الاثنين، 9 أكتوبر 2023

المُدرسة وسيكولوجية القطيع!

من خلال مقدرة فنية وإتقان مُحكم يدرك جيدا ماهية صناعة السينما يستخدم المُخرج التشيكي Jan Hřebejk جان هريبجيك خبراته الفنية لا سيما فن المونتاج السينمائي؛ من أجل تقديم فيلمه المُحكم The Teacher المُدرسة، أو La Profesora أو Učiteľka حسب العنوان الأصلي للفيلم في اللغة السلوفاكية، وهو الفيلم الذي يميزه في المقام الأول الاستخدام الذكي للمُونتاج الذي كان هو البطل الرئيس في تقديم الفيلم وبناء قصته الأساسية التي اعتمد عليها المُخرج.

يأتي الإتقان الفني هنا من مقدرة المُخرج على المراوحة الجيدة بين الخطين الأساسيين في فيلمه، فبينما يبدأ الفيلم على اجتماع آباء الطلاب في إحدى المدارس في نفس الفصل الذي يتلقى فيه أبنائهم دروسهم من أجل مُناقشة مجموعة من التجاوزات الخطيرة التي قامت بها مُدرستهم ماريا- قامت بدورها المُمثلة السلوفاكية Zuzana Mauréry سوزانا موريري- ينتقل المُخرج جيئة وذهابا بين هذا الاجتماع وبين ما كانت المُدرسة تفعله من تجاوزات بحق الجميع- الآباء والأبناء- أي أن المُخرج هنا نجح في التلاعب والانتقال المُونتاجي الدائم بين الخطين المتوازيين؛ وهو ما كان ينقل معه المُشاهد بين هنا/ الآن، وهناك/ الماضي وكأنه يمارس معنا لعبة مُمتعة من ألعاب البازل التي تتكشف لنا تفاصيلها وحقائقها مشهدا تلو الآخر لتكتمل أمامنا، في نهاية الأمر، اللوحة بشكل كامل وقد اتضحت جمالياتها الفنية.

يدور الفيلم عام 1983م في الفترة التي كانت فيها سلوفاكيا ما زالت تحت الحُكم الشيوعي، حيث يمكن لأي شخص له مكانة في التنظيم الحزبي أن يُسيئ استخدام سلطاته، ويعمل على السيطرة على الجميع من أجل مصالحه الشخصية؛ لذلك نرى المُدرسة ماريا، الأرملة لأحد الضباط، ولها شقيقة متزوجة وتعيش في موسكو، ورئيسة الحزب الشيوعي المحلي، ورئيسته في المدرسة، والتي تقوم بتدريس الأدب الروسي والسلوفاكي والتاريخ تحاول استغلال علاقاتها ومكانتها لدى الحزب الرئيس من أجل ابتزاز طلابها وآبائهم لمصالحها الشخصية ضاربة في ذلك عرض الحائط بمصالح الطلاب وآبائهم.


نشاهد ماريا في المرة الأولى التي تدخل فيها الفصل الدراسي بعد انتهاء فترة الإجازة الصيفية تحاول التعرف على تلاميذها بمناداتهم الواحد تلو الآخر طالبة من كل طالب وطالبة أن يقف ويذكر لها عمل كل من الأب والأم، وهي من خلال هذا الطلب تعمل على تدوين وظائف الآباء من أجل استغلالهم مُستقبلا لأداء العديد من الخدمات المجانية لها في مُقابل أن تعطي علامات جيدة أو سلبية لأبنائهم تبعا لمدى انسياقهم لرغباتها، أو رفضهم لها!

هذا الشكل القميء من الابتزاز والرغبة في السيطرة على الجميع يتجلى في المشهد الذي نراها فيه في بيت إحدى أولياء الأمور التي كانت تعمل كمُصففة شعر، واضطرت إلى ترك وظيفتها من أجل طفلتها الجديدة؛ فتذهب إليها ماريا من أجل تصفيف شعرها في البيت مجانا ليكون المُقابل لذلك إخبار ماريا للأم بضرورة مراجعة ابنتها لعدد من الدروس المُعينة؛ لأنها ستقوم باختبارها فيها، ومن ثم ستمنحها أعلى الدرجات مُقابل تصفيف الأم لشعرها!


في مُقابل منح إحدى الطالبات درجات عالية لا تستحقها لمجرد أن أمها قد قامت بتصفيف شعرها نراها تمنح دانكا- قامت بدورها المُمثلة السلوفاكية Tamara Fischer تامارا فيشر- درجات مُتدنية أكثر من مرة؛ لأنها طلبت من أبيها المُحاسب في المطار إرسال الكعك إلى شقيقتها في روسيا، لكنه لم يوافق على القيام بهذا الفعل؛ لأن إرسال هذه الأمور يُعد تهريبا، وقد يؤدي به إلى فقده لوظيفته، لذلك نرى مارك والد دانكا- قام بدوره الممثل السلوفاكي   Csongor Kassai كسينجور قاساي- يقول لزوجته تعليقا على رغبة ماريا في تهريب الكعك لأختها في موسكو: ما هذا التفكير الشيوعي القذر؟ أتريد أن ترسل بعض الكعك إلى موسكو عن طريق الطائرة؟ لا أريد أن أُطرد بسببها، كما يؤكد لزوجته أنه لا يعمل مع طواقم الطيران، وأن إرسال الطعام إلى السوفييت هو أمر ممنوع.


يحاول مارك- بسبب الضغط من زوجته من أجل ابنتيهما- إرسال الكعك مع أحد أفراد طواقم الطيران، لكنه يعجز عن اتخاذ هذا القرار الذي قد يؤدي إلى تشريده؛ فيذهب إلى ماريا ويخبرها أن هذا الأمر مستحيل عليه أن يفعله؛ لأنه مُخالفة لا يمكن التهاون فيها، كما يعرض عليها خدماته في إيصالها إلى بيتها الريفي بسيارته في الوقت الذي تحبه، إلا أنها تعاقب مارك في ابنته بسبب رفضه إرسال الكعك، وتمنحها درجات أكثر تدنيا مُبررة ذلك بقولها للفتاة- بطلة الجمباز- ربما تدريباتك تسبب لك إلهاء؛ مما يضر بأدائك في المدرسة! ورغم أنها تعد مارك بإعادة اختبار ابنته من أجل رفع درجاتها، لكنها في وقت الاختبار ترفض اختبار الفتاة قائلة لها: لا أستطيع الاستمرار في اختبارك دانكا، كانت لديك فرصة وقد أهدرتيها، لتقول لها الفتاة: لكنني مُستعدة، درست مع والدي وقال: بأنك ترغبين في اختباري، فترد ماريا: هل فعل؟ أنا آسفة، ولكن، كان عليك الاستعداد في وقت أبكر! أي أن ماريا قد بات لها السلطة في مُعاقبة الآباء والأبناء الذين لا ينصاعون لرغباتها، ومُكافأة من يؤدون لها الخدمات التي تطلبها من دون مُقابل.


لا يتوقف اضطهاد ماريا لدانكا عند هذا الحد فقط، بل تلجأ إلى السخرية منها واتهامها بالغباء أمام زملائها في الفصل الدراسي؛ الأمر الذي يجعل الفتاة تشعر بالكثير من الاكتئاب وعدم الرغبة في الذهاب إلى مدرستها، بل وتحاول الانتحار أيضا مُستخدمة الغاز المنزلي من أجل إنهاء حياتها بعدما قالت لها ماريا أمام الطلاب الآخرين: ليس كل واحد يمكنه الحصول على أعلى درجة، بعض الناس مُتعلمين جيدين، والآخرين لديهم مهارات أخرى كلاعبي الجمباز، لكن في الرياضة في بعض الأحيان نخسر ولا ينبغي علينا لوم الآخرين على ذلك، أنت لست شخصا للدراسة، لديك موهبة للرياضة مثل فيليب هنا، كل ما أعرفه أنه يمكنك أن تكوني بطلة العالم يوما ما، لكن درجات اختبار الذكاء الخاصة بك هي إلى حد بعيد الأسوأ في هذا الصف؛ لذلك أي نوع من الدراسات المُتقدمة هي على الأرجح بعيدة عن مدى فهمك.

تتأثر دانكا بحديث ماريا لها أمام الطلاب، واتهامها بالغباء؛ الأمر الذي يجعل بعض زملائها ينعتونها بالغباء، ورغم أن دانكا من الطالبات المُتميزات دراسيا، إلا أن المُدرسة تُصرّ على منحها أدنى الدرجات، والسخرية منها بسبب رفض ولدها الانصياع لرغبة ماريا وتهريب الكعك إلى روسيا.


لا يتوقف الأمر في ابتزاز الطلاب وأولياء أمورهم على دانكا فقط، بل يتعدى الأمر للجميع ممن لا ينصاعون لأهواء ورغبات المُدرسة؛ لذلك تبدأ في اضطهاد فيليب- أحد الطلاب الذين يتميزون بإجادتهم لرياضة المُصارعة اعتمادا على أبيه الذي كان بطلا وطنيا سابقا في المُصارعة الحرة- بل وتحرص على تعطيل فيليب عن تمارينه الرياضية بإرغامه هو وغيره من الطلاب على الذهاب إلى منزلها بعد انتهاء اليوم الدراسي من أجل العمل فيه كخدم لها، فيقومون بالتنظيف والمسح والكنس وترتيب البيت لها!

حينما يلاحظ بيندر/ أبو فيليب- قام بدوره الممثل التشيكي Martin Havelka مارتن هافيلكا- تغيب ابنه عن التمرين وإهماله له يتعامل معه بالعنف في بداية الأمر، ويقوم بضربه بسبب تهاونه في التمرين، لكن مع استمرار إهمال فيليب لتمرينه يجلس إلى ابنه ليسأله: المدرسة تنتهي في الواحدة، والتدريب يبدأ في الثالثة، إنها عشرين دقيقة سيرا على الأقدام، ماذا تفعل في هاتين الساعتين؟ فيرد عليه الابن: لا فكرة لديك عما يحدث، كل من يتملق ماريا فهو على ما يرام، ومن لا يفعل ذلك تضايقه.


يعرف بيندر من ابنه أن ماريا ترغم جميع الطلاب على الذهاب إلى بيتها بعد الدراسة من أجل خدمتها، وهو الأمر الذي يجعله في حالة من الغضب الشديد، كما يعرف بيندر من زوجته أن ماريا تريده أن يصلح لها غسالتها: المُدرسة اتصلت بشأن آلة الغسيل، تريد إصلاحها؛ فيرد عليها بيندر: لا أعمل بالمجان، لكن الزوجة تقول له: هذا ليس بالمجان كما ترى، أي أن بيندر حينما يصلح الغسالة للمُدرسة من دون مُقابل لا يجب عليه اعتبار هذا العمل بالمجان؛ لأنه من أجل اهتمامها بابنيهما ومنحها له درجات عالية بدلا من الدرجات المُتدنية التي ستمنحها له إذا ما رفض فعل ما تطلبه منه.

يحاول بيندر التأكد مما أخبره به ابنه؛ فيسأل دانكا في صالة التمرين: دانكا، أنت وفيليب تزورون المُدرسة، ماذا تفعلون؟ فتقول دانكا: ننظف، وننشر الثياب، ونضرب السجاد. هنا تخبره أم دانكا: كلهم يفعلون ذلك؛ ليرفعوا درجاتهم، فيسأل بيندر: متى؟ لتقول دانكا: بعد المدرسة، مما يجعله يقول بغضب: بدلا من التدريب، ما الذي تظنه؟ بأنها رب إقطاعي؟!


يتجه بيندر غاضبا إلى منزل ماريا التي تظنه قد ذهب إليها من أجل الانصياع لرغبتها وإصلاح غسالتها، لكنه يقول لها غاضبا: لأكون واضحا، ابني لن يغسل أطباقك، أو ينظف فرشك؛ فترد بهدوء: لا أحد يجبره على ذلك، وأعتقد أنك تعلم بشأن هذا، لكنه يقول: ابني لا يحسن مستواه في شقتك، هل نحن واضحين بشأن ذلك؟ فتقول: ولكن أطفالي يحبون ذلك، يحبون المجيء إلى هنا؛ فتزداد فورة غضبه: هم ليسوا أطفالك، أنت لست والدتهم لإبقائهم مشغولين في منزلك، وظيفتك هي تعليمهم في المدرسة.

تُهدد ماريا بيندر وتؤكد له أنه سيندم على ما قاله، وبالفعل تزداد وتيرة اضطهادها لابنه؛ فيحاول بيندر نقله من المدرسة إلى مدرسة أخرى؛ لأن الجميع يخشاها، ولا يمكن لأحد أن يشكوها بما أن مديرة المدرسة نفسها تخشى مواجهتها لأنها رئيسة الحزب الشيوعي وتمتلك الكثير من العلاقات التي كان يمتلكها زوجها الضابط المتوفي.

المُخرج التشيكي جان هريبجيك

يصل إلى المدرسة طالب جديد بارع في فن الرسم وهو كارول- قام بدروه الممثل السلوفاكي Richard Labuda ريتشارد لابودا- الذي يتميز بالكثير من الهدوء والحساسية المُفرطة في التعامل مع الآخرين، لكنها حينما تحاول تقديمه لزملائه في الفصل تفعل ذلك بقسوة شديدة وفجاجة حينما تخبرهم بأنه معهم في الفصل؛ لأن أمه قد خانته وخانت أبيه بهروبها من سلوفاكيا إلى دولة أخرى. نعرف أن والد كارول/ ليتمان- قام بدوره الممثل السلوفاكي Peter Bebjak بيتر ببجاك- كان بروفيسور الفيزياء الفلكية سابقا، ولأن زوجته- المُتميزة في مجال الفيزياء، مما جعلها في عمر الثلاثين ترأس الجميع لدرجة أنها كانت برتبة لواء، بينما كان هو برتبة جندي مشاه- قد تركت سلوفاكيا من أجل مُستقبلها المهني؛ فلقد اعتبرت السلطات الشيوعية مغادرتها للبلد بمثابة الخيانة الوطنية؛ الأمر الذي جعلهم يحرمون ليتمان/ الزوج من وظيفته، وتجريده من رتبته، بل ووضعه تحت المُراقبة الدائمة؛ مما جعله يضطر للعمل كعامل لتنظيف الواجهات الزجاجية.

تحرص ماريا على الاهتمام المُبالغ فيه بكارول، ليس بسبب تميزه وتفوقه، بل لأنها تشعر بالإعجاب الشديد بأبيه، وتحاول التقرب منه؛ الأمر الذي يجعلها تساعده في العديد من الأمور كأن تُعيد إليه الاتصالات التليفونية، ومحاولة منع المُراقبات من عليه رغم عدم انسياق ليتمان لها، والشعور بالكثير من الاشمئزاز منها.

المُمثلة السلوفاكية سوزانا موريري

يُضبط الطلاب ذات مرة محاولين اقتسام الكثير من أوراق العملة الأجنبية في الوقت الذي كان فيه كارول منعزلا بعيدا عنهم مع لوحاته التي يقوم برسمها؛ فيدخل المُراقب طالبا منهم إفراغ جيوبهم جميعا على المنضدة، ورغم أن كارول كان مُنعزلا بعيدا عنهم، إلا أنه يطلب منه أن يفعل مثلهم فلا يخرج من جيبه سوى مُسدسا صغيرا يخص أبيه. تصل ماريا وتعرف أن المُسدس يخص كارول، وحينما تسأله عن الأوراق النقدية يؤكد لها أنها لا تخصه، لكنها تطلب لقاء أبيه، وتخبره بأن الأوراق النقدية بالكامل كانت تخص كارول، وتُلمح له بأنها ظنت أن زوجته قد أرسلت له الأموال، وهو الأمر الذي من المُمكن أن يجعله نزيلا في السجون الشيوعية. يؤكد ليتمان أن المُسدس يخصه، لكن الأموال لا يعرف عنها شيئا، ويستشعر منها أنها تحاول توريطه من أجل الضغط عليه في الدخول معها في علاقة عاطفية؛ لذلك حينما تخبره بأنه من المُمكن أن يعتمد عليها ويتصل بها في أي وقت، يخبرها بأن هاتفه مُراقب؛ فتقول له بثقة: سأكتب تقريرا بأنك ترعى ابنك بشكل رائع، وأنك تتأكد من نشاطه في مُنظمة الشباب، وسأرسله للأماكن المُناسبة، أعرف أناسا، شيء واحد واضح، يجب أن توضح موقفك، يجب أن تتقدم بطلب للطلاق. أي أنها تسعى بكل الوسائل لأن يُطلق زوجته من أجل الاستحواذ عليه، وتزين له الفكرة باعتبار أن طلبه للطلاق هو دليل على براءته وعدم تورطه مع زوجته في أي شيء. كما تعمل على إغرائه بقولها: ماذا عن شغل وظيفة مُستشار في مدرستنا؟ سأتحدث إلى المديرة، إنها مدينة لي، والوظيفة من ضمن امتيازاتها امتلاك شقة.

المُمثل التشيكي أندريه مالي

يحاول ليتمان تجنب الاصطدام مع ماريا، كما يحرص على عدم الانسياق لما ترغبه في ذات الوقت راغبا في الابتعاد عن الكثير من المُشكلات. لكن التجاوزات الكبيرة والكثيرة التي اعتادت عليها ماريا، وتعاملها مع الطلاب وآبائهم باعتبارهم مجرد عبيد لها يحق لها معاقبتهم، أو الرضى عنهم وقتما شاءت؛ كل ذلك جعل العديد من الآباء يضجون ويحاولون نقل أولادهم إلى مدارس أخرى؛ الأمر الذي جعل مديرة المدرسة تعقد اجتماع الآباء سرا، من دون معرفة ماريا؛ من أجل دفع أولياء الأمور إلى التوقيع على شكوى جماعية ضدها بشأن تجاوزاتها؛ مما قد يمنعها من التدريس بسبب إساءة استخدام السلطة وابتزاز الجميع. لكننا على طول مشاهد الفيلم نلاحظ مدا وجزرا في رغبات الآباء، ومُناقشاتهم الحادة بشأن ماريا، فبينما يرغب بعض الآباء المُتضررين ضررا بالغا هم وأبنائهم في التوقيع على الشكوى، ويبدأون في رواية ما حدث معهم ومع أبنائهم، هناك على الجانب الآخر أولياء أمور آخرين يرفضون التوقيع على الشكوى، بل ويحاولون منع المُتضررين من فعل ذلك؛ نتيجة لأنهم مُستفيدون أيما استفادة لوجود ماريا التي قدموا لها العديد من الخدمات التي طلبتها، وفي المُقابل رفعت من درجات أولادهم إلى أعلى مستوى!

ينتهي الاجتماع، بعد العديد من المُشاحنات، على عدم التوقيع، حيث تنتصر إرادة أولياء الأمور غير المُتضررين، أو المُنتفعين من وجود ماريا ويخشون نفوذها، لكنهم بعد مُغادرتهم جميعا يعودون مُنفردين واحدا تلو الآخر إلى المديرة من أجل التوقيع على الشكوى، أي أن امتناع الآخرين عن التوقيع كان مجرد خشية منهم في ألا يفلح الأمر، ومن ثم تعلم ماريا بشأن التوقيع؛ الأمر الذي قد يجعلها تنتقم منهم ومن أبنائهم!

المُمثل التشيكي مارتن هافيلكا

يتم منع ماريا عن الاستمرار في التعليم بعد هذه الشكوى، لكن المُخرج يفاجئنا أنها تعود مرة أخرى بعد عدة سنوات للتدريس، لنراها تدخل الفصل الدرسي وتمارس ما كانت تمارسه من قبل حينما تبدأ بالتعرف على الطلاب وتسأل كل منهم عن عمل آبائهم! ليكتب المُخرج على الشاشة: فيليب أصبح فني سيارات بعد إصابة أنهت مسيرته الرياضية، وظل مُخلصا للمُصارعة كمُدرب. وبمساعدة الصليب الأحمر التقى كارول بأمه في الخارج، وتخرج لاحقا في أكاديمية الفن في استكهولم، واجتمع بأبيه بعد سبع سنوات. ودانكا درست الطب وباتت طبيبة مُعترفا بها.

من خلال فيلم يتميز بالكثير من الفنية يقدم لنا المُخرج التشيكي جان هريبجيك فيلمه "المُدرسة" المأخوذ عن قصة حقيقية حدثت في سلوفاكيا، لكن رغم واقعية القصة إلا أنه لم يكن في حاجة ماسة إلى كتابة مصائر الأطفال على الشاشة في نهاية الفيلم، لا سيما أن الفيلم يتميز بالكثير من الحيوية والإتقان بسبب المُونتاج المتوازي الذكي الذي لجأ إليه المخرج؛ مما جعل المُشاهد في حالة مراوحة بين اجتماع أولياء الأمور المُختلفين مع بعضهم البعض، وبين الأحداث التي يروونها عن أبنائهم ومُدرستهم، مما أكسب الفيلم الكثير من الجاذبية التي جعلت المُشاهدين يتمسكون بمقاعدهم وينتبهون إلى أحداث الفيلم بشكل كلي، لكن، لا يمكن إغفال أن الموسيقى التصويرية التي ألفها الموسيقي السلوفاكيMichal Novinski  ميخال نوفينسكي كانت بدورها من أهم الوسائل الفنية التي ساهمت في نجاح الفيلم وتأكيد أهميته وفنيته، وهي الموسيقى التي لم تبرح الذهن ببساطة حتى بعد انتهاء مدة عرضه.

 

محمود الغيطاني

مجلة الشارقة الثقافية

عدد أكتوبر 2023م

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق