الخميس، 15 ديسمبر 2016

يوم للستات.. الأحلام الوردية لا تصنع سينما جيدة


أفيش الفيلم
أن يكون فيلم "يوم للستات" للمخرجة كاملة أبو ذكري هو فيلم افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي؛ فهذا يعني أنه الفيلم الذي يمثل صناعة السينما بشكل رسمي في مصر؛ ومن ثم فلابد أن نأمل منه صناعة سينمائية فريدة باعتباره أفضل ما لدينا في هذه الصناعة، ولكن أن يكون الفيلم أقل من مستوى الاشتراك في المهرجان نفسه؛ فهذه هي الطامة الكبرى التي لا يمكن تخيلها من قبل الجمهور والضيوف الذين رأوا الفيلم المضحك بسبب مستواه الفني الضعيف.
فيلم "يوم للستات" هو فيلم للسيناريست هناء عطية، ولعل كل مُطلع على السينما المصرية لم يزل يذكر فيلم "خلطة فوزية" للمخرج مجدي أحمد علي 2009م، وهو الفيلم الذي كتب له السيناريو نفس السيناريست هناء عطية، حيث كان الفيلم يدور في إطار "فيمينست" يحاول الإعلاء من قدر المرأة على الرجل والانتصار لها من خلال فوزية "إلهام شاهين" التي كانت تتزوج العديد من الرجال، ولها مكانتها في الحي الفقير الذي تحيا فيه، ولعلنا نذكر أيضا أن الفيلم كان من إنتاج إلهام شاهين.
لذلك كل من يشاهد فيلم "يوم للستات" سيظل طول مدة الفيلم التي قاربت الساعتين (111 دقيقة) في حالة من المقارنة العفوية الدائمة بين هذا الفيلم وفيلم "خلطة فوزية" لنفس السيناريست والممثلة والمنتجة أيضا، وكلما حاول إبعاد ظلال الفيلم السابق من ذهنه سيعود إليه مرة أخرى؛ لوجود نفس الأجواء تقريبا باعتبار أن الفيلم المعروض أمام المشاهد هو تنويعة جديدة ومتكررة من نفس عالم فيلم "خلطة فوزية"، حتى لكأن السيناريست لم تستطع التخلص من هذا العالم السابق رغم مرور هذه السنوات فعملت على اجتراره بشكل جديد ولكن بنفس الأجواء والروح والممثلة والمنتجة وإن كان الاختلاف الوحيد هو المخرجة كاملة أبو ذكري، وتدني مستوى الفيلم الجديد عن القديم الذي كان مقبولا إلى حد ما.
المشكلة الأساس في فيلم كاملة أبو ذكري تكمن في السيناريو الضعيف المتهافت الذي كتبته هناء عطية، هذا السيناريو الذي ألقى بظلاله على كل عناصر الفيلم الفنية من مونتاج وأداء ممثلين وإخراج؛ فأدى إلى وجود مسخ سينمائي شديد التهافت لا يمكن أن يرقى إلى صناعة السينما، ولا يليق باسم مخرجة مثل كاملة أبو ذكري التي قدمت لنا من قبل العديد من الأفلام المهمة مثل "ملك وكتابة" 2006م، و"واحد صفر" 2009م وغيرها من الأفلام.
أن يكون لديك فكرة جيدة تقرب من الفانتازيا لا يعني أنها صالحة لأن تكون فيلما جيدا؛ فليست كل الأفكار من الممكن تحويلها إلى سرد سينمائي، ونحن لا ننكر أن هناء عطية كسيناريست كان لديها فكرة بديعة وهي فكرة حارة فقيرة يعيش أهلها في ظل الحرمان والعوز والحاجة ولسبب ما لا نعلمه يُقرر الحي إنشاء حمام سباحة في هذه المنطقة العشوائية الفقيرة، بل ويقوم بتخصيص يوم واحد في الأسبوع للنساء من أجل التمتع بالسباحة في حمام السباحة. هنا تبدو لنا الفكرة فنية إلى حد كبير؛ نتيجة التناقض الواضح والمفارقة في إنشاء حمام سباحة في منطقة عشوائية شديدة الفقر حتى أن أهلها ليس لديهم المال من أجل شراء ملابس للسباحة "مايوه" مما يضطرهم للنزول في الحمام بملابسهم، كما أن تخصيص يوم للنساء من أجل السباحة في هذا الحمام يحمل الكثير من الأفكار التي كان من الممكن أن تتمخض عن هذا الأمر، وتدفع للأفكار بالتحليق عاليا. لكن المشكلة هنا أن السيناريست هناء عطية توقفت عند الفكرة ومن ثم لم يكن لديها القدرة على السرد السينمائي أو العمل على تطوير هذه الفكرة الفنية الجيدة، وهنا بدأت تدور حول نفسها، ومن ثم تكتر عالم الفيلم السابق بالإضافة إلى دورانها وثرثرتها كثيرا حول الفكرة من دون العمل على التطوير أو التنامي.
هذه المركزية حول الفكرة من دون العمل على تطويرها وخلق عالم منها أدى بالسيناريست إلى إتخام الفيلم بالعديد من الشخصيات التي لم يكن لها أي داع؛ ومن ثم تساءلنا ما هو دور فاروق الفيشاوي في الفيلم، ولم كانت شخصيته التي لم تُضف أي شيء إليه اللهم إلا أنه ظهر في ثلاثة مشاهد وأساء إلى نفسه فنيا بهذا الظهور؟
كذلك محمود حميدة الذي أفردت له المخرجة والسيناريست مساحة كبيرة إلى حد ما باعتباره شخصية محورية رغم أن غيابه عن الفيلم- إذا ما تم الحديث عنه باعتباره الحبيب الغائب- كان هو الأجدى والأفضل؛ ومن ثم بدا دوره مجرد نتوء ثان داخل العمل الفني الذي لم يحتمل تواجده نتيجة الكثير من الثرثرات التي لم يكن هناك أي داع لها، وحتى لو تقبلنا وجوده داخل العمل الفني فإن المشهد الذي اعترف فيه بحبه "لشامية" إلهام شاهين لم يكن محسوسا وبدا مصطنعا تماما؛ فأن تكون هناك فتاة داخل منطقة شعبية فقيرة تعمل موديلا للفنانين من أجل رسم جسدها، فهذا في حد ذاته يجعل كل أبناء المنطقة يظنون بها الظنون وأنها ليست أكثر من مجرد عاهرة رغم أن الفيلم أكد أنها مازالت عذراء ولم يمسسها رجل من قبل نتيجة حبها وإخلاصها لحبيبها أحمد الذي تركها وتزوج غيرها رغما عنه وسافر كفرد من أفراد الأمن في إحدى الدول العربية. ومعنى أنها ما زالت باقية على حبه كل هذه الفترة فهذا يعني أن مشهد الاعتراف بالحب بعد هذه الفترة الطويلة، وكل هذا الحرمان الجسدي منه لابد أن يكون مشهدا متأججا بالكثير من المشاعر الحسية الوافرة، ولكن ما رأيناه فعلا على شاشة السينما كان مشهدا مفتعلا وباردا لا يمكن أن يقنعنا بالحرمان منه كل هذه الفترة الطويلة، كما أن المخرجة لو كانت قد جعلت "أحمد" محمود حميدة" هو الحبيب الغائب الذي تتحدث عنه "شامية" دائما ومدى حرمانها منه من دون أن يؤدي حميدة هذا الدور لابد سيكون أجدى وأكثر فنية بدلا من الدور الباهت الذي أداه.
فكرة أن يكون في حي شعبي فقير ومحروم وجاهل إحدى الفتيات التي تعمل موديلا فنيا لرسمها عارية هي من الأفكار الغنية فنيا التي يمكن تطويرها كثيرا في إطار النظرة الاجتماعية إليها، وكيفية حفاظ هذه الفتاة على شرفها رغم عملها العاري، ولكن لأن السيناريست والمخرجة كانتا مفتونتين بجمال الفكرة فقط؛ فقد عجزتا عن تطويرها ومن ثم وقفتا أمامها محاولتان الدوران حولها فقط من دون العمل على تعميقها وإكسابها المزيد من الفنية.
يأتي بعد ذلك دور أحمد الفيشاوي "علي" الشاب المتشدد دينيا بشكل ظاهري وإن كانت تأكله الرغبة، هذا الدور أدى إلى تساؤلنا كثيرا: ما هي الإضافة الفنية التي رأتها المخرجة من خلال هذا الدور؟ فهو لم يعمل على تنامي السيناريو، ولم يكن هناك أي صدام من أجل هذا الخط من خطوط السيناريو، ومن ثم إذا ما غاب هذا الدور من السيناريو الضعيف لم يكن سيؤثر فيه إطلاقا بل سيجعل الفيلم أكثر تماسكا؛ لأن قصة الفيلم الأساسية هي بنت الحارة الموديل، وحمام السباحة الذي تم إنشائه في حارة فقيرة تماما، وتخصيص يوم للستات من أجل السباحة، أما قصة التشدد الديني فلا مجال لها من الإعراب في كل هذه القصة، كذلك دور الأب فاروق الفيشاوي، ودور الحبيب الذي نرى أن غيابه كان سيكون أجدى من ظهوره.
يأتي بعد ذلك "ليلى" نيللي كريم التي كان أداؤها باهتا تماما وكأنها تتحرك في الفيلم بالريموت كنترول، وهي أخت "علي" أحمد الفيشاوي التي فقدت ولدها وزوجها في حادث غرق عبارة؛ ومن ثم نراها منذ بداية الفيلم حتى نهايته تقريبا في حالة حزن وصمت من دون وجود أي انفعالات على وجهها، أي أن تعبيرات الوجه كانت "فلات" تماما، ولعل هذا الأداء يجعلنا ننصحها بتدريبات في الأداء التمثيلي؛ لأن مشاعر وردود أفعال الأم المكلومة لا تكون بمثل هذا الشكل، كما أن حرص المخرجة على جعل ليلى تبيع العطور في محل عطور داخل الحارة الفقيرة التي لا تجد قوت يومها كان من الأمور التي تم زجها بشكل غير عقلاني وغير مبرر منطقيا داخل السيناريو؛ وبالتالي لا يمكن قبولها فنيا، فهل من المعقول أن يهتم أبناء المنطقة الذين لا يجدون قوت يومهم بالعطور، وأين هي العقلانية والمنطقية في محل للعطور داخل هذه المنطقة الفقيرة؟ كان من الأجدى أن تكون بائعة في محل للفول والطعمية أو أي شيء آخر، أما محل للعطور فهذا ما لا يمكن تخيله.
نأتي بعد ذلك إلى المشاهد داخل الفيلم، حيث نرى العديد من المشاهد والثرثرات داخل حمام السباحة بين مجموعة من النسوة اللاتي ينزلن الحمام بملابسهن كاملة، ويثرثرن كما لو كن يجلسن على عتبات بيوتهن في الحارة، بل ويدخلن بحلة المحشي داخل الحمام وغير ذلك، وهذه المشاهد تكررت كثيرا في الفيلم بشكل لا جدوى منه، وبالتالي لم يكن هناك أي تطور أو بناء على المشاهد بعضها البعض، رغم أن أي مبتدئ في فن السينما يعلم جيدا أن المشهد الذي لا يؤدي إلى تطور وتنامي في البناء الفيلمي اعتمادا على المشهد الذي يليه فهو مشهد لا داع له ومن ثم يجب حذفه، ولكن المخرجة كاملة أبو ذكري رأت أن حالة الثرثرة والتكرار الممل لهذه المشاهد المفتعلة والتي لم يكن لها داع ستصنع لها فيلما، رغم أنها في الحقيقة أدت إلى تشويه ما قدمته.
فيلم يوم للستات
إذا ما تأملنا الفيلم بشكل عام سنراه عبارة عن مجموعة من الحكايات التي تحدث مع كل شخصية على حدة من دون أي تطور أو تشابك أو صدام يؤدي إلى عقدة أو إلى أي شيء، أي أن الفيلم ليس أكثر من مجموعة من الحكايات التي كان من الممكن أن تستمر إلى مالا نهاية نتيجة عدم وجود قصة معينة تستطيع المخرجة أن تقبض عليها. فهناك "شامية" الموديل المحرومة من حبيبها والتي ينظر إليها أبناء المنطقة الشعبية كلها باعتبارها سيئة السمعة رغم أنها ليست كذلك، وهناك ليلى الصامتة الغائبة عن العالم الذي حولها دائما والتي فقدت ابنها وزوجها، وهناك "أحمد" محمود حميدة الذي ضحى بحبه لشامية من أجل أسرته وتزوج من امرأة لا يحبها وسافر إلى إحدى الدول العربية للعمل وعاد بخيبته، وهناك "علي" المتشدد دينيا الذي لا يفعل شيئا سوى أنه يرى في أهل الحارة بالكامل مجرد كفار ويعيش على عمل أخته ليلى باعتباره عاطلا، وهناك مدرب حمام السباحة إياد نصار الذي يحب ليلى ولا يخبرها بهذا الحب ويكتفي بإرسال رسائل حب مجهولة على هاتفها المحمول، وكل شخصية من هذه الشخصيات تدور في فلك مجموعة من الحكايات التي تخصها والتي كان من الممكن لها ألا تنتهي لو أرادت المخرجة والسيناريست في الاستمرار في سردها، والكارثة أن كل هذه الحكايات لا تتقاطع مع بعضها البعض من أجل إحداث حالة فنية أو تنامي الأحداث، أي أن الفيلم في نهاية الأمر كان عبارة عن مجموعة من الجزر المنعزلة التي لا علاقة لبعضها البعض.
يبقى دور ناهد السباعي "عزة الهبلة" كما يناديها أهل الحارة، وهي الشخصية التي نراها البطل الحقيقي في هذا الفيلم الخالي من البطولة أو الشخصيات المضيئة، وهي فتاة مراهقة مات أبويها وتركاها لرعاية جدتها المسنة التي تبول على نفسها وتعمل عزة على تغيير ملابسها كل يوم والعناية بها وتحميمها. إلا أن هذه الشخصية تم رسمها في السيناريو بشكل شديد الضعف واللامنطقية رغم أن دورها كان من أهم الأدوار داخل الفيلم، كما أن أداء السباعي كان جيدا إلى حد بعيد؛ مما جعلنا نتساءل: لم أصرت كل من المخرجة والسيناريست على جعلها "هبلة" كما يقول أهل الحارة رغم أنها أكثرهم تعقلا وتدرك تماما أنها لابد لها أن ترعى جدتها وتتحمل هذه المسؤولية بشكل كبير؟
لم يكن هناك أي داع لمثل هذا التوصيف باعتبارها لديها مشكلة عقلية، كما أن أداء السباعي لم يكن يقترب من قريب أو بعيد لشخصية الفتاة التي لديها أي مشاكل عقلية أو نفسية، وهي الفتاة الوحيدة التي ابتاعت "مايوه" من أجل أن تعوم في حمام السباحة، كما كانت الشخصية الوحيدة المتطورة والمتنامية فنيا داخل السيناريو بعلاقتها مع "إبراهيم" أحمد داود، كما أنهما كانا الأفضل أداء من الناحية التمثيلية داخل الفيلم في حين أن جميع ممثلي الفيلم كان أداؤهم باهتا وبائسا أو لا داعي لوجودهم في السيناريو.
فيلم "يوم للستات" من الأفلام التي تستخف بالسينما كصناعة أولا، ثم بالمشاهد باعتباره لا يفهم في السينما؛ الأمر الذي أدى إلى سقوط معظم العناصر الفنية داخل الفيلم المشوه الذي رأيناه بداية بالسيناريو، مرورا بمونتاج معتز الكاتب الذي تميز بإيقاعه البطئ المترهل، وصولا إلى المستوى الإخراجي لكاملة أبو ذكري التي لم تنجح في شيء سوى في إدارة المجاميع الكبيرة فقط داخل حمام السباحة، وداخل الحارة، أما ما هو دون ذلك فلقد تركت الفيلم يسير كيفما يحلو له، والممثلين يؤدون كيفما اتفق من دون أي اهتمام وكأنه مجرد كائن يسير وحده.
في النهاية لابد من التأكيد على أن الفكرة الجيدة لا تعني بالضرورة صناعة فيلم جيد؛ لأن هذه الفكرة الثرية فنيا لم تكن تحتمل فيلما أكثر من 60 دقيقة فقط، أي أن كاملة أبو ذكري صنعت فيلما نصفه بالكامل مجرد ثرثرات لا داعي لها مما أدى إلى وقوع إيقاع الفيلم بالكامل نتيجة المونتاج السيء الذي لم تعره المخرجة أي اهتمام، وكما أن نجاح أي فيلم سينمائي يُرد في النهاية إلى المخرج، كذلك ففشل "يوم للستات" لا يمكن أن يعود إلى السيناريست "هناء عطية" فقط، أو طاقم الممثلين الذين أدوا أداء باهتا، أو المونتير معتز الكاتب الذي لم يهتم بالثرثرات الكثيرة، بل يعود بالكامل إلى المخرجة كاملة أبو ذكري التي تراجعت عدة خطوات للخلف.




محمود الغيطاني

مجلة فنون عدد ديسمبر 2016م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق