تُعد السينما الإفريقية من
أكثر السينمات التي لا يلتفت إليها الكثيرون من المشاهدين على مستوى العالم رغم أن
هناك العديد من الأفلام المتميزة التي قدمها عدد لا يستهان به من المخرجين
الأفارقة حول القارة السوداء ومشكلاتها ومعاناتها سواء مع حكامها الذين تميزوا
بطغيانهم في الحكم، حتى أن الكثيرين منهم تمت ملاحقتهم في جرائم ضد الإنسانية، أو
معاناتهم مع الاحتلال والتنكيل بهم واستعبادهم باعتبارهم مجرد خدم لغيرهم من الدول
المحتلة.
ربما كانت الفكرة التي توجد
في أذهان الكثيرين تجاه إفريقيا هي فكرة القارة التي تعاني من الفقر والجهل
والبطالة والدمار الدائم فقط، أو أنها القارة التي لا يوجد فيها سوى الغابات
والسكان البدائيين، ويعود هذا التنميط في تخيل القارة الإفريقية إلى انعدام
الاطلاع على هذه الثقافات سواء من ناحية الأدب المُنتج عبر كتّاب القارة الإفريقية
السوداء، أو الجهل بأنها فيها صناعة سينمائية مهمة قدمت للعالم العديد من الأفلام
التي نالت الكثير من الجوائز السينمائية العالمية المهمة سواء في مهرجان "كان"
أو غيره من المهرجانات العالمية، ولكن لأننا لا نطلع على هذه السينما أو هذه الثقافة
ظلت داخلنا الصورة النمطية حول إفريقيا البدائية أو التي تعاني من الفقر والجهل
والأمراض هي الفكرة الراسخة في أذهان العامة والكثيرين من جمهور السينما وغيرهم.
يأتي المخرج الموريتاني
الأصل عبد الرحمن سيساكو على رأس المخرجين الأفارقة الذين قدموا العديد من الأفلام
السينمائية المهمة التي حصدت الكثير من الجوائز العالمية، وقد وُلد سيساكو في
مدينة "كيفه" شرق موريتانيا 1961م، وهي مدينة موريتانية عاصمة ولاية
"لعصابة"، لكنه نشأ في مالي؛ حيث هاجرت عائلته، وفي العشرين من عمره عاد
سيساكو مرة أخرى إلى موريتانيا ليقضي فيها فترة من الدراسة والقراءة في السينما
الأوروبية والروسية، ليسافر في عام 1983م إلى روسيا من أجل منحة حصل عليها لدراسة
السينما حيث تأثر تأثرا كبيرا بمخرجين
مهمين من أمثال فورد وفاسبندر وغيرهم من المخرجين. في عام 1989م أخرج سيساكو فيلمه
الأول "اللعبة" الذي كان عبارة عن مشروع تخرج وهو الفيلم الذي تم تصويره
في تركمانستان ويحكي قصة الحرب من خلال أب يقضي عطلته الأسبوعية في اللعب مع
أطفاله قبل عودته مرة أخرى إلى الجبهة، ورغم أن الفيلم كان مجرد مشروع تخرج إلا
أنه تم عرضه بعد عامين في مهرجان "كان" السينمائي، وفي عام 1993م يقدم
سيساكو فيلمه "أكتوبر" أو "إدريسا" وهو الفيلم الذي حصد جوائز
في مهرجانات "كان" الفرنسي، و"بلفور" الفرنسي أيضا،
و"قرطاج" التونسي، حيث يحكي الفيلم قصة الشاب الإفريقي "إدريسا"
الذي يستعد للرحيل عن موسكو تاركا حبيبته "إيرنا" الحامل في طفلهما،
ويصور حيرته بين الاحتفاظ بهذا الحمل الذي لا ترحب به أسرة حبيبته، وبين التخلص
منه وبذلك تنتهي العلاقة بينهما تماما.
في عام 1994م يقوم عبد
الرحمن بإخراج فيلمه الثالث "الجمل والعصا المترنحة" عن قصة أدبية للكاتب
الفرنسي "جان لافونتين" الذي اشتهر بكونه أكثر كتاب قصص الخيال في تاريخ
الأدب الفرنسي وكانت معظم قصصه تدور على ألسنة الطيور والحيوانات، ليأتي فيلمه
الرابع "صابريا" 1996م، وهو فيلم روائي طويل تم تصويره في الصحراء التونسية
ويحكي قصة صديقين يمضيان كل وقتهما في لعب "الطاولة" إلى أن تأتي فتاة
إلى المدينة فتغير حياتهما تماما، وقد حصد الفيلم جائزة "لا موسترا دو فونيس"،
وفي عام 1997م يقدم لنا فيلمه "من روستوف إلى لواندا"Rostov-luanda وهو فيلم وثائقي يحمل جانبا من الخيال والدراما، ويحمل
الفيلم جزءً من السيرة الذاتية للمخرج حيث يتحدث عن سفره للبحث عن صديقه الذي
انقطعت عنه أخباره تماما بعدما عاد الصديق إلى وطنه "أنجولا" التي
مزقتها الحرب الطويلة، ويحاول المخرج من خلال فيلمه استعراض آثار الحرب من دون العمل
على نقلها بشكل مباشر، كما حصد الفيلم العديد من الجوائز أيضا منها جائزة مهرجان
السينما الإفريقية في ميلانو بإيطاليا، "لادوكمانتا دوكاسل"، وجائزة
"لافيسير ليدوك" في مارسيليا.
يستمر المخرج عبد الرحمن
سيساكو في تقديم المزيد من الأفلام الناجحة والحاصدة للجوائز العالمية حتى أنه
يستحق اسم لقب "حاصد الجوائز"؛ لحصول معظم أفلامه على العديد من الجوائز
المهمة فيقدم لنا عام 1998م فيلمه "الحياة على الأرض" بعدما أسس شركة
"ديو فيلم" للإنتاج الوثائقي، وهو الفيلم الذي يرصد مرور عام 2000م على
قرية صغيرة في عمق "مالي" وهي قرية "سوكولو"، أي أنه يحكي
حكاية القرية لحظة عبورها القرن العشرين باتجاه القرن الواحد والعشرين؛ ليحصد
الفيلم الكثير جدا من الجوائز في مهرجان "كان" الفرنسي، ومهرجان "تورنتو"
في كندا، ومهرجان "ساندانس" للفيلم المستقل في ولاية "يوتا"
الأمريكية، ومهرجان "قرطاج" التونسي، ومهرجان "نيويورك"، ومهرجان
"فيسباكو" الأكبر للسينما الإفريقية في "واغاداغو" ببوركينا
فاسو، ومهرجان "فريبورغ" في سويسرا، ومهرجان "ميلانو"
الإيطالي، ومهرجان "بلفور" الفرنسي، بعد هذه الجوائز المتعددة يخرج
سيساكو فيلمه الروائي المهم "في انتظار السعادة" Waiting for Happiness عام 2002م، وهو الفيلم الذي أنتجه من خلال شركته بالتعاون مع arte الفرنسية
ويكاد يكون في الفيلم أصداء من سيرة المخرج الذاتية حيث يتحدث عن مراهق في السابعة
عشر من عمره يعود من مالي إلى موريتانيا وطنه الأم ويلتقي بأمه التي تعيش في غرفة
صغيرة في أحد أحياء العاصمة الاقتصادية "نواذيبو"، وفي نفس المنزل يسكن
العديد من الأفراد الأجانب المختلفين أصحاب الحيوات والتاريخ المختلف ويستعرض
المخرج حيوات جميع هؤلاء السكان، حيث نرى الفنانة "سكينة" التي لا تجد
عملا وتقطن في الغرفة المجاورة لأمه، كما يرتبط الشاب العائد "عبد الله"
بعلاقة عاطفية مع الفتاة "الغينية" التي تسكن الغرفة المقابلة لغرفة أمه
والتي تعيش في حماية مواطنها "باري" الذي يدير مغسلة في نفس السكن،
ويحاول المخرج استعراض حياة جميع سكان البيت ليحكي قصصهم وحيواتهم التي تعبر عن
الاغتراب والمنفى سواء على المستوى الداخلي أو المستوى الواقعي، كما يصور لنا المخرج
صدمة الجيل المتعلم في الغرب والمثقف ثقافة فرنسية حين يرجع إلى موريتانيا، وهو
الجيل الذي يعود بعد رحلته بعادات ونمط حياة جديد، يجعل حاله مختلفا عن حاله قبل السفر،
ويسجل الفيلم انعزال هذا الجيل بشكل تام وعدم استطاعته الاندماج في الوسط الشعبي، الذي
يعجز عن التواصل معه، وقد عُرض الفيلم في مهرجان "كان" الفرنسي وحاز على
جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما، كما حصل على جائزة الثقافة الفرنسية في مهرجان
"كان".
في عام 2006م أخرج سيساكو
فيلمه الذي كان رحلة بين الوثائقي والروائي "باماكو"، وهو الفيلم الذي
تم تصويره في العاصمة المالية "باماكو" وشارك فيه الممثل الأمريكي من
أصور إفريقية "داني جلوفر" وقد أثار الفيلم الكثير جدا من الجدل، وعُرض
في مهرجان "كان" الفرنسي، وفي "مانهاتن" بواسطة
"نيويوركر فيلمز" 2007م، وقد تم ترشيح الممثلة السنغالية عيسى مايجا
لجائزة سيزار أفضل ممثلة واعدة عن دورها في الفيلم، كما حصل الفيلم على جائزة من
مهرجان "اسطنبول" للفيلم عام 2007م، وحاز على جائزة أفضل فيلم ناطق
بالفرنسية الخاص بالسينما الفرانكفونية، كما حاز على جائزة الجمهور في سينما باريس
عام 2006م، وقد أقام هذا الفيلم الدنيا ولم يقعدها حينها؛ إذ عالج لأول مرة مشاكل الدول
الإفريقية من خلال محاكمة صورية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي باستغلالهما الفظ
لاحتياجات الدول الإفريقية إلى القروض، والفيلم عبارة عن محاكمة صورية تخيلية لدعوى
قضائية يرفعها المجتمع المدني الإفريقي ضد مؤسسات التمويل الغربية التي تتمثل في البنك
وصندوق النقد الدولي، تلك المحاكمة تجري مرافعاتها داخل منزل كبير يسكنه العديد من
السكان المتعددي الأهواء والمشارب ويوحدهم الأمل في غد أكثر إشراقا، وتمضي المحاكمة
جنبا إلى جنب مع الحياة اليومية لهؤلاء السكان، حيث "ميلي" المطربة الشابة
في ملهى ليلي وزوجها العاطل عن العمل "شاكا"، والحارس الغريب الأطوار، وسيدة
تحترف الصباغة التقليدية ونشر الغسيل أنى واتتها الفرصة، وبائع نظارات شمسية، ومصور
يحلم باقتناص لحظة المكاشفة، وشاب طريح الفراش، وأطفال يلعبون، ونساء يجلبن الماء إلى
بيوتهن، وحفل زفاف ومأتم عزاء، وصخب وضجيج وحياة مليئة بالتفاصيل الصغيرة، كل هذا
بينما تدور محاكمة أحداثها ساخنة على مرأى ومسمع من الجميع من محامين وقضاة وشهود وحراس،
ويبدو هنا المجتمع المدني الإفريقي بالكامل وهو يضرب بكل ثقله لإثبات التهمة الموجهة
للممولين الدوليين وعلى رأسهم البنك الدولي الذي أثقل كاهل القارة الإفريقية عن عمد
وسبق إصرار بديون لا قبل لها بقضائها ولو بعد قرون وبدلا من إيجاد حل منطقي للمشكلة،
يواصل البنك الدولي زيادة ديونه، وهو بذلك يواصل سياساته التحكمية في القارة، ويغرقها
في الديون عاما بعد آخر.
في عام 2014م أخرج سيساكو
واحدا من أهم أفلامه السينمائية وهو فيلم "تمبكتو" Timbuktu الذي حصد
سبع جوائز سيزار الفرنسية كأفضل فيلم، وأفضل مخرج، وأفضل سيناريو، وأفضل توزيع
للصوت والصورة والموسيقى رغم أن الفيلم كان في منافسة مع الفيلم الفرنسي "سان
لوران" للمخرج الفرنسي برتران بونيللو الذي لم يحصل سوى على جائزة أفضل
أزياء، كما تم ترشيح الفيلم للأوسكار الأمريكية في فئة الأفلام الأجنبية، كما رحب
رئيس الوزراء الفرنسي "مانويل فالس" بالفيلم؛ حيث كتب على حسابه في
"تويتر": "إنه تكريس يستحقه فيلم تمبكتو في مقاومة الوحشية"، ويتحدث
الفيلم عن مدينة "تمبكتو" منذ مجدها الموغل في التاريخ إلى أن باتت مسرحا
لعمليات جهادية في الفترة الأخيرة، وتعرضت بعض المواقع الأثرية فيها للنهب والتدمير،
خاصة بعد التدخل العسكري الفرنسي في "مالي" حيث الحرب العبثية بين إسلاميين
متطرفين في "مالي" وسكان "تمبكتو"، وقد تطرق سيساكو في فيلمه
إلى سيطرة الإسلاميين المتطرفين من جماعة "أنصار الدين" على شمال "مالي"
في 2012م حيث دمروا الكثير من الأضرحة في مدينة "تمبكتو" التاريخية، وقاموا
بتحطيم مواقع في المدينة الصحراوية المُدرجة ضمن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم
والثقافة (اليونسكو)، كما عمدوا إلى إحراق آلاف المخطوطات القديمة، وقد قال سيساكو
في مؤتمر صحفي يخص الفيلم: إن أسباب صنع هذا الفيلم متعددة، لكن كان منها حادثة مهمة
دفعته إلى التفكير في هذا المشروع وهي اتهام رجل وامرأة بالزنا ورجمهما عام 2008م في
قرية شمال مالي، كما أكد المخرج أن: "الدافع الأساسي لم يكن وقوع هذه الحادثة
وإنما السكوت الذي أحاط بها"، مضيفا: "كأننا صرنا لا نبالي بالأحداث المرعبة"،
كما كان من أكثر مشاهد الفيلم تعبيرية مباراة كرة قدم يلعبها مجموعة من الشباب
ولكن من دون وجود كرة، ويُذكر أن هذا الفيلم حينما فكر فيه سيساكو كان يرغب في
إخراج فيلم وثائقي لكنه تحول إلى فيلم روائي بسبب ظروف خاصة، ولم يحاول المخرج من
خلال هذا الفيلم تقديم الشخصيات في صورة نمطية واحدة، إما أنها تمثل الخير فقط أو
الشر فقط بل عبر عن هذه الشخصيات من خلال دوافعها وتركيباتها الإنسانية كما هو
الواقع الذي نحياه؛ فرأينا "الجهادي" الذي كان مغني راب سابقا ومن ثم لا
يستطيع أن يتحدث العربية ويفشل في إتمام جملته بينما علم التوحيد وراءه وكاميرا أمامه
تسجل شهادته، كما نرى "جهادي" آخر يدخن سرا ويحب سرا، وتميز الفيلم
بجماليات الصورة السينمائية، وقد تم اختيار سيساكو في لجنة تحكيم مهرجان "كان"
عام 2007م ليكون بذلك أول إفريقي ينال هذا الشرف، كما تُوج في أكتوبر 2009م بوسام فارس
في الثقافة والفنون في نظام الاستحقاق الفرنسي.
ليس معنى الحديث عن عبد
الرحمن سيساكو أن السينما الموريتانية لم يكن فيها غيره من المخرجين، بل كان هناك
الكثير من الأفلام السينمائية المتميزة التي قدمها غيره من مخرجين آخرين؛ حيث ترجع
بدايات السينما الموريتانية إلى السبعينيات من القرن الماضي مع المخرج "همام
أفال" الذي كان رجل أعمال مهتما بالسينما؛ فقدم ثلاثة أفلام سينمائية هي "تيرجيت"،
و"ميمونة"، و"بدوي في الحضر"،
وبلغ عدد دور العرض السينمائية التي يمتلكها 11 دارا في العاصمة نواكشوط، ولا يمكن
إغفال المخرج محمد هندو الذي ينحدر من أب موريتاني وأم مالية، وهو الحاصل على جائزة
التانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية سنة 1974م بفيلمه "عمال عبيد"، كما
أخرج هندو عدة أفلام توثيقية عالجت في أغلبها مواضيع الهجرة والعنصرية والتمييز ومشاكل
القارة الإفريقية ومن أشهر أفلام هندو فيلمه الأول "جولة في المنابع، 1967م، وهي
قصة إفريقي أسود هاجر إلى فرنسا، لكنه قرر طواعية العودة إلى وطنه، فدفع ضريبة هذا
القرار، وفيلمه الأشهر "أيتها الشمس"Soleil O 1969م الذي وضع فيه قدرا
غير قليل من سيرته الذاتية وحاول فيه أن يعالج بعمق وروية مشكلة الرق، ويربطها بالاستعمار
من خلال بطل الفيلم الذي ذهب إلى باريس بحثا عن عمل ومسكن؛ فيصبح في النهاية على شفا
الجنون بعد سلسلة من المضايقات العنصرية والتمييزية؛ فينطلق باتجاه الغابة من دون أن
نفهم خطوته الموالية، كما أن عنوان الفيلم هو مقطع من أغنية إفريقية قديمة كان يدندنها
الرقيق في طريقهم إلى أسواق النخاسة الأوروبية، وفيلمه "كل مكان ولا مكان،
1969م الذي يحكي قصة زوجين فرنسيين من خلال واقع إفريقي، وفيلميه "جيراني"
1973م، و"العرب والزنوج أو جيرانكم" 1973م، وفي هذين الفيلمين يلقي محمد
هندو الضوء على واقع الأفارقة السود في فرنسا لكن هذه المرة يضيف إليهم العرب المهاجرين
ويمنحنا الفيلمان تأشيرة دخول إلى المصير الموحد بين الأفارقة والعرب في أوروبا، وقد
قدم هندو العديد من الأفلام الأخرى منها: "ملك الحبال" 1969م، و"يكفينا
من النوم حين نموت" 1976م، و"البوليساريو.. شعب مسلح، 1978م، و"ساراوينا"
1986م، و"ضوء أسود" 1994م، و"وطني" 1998م، و"فاطمة"
2004م، لينتهي به المطاف مُقيما في العاصمة الفرنسية حيث يعمل الآن مُدبلجا لصوت النجم
الأمريكي "إدي ميرفي"، كما لا يمكن نسيان المخرج عبد الرحمن ولد أحمد
سالم الذي عمل كمساعد مخرج مع سيساكو في فيلمه "في انتظار السعادة" ودرس
السينما فيما بعد ليعود إلى موريتانيا ويؤسس "دار السينمائيين" التي
أنتجت منذ تأسيسها ما يربو على الخمسين فيلم سينمائي، كما أخرج ولد سالم العديد من
الأفلام التي كان من أهمها "نواكشوطي" 2005م، وهو فيلم وثائقي يقدم بطاقة
تعريف من زوايا خاصة لمدينة نواكشوط في يوبيلها الفضي، وفيلم "رجل وخيمة وعلم"
2005م، وهو فلم وثائقي أيضا يتحدث عن بداية تأسيس موريتانيا الجديدة سنة 1960م مباشرة
بعد الاستقلال حينما لم تكن هناك إلا خيمة وعلم قيد التخيل، ورجل هو أبو الأمة الموريتانية،
أول رئيس لموريتانيا المختار ولد داداه، ثم فيلمه "جذور مشتركة، 2006م الذي يعتمد
على الموسيقى ويسعى إلى اكتشاف أوجه الشبه بين الموسيقى الموريتانية والفلامنكو،
وفيلم "1،2،3,4" 2008م الذي يحكي تجربة المخرج
مع تعلم اللغة الفرنسية، في بلد عربي كان يوما ما مستعمرة فرنسية؛ "وادان تي في،
2008م، وهو ثمرة ورشة تدريبية أشرف عليها ولد أحمد سالم في فرنسا لشباب فرنسيين وموريتانيين
حول السينما؛ وفيلم "تاكسي الديمقراطية" 2007م الذي كان فيلما روائيا يطرح
مفهوم الديمقراطية في العالم الثالث للنقاش من خلال مجموعة من الركاب في حافلة نقل
عمومية، وفيلمه "جمعيتنا" 2009م وهو فيلم وثائقي عن البرلمان الموريتاني،
ولعل أهمية "دار السينمائيين الموريتانيين" التي أسسها ولد أحمد سالم
تعود إلى حرصها على النهوض بالحركة السينمائية الموريتانية بتنظيمها لمهرجان
نواكشوط للفيلم القصير في الفترة من 23 حتى 29 أكتوبر من كل عام، كما تُقام بالتوازي
مع أيام المهرجان، ورشات تهتم بالسيناريو والإخراج والمونتاج يشرف عليها مختصّون من
الخارج.
لعلنا لا ننسى المخرج
الموريتاني سيدني سوخنا أيضا الذي قدم أفلاما مهمة حينما هاجر إلى فرنسا ودرس
السينما هناك وأخرج أفلاما مثل "الجنسيات المهاجرة" 1975م الذي نال عنه جائزة
لجنة التحكيم في "فيسباكو" سنة 1977م، كما قدم فيلمه الثاني "سافرانا"
1978م، لكنه عاد فيما بعد إلى الوطن الموريتاني مرة أخرى لينسى السينما تماما
ويبتعد عنها متفرغا للعمل في السياسة؛ فتقلد العديد من المناصب الدبلوماسية
والحقائب الوزارية كما أصبح عضوا في البرلمان الموريتاني.
هناك أيضا مخرجين آخرين
قدموا العديد من الأفلام الجيدة التي اشتركت في الكثير من المهرجانات العالمية
منهم المخرج الموريتاني محمد سالم ولد دندو الذي أخرج فيلمه "القلب
النابض" 2007م، وفيلم "رحلة التامركيت" 2007م، وغيرهم من المخرجين.
ربما كانت السينما
الموريتانية حديثة العهد في لحاقها بالسينما العالمية، لكن رغم هذه الحداثة
استطاعت تقديم العديد من المواهب السينمائية المهمة التي قدمت الكثير من الأفلام
المختلفة ذات الخصوصية المختلفة عن غيرها من السينمات الأخرى؛ مما يدل على خصوصية
ثقافتها وتجربتها؛ وهو ما رشح معظم مخرجيها لحصد المزيد من الجوائز العالمية
المهمة، وتسليط الضوء على هذه السينما المنزوية.
محمود الغيطاني
مجلة الثقافة الجديدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق