المسرحي والقاص والروائي
الأردني مفلح العدوان مبدع قادر على الكتابة في أكثر من حقل إبداعي ومع هذا التعدد
نستطيع أن نطلق عليه لقب "حاصد الجوائز"، تميز العدوان كثيرا في كتابة
المسرح والقصة القصيرة حيث أصدر ما يزيد على سبع مجموعات قصصية، والعديد من
المسرحيات، ورواية واحدة، كما أنه يعمل منذ عشر سنوات على مشروع مهم يهتم بالقرية
الأردنية وعاداتها وتاريخها، أصدر منه عدة مجلدات. حصد العدوان العديد من الجوائز
منها جائزة "محمود تيمور" للقصة القصيرة على مستوى مصر والوطن العربي من
المجلس الأعلى للثقافة في مصر- المرتبة الأولى- عن مجموعته القصصية "الرحى"
1995م، وجائزة الشارقة للإبداع في مجال المسرح -المرتبة الثالثة- 2001م، وجائزة اليونسكو
للكتابة الإبداعية – فرنسا- 2001م، كما فاز
النص المسرحي تغريبة ابن سيرين/ مونودراما ضمن العشرة نصوص الأولى في مسابقة المونودراما
الدولية/ الفجيرة، وغيرها من الجوائز، هنا يتحدث العدوان عن رحلته الإبداعية
ورؤيته للمشهد الثقافي العربي والأردني.
حاوره: محمود الغيطاني
-
كتبت الكثير من الأعمال القصصية والمسرحية، في حين أنك
لم تكتب سوى رواية واحدة هي "العتبات"، هل أخذك المسرح والقصة من
الرواية في حين أنها الفن الأكثر انتشارا؟
أنا أراوح في كتابتي بين
القصة والمسرح، وقد جاءت روايتي "العتبات" بشكل مبرر؛ فأنا لدي مشروع
كتابي عن القرى، وهو المشروع الذي استمر حوالي عشر سنوات وهنا جاءت هذه الرواية
كموازي إبداعي لمشروع الكتابة حول القرى والأماكن والتغير الاجتماعي الذي حدث في
الأردن بشكل عام ولكن من خلال نموذج قرية من القرى، أما القصة والمسرح عندي فأنا
أعتقد أنهما بيتي الدافئ الذي أحس معه بالألفة، وأعتقد أن كتابة الرواية بحاجة إلى
خبرة وتهيئة لها، وعند كتابتها أكون بحاجة إلى فكرة وظروف وموضوع وتشعبات خاصة
بها.
-
حصلت على عدة جوائز عربية وعالمية سواء في القصة القصيرة
أو المسرح، ماذا تمثل الجوائز بالنسبة لك؟
الجوائز بالنسبة للمبدع
العربي أعتقد أنها بقدر ما هي مكافأة في الإطار الإبداعي وتقدير له، بقدر ما هي
مسؤولية أولا من قبل المبدع باتجاه إبداعه، ومسؤولية باتجاه المؤسسات في أن تفرز
المبدع الحقيقي لهذه الجوائز، فإذا توافرت هذه الأطراف لابد أن يكون المنتج
النهائي لهذه الجوائز هي إبراز المبدع الحقيقي والمختلف، وهنا يكون الحكم على
الحالة الإبداعية بوجه عام وليس المبدع فقط.
-
كيف ترى الجوائز بالنسبة لك، هل هي قيمة معنوية بمعنى
أنها تصنع كاتبا، أم انها مجرد جائزة مالية؟
الجائزة لا يمكن لها أن
تصنع كاتبا، الكاتب هو من يستحق الجائزة وهو من يضفي القيمة على الجائزة التي يحصل
عليها، وفي النهاية يجب أن يكون هناك كاتبا مختلفا متميزا من أجل أن يحصل على
الجائزة، وأعتقد أن الكاتب الذي يحصل على الجائزة عليه ألا يتوقف أمام قيمتها
المادية ولا حتى قيمتها المعنوية، ولكن عليه أن يتوقف أمام المسؤولية التي يتحملها
باتجاه الكتابة، وباتجاه أنه سيصبح نموذجا بالنسبة للكتاب والقراء.
-
بعض الجوائز تكاد تكون بمثابة الصدمة بالنسبة لمن يحصل
عليها، بمعنى أنه بمجرد حصوله على الجائزة يتوقف تماما عن الإبداع ولا نرى له
أعمالا جديدة.
قد يكون طموحه فقط هو
الجائزة، ومن ثم فالإبداع لديه ليس هو الهاجس الحقيقي بالنسبة له، وهنا يكون توقفه
عند الجائزة هو نسيانه للجائزة الحقيقية التي هي قيمة الإبداع وحضوره في هذا
الإبداع وإعطاؤه الأفضل كي يكون هو بحد ذاته محفزا لجوائز أخرى.
-
مع كثرة الجوائز في الوطن العربي ووجود جوائز عظمى مثل
"كتارا"، "والبوكر" وغيرها من الجوائز التي تهتم بفن الرواية،
هل ترى أن هناك بعض الجوائز التي تُكرس للون معين من ألوان الرواية؟
أصبحت القيمة المادية
الكبيرة هي سمة هذه الجوائز الآن، كما أن
الاشتغال عليها بشكل إعلامي واسع يعطيها أهمية كبيرة، كذلك دخول عنصر الترجمة إلى
هذه الجوائز وتحويلها إلى أعمال سينمائية، ربما حقوق التصرف فيما بعد الجائزة هو
الذي أعطى هذه المؤسسات الدافع لأن تفرز نوعا خاصا من الرواية، بمعنى أنه إذا كان
أحد العناصر الأساسية لما بعد الفوز بالجائزة أن يتحول الكتاب إلى فيلم سينمائي؛
فبالتأكيد سيكون هناك أولوية للأعمال الروائية التي تخدم هذه النتيجة، وبالنسبة
للترجمة أيضا هناك الآخر الذي يريد أن يتلقى هذا الكتاب، وهو لديه سقف معين أو أسس
معينة وبالتالي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ستكون لجان التحكيم أو القائمين على
الجائزة واضعين هذا الأمر بعين الاعتبار، ومن ثم تكون هناك روايات معينة لخدمة هذه
المصالح.
-
مع وصول العديد من الروايات
الضعيفة فنيا إلى القوائم القصيرة في بعض الجوائز، وفوز البعض الآخر، ما هو الدور
الذي تقدمه الجوائز إذا كانت تتخير الأعمال الضعيفة؟
إذا
أردت أن تحكم على الجوائز العربية عليك أن تفرز بين نوعين من الجوائز، فما قبل عام
2000م كان هناك لونا من ألوان الجوائز الكلاسيكية، ثم جاءت جوائز أخرى لاحقة، وحتى
لا نظلم كل الروايات التي فازت فباعتقادي أن هناك عدد محدد ومقنن من الجوائز
القديمة وكانت تفرز روايات حقيقية وكتابا حقيقيين؛ لأنه كان هناك لجان تحكيم تضم
أسماء حقيقية تستطيع أن تشتغل على النص الأدبي، أما الجوائز الآن فربما تكون هناك
أسس أخرى تحكمها مسبقا لإعادة إنتاج هذه الروايات وبالتالي يكون هناك مسار محدد
باتجاه روايات معينة هي في حقيقتها في عرف الرواية والعمل الأدبي مجرد أعمال ضعيفة
لكن بالنسبة لخدمة مصلحة القائمين على هذه الجوائز والعمل عليها بعد الجائزة
كتحويلها إلى عمل سينمائي فهذه الروايات الضعيفة تخدم هذه الجوائز.
-
انشغلت منذ عام 2005م بكتابة
مشروع القرية الأردنية "بوح القرى" الذي أنجزت منه المجلدين الأول
والثاني، أين هي كتابتك الإبداعية من ذلك؟
المشروع
بحد ذاته لم أكتبه كتابة توثيقية، فأسلوبية الكتابة كانت كتابة إبداعية، أي أنها
في شكل قصة لكنها تتحدث عن المكان، فإذا اجتزأت كل نص من هذه النصوص من الممكن أن
يكون له عنوان قصة، وبالتالي أنا لا أعتمد فقط على الأرقام أو أعتمد على المعلومة
أو الأسطورة ولكن هناك مزج بين كل هذه المعطيات للخروج بحكاية أو قصة هذا المكان،
والحديث هنا حول ثلاثمائة قصة لثلاثمائة قرية كانوا موجودين في الأردن، وكل واحدة
لها قصة وعنوان وأداء مختلف عن غيرها، ولكن لأنها تحت مظلة اسم موسوعة القرية
الأردنية قدمتها بهذا الشكل، وإن كانت القصة التي أقدمها للمكان في داخلها مسوغ
إبداعي للكتابة، وهناك المعلومة المفيدة والكاملة كما أني ألحقت بها بعض البيانات
التي قد تكون هامشا بالنسبة لهذه القصة.
-
العديد من الروائيين تأثروا
بالمكان واستطاعوا تحويل هذا التأثر إلى أعمال أدبية مازالت تحيا في وجداننا
الثقافي، وربما كان من أهم الروائيين الذين فعلوا ذلك الروائي المصري صبري موسى في
روايته "فساد الأمكنة" التي تأثر فيها كثيرا بالصحراء وحولها إلى تجربة
إبداعية مهمة، كيف ترك المكان أثره على أعمالك الإبداعية؟
ما
قبل مشروعي في الموسوعة والعمل فيه كنت أحفر أولا في المكان من خلال الأسطورة،
والبحث في التراث والفلكلور من خلال تعلقي بالنقوش والفسيفساء والرحلة في داخل
المكان ومحيطه، وعندما بدأت في مشروع الموسوعة وبات هناك اندماج بالمكان كان هناك
لهالات المكان حضورا في كتابتي القصصية والمسرحية والرواية، حينما يكون هناك
مجموعة قصصية تتحدث كلها حول المنجم مثلا حيث عملت في جنوب الأردن في مناجم
الفوسفات وكان هناك أجواء الصحراء والعمال حيث الإنسان والمكان مندمجين معا، حتى
مجموعتي "موت عزرائيل" كان هناك التأثر بالمكان والصحراء، لكن بعد
بدايتي في مشروع موسوعة القرية وجدت أن هناك بالفعل تغيرا اجتماعيا حقيقيا حدث في
الأردن بشكل عام، ورأيت أني أستطيع أن أقدمه من خلال هذا المشروع الذي يتحدث من
خلال أربع بنى اجتماعية وأزمنة مختلفة كلها تتعايش في مكان واحد، فهناك زمن أسطوري
وزمن واقعي، كما أن الزمان منقسم، فالعتبات مثلا ليس مجرد عنوان بمعنى أنه عتبة
البيت فقط، فهناك عتبة الخيمة، والبيت المبني من الحجر، والبيت الحديث المبني من
البلور والقرميد، كل هذا يمثل عقليات وعناوين مختلفة لتعبر عن التغير الاجتماعي
الحادث في الأردن.
-
"زرت 80 قرية أردنية
لأستطيع كتابة الرواية"، هذا ما قلته عن روايتك الوحيدة "العتبات"،
هل كنت في حاجة فعلية إلى هذا التنقل على مدار تسع سنوات من أجل كتابة رواية
واحدة؟
لم
يكن التنقل بقصدية كتابة الرواية؛ فالتنقل كان مشروعا منفصلا له علاقة بحيثيات
وتفاصيل كتابة مشروعي، وجاءت كتابة الرواية لاحقا، ولقد فكرت في هذا بعد ثلاث
سنوات من بداية المشروع، بعد هذه الزيارات فكرت أنه يجب أن يكون هناك فرزا إبداعيا
أو شكلا إبداعيا آخر كي يكون القالب للوعي والمعرفة بهذه البنى الاجتماعية لهذه
القرى؛ لذلك جاء التفكير في الرواية لاحقا، فلم يكن في ذهني عند بداية هذا
المشروع، فأنا لم أزر كل هذه القرى من أجل كتابة الرواية، كما أن الشكل الأنسب
للفكرة هو شكل الرواية، أما القصة فأعتقد أنها تسربت إلى كتابة حكاية كل قرية بحد
ذاتها، لكن كان هناك حراك جماعي ونموذج جماعي لتلك القرى لابد من نشره بشكل أكثر
تعقيدا وأكثر تنوعا ومن هنا كانت الرواية، وبالتالي لم تكن هناك قصدية لهذه الزيارات
من أجل كتابة الرواية فقط.
-
كيف ترى المشهد الروائي في
المنطقة العربية الآن؟
باعتقادي
أن الحراك العربي الكامل أفرز موضوعات جديدة للكتابة الروائية وجيلا جديدا أيضا من
الروائيين، لكني أعتقد أن هناك قطيعة في مسح هذا المشهد كاملا للحكم عليه، فنحن
الآن نحكم على هذا المشهد من خلال الجوائز وما تفرزه هذه الجوائز من أسماء، فإذا
لم نكن مع هذه الجوائز نقول أن المشهد سيء ولا يستحق الذكر، وهناك جانب آخر من
الناس الذين يعتقدون بجدوى هذه الجوائز يقولون: إن هناك العديد من الروائيين
المهمين، ولكن في أي زمن وفي أي فترة هناك الغث وهناك الثمين، هناك الجيد وهناك
الأجود، والأفضل، أنا باعتقادي أنه يوجد الآن كل هذا التنوع، فهناك رداءة في جانب
معين، وهناك بروز في جوانب أخرى.
-
وماذا عن الأردن؟
الأردن
ليست خارج هذا السياق، فهناك كم من الكتاب الروائيين لكن العلامات الفارقة معدودة
ومحددة ويمكن بنظرة سريعة إلى المشهد أن نقول: هذا روائي بارز أو نتوء عن الحالة
الروائية الموجودة أو لا.
-
أين الأدب الأردني في المشهد
الروائي العربي بعد غالب هلسا؟
الأردن
لا ينقطع عن المشهد العربي بالنسبة للسياقات الإبداعية، أما غالب هلسا فهو يمثل
المرحلة الثانية من كتاب الرواية بالنسبة للأردن؛ فقبل هلسا كان هناك تيسير سبول
وهو نقطة مفصلية في الكتابة الروائية الأردنية هو وجيله، ثم يأتي غالب هلسا الذي
كانت إقامته وتنقله مختلفة حيث أن جزء من أعماله الروائية وكتابته وحضوره في مصر
وجزء آخر في دمشق، وثالث في العراق وهذه السياقات جعلت من غالب هلسا أردني المولد
والهوية ولكن حضوره الإبداعي هو حضور عربي ومزيج من كل هذه العواصم التي كان
موجودا فيها، أما بعد هلسا فهناك مؤنس الرزاز ومعه مجموعة من الكتاب لهم حضورهم
ومازالوا، وأعتقد أنه ربما الحديث حول الحضور الأردني بات بطريقة مختلفة؛ فالتوزيع
من الممكن أن يصل إلى كل العواصم العربية، ووسائل الاتصال الحديثة كلها تستطيع أن تخدم
وتوصل الأدب، فالإشكالية القديمة هي صعوبة وصول الأدب إلى المتلقي في العديد من
العواصم أما الآن فالأمر مختلف.
-
كل هذا الشغف بالمكان يكاد يكون
قد أخذك من مشروعك الإبداعي فهل يستحق المكان كل هذا الشغف كبديل للإبداع؟
المكان
هو جزء من هذا الإبداع، فهو ليس منفصلا عنه، ومشروعي الإبداعي ليس المكان فقط،
صحيح أن المكان جزء منه، لكن الجزء الأكبر منه تلك المتعة المنبعثة من هذا المكان
من أساطير وفلكلور ودين، لأن ثنائية الإنسان والمكان موجودة وإذا أردت أن تشتغل
على الإبداع لا تستطيع أن تفصل الاثنين عن بعضهما، ولذلك فكتابتي المكانية في
مشروع القرى أفرز لي الكثير من المشاريع الكتابية على صعيد المسرح والقصة والرواية،
لكن عند حضور المشروع الإبداعي فنحن نتحدث عن جميع العناصر الإبداعية الحاضرة
والمكان هو جزء منها.
-
كنت رئيسا لاتحاد كتاب الإنترنت
العرب لفترة طويلة، هل ترى أن اتحاد لكتاب الإنترنت قد يكون أمرا فاعلا في الحياة
الثقافية العربية؟
كان
الأمر مجرد مغامرة وفكرة، ومنبع المغامرة أنه جاء في فترة كان فيها الإنترنت جديدا
بالنسبة لنا كمجتمع عربي، فلقد كان تأسيس الاتحاد عام 2005م وكان هناك انبهارا
بهذه الوسائط الحديثة، ومن ثم كان هناك اجتماعا لمجموعة معينة من الكتاب حيث
التقينا في معرض القاهرة للكتاب في هذا التوقيت، وكان هناك إجماع على تأسيس هذه
المؤسسة حول ثقافة الإنترنت وكيفية تأثيرها على الكتابة ومدى تأثرها أيضا
بالكتابة، وهل الإنترنت هو حامل للكتابة بمعنى أنه بديل للكتابة الورقية أم أنه
مجرد زوبعة مؤقتة وسوف تمضي، وكان لدينا في الاتحاد أكثر من وجهة نظر، فلقد كان
هناك المتطرفون للثقافة الرقمية، وهناك من يرى أنها مجرد حالة جديدة قد نتأثر بها
أو لا نتأثر، لكن الأساس كان التدقيق في هذا المجال ومحاولة التنظير له كلون من
ألوان التنظير من أجل كتابة جديدة هي كتابة رقمية بمواصفات مختلفة، بأن يكون هناك
كاتبا رقميا وناقدا رقميا ومتلقي أيضا، وهذا المتلقي لابد أن يكون معه أدواته
الخاصة كي يستطيع التفاعل مع هذا اللون من الكتابة.
-
ماذا يعني الأدب الرقمي وهل من
الممكن أن يكون بديلا عن الأدب المطبوع؟
كان
هناك وجهات نظر في هذا الأمر، فالكتابة الرقمية في حاجة إلى تقنيات مختلفة لأنها
تحكي حول الكتابة التشعبية، أي موقع ما يؤدي إلى آخر وهكذا، فالكاتب هنا يجب أن
يكون مثقفا ليس فقط في إطار الكتابة ولكن في إطار التقنية الرقمية أيضا، فالكلمة
هنا لا تتعدى 20% من تقنيات الكتابة؛ لأن هناك العديد من المؤثرات الأخرى وهي مؤثرات
إليكترونية؛ لهذا لم أكن متحمسا لهذا النمط من الكتابة لكني كنت من المشجعين لأن
يكون لدينا الوعي والمعرفة والاطلاع عليها، وهو لون من الكتابة الموجود عالميا رغم
أنه ليس جماهيرا، وفي العالم العربي لدينا نماذجا محددة لكنه لم تزل في البدايات،
كما أن الأدب الرقمي والرواية الرقمية صعبة على القارئ الذي لا يستطيع الاستمرار
في خط واحد في قراءتها.
-
كتبت دراسة عما أطلقت عليه
برواية "الواقعية الرقمية"، ماذا يعني هذا الاصطلاح؟
هي
ليست دراسة، هي مجرد قراءة لكتاب حول هذا الموضوع كتبه الروائي محمد سناجلة من
الأردن وكان رئيس اتحاد الكتاب، ولقد كتب هذه الرواية في إطار تحمسه لهذا الشكل من
أشكال الكتابة الرقمية، ولقد كتب ثلاث روايات رقمية، وهو ينظّر في هذا الكتاب
للرواية الرقمية كما ينظّر للنظرية الواقعية الرقمية، مثلما نتحدث عن الواقعية
السحرية مثلا، فالعالم من حولك فيه الكثير من المؤثرات الرقمية والواقع هو جزء من
هذه الرقمنة؛ لهذا فلقد نظر للرواية التي تعبر عن هذا الواقع الذي يأتينا من خلال
شبكة الكمبيوتر ومن خلال "السمارت فون"، وغيرها من التقنيات الرقمية.
-
في ظل الحالات التكفيرية التي
تحيط بالأردن الآن وتصاعد المد الديني بشكل متطرف، كيف أثر هذا الأمر على الثقافة
الأردنية وحالة الحريات التعبيرية؟
هذا
الأمر جعل من الحرية قيمة عليا من أجل المحافظة عليها، فالأردن من جميع جهاتها
هناك قوى تكفيرية فنحن نتحدث عن داعش والنصرة والكيان الصهيوني وهو أيضا كيان
متطرف، ومن ثم فكل هذه الكيانات لها سياقات مختلفة في هذا التطرف؛ ولهذا كان
المحافظة على الوعي والصوت العالي بالنسبة للتعبير في إطار هذا المحيط مطلبا
حقيقيا في الأردن وإن كان في الميزان أصبح الحفاظ على سقف من الحرية وسقف من الأمن
والاستقرار مطلبا حقيقيا؛ لأنه في النهاية حتى المتطرفين أو السلفيين أو البؤر
التي لها علاقة بالظلاميين في الخارج يريدون التعبير عن أنفسهم ولكن بطريقتهم، فهل
الحرية تعني السماح لهم بأن يكون لهم امتداد لمن هم في الخارج من المتطرفين، أم
لابد من التعامل مع الصيغة الأخرى وهي الصيغة الأمنية والحفاظ على أمن وحرية الجزء
الأكبر من هذا المجتمع؟
-
أين الثقافة السينمائية في
المشهد الثقافي الأردني؟
السينما
حاضرة في الأردن كسينما، أي أن دور العرض موجودة فيه من فترة متقدمة من القرن
الماضي، وكان لها حضورا قويا، حتى أن السينما الجوالة موجودة في الأردن في فترة ما
قبل الخمسين والأربعين، حتى في القرى أيضا في الخمسينيات والستينيات كان فيها دور
عرض سينمائية، لكن هذا الحضور السينمائي لم ينعكس على صناعة السينما في الأردن،
يمكن في الفترة الأخيرة توجد بعض المحاولات من أجل تقديم أو الاشتغال على منتج
سينمائي في الأردن، وهذا الأمر كان بعد تشكيل "الهيئة الملكية للسينما"،
وهناك تجارب أفلام لكنها جميعا بشكل فردي ولكن الوعي السينمائي والحضور السينمائي
في الثقافة الأردنية موجود، أما الحديث عن صناعة السينما فهو مازال غائبا.
-
كيف ترى ثورات الربيع العربي؟
بعد
مرور خمس سنوات من الربيع العربي نستطيع أن نحكم حول النتائج، وهنا نستطيع القول
أنه لا توجد أي منتجات مضيئة أو إيجابية لكثير من هذه الثورات، لذا فنحن نتحدث حول
ثورات كانت البداية لها معلقة بالكثير من الأحلام لكننا اكتشفنا أن من صعدوا أو تسلقوا
هذه الموجات هم الذين يفرضون شروطهم ويحققون حضورهم الآن، نحن بدأنا بالعسكر وها
نحن ننتهي مرة أخرى إلى العسكر، كان هناك المتطرفين وها نحن ندور دورتنا ونرجع إلى
ذات السياق، قبل الربيع العربي كان لدينا 22 دولة عربية أما بعد الربيع العربي
فنحن مهيؤون لأن يكون لدينا دولا عربية منشطرة انشطارات قد تصل إلى ثلاثين دولة،
وهذا هو إفراز ما بعد الربيع العربي، الفكرة كانت نبيلة ولكن منتج هذه الفكرة وما
حدث يضع علامة استفهام كبيرة عليها؛ فبعض الأنظمة عملت على تكرار الماضي وأعادت
إنتاج نفسها، وبعض الأنظمة أُريد لها أن يكون البديل هو الأسوأ، وأنت الآن بين
خيارين- فالخيار الثالث ليس هو الديمقراطية أو الحرية- أنت بين خيارين إما العسكر
أو التطرف.
-
مع اهتمامك الكبير بالمسرح هل
ترى أن هناك أي تأثير في الوقت الراهن للفن المسرحي؟
أظن
أن الرهان الحقيقي الآن ليس على الفن المسرحي فقط لكن على الإبداع بشكل عام خاصة
الإبداع التفاعلي الذي فيه قرب من الجمهور بشكل مباشر؛ لأنه في سياق التطرف
والظلامية المحيطة بنا الآن التي لا تعيد إنتاج الأسرة والمجتمع فهذه الذهنية
المنغلقة لابد أن تُواجه بمفاتيح في الخيال والذاكرة والوعي؛ لأن العقلية المنغلقة
والمتطرفة مرتبطة بالدماء والقتل وبالتفكك المجتمعي؛ لذلك أعتقد أن وزارات الدفاع
الحقيقية في المجتمع العربي هي وزارات الإبداع والمسرح والموسيقى والسينما؛ لأنها
التي تستطيع تحصين المجتمع وتُهيئه ليكون باتجاه حضارة أفضل.
-
ألا ترى أن الإبداع التفاعلي
الذي تحدثت عنه من خلال الإنترنت أو الفيس بوك قد أدى إلى تسطيح العملية الإبداعية
لأنه فتح المساحة للكثير من المجاملات؟
الإبداع
الافتراضي من خلال الإنترنت والفيس بوك وتويتر ما هو إلا حاملا للإبداع وليس
إبداعا، فمن لديه منتج رديء يكون الحامل له هذا الوسيط ليوصله إلى متلقي آخر قد
يكون رديء وقد يكون جيد، وهنا أنت تتحدث عن مجرد حامل لثقافة هذا المجتمع، لذلك
تجد على صفحات الفيس بوك مستوى الوعي مختلف ما بين شخص وآخر، وبين مجموعة وأخرى، أما
استثماره فهو المشكلة الحقيقية، فالوعي المتقدم بقدر ما يستطيع أن يأخذ مساحة على
هذا الوسيط يستطيع أن يؤثر لكن في الفترة الأخيرة وجدنا أن المساحة الأكبر كانت
للتطرف، وللسطحية؛ لأن هؤلاء الذين وجدوا من خلال هذا الوسيط هم هكذا من الأساس
سواء في حياتهم أو تفاعلاتهم في مجتمعهم الواقعي، وهذا الوسيط للأسف هو الأسرع
للانتشار؛ لذلك حينما نرى التركيز على قضية معينة من خلال الفيس بوك نعتقد أن
العالم بالكامل متبني هذه القضية، لذلك فأنا أرى أن الربيع العربي هو مجرد ربيع
الصورة فالصورة كانت هي الأكثر حضورا في نقل هذا الأمر، لذلك فأنت حينما تركز على
زاوية معينة وتُعيد تكرار الصورة فأنت تخلق حالة، في حين أنها قد تكون مجرد زاوية
شارع أو جزء من المدينة لكنها ليست المدينة بالكامل في سياقها الطبيعي، الربيع
العربي كان جانب كبير منه هو مجرد ربيع الصورة، أي أنه في النهاية مجرد ربيع
افتراضي لم تستطع المجتمعات العربية أن تكتشف ذلك إلا متأخرا؛ فاللقطة التي تُعاد
مئات المرات هي في حضورها الواقعي لا تتعدى دقيقة واحدة أو دقيقتين، ولهذا لم تكن
القنوات التي تنقل ذلك بريئة ولم يتم اكتشاف ذلك إلا بعد اكتشاف الخراب الذي حدث
للناس.
حوار: محمود الغيطاني
جريدة "الجريدة الكويتية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق