الاثنين، 1 مايو 2017

العربي.. ذلك القاتل البشع


Reel Bad Arabs How Hollywood Vilifies a People
منذ فترة قريبة حكى لي أحد الأصدقاء الفنلنديين أن فكرته عن مصر- والعالم العربي- قبل رؤيتها كانت مجرد فكرة أسطورية حول جغرافيا صحراوية تسودها الرمال والأتربة بينما الجمال هي وسيلة التنقل الوحيدة في هذه البلدان بالكامل، لكنه حينما زار مصر وغيرها من الدول العربية فوجئ بأنها بلدانا استطاعت أن تأخذ من التحضر ومظاهره الكثير، كما أنهم يحيون حياة عادية مثلما يحيون في أوروبا تماما مع الاختلاف البسيط من حيث العادات والأخلاق والدين.
ربما كانت هذه النظرة النمطية التي لا تختلف كثيرا في الكثير من دول العالم هي النظرة السائدة لدى العديد من الثقافات الغربية، وغير الغربية عن منطقة الشرق الأوسط، ولكن – حتى لا نكون متجنين فيما نقوله- مثل هذا التنميط عن العرب والشرق الأوسط يوجد مثيل آخر له باتجاه بعض الثقافات الأخرى، ولعلنا أنفسنا لم ننج من مثل هذه النظرة النمطية باتجاه الآخرين من ثقافات وعرقيات مختلفة، وربما لا نستطيع إنكار أننا نمتلك نظرة نمطية مثيلة باتجاه القارة الإفريقية التي نُعد جزءً أصيلا لا يمكن الانفصال عنه، ولكن رغم هذه العلاقة الوطيدة جغرافيا بيننا كمصريين وبين القارة الإفريقية تكاد تكون نظرتنا الذهنية المتأصلة لدى أكبر عدد منا هي أن إفريقيا مجرد غابات ومستنقعات وأحراش ومجرد إنسان بدائي يرتدي الأثمال قاضيا حياته كلها في محاربة الحيوانات الكاسرة متغذيا على لحومها بعد صيدها، ولعل هذه النظرة النمطية الظالمة لا تدل إلا على جهل حقيقي بثقافة قارة كاملة نعيش فيها ورغم عدم بعدنا الجغرافي عنها إلا أننا ننظر إليها من خلال تخيلنا نحن الذي فرضناه باعتباره واقعا حقيقيا، في حين أنه ينافي الحقيقية تماما.
هذه النظرة نلاحظها من خلال السينما والعاملين فيها؛ فعدد كبير من نقاد السينما والمهتمين بها لا يعرفون الكثير عن السينما الإفريقية، ويظنون أنه لا يوجد إنتاج سينمائي في القارة السوداء، وإذا ما افترض أحدهم أن هناك أي لون من ألوان النشاط السينمائي لدى الأفارقة؛ فهم يرون أنه مجرد إنتاج بائس القيمة من حيث الإنتاج والمستوى الفني، بل هو إنتاج نادر ومجرد تجارب فردية لا يمكن أن تكون تيارا سينمائيا حقيقيا.
النظرة النمطية عن ثقافات الشعوب الأخرى نراها أيضا في السينما الأمريكية- وربما في الذهنية العربية- باتجاه ثقافة الهنود الحمر الذين لا تراهم السينما الأمريكية سوى مجرد كائنات متعطشة للدماء ترغب دائما في التخلص من الأمريكي الطيب الإنساني بينما الهنود لا يتميزون سوى بالقسوة فقط والرغبة في القتل، ولعلنا نرى كذلك النظرة النمطية السائدة عن أمريكا اللاتينية، وهي النمطية التي عملت على تكريسها السينما الأمريكية ومن ثم انتقلت إلى مختلف الثقافات ومنها ثقافتنا العربية التي لا تنظر إلى أبناء أمريكا اللاتينية إلا باعتبارهم مجرد مجموعة ضخمة من العصابات التي تعمل في تهريب المخدرات والسلاح فقط، فإذا ما ذُكرت كولومبيا على سبيل المثال نتصور مجتمعا من العصابات المتاجرة في المخدرات وقانون القتل هو السائد هناك.
إذن هذا التنميط في ثقافات الشعوب لا يمكن رده إلى السينما الأمريكية فقط؛ صحيح أن السينما الأمريكية هي السبب الرئيس والأول في مثل هذه النظرة النمطية باتجاه العديد من الثقافات والعرقيات والشعوب المختلفة، ولكن الجهل والارتكان إلى ما يتم تصديره من خلال الآلة الإعلامية الضخمة يكاد يكون هو السبب الرئيس في مثل هذه النظرة الضيقة؛ لأن الكسل عن البحث والثقافة والاعتماد على ما يتم تقديمه من خلال السينما يجعل المشاهد مقتنعا بما يتلقاه فقط، في حين أن معظم ما يتم تقديمه إليه ينافي الحقيقية في الكثير من الأحيان، وهذا ما يمكن أن نلاحظه اليوم على أرض الواقع من خلال تسليط الآلة الإعلامية على حوادث القتل والاغتيال في العراق وسوريا وليبيا؛ حتى تشكل وعي الجميع باعتبار أن هذه البلدان مجرد مستنقعات للقتل لا يمكن الحياة فيها، بينما تعمل الآلة الإعلامية في حقيقة الأمر على التركيز على المناطق الملتهبة فقط في مثل هذه البلدان مصورة لنا أن هذه البلدان بالكامل تحيا في هذا الخراب وكأن العرق وسوريا مثلا تم تخريبهما بالكامل، بينما الحقيقة الواقعية تؤكد أن هناك حياة طبيعية وعادية جدا كالتي نحياها في بلداننا تدور هناك لكننا بتنا أسرى لما تنقله لنا الميديا ووسائل الإعلام فقط.
true lies
هذه اللعبة الإعلامية الخطيرة من الخطورة التي تعمل على تشويه الوعي لدى الجماهير الغفيرة؛ ومن ثم تترسخ مجموعة من الصور النمطية التي لا علاقة لها بالواقع في ذهنية الجميع تبعا لما ترغبه السياسات العالمية.
من هنا نجحت السينما الأمريكية نجاحا لا نظير له في تقديم صورة العربي والمسلم بشكل نمطي فيه من التجني ما لا يمكن أن يصدقه عقل؛ فالعرب يعيشون حياتهم حتى اليوم في نظر السينما الأمريكية كبدو رحل، ينتقلون على الجمال، ويتقاتلون فيما بينهم كقبائل، ويسطون على القوافل، ومنطق القوة هو السائد لديهم، والخطف، وسفك الدماء، والقسوة، واستعباد المرأة، بل والتجارة في الرقيق هي الصورة السائدة في السينما الأمريكية حتى اليوم، ومن ثم تطورت هذه الصورة فيما بعد إلى اعتبار العربي مجرد إرهابي، بل هو من ابتكر الإرهاب وصدره إلى العالم بالكامل في الآونة الأخيرة، ولا يمكن أن تكون هناك أي حوادث إرهابية في أي بقعة من بقاع العالم إلا إذا كان هناك عربيا مسلما متورطا في هذا الإرهاب الذي هو صنيعة العرب والمسلمين.
هل نستطيع من خلال هذه النظرة النمطية المقززة والقاسية التي تنظر بها السينما الأمريكية إلى العرب والمسلمين أن نقوم بتوجيه اللوم لهم؟
أظن أننا لا يمكن أن نلومهم على مثل هذه النظرة؛ فالسينما الأمريكية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالسياسة الأمريكية؛ ومن ثم فهي لابد أن تكون آلة دعائية لسياستها تجاه غيرها من الدول، وفي تكريسها لمثل هذه الصورة النمطية للعرب والمسلمين خدمة كبيرة للسياسة التي تتبعها أمريكا باتجاه العرب، كما أن أمريكا من الدول التي لا يمكن أن تحيا من دون وجود عدو لها- باعتبار أنها مجموعة كبيرة وضخمة من الثقافات والعرقيات التي لا يمكن لها الاجتماع على كلمة واحدة إلا في حالة وجود خطر محدق بها دائما- وبما أن خطر الاتحاد السوفيتي الذي كان هو العدو الأول لها قد انتهى بانتهاء مرحلة الحرب الباردة وتطبيق ميخائيل جورباتشوف لسياسة البروسترويكا التي أسقطت الاتحاد السوفيتي؛ لم تجد أمريكا والسينما الهوليودية عدوا أمامها؛ ومن ثم انتهت مرحلة الأفلام السينمائية الأمريكية الحريصة على تقديم الصورة الشريرة للسوفييت في أفلامها، وهنا بدأت مرحلة العدو الجديد لأمريكا الذي كان منطقة الشرق الأوسط والعرب المسلمين الذين يمثلون الشر المطلق في العالم برغبتهم العميقة في القتل والتدمير وسفك الدماء.
لا ننكر أن الأفلام الأمريكية منذ بداية عهد السينما كانت تنظر إلى العربي بشكل نمطي استقته من روايات ألف ليلة وليلة، وغيرها من الأساطير؛ الأمر الذي جعلهم يقدمون العديد من الأفلام التي تعمل على تشويه صورة العربي منذ وقت مبكر. من هذه الأفلام مثلا فيلم Arabian Nights 1942م للمخرج جون رولينز John Rawlins وهو الفيلم الذي يصور شخصية هارون الرشيد، كما يعطينا الفيلم صورة عن المجتمعات العربية باعتبارها مجرد مجتمعات شهوانية لا تعنيها سوى النساء بينما تظهر النساء العربيات في الفيلم مجرد راقصات وغانيات لا هم لهن سوى إثارة الرجل ودفعه للحصول عليهن باعتبارهن مجرد أداة للمتعة لا يرتدين إلا أقل القليل من الملابس طيلة الفيلم من أجل إثارة شهوة الرجل.
لكن هل نستطيع لوم صناع هذا الفيلم على هذه النظرة؟ أظن أننا لا يمكن أن نوجه أي شكل من أشكال اللوم لمثل هذا الفيلم؛ لأن هذه هي النظرة الحقيقية التي تم تصديرها للآخرين من خلال التاريخ الإسلامي وحياة هارون الرشيد الذي كان يعيش بالفعل هذه الحياة من البذخ والترف والمتعة، كما لا يمكن نسيان ألف ليلة وليلة وما سردته من أمور لا تختلف كثيرا عما صوره الفيلم. إذن فأسطورة المجتمع العربي الذي لا يعرف سوى الجنس والملذات، ولا يرى المرأة إلا باعتبارها مجرد أداة للمتعة الجنسية نحن من عمل على تصديرها وإن لم يكن هذا التصدير بشكل مباشر أو مقصود، ولكن السينما الأمريكية باعتبارها سينما جاهلة أيضا لا تتقصى الحقائق ولا تريد سوى تصدير الصورة التي ترغبها هي؛ فقد أخذت القليل الذي عرفته وعملت على تضخيم هذا العالم السحري- بالنسبة لهم-، أو هذا الشرق الغامض السحري وعممت القليل الذي تعرفه من خلال هذا الفيلم.
American Sniper-2014
في عام 1915م أنتجت السينما الأمريكية فيلم The Arab للمخرج سيسيل دي ميل Cecil B. DeMille الذي يحكي قصة شاب يسرق القوافل بصورة دائمة من دون أن يستطيع أحد إيقافه، ثم نكتشف بعد ذلك أن هذا الشاب هو ابن زعيم القبيلة العربية، وهي مجرد صورة نمطية راسخة عن العرب لدى الغرب باعتبار أن العرب مجرد لصوص يسطون على الآخرين طول الوقت- وهذا مأخوذ بالضرورة من التاريخ العربي الذي لم يختلف كثيرا عن هذه الصورة لاسيما في منطقة الجزيرة العربية-، ولعلنا نلاحظ أيضا أن العربي لا أخلاق له ويبدو في صورة المتلصص على النساء وهو ما رأيناه في فيلم The Barbarian عام 1933م للمخرج سام وود Sam Wood حينما نكتشف أن مرشد القافلة الذي يحاول دائما التطفل على السيدة البيضاء الجميلة الغربية هو أمير لإحدى القبائل العربية.
إذن فصورة العربي منذ بداية السينما الأمريكية تحمل الكثير من التشوه الذي لا يمكن إنكاره. هذه الصورة عملت السينما الأمريكية على تكريسها بشكل قوي لتستقر في نفس المشاهد الأمريكي والأوروبي أيضا، باعتبار أن السينما الأمريكية هي الأكثر انتشارا في العالم، ومن ثم كانت الصورة الذهنية عن العربي والمسلم لا تختلف كثير من جغرافيا لأخرى أو من ثقافة لأخرى.
هذا الشكل النمطي للعربي في تاريخ السينما الأمريكية حرص صناع هذه السينما على تطويره من آن لآخر باتجاه ما هو أكثر سوءً؛ فرأينا عام 1921م الفيلم الأمريكي The Sheik للمخرج جورج ميلفورد George Melford الذي حرص على تصوير الشيخ العربي الشهواني المتيم بحب النساء الأوروبيات، والذي ينفق أمواله ببذخ ويقوم بعمل مواقف لا أخلاقية وخبيثة للفوز بامرأة أوروبية تنضمّ إلى نسائه الكثيرات. بالتأكيد هذه الصورة الموجودة منذ القدم في السينما الأمريكية قد تطورت فيما بعد حينما تم اكتشاف النفط، وتمّ تطويرها إلى الشيخ الثري التافه الذي لا يعنيه شيئا سوى الإنفاق ببذخ لا يمكن تصوره على الكثير من الأمور التافهة التي لا معنى لها لمجرد إظهار ثراءه المبالغ فيه؛ ومن ثم عملت السينما الأمريكية على تعميق الصورة  الأولى في سيكولوجية المشاهد بصناعتها لفيلم آخر عام 1926م بعنوان The Son of the Sheik للمخرج  جورج فيتزمورس George Fitzmaurice وكأنه الامتداد الطبيعي للفليم الأول، أو الجزء الثاني له الذي يعمل على استعراض حياة البلهاء من العرب اللاأخلاقيين.
هذا الشكل النمطي للعربي الذي يحيا حياة الملذات والسفه، واستعباد النساء، والتلصص على الآخرين، وخطف النساء الأوروبيات الجميلات، وقتل الآخرين من القبائل والسطو عليهم ظل هو الصورة الكامنة في ثقافة السينما الأمريكية التي عملت على تصديرها للعالم؛ لتستقر في ضمائر العديد من الثقافات في العالم ويظن الجميع أن هذه هي الصورة الحقيقية للعربي المتخلف الذي يعيش حياة بدائية خارج التاريخ وتطوره، ولكن بعدما انتهت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا ولم تجد أمريكا عدوا جديدا لها سوى العربي المسلم بدأت في ابتكار أشكال جديدة لهذا العربي المتخلف الذي أخرجته من طور البدائية والسطو في الصحراء إلى طور آخر جديد يكون أكثر تناسبا مع تطور العالم ومستجداته السياسية؛ فبدأنا نرى العديد من الأفلام السينمائية الأمريكية التي لا هم لها سوى تصوير العربي المسلم الإرهابي الذي لا يعنيه من العالم سوى قتل الجميع ليكونوا مسلمين مثله، لا يعنيه في هذا القتل الأطفال ولا النساء، ولا المدنيين؛ فهو يقتل من دون رحمة مطلقا صيحته الشهيرة بصوت أجش كريه مخيف: الله أكبر.
بل بات تشويه صورة العربي هدفا لا يمكن الفكاك منه؛ فطال هذا التشويه لكل عربي يحاول الدفاع عن أرضه، أو ماله، أو أهله؛ ومن هنا رأينا الفلسطيني الذي يدافع عن أرضه من الاحتلال الإسرائيلي ليس سوى إرهابيا، كذلك العراقي الذي يقاوم الاحتلال الأمريكي هو مجرد إرهابي يستحق الموت من دون أي رحمة سواء كان مدنيا أو عسكريا، وانسحب الأمر على اليمنيين، والصوماليين، وغيرهم من العرب لمجرد أنهم عرب ومسلمون.
هنا رأينا عام 1994م فيلم True Lies للمخرج جيمس كاميرون James Cameron المأخوذ عن الفيلم الفرنسي La Totale 1991م للمخرج كلود زيدي Claude Zidi، وقد حرص الفيلم الأمريكي على تصوير المقاومة الفلسطينية كمجموعة من الحمقى والعصابات العربية نجحوا في الحصول على قنبلة نووية استعداد لتفجير مدينة لوس أنجلوس باسم الجهاد ضد المدنيين، وقد قام الممثل الهندي Art Malik آرت مالك بدور "سالم أبو عزيز" في الفيلم، وتوعد المشاهدين من خلال الفيلم بتفجير القنبلة وقتل النساء والأطفال، وطاردهم البطل "هاري تاسكر" الذي قام بدوره الممثل أرنولد شوارزنجر Arnold Schwarzenegger حتى قضى عليهم وعلى زعيمهم بصاروخ عسكري.
Kingdom Of Heaven, USA, 2005, Ridley Scott
هنا رفضت جميع الدول العربية عرض الفيلم في دور عرضها؛ لإساءته للعرب لاسيما الفلسطينيين بتصويرهم مجرد مجموعة من الإرهابيين وأكد الناقد السينمائي والباحث اللبناني الأصل الأمريكي الجنسية جاك شاهين على أن هذا الفيلم يُعد من أبشع الأفلام التي صورت العرب في عيون الأمريكيين، كما أن الفيلم كان فيه العديد من الأخطاء التقنية التي عملت على استغباء المشاهد ومنها أن البطل أرنولد شوارزنجر يقود طائرة حربية من طراز إف 16، ورغم ذلك جعلها تحلق بشكل عمودي، وهذا ما لا يمكن أن يحدث مع طائرة ذات محرك نفاث إلا إذا كانت مروحية.
في عام 2000م قدم المخرج وليام فريدكن William Friedkin فيلمه Rules of Engagement الذي حرص على تصوير العرب كمجرد إرهابيين وغوغاء، ولم يكتف بذلك بل حرص على تصوير أطفال العرب باعتبارهم مشروع إرهابي صغير ينتظر الفرصة كي يعمل على تدمير العالم، حيث يتظاهر اليمنيون أمام السفارة الأمريكية اعتراضا على الوجود الأمريكي في المنطقة؛ فيقوم المارينز الأمريكي بقتل 83 شخصا من المتظاهرين، وتبدأ المباحث الفيدرالية في التحقيق في الأمر، ويحاول المحامي الأمريكي الذي أرسل للتحقيق حول الجريمة التي ارتكبتها البحريَّة الأمريكية في اليمنيين العُزَّل أن يتعاطف مع القتلى النساء والأطفال والمشوهين، لكنَّه يعثر على أحد الشرائط المسجلة التي يقول فيها المتحدث: إنه يجب أن نقتل الأمريكيين كلهم المدنيين والعسكريين. وهنا تطورت صورة العربي من مجرد شيخ القبيلة الشبق صاحب الأفكار الخبيثة والمغتصب والسارق إلى العربي الإرهابي الذي سيفجر العالم؛ لأنه يكرهه.
هذه الصورة التي تعمل على تشويه جميع العرب من دون استثناء سواء كانوا مدافعين عن حقوقهم أم لا انسحبت على العراقيين أيضا وباتوا من خلال السينما الأمريكية مجرد إرهابيين متوحشين لابد من قتلهم وإبادهم والتخلص منهم، ربما للتخلص من عار ما فعلته القوات الأمريكية في العراق، وهنا رأينا عام 2014م فيلم American Sniper للمخرج الأمريكي كليينت أيستوود Clint Eastwood  وهو الفيلم الذي اعتمد على كتاب الجندي الأمريكي كريس كايل الذي خدم في حرب العراق وقتل أكثر من 160 شخصا؛ مما وضعه في مرتبة أكثر القناصين فتكا في التاريخ الأمريكي، ومما لا يمكن تجاهله أن هذا الجندي الأمريكي كان يرى أن كل من قتلهم مجرد مجموعة من المتوحشين وأنه غير نادم على قتل أي منهم، وقد أثار الفيلم الكثير جدا من الاستياء داخل المجتمع الأمريكي باعتباره يعمل على تغيير الحقائق التاريخية الخاصة بحرب العراق، كما أنه يدعو إلى العنف تجاه العرب والعمل على التخلص منهم باعتبارهم من أخطر الكائنات على العالم بالكامل.
لكن هل توقفت هذه الصورة النمطية المشوهة والبعيدة كثيرا عن الواقع على العرب في الشرق الأوسط فقط؟
في الحقيقة أن السينما الأمريكية كانت حريصة على تصوير العرب في أي بقعة من بقاع العالم باعتبارهم مجموعة من الإرهابيين، لا يختلف في ذلك المسلم عن المسيحي- لاسيما أن المواطنين الأمريكيين لا يفرقون بين العرب في الأديان وربما لا يعرف عدد كبير منهم أن العرب يوجد بينهم مسيحيون، بل هم يرون أن العربي لابد أن يكون مسلما فقط- ومن هنا اعتمدت السينما الأمريكية على هذه الفكرة والجهل لدى المشاهد الأمريكي كي توقر في نفسه أن العرب جميعا مجرد مسلمين إرهابيين متعطشين للدماء والقتل، حتى أن هذا التشويه انسحب بالضرورة أيضا على العرب الأمريكيين أيضا بتصويرهم مجرد إرهابيين لم تعمل الحياة المدنية والحديثة في أمريكا على تهذيبهم، بل ظلوا على ما هم عليه من صورة حقيرة قاتلة؛ فرأينا عام 1998م فيلم The Siege للمخرج إدوارد زويك Edward Zwick حيث تعتقل أمريكا أحد الشخصيات العربية بتهمة تفجير ثكنة عسكرية؛ مما يجعل عددا من أتباع الرجل العربي يفجرون الكثير من الأماكن العامة في أمريكا ويُقتل الكثير من الأبرياء، كما تقوم المباحث الفيدرالية باعتقال الكثيرين من العرب المقيمين في أمريكا بدعوى أنهم يلحقون الضرر بالمجتمع الأمريكي. هنا يعمل الفيلم على تأكيد فكرة أن المواطن العربي معتاد على قتل الأبرياء، كما أنه مصدر الإرهاب العالمي الذي تقاتل أمريكا من أجل القضاء عليه.
لم تقتصر هذه النظرة والصورة النمطية على الرجال العرب فقط، بل عملت السينما الأمريكية على تطوير صورة المرأة العربية التي كانت مجرد راقصة، أو عاهرة، أو مستعبدة من قبل رجلها العربي إلى قاتلة محترفة وإرهابية مثله تماما لا تختلف عنه في أي شيء، ولعلنا رأينا هذه الصورة في فيلم Death Before Dishonor عام 1987م للمخرج تيري ليونارد Terry Leonard وهو الفيلم الذي صور المرأة العربية باعتبارها قاتلة محترفة تمتلك من القسوة والرغبة في القتل ما لا يمكن أن نتخيله.
Munich
بالطبع إذا ما حاولنا متابعة السينما الأمريكية التي تحدثت عن العرب على مر تاريخ هذه السينما سنجد الآلاف من الأفلام التي حرصت على تنميط صورة العرب، بل والإبداع في تغيير هذه الصورة تبعا لمتطلبات الوقت والسياسة؛ فالعربي الذي قدمته هذه السينما في بداية القرن الماضي يختلف اختلافا كاملا عن العربي بعد اكتشاف النفط في منطقة الجزيرة العربية وبداية الصراع على النفط، وهذا الأخير يختلف أيضا عن العربي في المرحلة الحالية الذي بات إرهابيا وخطرا على العالم أجمع، ويسعى إلى تدميره نتيجة فرط كراهيته للمجتمع المتمدين؛ ولعل هذا التاريخ الطويل من السينما الأمريكية الظالمة لثقافات الآخرين نتيجة العمل على تنميطها هو ما دفع الناقد والباحث السينمائي اللبناني الأصل، الأمريكي المولد والجنسية جاك شاهين إلى الانتباه لما تفعله السينما الأمريكية بتخريب صورة العربي في العديد من الثقافات في العالم؛ فرصد حوالي 900 فيلم أمريكي بالدراسة في كتابه المهم Reel Bad Arabs: How Hollywood Vilifies a People 2001م "العرب الأشرار في السينما الأمريكية كيف تشوه هوليود أمة"، وهي من أكثر الدراسات النادرة التي عملت على رصد الأفلام الأمريكية التي تعمل على تشويه صورة العرب، وقد استغرقت هذه الدراسة ما يزيد على العشرين عاما من الرصد والتحليل، وقد توصل شاهين إلى أن مئات الأفلام التي أنتجت منذ عام 1914م حتى 2001م تصور العرب وكأنهم شر Evil خالص حيث يبدون خطرين ومتخلفين عند النظر إليهم عبر عدسات هوليود، وأوضح شاهين كيف أن هوليود تناولت الشعوب العربية بمنتهى القوة والخشونة وبصورة غير مكتملة لخصائصهم وعاداتهم وقيمهم، وتوصل إلى أنه يتم الربط بشكل منظم بين الإسلام وسيطرة الرجل على المرأة والجهاد وأعمال الإرهاب وقال: أن تكون عربياً يعنى أن تكون مسلماً، ويعنى أن تكون إرهابياً تلك هي الصورة السائدة عن الإسلام، كما يتم تصوير العرب المسلمين كغرباء دخلاء وأعداء للشعب الأمريكي يتسمون بالشهوانية، ويصور الشيوخ المسلمين على أنهم شيوخ بترول يتعمدون الاستعانة بالأسلحة النووية، إضافة إلى توجه المسلمين الدائم بالبنادق والأسلحة نحو المدنيين العزل.
يُعد جاك شاهين من أهم الباحثين في مجال السينما الذي اهتم بتوضيح خطورة هذه الصورة النمطية عن العرب؛ الأمر الذي جعله يكتب العديد من الكتب والأبحاث التي تتحدث عن هذه الظاهرة الخطيرة التي تدعو إلى عدم التعاطف مع العرب، بل الرغبة الدائمة في التخلص منهم باعتبارهم شرا مطلقا على البشرية جمعاء؛ ومن هنا رأينا له العديد من الكتب المهمة غير الكتاب السابق ومنها The TV Arab "عربي التليفزيون" 1984م،Arab and Muslim Stereotyping in American Popular Culture "الصورة النمطية للعرب والمسلمين في الثقافة الأميركية" 1997م، ولعل كتابه المهم Reel Bad Arabs: How Hollywood Vilifies a People كان من أهم الكتب التي أنتجها، وهو الكتاب الذي تحول إلى فيلم وثائقي بنفس العنوان عام 2006م من إخراج سوت جهالي وجيرمي إيرب Sut Jhally and Jeremy Earp، وقام فيه جاك شاهين بدور الراوي الذي أظهر كيف أن الاستمرار في تقديم الصور السلبية في الأفلام السينمائية الأميركية أسهم مع مرور الوقت في تطبيع مواقف التعصب المجحف نحو العرب والثقافة العربية، ما أدى خلال ذلك إلى تعزيز نظرة ضيقة نحو العرب وتعزيز تأثير السياسات الأميركية المحلية والدولية المحددة على حياتهم.
لكن هل معنى ذلك أن السينما الأمريكية لم تكن سوى متجنية على العرب فقط ومن ثم لم يكن هناك أي فيلم أمريكي يتحدث عن العرب إلا من خلال التجني عليهم؟
arabian nights
الحقيقة أن هناك بعض الأفلام الأمريكية التي حاولت تقديم صورة جيدة وواقعية للعرب، لكن هذه الأفلام بالنسبة لما تقدمه السينما الأمريكية كانت من الأفلام النادرة جدا. من هذه الأفلام رأينا فيلم، Kingdom of Heaven للمخرج سير ريدلي سكوت Sir Ridley Scott 2005م الذي صور صلاح الدين الأيوبي والمسلمين في صورة متسامحة تماما، يحاولون دائما تفضيل الحياة على الموت، كما رأينا فيلم Munich للمخرج الأمريكي الأشهر ستيفن سبيلبيرج Steven Spielberg 2005م، وهو الفيلم الذي تعرض لاغتيال عدد من اللاعبين الإسرائيليين في ميونيخ على يد مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين، وكيف تعاملت معهم المخابرات الإسرائيلية في مباراة من التصفيات والاغتيالات، ولعل براعة سبيلبيرج في هذا الفيلم تعود إلى أنه لم يحاول إدانة الجانب الفلسطيني ولا حتى الجانب الإسرائيلي، بل تناول الفيلم من وجهة نظر إنسانية بحتة، وكيف أن المزيد من القتل والاغتيالات من أجل السياسة يؤدي إلى القتل المعنوي الحقيقي وتشويه نفس من يقوم بمثل هذه العمليات؛ الأمر الذي أدى إلى مهاجمة العديد من اليهود لسبيلبيرج بسبب هذا الفيلم الذي غلّب فيه الإنساني على ما هو سياسي أو ديني أو عرقي.
لكن مع كل هذا التنميط من السينما الأمريكية للعربي، هل نستطيع لوم صناع السينما الأمريكية على ما يصدرونه من أفكار مشوهة عن العرب؟
الحقيقة أننا لا يمكن لومهم في ذلك؛ لأن ما يقدمه العربي عن نفسه لا يعدو أكثر من كونه مجرد صورة مشوهة يقدمها جاهزة للعالم؛ مما يعمل على المزيد من التشويه، فإذا ما نظرنا إلى السينما المصرية مثلا فلن نجد سوى شخصية البلطجي، أو الأبله، أو المرأة العاهرة، وغير ذلك من النماذج التي تقدمها السينما المصرية، ولعل الأمثلة على ذلك كثيرة منها مثلا ما يقدمه محمد سعد في كل أفلامه التي لا تعبر إلا عن شخصية المصري الأبله، كذلك ما يقدمه محمد رمضان من شخصيات لا تُعبر إلا عن البلطجة والخروج عن القانون ومحاولة الإعلاء من قيمة البلطجة وكأنها الرجولة، وغير ذلك الكثير من النماذج.
إذن فنحن لا نحاول من خلال ما نقدمه في السينما المصرية أو غيرها من السينمات العربية نفي الصورة المشوهة والنمطية التي تقدمها السينما الأمريكية عن العربي، بل نعمل على التأكيد على هذه الصورة بالمزيد من التشويه فيما نقدمه من نماذج سينمائية من المفترض أنها تعبر عن الشارع والواقع المصري أو العربي، مما يؤدي إلى المزيد من هذا التشوه.



محمود الغيطاني
مجلة السينمائي
العدد الرابع/ ربيع 2017م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق