عقب نفي الزعيم سعد زغلول، ولقى نور مصرعه برصاص الإنجليز على صدر صديقه حسن الذي تغيرت حياته من بعدها؛ ليواصل كفاح صديقه ضد الإنجليز؛ فيشترك في طباعة المنشورات، ويُساهم في توزيعها؛ الأمر الذي قاده للقبض عليه وإلقائه في السجن.

يطمع حودة في الزواج من ياسمين انسلاخا من طبقته، ويشعر بالغيرة من أصدقائها وتحررها الزائد، وتُعاني هي من تصرفاته السوقية، ويفرح حودة حينما يرى "بلليني"، بطل العالم في المُلاكمة، يزور مصر. ينسى ياسمين ويسعى لاستقبال بلليني بالأحضان، ويوافق على لقاء البطل الإيطالي "زفاريللي" في لقاء يُحكمّه بلليني رغم أنه لقاء مُراهنات، لكن بلليني ينحاز لمصلحة زفاريللي رغم تفوق حودة الملحوظ، ويعلن هزيمة حودة الذي قرر قتل بلليني، لكن مُدرب المُلاكمة "فرانك" يمنعه من فعل ذلك وتعهد له بإيصاله إلى الأوليمبياد. يتجه بيترو للعمل مع فتوة بلطجي يعمل لصالح الآخرين، ويصطحب معه حودة مُتنكرين في زي ضباط؛ لاختطاف أحد تجار المُخدرات لمصلحة تجار آخرين، لكن الضباط الحقيقيين يسبقونهم، وهنا يتشاجر حودة مع بيترو الذي يُفاجأ برغبة والده غطاس في الزواج من عديلة، سيئة السُمعة؛ فيترك والده وأصدقاءه وحبيبته أوديسا ويرحل إلى إيطاليا للبحث عن مُستقبل آخر. يستمر حودة في العمل مع البلطجي، ويخرج حسن من السجن ويتزوج من فاطمة شقيقة حودة، ويواصل حسن كفاحه ضد الإنجليز، لكن الكفاح هذه المرة كان كفاحا مُسلحا؛ الأمر الذي أدى لمُطاردته من الإنجليز، بينما يعود بيترو خائبا من الخارج ويصالحه حودة على والده غطاس الذي تزوج من عديلة، ويحضر بيترو مع حودة حفلا راقصا أقامته ياسمين، ويقيم بيترو علاقة مع ليلى صديقة ياسمين، بينما يتشاجر حودة مع أصدقاء ياسمين ويسافر لأولمبياد باريس 1924م، ويصل للدور النهائي، لكنه يرى في الصحف خبر زواج ياسمين؛ مما يؤثر على حالته المعنوية؛ فيلقى هزيمة من بلليني ويعود خائبا يائسا، ويعمل كسائق تاكسي، ويتزوج من جارته حنيفة، ويبدأ في البحث عن حسن الذي اختفى عن أعين الإنجليز في كابينة "أبو قير". هنا تُرسل ياسمين في استدعاء حودة بعدما تزوجت وأنجبت؛ فقد ساءها أن يفقد طموحه نحو البطولة، ويكتفي بالعمل كسائق، وتُشجعه على العودة إلى التدريب خاصة بعدما لقى حسن مصرعه على يد الإنجليز، وترك زوجته فاطمة حاملا. يكتشف حودة أنه مُنذ البداية كان يحب حنيفة، إلا أن محاولته للانسلاخ من طبقته قد جعلته لا يرى هذا الحُب، وهو الكلام الذي جعل حنيفة تفقد الوعي حينما يخبرها به. يسافر حودة إلى أوليمبياد أمستردام 1928م  وينجح في انتزاع بطولة العالم من بيلليني، ويعود لمواصلة حياته مع حنيفة وينجب عدة أبناء، بينما تنجب عديلة أخا لبيترو.


إذ ما تأملنا الفيلم الذي قدمه مجدي أحمد علي للاحظنا أن السيناريو الذي اعتمد عليه يكاد يكون سيناريو مُلفقا من الناحية الفنية، لا مُبرر في مُعظم أحداثه لما يحدث فيه؛ فما هو الغرض الفني الذي يجعل المُخرج يعود بمثل هذه القصة- لثلاثة من الأصدقاء- إلى فترة العشرينيات من القرن الماضي، ولم يُصرّ على الزج بثورة 1919م وسعد زغلول إلى أحداث الفيلم، وما المُبرر القوي الذي قد يجعل ياسمين تعود للاهتمام بحودة وتحثه على العودة لتدريباته من أجل نيل البطولة في المُلاكمة، اللهم إلا أن المُخرج والسيناريست يريدان ذلك؛ كي تكتمل الصورة الجاهزة في ذهنيهما، أي أنهما عملا على ليّ أحداث الفيلم وتلفيقها لمُجرد الوصول إلى هدفيهما الذي يريدانه؟

إن القصة الأساسية هي لثلاثة من الأصدقاء في مُجتمع فقير وطبقة اجتماعية مطحونة، وهذا هو الجوهر الأساس للفيلم، ورغبة أحدهم للقفز اجتماعيا إلى طبقة أخرى مفهومة، كما أن النضال من خلال الصديق الثالث حسن مفهومة أيضا، وكان من المُمكن أن يكون مُناضلا سياسيا في الفترة الآنية لإنتاج الفيلم أو في فترة السادات مثلا، أي أن المُخرج لم يكن في حاجة إلى العودة لعشرينيات القرن الماضي والزج بثورة 1919م إلى الأحداث، كما أن الأجانب الموجودين في الإسكندرية لم يختفوا تماما منها؛ وبالتالي لم يكن هناك داعٍ، أيضا، أو مُبرر للعودة إلى هذه الحقبة الزمنية، صحيح أن المُخرج كان يمتلك من الشاعرية التي تميزه، ومن الأسلوبية ما ساعداه على تقديم فيلمه، لكن الفيلم في النهاية خرج مُصطنعا، وغير مُقنع، بل كان فيه من الخطابية والمُباشرة السياسية ما كان الفيلم في غنى عنها ولا يحتاجها؛ لأن القصة الأساس هي قصة الصداقة التي تربط الأصدقاء الثلاثة، ومُعاناتهم الاجتماعية، والاقتصادية التي يحيون فيها، أي أن السياسة لم يكن لها أي علاقة بالموضوع رغم أن المُخرج كان مُصرّا على الزج بها- ربما لمحاولة اكتساب تعاطف المُشاهد الذي لم يتعاطف، ولم يفهم لِمَ كل هذا الإصرار غير المُبرر- هذه المُعاناة التي يتحدث فيها الفيلم عن الأصدقاء الثلاثة ربما كانت ستصل بسهولة إلى المُشاهد إذا ما أكسب فيلمه المزيد من الواقعية بأن تدور الأحداث في الثمانينيات من القرن الماضي أو في التسعينيات؛ لأن هذا الفقر الذي يعيشونه، وهذه الرغبة في القفز الاجتماعي تليق بأي فترة من الفترات الزمنية لا سيما إذا ما كانت في الثمانينيات التي عانى فيها المُجتمع المصري كثيرا من سياسات السادات وأثرها عليه، وتسييد الكثيرين من الجهلاء وأنصاف المُتعلمين على المُجتمع المصري بالكامل بينما تمت إزاحة الطبقة الوسطى تماما إلى الهامش وتم نسيانها.

السيناريست محمد حلمي هلال

إن فيلم "البطل"، وهو الفيلم الثاني للمُخرج مجدي أحمد علي، كان من المُمكن له أن يكون من الأفلام الجيدة التي تُناقش أثر العديد من السياسات الاقتصادية على المُجتمع المصري وتفكيكه، لكنه انساق مع السيناريست خلف وهم- لا ندري ما سببه- في أن الزج بالسياسة بشكل مُباشر من خلال ثورة سعد زغلول سوف تُكسب الفيلم المزيد من المصداقية والأهمية في حين أن لجوئهما إلى ذلك أدى إلى فقدان الفيلم الكثير من أهميته في مسيرة المُخرج.

 

 

 

محمود الغيطاني

مجلة "نقد 21"

عدد أكتوبر 2022م

من كتاب "صناعة الصخب: ستون عاما من تاريخ السينما المصرية 1959- 2019م"

الجزء الثالث من الكتاب "قيد الكتابة"



[1] حلقة مُسجلة مع المخرج على موقع "الجزيرة نت"، وتم تفريغها كتابة بعنوان "مجدي أحمد علي: سينما الواقعية"/ Aljazeera.net/ من دون تاريخ.

[2] انظر المرجع السابق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق