هذا الفيلم ليس مُجرد لوحات سينمائية تهتم بتقديم فنون الأداء القتالية في الصين وأنواعها المُتعددة، وليس مُجرد فيلم يهتم بتقديم السيرة الذاتية المُهمة لأبو فنون أداء الكونغ فو، يب مان، في مدينة "فوشان" في الجنوب الصيني قبل الغزو الياباني لها، وهو الذي كان من أشهر تلاميذه بروس لي، بل هو مقطوعة فنية تقترب من الموسيقى، ترثي الكثير من القيم في الصين؛ ليتخذ المُخرج من الوقت، والدقة، والتحدي، ومحاولة استرداد الشرف، والإرث، والانتقام من أجل تحقيق العدالة أدوات مُهمة من أجل صناعتها بالشكل الذي خرجت عليه؛ وتضحى من أهم الأفلام السينمائية التي قدمها المُخرج الصيني وونج كار واي رغم اختلافها البيّن عن العوالم التي رأيناها له فيما سبق من أفلام، وإن كان قد حرص هنا على اعتماده على نفس أسلوبيته الجمالية في صناعة السينما.
في فيلم The Grandmaster المُعلم الكبير للمُخرج الصيني Wong Kar- Wai وونج كار واي ثمة العديد من المُلاحظات التي لا يمكن تجاهلها لكل من يعرف نوع السينما التي يقدمها هذا المُخرج؛ فهو يعتمد على نفس أسلوبيته الجمالية في صناعة السينما، بل يكاد أن يعتمد على نفس الفلسفة التي ينطلق منها تجاه هذه الصناعة، ورغم أنه هنا يخوض في غمار عالم جديد عليه فيما يقدمه، وهو عالم الفنون القتالية- الكونغ فو ومدارسه الأدائية المُختلفة- مما قد يجعله فيلما من أفلام الحركة أكثر مما هو فيلم فني، إلا أنه يستطيع من خلال أدواته التي يتقنها جيدا تحويل الفيلم من فيلم حركة إلى مقطوعة سينمائية يرثي من خلالها الفنون القتالية القديمة، وإن كان في المعنى الأبعد من الفيلم يرغب المُخرج في التأكيد على أن الوقت يتقدم دائما إلى الأمام، وأنه في هذا التقدم إنما يقضي على الكثير من الحيوات، والقيم، والفنون؛ ليخلق غيرها الكثير مما هو جديد؛ لتعويض ما اندثر ولم يعد يهتم به أحد.
هو هنا لا يقدم أيضا مُجرد فيلم من أفلام السيرة الذاتية، وهي السيرة التي اهتم بها بمُعلم هذا الفن القتالي، يب مان، بل جنح إلى المزج بين تقديم سيرته الذاتية، ورثاء اندثار هذا الفن المُهم في الصين، فضلا عن تأمله في التاريخ السياسي في الصين، ومحاولات الانفصال بين كل من الجنوب والشمال، إلى أن وقعت الصين فريسة لليابان في الحرب الصينية اليابانية الثانية 1937- 1945م.
لم يكتف المُخرج بذلك؛ فهو لم يكتف بتقديم العديد من المشاهد القتالية التي قد تستهوي جمهور أفلام الحركة، كما لم يكتف بالسيرة التي هو بصددها، ولم يتعرض لتاريخ الصين السياسي في خلفية الأحداث فقط- صحيح أنه تعرض لهذا التاريخ السياسي، لكنه لم يكن هو المُحرك الأساس في الأحداث، بل ظل في الخلفية وكأنه يجثم على أنفاس الجميع- بل مزج كل هذه الأمور بقصة من الرومانسية الدافئة التي كثيرا ما رأيناها لديه في العديد من الأفلام لا سيما ثلاثيته الشهيرة السابقة، وهي الثلاثية التي حملت من المشاعر العميقة والرومانسية ما لا يمكن نسيان أحداثها مهما مر الكثير من الوقت؛ لبراعته فيما قدمه فيها.
يفتتح وونج كار واي فيلمه بمشهد من مشاهده التي يمكن إطلاق عليها مُسمى اللوحات الفنية التشكيلية؛ حيث نرى قطرات الأمطار المُتساقطة مُستخدما أسلوب العرض البطيء Slow Motion- وهو من الأساليب السينمائية الأثيرة في التصوير لدى المُخرج، والتي دائما ما يستخدمها في جميع أفلامه- فتبدو لنا هذه الأمطار وكأنها مُجرد قطرات من اللؤلؤ لفرط تركيز الكاميرا عليها مع العرض البطيء، يتضافر مع هذا الأسلوب الإضاءة الحالمة، أو الحلمية إلى حد كبير، حيث نرى عراكا بين يب مان- قام بدوره المُمثل الصيني Tony Leung Chiu- Wai توني ليونغ تشيو واي- ومجموعة كبيرة باستخدام فنون الكونغ فو، ولعله في أسلوبية تصوير المشهد ما يجعله من أقوى وأهم المشاهد في الفيلم- رغم حركيته المُفرطة- لأثره الجمالي، وقدرته على التأسيس للعالم الفيلمي الذي نحن بصدده، فضلا عن المقدرة البارعة للمُخرج على تأطير مشاهده- وهو ما جعلنا نصفها باعتبارها لوحات فنية.
في هذا المشهد الافتتاحي للعراك نلاحظ تركيز الكاميرا بتأمل على لقطات حركة الأيدي والأقدام؛ وهو ما يكسب المعارك، رغم عدم أهميتها الحيوية لمن لا يحبون فنون القتال، الكثير من الجماليات التصويرية، بل يؤدي تأمل الكاميرا في التفاصيل الدقيقة إلى تحويل المعركة إلى أسلوبية خاصة في التصوير تخص المُخرج وحده.
إذن، فهو حريص هنا منذ المشهد الأول على تقديم يب مان الذي يتناول سيرة حياته، وكأنه يعمل من خلال هذا المشهد التأسيسي على تعريفنا عليه، ومقدرته على القتال بشرف.
ينتقل المُخرج فيما بعد للحديث عن فنون الأداء القتالية سواء في جنوب الصين أو شمالها، حيث تختلف المدارس القتالية ما بين الشمال والجنوب، ولكل جهة منها مدرستها الخاصة، لذلك يأتي جونج يوتان- قام بدوره المُمثل الصيني Wang Qingxiang وانغ تشينغ شيانغ- من الشمال بعدما أقام حفل اعتزاله لفنون القتال رغم أنه صاحب مدرسة مهمة اسمها "الأيدي 64" ولم يبرع فيها سواه، وعلمها للكثير من الأجيال، ولكن لأنه يرى أن الزمن إلى صيرورة مُستمرة للأمام، ولأنه يثق أنه لا بد من اعتزاله كي يترك الفرصة لغيره من الشباب وغيرهم ممن علمهم أسرار هذا الفن؛ فلقد قرر الاعتزال، وبعدما أقام حفل الاعتزال في الشمال، وصل إلى الجنوب؛ بدعوة من مدارس الأداء الأخرى كي يقيم حفل اعتزاله الثاني.
باستخدام أسلوب الحكي التسجيلي الأقرب إلى المونولوج الطويل، نعرف أن يب مان كان قد تدرب على فنون القتال منذ كان في الرابعة من عمره، كما أنه لم يسبق له أن تعرض للهزيمة مرة واحدة في حياته؛ الأمر الذي جعله من أهم مُدرسي ومُدربي فنون القتال في مُقاطعة "فوشان" الجنوبية، كما يذكر كيف علمه أستاذه وينغ شون- قام بدوره المُمثل الصيني Yuen Woo- Ping يوين وو بينغ- الشرف في القتال، وقلده الحزام الأسود منذ صغره؛ لذلك فإن يب مان من أهم مُعلمي هذه الفنون القتالية في الجنوب، وهو ما كان يجعله يقول دائما مُؤكدا: الكونغ فو كلمتان، أفقي، عمودي، ترتكب خطأ أفقيا، ابق واقفا وأنت تفوز.
يلتقي معلمو وتلاميذ هذه الفنون القتالية في حفل الاعتزال الثاني لجونج يوتان في الجنوب، وهو الحفل الذي كان في أحد بيوت الدعارة الفاخرة، والذي لم يكن، في حقيقته، سوى ساحة للقتال الدائم لمُحبي هذه الفنون! وبما أن جونج يوتان قد أورث هذا الفن لأحد أبناء الشمال بعد العديد من الاختبارات والقتالات التي أثبتت كفاءته بأن يكون وريث الأيدي 64 من بعد مُعلمه كي يعلمها لغيره من الأجيال القادمة، فهو يرغب في توريثها أيضا لأحد أبناء الجنوب بعدما يجري العديد من اللقاءات القتالية، ولكن المُقاتل الشمالي ما سان- قام بدوره المُمثل الصيني Zhang Jin تشانغ جين- يظهر فجأة رافضا أن يورث معلمه هذا الفن لغيره من أبناء الجنوب؛ الأمر الذي يجعل المُعلم يغضب طاردا إياه للعودة إلى الشمال مرة أخرى.
يرغب يب مان في أن يكون هو المُختار لوراثة هذا الفن؛ لذلك يمر بالعديد من القتالات المُختلفة في بيت الدعارة ويربحها جميعا، إلى أن يمر باختباره الأخير مع المُعلم جونج يوتان ليربح ويؤكد المُعلم على أحقيته بالوراثة. لا يروق الأمر لجونج إير ابنة جونج يوتان- قامت بدورها المُمثلة الصينية Zhang Ziyi تشانغ زيي- فمن المُفترض ألا يخرج هذ الشرف من عائلتها، كما أنها لا تتصور هزيمة أبيها أمام يب مان؛ لذلك تدعو يب مان إلى قتال بينهما- لا سيما أن أباها قد علمها الأيدي 64 وأسرارها- وتؤكد له أنه إذا ما خسر فليس له الحق في هذا الإرث.
يوافق يب مان على القتال معها في بيت الدعارة أمام الجميع، ويكون شرط الفوز أو الهزيمة هو انكسار أي شيء داخل بيت الدعارة. يقدم المُخرج في هذه المعركة لوحات سينمائية خاصة، ورغم أنها كانت تتميز بالكثير من الشراسة إلا أننا سنلاحظ أنها تميزت بالكثير من الحسية والرغبة بين كل من يب مان وجونج إير، والأكثر من المشاعر ما يغلب على كونها مُجرد معركة في فنون القتال، لا سيما نظراتهما لبعضهما البعض، واقترابهما الحسي الواضح من أكثر من زاوية ولقطة، رغم أنها معركة تحدي حول الدقة باعتبار أن هذه الفنون تغلب عليها الكثير من الدقة.
تنتصر جونج إير بالفعل على يب مان حينما تدفعه من أعلى السلم ليسقط واقفا على الخشبية الأرضية التي تنكسر من أسفله، وبذلك تستعيد إرثها وتحافظ عليه في عائلتها غير راغبة في انتقاله لأحد أبناء الجنوب رغم إعجابها به وحسيتها الواضحة تجاهه.
إن براعة كاميرا المصور الفرنسي Phillipe Le Sourd فيليب لو سورد بتوجيه من المُخرج؛ لالتقاط التفاصيل، والتركيز عليها أدى إلى الانتباه لدقة تفاصيل الأزياء المُستخدمة في الفيلم، وكيفية انتقاء الملابس، فضلا عن دقائق الديكور.
في عام 1936م تبدأ محاولات الانفصال بين الجنوب والشمال، إلى أن تبدأ الحرب اليابانية الصينية، هنا نستمع إلى يب مان يقول: إذا كانت للحياة فصول؛ فسنواتي الأربعين الأولى كانت ربيعا، لكن مع بداية الحرب انتقلت سريعا من الربيع إلى الشتاء.
تركت الحرب بأثرها الضخم والسلبي على الكثيرين لا سيما يب مان؛ حيث فقد ماله، وشعر بالكثير من الفقر، ولعل المشهد الذي عبر به المُخرج عن بداية الحرب كان من المشاهد المُهمة والجمالية التي لا بد من الالتفات إليها.
إن جمالية المشهد التعبيري نشاهدها حينما يطلب يب مان من زوجته التقاط صورة عائلية لهما مع أولادهما؛ فيلجأ المُخرج إلى تثبيت الصورة، ثم لا يلبث أن يعمل على تأطيرها، ليضعها على أحد الجدران، وسرعان ما يحدث انفجار قوي يطيح بالصورة، مُحطما إياها في دلالة تعبيرية على بداية الغزو الياباني للصين، وهو ما دمر حياة يب مان بفقده لطفليه، وضياع أمواله، وسقوطه في الفقر الشديد والحاجة، بل وفقد عمله، وانفضاض جميع الأصدقاء من حوله بعدما تحول الكثيرون منهم إلى متعاونين مع الاحتلال الياباني ضد وطنهم، وهو الأمر الذي رفض يب مان الانصياع له بقوة وإصرار رغم جوعه هو وزوجته زانغ يونغ شينغ- قامت بدورها المُمثلة الكورية الجنوبية Song Hye- Kyo سونغ هاي كيو- لذلك يفكر في ترك الجنوب الصيني والانتقال إلى هونج كونج من أجل محاولة البحث عن فرصة من أجل تعليم الكونغ فو هناك؛ ليكسب عيشه ويرسله إلى زوجته حتى عودته، كما يرفض التعاون مع اليابانيين قائلا: أفضل الجوع على أن أكون متعاونا وآكل الأرز الياباني.
يوافق ما سان- الذي ورث المُعلم جونج يوتان في الأيدي 64- على التعاون مع الاحتلال الياباني، وحينما يذهب إلى مُعلمه ذات مرة بعد تعاونه يغضب منه المُعلم غضبا شديدا، ويرى أنه لم يكن يستحق بأن يكون وريثه في هذا الفن وأسراره الشريفة، لكنه يدخل في عراك مع المُعلم ليقوم بقتله.
حينما تعلم جونج إير بمقتل أبيها على يد ما سان تصر على الانتقام لموته أولا، كما تتخذ قرارها اللامتهاون في استعادة إرث أبيها من ما سان، ورغم أن أباها كانت آخر كلماته هي التحذير من الانتقام، كما كانت أمنيته أن تتزوج ابنته وتدرس الطب، إلا أنها تتخلى عن خاتم زواجها وتعيده إلى خطيبها مرة أخرى؛ نتيجة اختيارها الانتقام واستعادة الإرث؛ فالمرأة التي تتزوج في تقاليد هذه المدارس القتالية غير صالحة لأن تكون مُعلمة لهذه الفنون، ولا يمكنها أن ترثها أيضا، وبما أنها ترغب في استعادة إرثها؛ فيجب عليها الامتناع عن الزواج تماما.
يبدأ يب مان في تعليم أبناء الشمال الفنون القتالية من أجل اكتساب عيشه، كما لا تمل جونج إير في البحث عن ما سان من أجل الانتقام منه واستعادة شرف العائلة المُمثل في فن الأيدي 64، إلى أن تلتقيه ويكون بينهما مشهد عراك مُتقن في محطة القطارات؛ حيث تقوم بالفعل بالانتقام لأبيها بقتل ما سان الذي لم يكن يعرف أسرار هذا الفن سواه معها، ليعود الإرث إليها مرة أخرى وتستقل به. لكن رغم عودة هذا الإرث إلى جونج إير، ومن ثم لم يعد يمتلك أسراره أي شخص آخر غيرها، إلا أنها ترفض تعليمه لأحد، كما رفضت الزواج من قبل، وتعلمت الطب مُبتعدة عن الفنون القتالية وتعليمها.
يتقابل يب مان بعد سنوات مع جونج إير؛ لتعترف له أنها كانت تحبه، ومُهتمة به، ولكن بما أنها لم يكن مسموحا لها بالزواج لاستعادة إرث أبيها فقد ضاع منها حبها من أجل إرثها الأكثر أهمية.
ثمة مُلاحظة مُهمة هنا لن يلاحظها إلا جمهور أفلام وونج كار واي، أو من اعتاد على مُشاهدة ما يقدمه من أفلام هي عبارة عن لوحات سينمائية، ألا وهي فلسفة الوقت لدى المُخرج وقيمته القصوى باعتباره من المُمكن له أن يكون قاتلا في كل ما رأيناه من أفلام قدمها من قبل. فالوقت هنا لم يكن دالا على التغير فقط، ومقدرته على الهدم والزوال مما يتناسب مع مفهوم الفيلم الذي يؤكد على زوال العصر الذهبي للفنون القتالية ورثائها، بل دلل، من ناحية أخرى، على السباق اللاهث من أجل استعادة جونج إير شرف وإرث عائلتها في فنون الكونغ فو لا سيما الأيدي 64.
بعدما تعترف جونج إير ليب مان بحبها له يفترقان، ولعل مشهد الوداع بينهما رغم عشقهما لبعضهما البعض، ورغبتها في الرحيل عن هونج كونج والعودة إلى شمال الصين- وهو العشق الذي لا يتحقق دائما في أفلام وونج كار واي، أي أنه حريص دائما على دفء المشاعر، ولهيبها بين شخصياته، لكنه دائما ما يكون حبا ناقصا لا يتم، بل ينتهي بالفراق- من المشاهد المُهمة التي تُعيد إلى ذاكرتنا البصرية مرة أخرى نفس أجواء فيلم In the Mood for Love في مزاج للحب لنفس المُخرج، وهو الفيلم الذي كان الجزء الثاني من ثلاثيته الشهيرة؛ حيث وداع بطلي الفيلم لبعضهما البعض في هونج كونج أيضا رغم العشق الذي ربط بينهما، ولعلنا سننتبه إلى استخدام المُخرج لنفس الإطارات التصويرية تقريبا في كلا الفيلمين والمشهدين.
لم يلجأ المُخرج إلى استخدام الحكي بالصوت المونولوجي لتقديم فيلمه فقط، بل لجأ إلى العديد من العناوين الشارحة على الشاشة للتقدم أو التأخر بالزمن، أو إعطائنا المزيد من المعلومات مُستعيضا بهذه العناوين على الإفراط في المشاهد التي رأى أنها من المُمكن لها أن تكون من دون قيمة بصرية، أو اعتبرها من قبيل الثرثرة.
لذلك سنعرف من خلال هذه العناوين أن جونج إير قد ماتت بعد عام واحد 1953م من فراقها ليب مان، كما لم يستطع بدوره العودة إلى جنوب الصين حيث ترك زوجته وحيدة بسبب موتها أيضا، وظل وحيدا في هونج كونج محاولا الحفاظ على تدريس الفنون القتالية هناك.
إن فيلم المُعلم الكبير للمُخرج الصيني وونج كار واي من الأفلام المُهمة التي اختلفت كثيرا في موضوعها الرئيس عما يقدمه المُخرج من أفلام، لكنه من خلال مقدرته الفنية، وأسلوبيته الجمالية في صناعة السينما جعله لا يقل أهمية وجمالا عما رأيناه له فيما قبل؛ لا سيما أنه يحرص دائما في كل ما قدمه من أفلام على تأطير الصورة أو اللقطة، جاعلا أحد المُمثلين في زاوية أو ركن من أركان الإطار بينما تصبح باقي المرئيات مُجرد خلفية للاستخدام الجمالي فقط، سواء كانت المرئيات الأخرى مُجرد مُمثلين آخرين، أو مُجرد ضوء، أو حتى جزء من الديكور داخل اللقطة، وهو أسلوب من أهم الأساليب الجمالية التي ابتدعها وونج كار واي واستمر عليها.
كما لا يمكن إنكار مهارة المُخرج في عدم الوقوع داخل أسر تقديم فيلم من أفلام السيرة الذاتية فقط، ولا الانسياق من خلال هذه السيرة لتقديم فيلم من أفلام الحركة، أو الفنون القتالية فقط، بل تتبع تاريخ الصين السياسي أيضا، كما أضفى على الفيلم الكثير من خصوصيته الفنية التي يتميز بها، وغلفه بإطاره الرومانسي؛ مما جعله لا يقل أهمية عن غيرها من أفلامه السابقة.
محمود الغيطاني
مجلة الشارقة الثقافية
عدد يوليو 2023م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق