السبت، 3 ديسمبر 2016

سينما العالم تتنافس في مهرجان القاهرة السينمائي



الفيلم الفرنسي Stopover

انتهت الدورة الثامنة والثلاثون من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي انعقد في الفترة من 15 حتى 24 نوفمبر الماضي والتي تميزت بعرض العديد من الأفلام العالمية المتميزة فنيا؛ مما جعل التنافس بين الأفلام قويا هذا العام.
كانت رئيس المهرجان الناقدة ماجدة واصف، والمدير الفني للمهرجان الناقد يوسف شريف رزق الله قد أعلنا أن لجنة اختيار الأفلام وإدارة المهرجان قد اتفقا على اختيار ستة عشر فيلما للمنافسة في المسابقة الرسمية للمهرجان هذا العام وهي أفلام "زوجة طيبة" للمخرج ميرجانا كارانوفيتش الذي كان إنتاجا مشتركا بين صربيا والبوسنة والهرسك وكرواتيا، والفيلم الجورجي "حياة آنا" إخراج نينوبا سيليا، والفيلم الجزائري "حكايات قريتي" إخراج كريم طرايدية، والفيلم الفرنسي "كلاب" إخراج بوجدان ميريكا، والفيلم المجري "قتلة على كراسي متحركة" للمخرج أتيلا تيل، والفيلم البولندي "جاكوب الصغير" للمخرج ماريوس بيلينيسكي، والفيلم الإيطالي "غرباء كلية" إخراج باولو جينوفيزي، والفيلم الصيني "شخص ما للتحدث إليه" إخراج بولين ليو، والفيلم الهندي "الممر الضيق" إخراج ساتيش بابوسينان، وسانتوش بابوسينان، والفيلم الأستوني "الفتي القطبي" إخراج أنو أون، والفيلم الفرنسي اليوناني المشترك "استراحة قصيرة" للمخرجتين ديلفين كورلين، ومورييل كورلين، وفيلم "قطار الملح والسكر" للمخرج ليسينيو أزيفيدو وهو إنتاج مشترك بين كل من البرتغال وموزمبيق، وفرنسا، وجنوب إفريقيا والبرازيل، والفيلم التشيكي "لسنا بمفردنا أبدا" إخراج بيتر فاكلاف، وفيلم "ميموزا" إخراج أوليفر لاكس وهو إنتاج مشترك بين كل من إسبانيا، والمغرب، وفرنسا، وقطر، كما تم اختيار الفيلمين المصريين "البر الثاني" للمخرج علي إدريس، وفيلم "يوم للستات" للمخرجة كاملة أبو ذكري الذي كان فيلم الافتتاح لهذه الدورة.
الفيلم المجري Kills on wheels
تميزت الأفلام المتنافسة بالكثير من التميز الفني لاسيما الفيلم المجري "قتلة على كراسي متحركة" الذي دار في إطار الحركة والجريمة لثلاثة من المقعدين على كراسي متحركة يعاني أحدهم من إهمال والده له منذ ولادته معاقا وتهربه من المسؤولية؛ ومن ثم يهجره هو ووالدته مهاجرا إلى ألمانيا بينما الفتي المقعد لم ير والده مرة واحدة إلا من خلال صورة فوتوغرافية وحيدة أعطتها له أمه ذات مرة. يعشق هذا الفتي رسوم "الكوميكس" هو وصديقه المقعد أيضا؛ ومن ثم يعملان على إنجاز قصة من خلال فن الكوميكس. يتعرف الشابان على مقعد ثالث كان مسجونا وحينما خرج من السجن كرس حياته لخدمة المافيا من خلال الجريمة المدفوعة الأجر وينخرط الشابان معه في عالم الجريمة، لكننا نكتشف في نهاية الفيلم أن الأحداث كلها كانت عبارة عن قصة الكوميكس التي رسمها الصديقان المقعدان، وتخيل فيها البطل أن هذا المجرم هو والده بل وحرص على رسم المجرم في صورة الأب بينما كان شريكاه في القصة هو وصديقه أيضا. يحاول المخرج من خلال الفيلم التأكيد على أن الهروب إلى الخيال أحيانا يكون سببا في التخلص من العديد من المشاكل النفسية حيث تخلص الفتي المقعد الذي هجره أبوه من الرفض التام لأبيه في نهاية الفيلم حينما تخيله في هذه القصة ومن ثم بات يشعر تجاهه شعورا طبيعيا بعدما تخلص في قصته المرسومة من مشاعر الرفض والعداء تجاه الأب، وقام بإرسال القصة المصورة له.
إلا أن فيلم "استراحة قصيرة" The Stopover كان من الأفلام المهمة التي ركزت على أثر الحرب على الجنود الذين يشتركون فيها، وما تؤدي إليه هذه الحرب من خلال ما يخوضونه فيها إلى الكثير من التشوهات النفسية التي تُفضي إلى عجز الجندي في العودة إلى حياته الطبيعية مرة أخرى، خاضعا لوطأة الكوابيس والمشاعر المتباينة التي تجعله بمعزل عن الآخرين مكتسبا الكثير من العدوانية تجاه العديد ممن حوله، من خلال مجموعة من الجنود العائدين من الحرب في أفغانستان إلى فرنسا ومن ثم يحرص قادتهم على التوقف بهم في جزيرة قبرص لمدة معينة من أجل إعادة تأهيلهم نفسيا قبل العودة إلى الحياة المدنية مرة أخرى، ومن خلال الفيلم يتضح لنا مدى التشوه النفسي الذي يعاني منه الجنود جراء الحرب.
الفيلم البرتغالي The Train of Salt And Sugar
كذلك الفيلم البرتغالي المتميز "قطار الملح والسكر" الذي تدور أحداثه في رحلة قطار متجه من "نامبولا" إلى "مالاوي" في موزمبيق وكأنها رحلة الحياة بالكامل، ومن دون هذه الرحلة فالحياة متوقفة تماما، أو لا قيمة لها.
بعد عشر سنوات من الحرب في موزمبيق تصبح الحياة مستحيلة بالنسبة لمن يعيشون في "نامبولا"؛ نتيجة النقص الشديد في السكر، حتى أنهم لا يجدون ملعقة واحدة لتحلية الشاي؛ الأمر الذي يجعل عددا كبيرا من المواطنين راغبين في السفر إلى "مالاوي" من أجل تبادل الملح الوفير لديهم بالسكر، ومن ثم العودة مرة أخرى لبيعه والتجارة فيه، فالنقص الشديد فيه قد جعل له سعرا مرتفعا، كما أن الحياة تبدو مستحيلة؛ بسبب الفقر والفاقة اللذين كانا النتيجة الطبيعية للحرب الطويلة؛ وهنا يكون من الطبيعي لهم أن يغامروا بحياتهم في رحلة محفوفة بالمخاطر والقتل من أجل الحصول على السكر والعودة به. من خلال هذه الرحلة تدور قصة الفيلم المتميز بصريا وإخرجيا، كما كان السيناريو يتميز بفنية عالية وحرفية كبيرة؛ مما رشح هذه الأفلام الثلاثة للتنافس بقوة من بين الأفلام المشتركة في المسابقة الرسمية.
رغم أن هذه الدورة وجدت إقبالا من الأفلام المصرية الجديدة للاشتراك في المهرجان مثل فيلمي "يوم للستات" للمخرجة كاملة أبو ذكري، وفيلم "البر الثاني" للمخرج علي إدريس إلا أن اشتراك الأفلام المصرية هذا العام مر بمشكلة وخلاف عاصف للمهرجان من قبل بدايته تمثلت في فيلم "آخر أيام المدينة" للمخرج تامر السعيد؛ حيث وافقت لجنة اختيار الأفلام على اشتراك الفيلم في المسابقة الرسمية للمهرجان؛ ومن ثم أعلنت إدارة المهرجان ممثلة في رئيس المهرجان ماجدة واصف، ومديره الفني يوسف شريف رزق الله عن اشتراك الفيلم بالفعل في المسابقة الرسمية، لكن لم تلبث إدارة المهرجان أن أعلنت خروج الفيلم من المسابقة ومن المهرجان بالكامل؛ الأمر الذي أدى إلى اعتراض مخرج الفيلم على هذا القرار المجحف بالنسبة له؛ وبالتالي خرج ببيان ضد إدارة مهرجان القاهرة السينمائي بسبب حرمان الفيلم من الاشتراك في المسابقة، ووقع على البيان عدد كبير جدا من المخرجين وصناع السينما والمثقفين المصريين؛ الأمر الذي وضع إدارة المهرجان في الحرج؛ لأن المخرج رأى أن هذا الأمر قد حرمه من الاشتراك في مهرجانات عربية أخرى كان من الممكن أن يشترك فيها مثل مهرجان دبي.
الفيلم المصري "آخر أيام المدينة"
لكن الناقد يوسف شريف رزق الله خرج ببيان من مهرجان القاهرة يوضح فيه سبب استبعاد فيلم تامر السعيد من المسابقة الرسمية، وهو البيان الذي قال فيه: إن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ليس مهرجاناً إقليمياً، ولا ترتبط عروضه بشرط العرض الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل تخضع الاختيارات لمعايير يحددها ويشرف عليها الإتحاد الدولي للمنتجين FIAPF، والذي يضع المهرجان ضمن 14 مهرجاناً فقط حول العالم ضمن الفئة A للمهرجانات الدولية، كما ذكر رزق الله أنه شاهد فيلم "آخر أيام المدينة" خلال عرضه مطلع العام ضمن قسم المنتدى بمهرجان برلين السينمائي الدولي، وتابع رحلته الناجحة في أكثر من مهرجان. وحيث أن الفيلم قد شارك في عدد كبير من المهرجانات منذ عرضه الأول، فقد رأى المدير الفني مشاركة الفيلم ضمن برنامج "آفاق السينما العربية"، الذي يضم مجموعة من أفضل إنتاجات السينما العربية الحديثة، واقترح ذلك على مخرج الفيلم تامر السعيد إلا أن المخرج رفض هذا الاقتراح، واشترط أن تكون مشاركته ضمن المسابقة الدولية للمهرجان. وقد تمت الموافقة على هذا الشرط نظراً للإعجاب بمستوى الفيلم والرغبة في دعم هذا النوع من التجارب المعاصرة والمغايرة في السينما المصرية. فقط طلب المدير الفني من المخرج أن يتوقف عن إرسال الفيلم للمهرجانات الأخرى لحين عرضه في مهرجان القاهرة؛ احتراماً لحجم وقيمة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وكان رد المخرج تامر السعيد هو الموافقة، مع توضيح أنه كان قد اتفق بالفعل على المشاركة في عدد محدود من المهرجانات (ثلاثة أو أربعة كما ذكر) إلا أنه وبعد هذا الاتفاق فوجئ المهرجان بمشاركة الفيلم في قرابة العشر مهرجانات، جميعها يسبق تاريخه موعد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ومنها ما يقل كثيراً في التاريخ والقيمة، وكأن فريق الفيلم يضع مهرجان القاهرة في ذيل قائمة اهتمامه.
فيلم "البر التاني"
رغم هذا التوضيح من المدير الفني للمهرجان إلا أن المخرج لم يقتنع بهذا الرأي، ورأى أن الفيلم تم ظلمه رغم مستواه الفني المتميز، وظل الأمر بين شد وجذب.
"آخر أيام المدينة" هو الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج الشاب تامر السعيد الذي نالت أفلامه القصيرة والوثائقية العديد من الجوائز المحلية والدولية، والفيلم من بطولة خالد عبد الله في أول فيلم روائي مصري له بعد أن قام ببطولة عدد من الأفلام العالمية منها "عداء الطائرة الورقية"، و"يونايتد 93"، و"المنطقة الخضراء". يمزج الفيلم الذي صور في القاهرة وبيروت وبغداد وبرلين بين الروائي والتسجيلي ويجسد خالد عبد الله شخصية مخرج شاب يعيش في وسط القاهرة ويحاول أن يصنع فيلماً عنها؛ حيث يتقاطع الفيلم الذي يصنعه مع حياته وقصص أصدقائه في رحلة عن الحب والفقد والوحدة والصداقة واكتشاف الذات.
كان الفيلم قد اختير للعرض في قسم منتدى السينما الجديدة بالدورة السادسة والستين لمهرجان برلين السينمائي الدولي (11 ــ 20 فبراير 2016م)، وحصد جائزة الكاليجاري، كما نال جائزة أفضل مخرج في مهرجان السينما المستقلة في بوينس آيرس، الذي يُعرف باسم "بافيسي"، ويُعد واحداً من أهم مهرجانات السينما المستقلة في أمريكا اللاتينية، وأخيراً حصد الجائزة الكبرى لمهرجان نيوهوريزون السينمائي الدولي، الذي يُقام سنوياً في مدينة ڤروسلاڤ ببولندا، والفيلم إنتاج مشترك بين مصر وألمانيا وبريطانيا والإمارات العربية المتحدة. تأليف رشا سلطي وتامر السعيد، ويُعد آخر أعمال فنان السينما ومصمم المناظر الراحل صلاح مرعي، الذي تولّى تصميم مناظر الفيلم مع تلميذه ياسر الحسيني، ويُشارك في البطولة: خالد عبد الله، ليلى سامي، حنان يوسف، مريم صالح، علي صبحي، والعراقيان حيدر حلو، وباسم حجار، واللبناني باسم فياض.
حرص المهرجان هذا العام على عرض مجموعة من الأفلام المصرية المتميزة من إنتاج عامي 2015 و2016م في قسم خاص أثناء هذه الدورة علي أن تحمل ترجمة باللغة الإنجليزية .
يوسف شريف رزق الله
استهدف المهرجان من ذلك تعريف الضيوف الأجانب بهذه الأفلام التي فرضت نفسها في المهرجانات الدولية في الشهور الأخيرة ونال معظمها جوائز في تلك المهرجانات، وهذه الأفلام هي "نواره" من إخراج هالة خليل وبطولة منه شلبي التي نالت عن دورها في الفيلم جائزة أحسن ممثلة في مهرجان دبي 2016م، كما نال الفيلم جوائز أخرى أحدثها جائزة السيناريو في مهرجان "مالمو" ويشاركها البطولة محمود حميدة، و"قبل زحمة الصيف" للمخرج الراحل محمد خان وتمثيل هنا شيحه وماجد الكدواني، وفيلم "اشتباك" للمخرج محمد دياب، بطولة نيللي كريم وهو الفيلم الذي افتتح به قسم "نظرة ما" في مهرجان "كان" في مايو الماضي، كذلك فيلم "هيبتا" للمخرج هادي الباجوري، بطولة ماجد الكدواني، وفيلم "سكر مر" من إخراج هاني خليفة، وفيلم "خارج الخدمة" للمخرج محمود كامل، تمثيل شيرين رضا، وأحمد الفيشاوي.
منحت إدارة المهرجان هذا العام جائزة "فاتن حمامة التقديرية" التي تُمنح لمبدعين أثروا الفن السينمائي بأعمال خالدة لكل من: اسم المخرج الراحل المصري محمد خان، والمخرج المالي شيخ عمر سيسيكو، والمنتج الفلسطيني حسين القلا، والممثل المصري يحيى الفخراني، كما مُنحت جائزة فاتن حمامة للتميز التي تُمنح لمبدعين تمكنوا في سن مبكر نسبيا من تحقيق إنجاز سينمائي ملحوظ لكل من: المخرج الألماني كريستيان بيتزولد، والمخرج والسيناريست الصيني جيازانكيه، والممثل والمنتج المصري أحمد حلمي.
كانت الصين هذا العام هي ضيف شرف المهرجان بعرض العديد من كلاسيكيات السينما الصينية المتميزة، كذلك عُرضت العديد من الأفلام السينمائية التي أُخذت من نصوص تخص المسرحي الإنجليزي وليم شكسبير، كما كانت هناك العديد من البرامج الموازية التي عرضت الكثير من الأفلام المهمة منها: آفاق السينما العربية، وأسبوع النقاد، ومسابقة سينما الغد الدولي للأفلام القصيرة.




محمود الغيطاني



مجلة "الشارقة الثقافية"
عدد ديسمبر 2016م




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق