الاثنين، 11 سبتمبر 2017

"لماذا نحب؟".. محاولة جديدة لتفسير مفهوم الحب


الكتاب في نسخته الإنجليزية
للمرة الأولى في تاريخ المركز القومي للترجمة يقوم بإصدار كتاب يكاد يكون خفيفا وتجاريا إلى حد ما، متخليا في ذلك عن منهجه الذي يُصرّ دائما على إصدار الكتب الدسمة ثقافيا، ومن ثم نرى كتاب "لماذا نحب.. طبيعة الحب وكيمياؤه" للكاتبة الأمريكية هيلين فيشر في ترجمة لكل من فاطمة ناعوت، وأيمن حامد، ولعل المُطلع على الكتاب سيفهم من خلال مقدمتي المترجمين السبب في اشتراكهما بترجمة الكتاب، حيث حرصت المؤلفة التي تعمل في مجال الإنثروبولوجي على المزج من خلال كتابها بين الجانب الأدبي من خلال قصص الحب المتعددة على مر التاريخ وهو ما اهتمت ناعوت بترجمته، وبين الجانب العلمي الذي يعمل على تفسير سبب هذا التغير الطارئ على الإنسان الذي يجعل حياته بالكامل متمركزة حول الشخص المحبوب، ويجعله يتحرك فقط من أجل هذه العاطفة وهذا الشخص بعينه، وهو الجانب الذي اهتم به الدكتور أيمن حامد وعمل على ترجمته.
عملت المؤلفة من خلال كتابها على إجراء دراسة فريدة لهذا الموضوع الذي يهم جميع البشر؛ ومن ثم قامت باستبيان اشترك فيه عدد ضخم من البشر المختلفي الهويات والجنسيات والعرقيات والدين والتوجهات والثقافات، ولكن كانت النتيجة المدهشة أن الجميع كادوا أن يتفقوا في نهاية الأمر على نفس الأمر من خلال إجاباتهم، وهو ما يدل على أن العاطفة الإنسانية تجاه الحب تكاد تكون واحدة لا يمكن اختلافها من شخص لآخر، بل يتفق البشر جميعا على مفهوم الحب وما يشعرون به تجاه من يحبونه، لا يؤثر في مثل هذا الإحساس الثقافة أو العرق أو الدين.
تقول المؤلفة: "الشخص المأثور بالحب يُركز تقريبا كل اهتمامه على المحبوب، حتى لو أوقع الضرر بكل شيء وكل شخص حوله، بما في ذلك العمل، الأسرة، والأصدقاء. أورتيجا واي جاسيت، الفيلسوف الإسباني، أسمى هذه الحال: "الحالة الفائقة من اليقظة والتركيز، تلك التي تحدث في الإنسان العادي". الرجال والنساء المفتتنون أيضا يركزون على الأحداث كافة، والأغنيات، والخطابات، وكل الأشياء الصغيرة الأخرى التي تشاركوا فيها مع أحبتهم. اللحظة التي توقف فيها في الحديقة ليُريها برعم الربيع، المساء الذي قذفت فيه إليه بحبّات الليمون وهو يعد العصائر: "إلى حبيبي مالك مشاعري"، كل تلك اللحظات العفوية العارضة تتنفس. 73% من الرجال و85% من النساء يتذكرون تلك الأمور الصغيرة التي فعلها عشاقهم أو قالوها. و83% من الرجال و90% من النساء يستدعون تلك الحكايات الثمينة في عيون أذهانهم وهم يتذكرون أعزتهم".
المؤلفة هيلين فيشر
تؤكد المؤلفة أن الشعور بالعشق تجاه أحد الأشخاص يعمل على تغيير جميع عادات الشخص في كل مفردات حياته من أجل أن يكون مُرضيا لشريكه العاطفي، كما أن هذا الأمر مرتبط أيضا ارتباطا وثيقا بالرغبة الجنسية في المحبوب، ومن ثم فإن العشق والجنس مع المعشوق لا يمكن لهما أن ينفصلا: "ليس من العبث أن نجد دائما مشاعر الرومانسية مجدولة ومضفورة بالتوق الجنسي، فالحب الرومانسي لابد أن يقترن بالرغبة الجنسية"، تقول المؤلفة: "تُكرّس نتائج استطلاعي تلك الظاهرة. 73% من الرجال و65% من النساء يحلمون آناء الليل وأطراف النهار بممارسة الحب مع عشاقهم.
يتحدث الكتاب عن العديد من حالات الحب وما يرتبط به من سلوك اجتماعي متغير نتيجة هذه العاطفة، والشعور بالغيرة والحصرية والإخلاص بمعنى أن من يعشق لا يرغب أن يقترب شخص آخر من حبيبه مهما كانت الظروف، ثم لا تلبث المؤلفة الحديث عن الحب بين الحيوانات وأهم ظواهره وشكل الغزل بينهم للوصول في النهاية إلى اللقاء الحميمي الذي يتوج هذه العلاقة بينهما.
اهتمت المؤلفة بإجراء العديد من التجارب العلمية على العشاق وعملت على جمع المعلومات عن كيمياء المخ وروابطه أثناء الحب الرومانسي، كما ركزت أبحاثها على مادتي الدوبامين والنوريبنفراين، ومن ثم المادة المرتبطة بهما، وهي السيروتونين، وهذه المواد يزداد تركيزها في المخ في حالة العشق فيسبب الدوبامين زيادة هائلة في تركيز الإنسان على من يحبه كما يسبب النشوة للمحبين، بينما زيادة مادة النوريبنفراين يساعد في فهم لماذا يتذكر المحبون التفاصيل الدقيقة لكل ما فعله المحبوب، ولماذا يبقى كل ما فعله هذا المحبوب في الذاكرة طويلا، ولكن زيادة هاتين المادتين في مخ الإنسان يعمل على انخفاض مستوى مادة السيروتونين وهي المادة التي يُسبب انخفاضها في الإنسان إلى اضطراب الوسواس القهري الذي يجعل المُحب لا يتوقف عن التفكير فيمن يحبه، وهنا تقول المؤلفة: "لهذا فأنا أعزو مثابرة المحبين، وفقدانهم للإرادة، والتفكير المتكرر بالمحبوب إلى نقص محتمل لبعض هذه المواد".
رغم أن كتاب "لماذا نحب" من الكتب المسلية إلى حد ما، والجاذبة للكثيرين من أجل معرفة سر هذه العاطفة، إلا أنه يظل كتابا تجاريا وليس متخصصا كالكتب التي عهدنا صدورها عن المركز القومي للترجمة، وإن كان يُعد مجرد فسحة لالتقاط الأنفاس في خضم الكثير من الكتب المهمة والدسمة فكريا وثقافيا التي تصدر عن المركز.




محمود الغيطاني




جريدة الأهرام
عدد 29 أغسطس 2017م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق