الجمعة، 25 مايو 2018

رحلة الرقص الشرقي المصري من الغوزاي إلى فن الباليه

سحر حلمي هلالي
يتميز الرقص الشرقي المصري "بتحريك أكثر من منطقة في الجسم في نفس الوقت، ويتم ذلك بانفصال أعضاءه عن بعضها البعض وتحريكها في أكثر من اتجاه بشكل متسلسل وبانسيابية في نفس الوقت. فيعتمد على هز الهنش وتحريك القفص الصدري في نفس الوقت مع ثبات القدمين على الأرض، وتبدأ الحركة في الرقص الشرقي من القدمين مع دفع الجسد لتبدأ الحركة من الأرض مرورا بالأرجل إلى الهنش والبطن، ويعتبر العمود الفقري هو المحرك الأساس للرقص الشرقي من الناحية التشريحية، ثم تأتي حركات القفص الصدري التي تتميز بانفصالها عن حركات الوسط، وتليه حركات الرأس والأذرع"، من خلال هذا الوصف التفصيلي لحركات الرقص الشرقي المصري تؤكد لنا الباحثة الدكتورة سحر حلمي هلالي في كتابها "الرقص الشرقي المصري بين الماضي والمستقبل" أهمية الحركات الإيقاعية التي يتميز بها هذا اللون من الرقص المغرق في محليته، والذي اكتسح العالم بأسره، حتى أن هناك العديد من المدارس لتعلمه في أوروبا وأمريكا وشرق آسيا وغيرها من مناطق العالم المهتمة بالفن والحركات الإيقاعية.
لم تتوقف الباحثة عند هذا الوصف، بل تسترسل في رصد حركات هذا اللون من ألوان الفن لتقول: "للأذرع أهمية متميزة في هذا النوع من الرقص؛ إذ تتميز حركات الأذرع بعدم الثبات والليونة، وبرسم حركات دائرية حلزونية، كما تستخدم الصاجات النحاسية في بعض الأحيان، كما أن الرقص الشرقي يعرف الارتفاع على أطراف الأصابع كنوع من أنواع الارتفاع عن الأرض دون تركها، وهو سر تكنيك الرقص الشرقي، حيث لا يوجد قفزات عالية، أو رفع للأرجل إلى أعلى في شكل من أشكال صعوبات مهارية وقدرات عالية لجسم راقص كما هو الحال في الكثير من أنواع الرقص الأخرى كالرقص الكلاسيكي، أو الجاز، أو الحديث. إنما هناك صعوبات أخرى يتميز بها هذا الرقص ومن أهمها الليونة في العمود الفقري، والقدرة على التوافق العضلي العصبي بشكل مدهش للتحكم في حركات الجسم".
في هذا الأمر يقول الدكتور أحمد جمعة، كما تقتبس الباحثة: "إن الرقص الشرقي يعتمد على الجسم أكثر من اعتماده على الأطراف وهز الجسم باهتزازات سريعة ونشطة، كما أنه من الممكن أيضا أن ترفع الراقصة الحرقفتين واحدة تلو الأخرى في تتابع مع تثبيت الأرجل، أو تهز صدرها والأيدي ثابتة في شكل من الأشكال. إنها تستطيع أن تؤدي رقصها في توافق عضلي عصبي تام مع انسجام وإتقان يؤكد للمشاهدين مدى إمكانية هذه الراقصة في التحكم في عضلات الجسم المختلفة".
عن هذا اللون من الرقص المحلي المصري الذي نشأ منذ أيام الفراعنة، ومر بالعديد من الأطوار، وامتزج بالكثير من الثقافات الدخيلة على المجتمع المصري على مر العصور وأخذ منها، يدور هذا الكتاب المهم، موضحا كيف بدأ هذا الرقص، وكيف تطور ووصل إلى أرقى أشكاله في الأربعينيات حتى الستينيات من القرن الماضي بفضل السينما المصرية، ثم كيف انحدر هذا الفن تماما ولفظه المجتمع المصري باعتباره فنا هابطا، هدفه الأول هو الإثارة قبل أن يكون فنا راقيا.
تنطلق المؤلفة في بحثها باعتبار أن هذا الرقص الذي لا تهتم به الأوساط العلمية ولا تعتني بدراسته، أو التأريخ له هو من أهم أشكال الرقص التي سادت العالم، وإن كان عدم الاهتمام بالدراسة العلمية له قد أدى إلى دخول العديد من الحركات التي لا تخصه إليه، كما اندثرت بعض الحركات الأخرى المهمة، وأدى ذلك إلى انحداره كثيرا؛ مما يدلل على أهمية تدريس هذا الشكل من أشكال الفن من أجل الحفاظ عليه والعمل على تطويره لاسيما أنه يتميز بحركات لا تتواجد في أي لون من ألوان الرقص الأخرى في العالم؛ فهو يعتمد على: "حركات الحوض أو الهنش أو الوسط والتي تتميز بليونة وانسيابية ونعومة في الأداء الحركي. فاستخدام الجزع وطريقة تحريكه بسلاسة لا توجد في أنواع أخرى كثيرة متواجدة على خشبة مسرح الباليه، بل إن تحريك منطقة الحوض أو الهنش لأمر محظور استخدامه، ومنطقة ممنوع تحريكها في الرقص الكلاسيكي التقليدي الصارم المعروف"، من هنا تأتي أهمية الرقص الشرقي المصري وتميزه عن غيره من أنواع الرقص في العالم.
تعود الباحثة إلى جذور الرقص الشرقي المصري من خلال التاريخ وما كتبه العديدون من الكتاب اليونانيين وغيرهم من علماء الحملة الفرنسية على مصر، فتؤكد أن الرقص الشرقي كان معروفا في مصر منذ أيام الفراعنة، وتحدث عنه الكثيرون من الفلاسفة لاسيما أفلاطون الذي تحدث عن هذا الرقص باحترام كبير: "إن الإنسان بحاجة لمن يقوده حتى في استخدامه لاكتشافاته هو، بنفس القدر الذي يحتاج فيه لمن يقوده وهو يستخدم ملكاته الفيزيقية والعقلية؛ ولهذا السبب فإن قدماء المصريين قد كرسوا، بفعل قوانين خاصة مبادئ فني الرقص والغناء، بالعناية نفسها التي أولوها في إرساء مبادئ الحكم والدولة والمؤسسات بالغة الأهمية"، وتأتي أهمية ما قاله أفلاطون عن الرقص والغناء في مصر القديمة إلى أنه أقام في مصر فترة طويلة؛ ليدرس فيها الفلسفة والسياسة وكل العلوم المقدسة، وهو الأمر الذي يعطي لشهادته وزنا كبيرا فيما ينقله إلينا عن الموسيقى والغناء في مصر القديمة.
لعل يقين المصريين القدماء بأهمية فن الرقص والموسيقى هو ما جعلهم يهتمون بتدريسه لصغارهم بشكل علمي، والعمل على تعريفه لهم باعتباره شكلا من أشكال الفنون، غير متبرئين من الرقص كما هو الحال الآن في المجتمع المصري، وفي هذا يقول أفلاطون: "ثم ابتكروا نوعا من التمثيل الصامت يتوافق مع هذه الأغاني والرقصات، وكانوا يقومون به داخل المعابد أو خارجها في أيام الأعياد وأيام الراحة، وكانت هذه التدريبات مفيدة فيما يتصل بالأخلاق التي كانت هذه التدريبات تقدم عنها أكثر الصور جمالا، أما ما يتصل بالرقص بفعل رشاقة الحركات وتوقيعها، وفي النهاية بفعل التناغم الكامل واللياقة والجمال في كل من تأليف وإخراج الأغنيات والرقصات، وكانت هذه التدريبات تندمج أو تصاحب كل مراحل التعليم، فقد كان قدماء المصريين يعتبرون أنه عندما لا يعرف أمرؤ ما قط أن يغني، وحين لا يعرف قط أن يرقص فمعنى ذلك أنه لم يتلق تعليما قط"، وربما كانت الفقرة الأخيرة من كلام أفلاطون عن الرقص والأغاني عند قدماء المصريين من الأهمية التي توضح قيمة الرقص والغناء في حياة المصريين القدامى؛ مما يستدعي الكثير من الدهشة الآن نتيجة تبرؤ المصريين من هذين الأمرين المهمين في الحياة بعد دخول واكتساح الغزو الوهابي إليها. بل اعتبر المصريون هذه الفنون أمورا مقدسة مثلها مثل كل العلوم وهذا ما تؤكده الباحثة: "كانت الموسيقى والفنون وفن الرقص وعلم الحركة في مصر القديمة شأنها شأن الفلك والعلوم والفلسفة، أي تدخل في عداد العلوم المقدسة والتي كانت تقتصر دراستها ومعرفتها وتعلمها في كل فروعها على طبقة الكهان بصفة خاصة والمتعلمين بصفة عامة"، ومن هنا تتضح لنا الأهمية القصوى التي كان يوليها المصريون القدماء للفنون والرقص بصفة خاصة.
هذا الحرص الكبير على هذه الفنون في مصر القديمة أدى إلى تأثر الحضارة اليونانية بالمصريين؛ ومن ثم اهتموا كثيرا بالرقص والغناء كما فعلت مصر، أي أنهم تماهوا معهم؛ نتيجة لأن عدد كبير من اليونانيين تلقوا تعليمهم وفلسفتهم على يد المصريين، وفي هذا تقول المؤلفة: "إن حورس إله الشعر أو النغم والذي أعطاه الإغريق اسم أبوللون (أبوللو).. كان أوزوريس يحب المرح والبهجة والموسيقى والرقص، وكان يستبقي حوله على الدوام فرقة من الموسيقيين، كان من بينهم تسع عذراوات كن بارعات في كل الفنون التي تتصل بالموسقى، وقد سماهن اليونانيون ربات الفنون، أو الموسات، وكان يرأسهن أبوللو الذي سُمي لهذا السبب Musagete أي قائد أو رئيس ربات الفنون، ولو لم يكن "بلوتارك" (بلوتارخوس) قد أخبرنا أن هذا الذي أطلق عليه الإغريق اسم أبوللون كان هو نفسه من يُسمى في مصر باسم حورس أو "هورس" لما كان ليشك أحد في حقيقة أن اسم أبوللون هو اسم يوناني محض، كما أنه اسم لإله يوناني وليس أبدا اسما مصريا، ولا هو اسم إله مصري".
لكن هل تأثر الإغريق فقط دون غيرهم بثقافة مصر القديمة ونقلوا عنها الرقص والغناء؟
الحقيقة التي يثبتها التاريخ أن جميع ثقافات العالم تأثرت بالثقافة المصرية؛ ومن ثم أخذت عنها الرقص والغناء والموسيقى، كما أن الحركات الراقصة في الرقص المصري القديم لا تختلف كثيرا عن نفس الحركات والإيقاعات التي نراها اليوم في الرقص الشرقي المصري، مع دخول بعض الإيقاعات والحركات الجديدة نتيجة تأثر مصر بالكثير من الثقافات التي مرت عليها مع عصور الاحتلال الكثيرة لاسيما الهكسوس وغيرهم، وفي هذا نرى أن أوروبا قد تأثرت كثيرا بالرقص المصري الشرقي حيث: "إن تعاليم الرقص الكلاسيكي الأوروبية قد تكون مُستمدة ومُستلهمة في الأصل من تعاليم فن الرقص عند الفراعنة وخصوصا أنها كانت عند قدماء المصريين تعتمد على اللياقة والرشاقة؛ لتحاكي أجمل حركات الجسم وأكثرها سموا لدرجة أنه يُقال إن تماثيل قدماء المصريين هي محاكاة للرقص القديم، ويقول أفلاطون في كتابه عن القوانين، الكتاب الثاني والثالث والسابع من مؤلف الجمهورية: إن الموسات التسع كن يحركن الأنشودة التي تحمي الحياة، كما يوضح إن تماثيل القدماء هي مخلفات الرقص القديم، فلقد لوحظت الحركات وحُددت من قبل إذ كان هناك سعي دائب لإكساب التماثيل أو إعطائها حركات جميلة ونبيلة، كان الغرض منها أن ينتج عنها تأثير نافع"، ولعل ما يؤكد أن الرقص الذي نعرفه اليوم هو نفسه الرقص الذي عرفه الفراعنة ووضعوا قواعده وأسسه وحركاته ما يسوقه سعد الخادم، أحد مؤرخي الفن المصري المعاصرين الذين كتبوا عن الرقص الشرقي فيقول: "إذا نظرنا لتاريخ الرقص المصري نجد أن الرقص المصري وُجد بنوعه وشكله منذ العصور الموغلة في القدم موجودة في النقوش الهيروغليفية بمعابد طيبة والقرنة وغيرها مناظر لما يقع داخل البيوت، كمناظر الراقصات في ثياب كالتي يلبسنها الآن وفي أوضاع وحركات لا تختلف في شيء عن أوضاعهن وحركاتهن اليوم".
إذن ما هي العوامل التي عملت على تغير شكل الرقص الشرقي المصري، وكيف وصل إلى هذه الدرجة من احتقار المصريين له رغم أهميته منذ القدم؟
تقول الباحثة سحر هلالي: "على مرّ العصور تدهور فن الرقص منذ العصر الفرعوني بعد أن دخلت عليه احتفالات لأعياد الإغريق والرومان والفرس الذين عاشوا في مصر منذ قديم الزمان، فبعدما كان الرقص الراقي يُستخدم للتعبير عن سعادة البشر والسمو بهم من جموح العواطف، أصبح ماجنا شهوانيا حينما اختلط بأعياد باخوس إله الخمر عند الإغريق والرومان، وكذا ليرضي بعض ملوك الفرس الذي كان يميل إلى الرقص الخليع، ولإرضائه كانت تُقام أعياد واحتفالات بها رقص ماجن إرضاء للملك، كما يتضح من كتاب وصف مصر حيث وجد علماء الحملة الفرنسية على مصر وشاهدوا صورة لرقص عوالم وغوازي لا تُشبه من بعيد أو قريب شكل الرقص الذي ذكروه في نفس سلسلة الكتاب في المجلد السابع، والذي ذُكر على لسان الفيلسوف اليوناني الكبير أفلاطون الذي زار مصر"، أي أن هناك الكثير من الحركات الخليعة التي بدأت تتسرب إلى الرقص المشرقي المصري من خلال الغزوات الثقافية والسياسية التي مرت بها مصر، ولعل هذا ما يُفسر لنا ظهور الغوازي والعوالم في الثقافة المصرية حيث تستشهد المؤلفة بكلام ماجدة صالح قائلة: "أما ماجدة صالح فقد تناولت تاريخ رقص الغوازي فقالت عنه: إن أصل هذا النوع من الرقص غير معروف فعليا، إنما على ما يبدو أنه اختلط بالعديد من الأجناس والأصول البشرية حيث اختلطت لغاتهم وكذلك أدواتهم التي تُعد غريبة على المجتمع المصري، كما توضح ماجدة صالح إن الغوازي هم من قبائل أقامت في مصر منذ عام 1517م إذ جاءت مع جيوش السلطان العثماني عثمان سليم الأول، وهي من عائلة نوار المقيمة بالصعيد، وهي عائلة من أصل فارسي، وذلك عن تصريح من عائلة الغجر مازن الساكنة بالأقصر".
إذن فالعوالم والغوازي اللاتي ظهرن في مصر واختصصن في الرقص الشرقي هن من أدخلن على الرقص الكثير من الحركات الإيقاعية التي لم تكن من أصول الرقص المصري، وإذا كانت العوالم لم يسئن إلى سمعة الرقص المصري؛ حينما اقتصر رقصهن وطربهن على المجتمعات المغلقة داخل البيوت، إلا أن الغوازي أكسبن الرقص الشرقي الكثير من السمعة السيئة بابتذالهن وخروجهن للموالد والأفراح واعتمادهن على الإغراء الجسدي أكثر من اعتمادهن على فن الرقص، وفي هذا تقول: "أنشأت الغوازي مدراس للرقص الشرقي بالماضي في القرن التاسع عشر بكفر مستنت، إذ أنشأت الغوازي مستعمرة تسرق الأطفال وتشتريهم من الفلاحين؛ لتدربهم على الرقص في المقاهي والبارات، إلى أن جاء السلطان محمد علي ومنع الغوزاي والعوالم من الرقص عام 1834م؛ فنتج عنه أن انتشر رقص "الخولات"، وهو رقص رجالي كان موجودا بالفعل ومعروف في تلك الفترة، وهو قريب من حركات الرقص النسائي، ويرتدي فيه الرجال أزياء نسائية، وترجع شهرة هذا النوع من الرقص إلى عصور قديمة".
لكن رغم كل هذه الظروف التي مر بها الرقص الشرقي في مصر، ودخول العديد من الحركات الإيقاعية عليه وابتذاله، واحتقار الكثيرين من المصريين له، إلا أنه عاد مرة أخرى ليكون من أهم الفنون المصرية التي يتميز بها الفن المصري في العصر الحديث في بدايات القرن الماضي على يد بديعة مصابني: "فكان أول ملهى ليلي عرفته مصر في عام 1926م على يد بديعة مصابني، وسُمي كازينو بديعة التي استلهمت فيه الشكل الغربي المستوحى من البارات والملاهي الليلية الأوروبية واستبدلته عن البارات والحانات المصرية التقليدية التي كانت موجودة في هذا الوقت، فكان نوع من أنواع المسرح الاستعراضي الذي يقدم الموسيقى والغناء والتمثيل والرقص والفكاهة. فكانت بديعة مصابني هي أول من نقل الرقص الشرقي من خصوصية ممارسته في المنازل وأدائه في الشوارع والموالد والاحتفالات الاجتماعية إلى خشبة المسرح؛ فأصبح يُقدم في الكباريهات والملاهي الليلية بعد أن كان يُقدم في الحانات والبارات بشكل تقليدي محلي. فاتخذ في ذلك الوقت شكل الصولو Solo النسائي المتعارف عليه حاليا، كما أضافت إليه بعض الحركات، فبعد أن كان يعتمد على هز الهانش والقفص الصدري طلبت من أحد مؤلفي الحركة الأجانب المقيمين في مصر في ذلك الوقت أن يطعمه ببعض الحركات من الأنواع الأخرى للرقص كرقص الصالون، ورقص الباليه، وأنواع أخرى من الرقص الغربي حتى يتسنى لها وضعه على خشبة المسرح أسوة بباقي أنواع الرقص الغربي الأخرى".
هنا كانت البداية الجديدة والحقيقية للرقص الشرقي المصري، وهي البداية التي سترتفع به إل مصاف الفنون المسرحية الأخرى، ومن ثم لن تستغني عنه السينما في كل أفلامها طول فترة الأربعينيات حتى الستينيات التي كانت هي الفترة الحقيقية الذهبية للرقص الشرقي المصري على يد تلميذات مصابني من تحية كاريوكا، وسامية جمال، ونعيمة عاكف، وغيرهن من رائدات هذا اللون من الفن.
ربما كان اهتمام مصابني وغيرها من الراقصات والفنانات في هذه الفترة بهذا الشكل من أشكال الرقص هو ما دفع المصمم الكوريوجرافي إبراهيم عاكف الذي كان أحد أهم من قدموا الرقص الشرقي بصورة فنية متميزة على شاشة السينما المصرية إلى تقديم العديد من الرقصات الفنية الجديدة، ومن هذا اليوم بدأ التاريخ يُسجل أولى خطوات أول مدرسة للرقص الشرقي وبالأخص في عام 1970م حيث بدأ مدرسو الرقص الشرقي في تعليمه وتقديمه للتلاميذ الموهوبين؛ فأصبح تعبيرا حركيا يُعلم في معظم دول أوروبا الغربية وأمريكا؛ إذ انتشر من خلال السينما في ذلك الوقت".
مع عرض الباحثة سحر هلالي لتاريخ الرقص الشرقي منذ بدايته حتى اليوم، والتوقف غير مرة أمام فترات اضمحلاله وسببها تؤكد أن هذا الرقص قد بات مرجعا لكل أنواع الرقص في العالم: "من خلال مشاهداتي لعروض الرقص المختلفة على مسارح الباليه ودور الأوبرا في فرنسا وجدت أن هناك بعض مؤلفي الحركة الذين بدأوا يستلهمون من بعض حركات الرقص الشرقي المصري بشكل لفت انتباهي كباحثة وفنانة مصرية وباليرينا تعلمت أصول وقواعد الرقص الكلاسيكي الأوروبي"، كما تؤكد أن الرقص الشرقي مثله مثل غيره من ألوان الفنون من الممكن أن يتطور بالاهتمام به والتأريخ له، وتعليمه في المعاهد الفنية بإضافة العديد من الحركات المهمة إليه، وجعله مثل الفنون الأخرى التي من الممكن عرضها على خشبات المسارح والأوبرا وغيرها.
لكن إذا كان كتاب "الرقص الشرقي المصري بين الماضي والمستقبل" من الكتب النادرة والمهمة التي قلما نجد مثلها في المكتبة العربية؛ نتيجة ندرة الباحثين في هذا المجال‘ فإنه –للأسف- من أكثر الكتب التي لا يمكن الصبر عليها في القراءة نتيجة أخطاء المؤلفة اللغوية الفادحة التي لا يمكن لها أن تُعد أو تُحصى، والتي لا يقع فيها طفل في المرحلة الابتدائية ما زال يتعلم القراءة والكتابة؛ مما يجعل قراءة الكتاب شكلا من أشكال العذاب الحقيقي لمن يتذوق اللغة العربية، ولعل هذا ما يدعونا إلى المناداة بضرورة عدم حصول أي باحث على درجة الماجستير أو الدكتوراه إلى بعد اجتيازه اختبارات في اللغة العربية تؤكد أنه يتقنها جيدا؛ لأن الكارثة الحقيقية التي نراها اليوم أن معظم المتعلمين الحاصلين على الشهادات الجامعية ودرجات الدكتوراه لا يفقهون شيئا في العربية ويكتبون بمستوى طلاب المدارس الابتدائية فنرى الباحثة تكتب: "بطريقة حلازونية" بدلا من حلزونية، و"الأوروبية النشئة" بدلا من النشأة، و"القدره" بالهاء بدلا من التاء المربوطة، و"أتوصل إلى نشئته" بدلا من نشأته، و"التي لاقت بالفعل نجاح ملفت للانتباه" بدلا من لاقت بالفعل نجاحا لافتا للانتباه، و"كتراث أنساني" بدلا من إنساني بوضع همزة القطع أسفل الألف، وعدم ادغام ما يجب إدغامه حينما تكتب "في ما كتبه" بدلا من فيما كتبه، ولعل الكارثة العظمى التي كتبتها في كتابها كانت "كما يترأى له" التي كانت تقصد بها يتراءى، و"ألف كتابا ضخم"، بدلا من كتابا ضخما بما أن الصفة تتبع الموصوف في الرفع والنصب والجر، و"طرء على مصر"، بدلا من طرأ، وكتابتها الدائمة للاسم الموصول "الذين" المستخدم للجميع في صيغة المثنى "اللذين" بدلا من الجمع، والتعامل مع حرف العلة في نهاية الفعل باعتباره واو الجماعة التي تستوجب الألف بعدها حينما تكتب "يسموا" بدلا من يسمو، وعدم حذف حروف العلة بعد حرف الجزم مثل "لم يختفي" بدلا من يختف، وغير ذلك الكثير جدا على طول صفحات الكتاب مما يؤشر بوجود كارثة جهل حقيقي باللغة العربية بين معظم المتعلمين بل وبين أساتذة الجامعات أيضا.





محمود الغيطاني

مجلة عالم الكتاب.
عدد مارس 2018م.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق