الثلاثاء، 3 أكتوبر 2017

ذئب الله.. التاريخ السري لتحولات حركات المقاومة


غلاف الرواية
تعود أهمية دراسة الأدب بالنسبة للسياسيين إلى أن الأدب يكاد يكون هو التاريخ الاجتماعي الحقيقي والأصدق بالنسبة للمجتمعات والشعوب؛ فمن خلال العمل الأدبي يستطيع الدارس الوقوف على حقائق التاريخ والمجتمع وما يدور فيهما حيث يتعامل الروائي دائما مع الحقائق الاجتماعية والتاريخية موظفا إياها في نسيج سردي يعنيه هو كروائي غير معني بالتاريخ الرسمي/ المزيف في غالب الأمر، وهو التاريخ الذي تصنعه السلطة تبعا لمصالحها وما تحب أن تُبديه أو تخفيه عن الجميع.
في التاريخ الرسمي هناك الكثير من الحقائق المسكوت عنها رغم أهميتها في صيرورة التاريخ وتوضيح العديد من الأمور الغامضة، وهناك أيضا الأكثر من الأمور المزيفة، أي ليّ عنق الحقيقة التاريخية، والتضخيم من أمور لا قيمة لها من أجل مصالح الكاتب الرسمي للتاريخ الذي يكون في غالب الأمر هو النظام السياسي، لكن الأمر يختلف كثيرا في الأدب؛ فالأدب يتناول التاريخ ومجريات الأمور الآنية بصدق وأمانة أكبر، ويعمل على توظيفها في عمل أدبي يخص إطاره الخاص، أي أنه الأكثر أمانة في التعبير عن الأحداث التاريخية لأنه لا اعتبارات تحكمه حينما يتناول المجتمع سوى الصدق الفني وكيفية توظيف الحقائق من أجل بناء نصه السردي؛ لذلك حينما يرغب شخص ما في دراسة المجتمعات دراسة حقيقية فعليه التمعن في قراءة الأدب الذي يفرزه هذا المجتمع، ومنه يستطيع أن يُكوّن صورة صادقة عن المجتمع المعني بالدراسة، ولعلنا نلاحظ ذلك مثلا من خلال ما كتبه نجيب محفوظ، أو إحسان عبد القدوس أو غيرهما من الكتاب المصريين الذين صوروا الكثير من المد الطبقي وال

تاريخي والتيارات الدينية والسياسية فيما قدماه من أعمال روائية كانت مُعبرة بشكل حقيقي عما يدور في المجتمع المصري ومُشكلّة للتاريخ المصري، ولعل هذا أيضا ما نستطيع رؤيته من خلال الأدب الجزائري الذي يُعبر بصدق عن التاريخ الجزائري وحراكه الاجتماعي والثوري، ومن هنا نستطيع تطبيق هذه النظرة على كل الآداب في أي مكان من العالم؛ فالأدب هو المرآة الصادقة للمجتمعات وحركاتها التاريخية، ولعل ما نراه اليوم حينما تتكشف لنا أجزاء كانت غامضة من التاريخ، أو كنا نعرفها بشكل ثم لا تلبث التسريبات أن توضح لنا عكس ما كنا نعرفه لهو دليل دامغ على أن التاريخ تكتبه الأنظمة السياسية تبعا لأهوائها، وكل من يتذكر رواية "الأفيال" للروائي الراحل فتحي غانم سيفهم ما ذهبنا إليه جيدا حينما أشار في روايته بشكل واضح إلى أن السلطة السياسية والأنظمة الحاكمة هي من تعمل على صناعة الإرهاب وتغذيته وتمويله وتدريبه أيضا من أجل استخدام الإرهابيين الذين صنعتهم السلطة لخدمة مصالحها وضرب أعدائها؛ فمن خلال الرواية وما قالته قد يظن البعض- في الإطار الزمني الذي كُتبت فيه الرواية- أن الأمر لا يعدو أكثر من مجرد خيال جامح لروائي يكتب روايته، ولكن ما تكشف لنا فيما بعد أن السلطة بالفعل هي من تصنع الإرهاب وتموله من أجل مصالحها. إذن فالفن في النهاية هو السارد الحقيقي للتاريخ، وليس التاريخ الذي تكتبه السلطة.
هذه العلاقة الحيوية بين كل من الأدب والتاريخ تُعد من المحاور المهمة التي تثيرها رواية "ذئب الله" للروائي الأردني الفلسطيني الأصل جهاد أبو حشيش؛ فالروائي هنا يتحدث عن وقائع خمسين عاما كاملة من عُمر عواد الباز/ الشخصية الأساس في الرواية والذي انضم إلى منظمة فتح الفلسطينية لمجرد رغبته في السطوة والقوة فقط، ثم يتابعه سرديا متحدثا عن العديد من الانقلابات التي حدثت في حياته التي هي جزء لا يتجزأ من تاريخ المنظمة وغيرها من حركات المقاومة الفلسطينية؛ فيصور لنا كيف يمكن لهذه الحركات الوطنية التي نشأت من أجل الدفاع عن الوطن أن تتحول فيما بعد ليكون المال هو هدفها الأول، ومن ثم تتورط في العديد من الأعمال الأخرى التي لا علاقة لها بالكفاح من أجل التحرر بعدما يتم التضييق عليها من قبل الأنظمة، أو حينما تفشل في الوصول إلى أهدافها التحررية الحقيقية؛ فتضحى مجرد جماعات للتجارة في السلاح لمن يطلب ويدفع أكثر من المافيات المختلفة، سواء كانت هذه المافيات متمثلة في حركات وطنية تحررية أخرى، أو حتى جماعات إرهابية دينية، تحت رعاية العدو الذي نشأت هذه الجماعات منذ البداية من أجل الكفاح ضده، وإن كان قد تحول إلى حليف لها في نهاية الأمر؛ فلا يحركهم جميعا سوى المصالح الضيقة وسطوة المال والقوة.
رغم تعدد الرواة والشخصيات داخل رواية "ذئب الله" إلا أن الروائي يحرص على تفاصيل حياة عواد الباز/ البطل الرئيس في الرواية حتى لكأنه يتتبعه في كل دقائق حياته رغم دخول العديد من الشخصيات الروائية الأخرى إلى السرد، لكن هذه الشخصيات سرعان ما تذوب داخل جسد السرد الروائي الذي يخص عواد بعدما تعمل على تقديم نفسها بلسانها الشخصي، ثم لا يلبث أن يستقيم السرد مرة أخرى بضمير الراوي ليهتم بحياة عواد؛ فهذه الشخصيات جميعا رغم تعددها داخل الرواية لا أهمية ولا حاجة لها إلا كي يكتمل المشهد الروائي الذي يخص عواد في نهاية الأمر، أي أن هذه الشخصيات رغم أهميتها فدورها الرئيس هو أن تعمل على إكمال الفجوات في حياة عواد كي يكتمل المشهد الروائي تماما أمام أعيننا ونعرف السبب في التحولات التي كانت في حياته.
لذلك حرص الروائي، أبو حشيش، على بث العديد من صفات عواد السيكولوجية على طول السرد بحيث يكون حديثه عن هذه الخصائص السيكولوجية عفويا ليس فيه شبه التعمد أو القصدية؛ فجاءت صورته السيكولوجية مكتملة حينما كان يبثها بثا في السرد الروائي، ولولا هذا الحرص على توصيف سيكولوجيته بشكل كامل لما استطاع القارئ أن يفهم سبب كل هذه التحولات التي حدثت في حياته. هذه التحولات التي لا يمكن أن نفصلها عن العديد من التحولات السياسية لحركات المقاومة الوطنية من أجل التحرر؛ فتاريخ عواد في النهاية هو الصورة الأخرى لتاريخ حركة التحرر الوطني التي انضم إليها.
رواية الأفيال
يحرص أبو حشيش منذ بداية العمل الروائي على رسم شخصية عواد بدقة وكأنه يحفرها في نفوسنا حفرا، حتى حينما كان السرد على لسان "تاليا" الإسرائيلية، ورغم أن الفصل كان يخصها هي باعتبارها تتحدث عن نفسها وعن حياتها إلا أنها تنحو بسردها تجاه عواد لتقول: "ثمة تشابه لفتني بين عواد وبيني، إنه لا يشعر بالانتماء إلى أي شيء، وكأنه قادم من الفراغ وذاهب إليه، هذا الرجل لا يشعرني أن هناك ما يهمه غير وجوده، أعتقد أنه لا يمانع حتى في أن يكون سريري لحظة أشاء وبالطريقة التي أشاء ما دام يشعر بالمتعة. الرجال الذين يشبهون عوادا يغرونني بكسر ذلك الإحساس الذي لا أعرف كيف يتملكهم، إحساسهم أن كل شيء قابل للتطويع بين أيديهم، وكأنهم خلقوا ليملكوا ويتحكموا ويمارسوا غطرستهم، يرفضون كل الخرافات ولكنهم قلبها الخالص، السلطة بلا أي رتوش، صادقون في أنانيتهم، أستمتع وأنا أراهم يركعون تحتي يلعقون قدمي بنهم، لقد عانت أمي منهم كثيرا"، من خلال هذا المقطع السردي الذي يسوقه الروائي على لسان "تاليا" يتشكل لنا شيئا من صورة عواد اللامنتمي، الشديد الأنانية، المهووس بالسلطة والقوة فقط، ولعل هذا ما يجعل عواد مهيئا لقبول كل شيء وأي شيء في حياته؛ فهو بلا مبدأ ثابت، ولا يحركه سوى قانون المال والسلطة فقط اللذين يخدمانه فيما يريد.
لعل هذه الرغبة في امتلاك السلطة تتبدى لنا بشكل أوضح حينما نراه في طفولته: "كان عواد يحب أن يعتلي الفرس، مرتديا لباس الفرسان المائل إلى الصفرة ذا البنطال الضيق أسفل القدمين والذي يبدأ بالاتساع حتى يعود فيضيق على الخصر مرة أخرى، وهو يحمل السوط ملوحا به أمام الفلاحين، الذين يراهم وهم يحاولون الاختفاء عندما يحضر الفرسان إلى بيتهم. كان يرى والده وهو يخفي كل شيء آنذاك، وما أن يصرخ به حتى تعلو كلمة "حاضر"، دون أن يفهم شيئا، ثم يسرع لإبلاغ بعض الفلاحين بذبح بعض ديوكهم وتجهيز الكثير من المفتول وجلبه إلى بيتهم، لم يكن أي منهم يتأخر في تنفيذ أوامر والده، أو تأخير حصته في محصول القمح أو الزيتون الروماني الذي تجتاح أشجاره العملاقة قريتهم، كان شعوره أن لوالده شيئا من كل شيء يجعله يحس بالفخر والتعالي"، إذن فهو منذ طفولته مُهيأ تماما لأن يكون على هذه السيكولوجية المتسلطة، المتعالية، المحبة للتملك حتى لو تملك البشر أنفسهم، ولعل هذه الرغبة في التملك والسلطة قد باتت شغله الشاغل منذ صغره فنراه يقول لجدته "عصرية": "جدتي، بدلة "سيف" المرقطة وبسطاره اللميع، أريد مثلهن"، لترد عليه: "قَطعه يا عيّل، لو كان معسكر الفدائية يبيع لاشتريت لك بذلتين وبسطارين"، ليقول مؤكدا على رغبته في السلطة: "أريد، أريد سلاحا يا جدة، مثل سلاح أخي سيف"، أي أنه لا يعنيه سوى السلاح الذي يعرف جيدا منذ نعومة أظفاره أنه لن يُحقق السلطة ويمتلك القوة إلا من خلاله؛ لذلك كان شديد الحرص على أن ينتمي إلى تنظيم فتح، لا من أجل الكفاح المسلح ضد الإسرائيليين ولا من أجل الوطن، بل من أجل امتلاك السلطة والقوة اللتين يراهما أهم ما في حياته.
يتضح لنا عشقه الشديد لهذه السلطة حينما نقرأ بعد انضمامه إلى تنظيم فتح: "أربعون يوما قضاها وهو يحاول أن يقتل الوقت مختنقا بالتدريبات، فكر أكثر من مرة أن يسرق البسطار والبذلة المرقطة لكن تلك الرشاشات التي يحملها الحرس على أكتافهم كانت تردعه، فيبدأ في قضم أظافره بعصبية، متسائلا إن كانوا يعرفون بسرقته لديك تلك الأرملة الخربة؟ كأنك عارٍ وأنت تمشي بدون سلاح، ينظر إليك الجميع كشخص ناقص لا يستحق الاكتمال، وكأن لا أحد يعترف بكونك رجلا، هذا ما كان يوصل عواد إلى حد الاختناق كلما فكر في الأمر. أخيرا، لم تسعه الأرض، قفز يعانق سيفا، وهو يخبره أنه سينضم إلى مجموعتهم في التدريب وسيستلم بذلة مرقطة وبسطارا وسلاحا أوتوماتيكيا، وسيتسنى له حمله حتى خارج المعسكر، خاصة أثناء جولاتهم الخارجية".
هذه الرغبة القصوى في امتلاك القوة والسلطة كانت هي المحرك الرئيس والأساس في حياة عواد، أي أنه يعيش فقط من أجل الوصول إلى هذا الهدف؛ ومن ثم لم يكن يعنيه في نهاية الأمر أن يكون مقاتلا في تنظيم فتح، ولا حتى أن يُحرر وطنه؛ فالقوة الشخصية بالنسبة له هي الهدف الرئيس في كل ما يحركه، ولكن رغم امتلاكه لهذه القوة التي يعرف جيدا أنها ليست حقيقية، أو لا يمكن لها الصمود أمام الحق؛ نراه يشعر دائما بالنقص أمام مليحة الأحمد الأرملة الفقيرة التي سبق له أن سرق ديكها وباعه؛ ومن ثم يحاول دائما تحاشيها والهروب من سطوتها وقوتها رغم عدم امتلاكها لأي شيء سواء كان سلاحا أو مالا، لكنه يعرف أن سر قوتها يتأتى لها من تمسكها الدائم بالحق. نلحظ ذلك حينما يتسلم سلاحه ويمر من أمام بيتها: "في ذلك اليوم رأته كل فتيات القرية وهو يتبختر في حقول القرية وشوارعها، وتقصّد أن يمر أكثر من مرة بباب بيت الأرملة التي نظرت إليه وبصقت على الأرض: تفوووو، أكثر من هالخراب ما في خراب، يا حسرتي على بلاد ترمي حملها على كتاف حراميها"، فهو رغم تملكه ما ظنه القوة والسلطة إلا أنه لا يستطيع الشعور بهما أو الاستمتاع بامتلاكهما أمام قوة مليحة الأحمد الفقيرة التي لا تمتلك سوى قول الحق، وهذا ما يشعره أمامها دائما بالدونية، غير قادر على مواجهة لسانها السليط.
معنى القوة والسلطة هما المعنيان الأساسيان اللذان يتحكمان في عالم رواية "ذئب الله" سواء كانا على المستوى السياسي من خلال تنظيم فتح، أو على المستوى البرجماتي من خلال تجارة السلاح، أو حتى على المستوى الاجتماعي من خلال تصويره للمجتمع البدوي الذي نشأ فيه عواد؛ فهو مجتمع يتحكم فيه أصحاب النفوذ والسلطة فيمن هم أضعف منهم، حتى أنه يشعرهم بالذل والهوان الذي يفضي بالضعفاء في نهاية الأمر إلى الموت بعد أن يكون قد جردهم من كل معاني الإنسانية أو الكرامة، ولعل الروائي جهاد أبو حشيش قد برع في تصوير هذا المجتمع البدوي الذكوري الظالم الذي يقتل فيه القوي الضعيف من دون رحمة، ولا يرى في المرأة سوى شيئا ضعيفا من السهل إهانته أو التضحية به، أو بيعه باعتبارها مجرد سلعة أو شيئا زائدا عن حاجة المجتمع، وربما كانت حياة عواد في هذا المجتمع البدوي باعتباره ابنا من أبنائه سببا من أسباب هذه السيكولوجية التي نشأ عليها والتي ترى في النساء مجرد أشياء للمتعة من حقه الحصول عليها أينما شاء، ووقتما رغب في ذلك؛ فهي مجرد أداة لمتعته فقط، سواء كانت هذه المتعة جنسية، أو حتى متعة تعذيبها وضربها وإهانتها.
تتضح سمات هذا المجتمع البدوي القاسي حينما تتحدث "الذلول"/ أم عواد: "لو أن أخي رأى ما أنا فيه لفكر ألف مرة قبل أن يثور وهو يسمع عواد ابن عصرية يُعايره أثناء مروره بقبيلتنا، على أننا قبيلة صغيرة وأننا لم نغزُ أحدا منذ سنوات، لو رأى ما أنا فيه من ذل لما استل شبريته وتعاركا، طعنة واحدة وضاع كل شيء، لم تعد القبيلة هي القبيلة، ولا ضحكات بناتها هي ضحكاتهن، ولولا دخالة إخوتي على قبيلة الشيخ صايل لأبيدت قبيلتنا عن بكرة أبيها، لو أحسوا بما أنا فيه ما قدموني ذلولا ليحقنوا الدم، وافقوا عندما عرفوا أن لا قدرة لهم على مواجهة عشيرة القتيل"، من خلال هذا المقطع السردي تتضح لنا عادات البدو الذين يرون أن القبيلة المسالمة التي طال بها العهد في عدم الاعتداء على غيرها من القبائل ليست سوى قبيلة ضعيفة تستحق السخرية منها والاعتداء عليها؛ لأنها قبيلة ضعيفة وجبانة، كما أن البدو ينظرون إلى المرأة وكأنها مجرد شيء يُباع ويُشترى، من الممكن التضحية به في أي وقت من أجل صالح القبيلة؛ لذلك حينما قام أخو الذلول بقتل عواد حينما سخر منه لم يكن أمام قبيلتها من حل سوى تقديمها ذلولا لصخر أخو عواد كي يتزوجها كأمة من الإماء، وهو ما جعل "عصرية" أم عواد المقتول وأم صخر تعمل على تعذيبها وضربها بالسوط منذ الليلة الأولى لزفافها على ابنها صخر، بل تعاملت معها من منطق السيدة والخادمة ومنعت الجميع من التعامل معها وباتت المهمة الوحيدة المطلوبة من الذلول هي أن تُنجب لصخر طفلا كعوض لعواد الذي مات، ليكون المولود الجديد هو عواد الباز بطل الرواية الذي أخذته الجدة عصرية لتربيته بنفسها، ومنعت أمه من الاختلاط به أو رؤيته أو تربيته، وجعلته يتجنب الأم تماما حتى نسى أنها أمه، أي أنها هنا كانت توغل في إذلالها وممارسة السلطوية التي تشبعت بها في مجتمعها باعتبارها لا شيء، وكأنها تنتقم من قبيلة "الذلول" كلها في شخصها بذلها وحرمانها من ابنها الذي قتلها في نهاية الأمر تحت سمع وبصر الجدة التي سعت إلى تهريبه.
هذه الخصائص البدوية الفجة نراها في: "كنت بيضاء لجدتي من أمي التي يُقال أن جدي تزوجها بعد أن غنموها من قافلة تركية صغيرة كانت تعبر بالقرب من أراضي القبيلة"، إذن فمنطق القوة والسلطة والسلب والنهب هو المنطق المسيطر على العمل الروائي على كل الأصعدة، ولعل الروائي صور المجتمع البدوي بشكل فيه من الوضوح ما يُدلل على أن المجتمع الذي لا يرى سوى القوة والسلطة هما الحياة؛ لابد أن يكون أبناؤه مجرد مرضى بالسلطة بأي وسيلة من الوسائل.
يحرص أبو حشيش على بناء روايته معتمدا على تعدد الأصوات الروائية، ولعل هذا الشكل من أشكال السرد هو الشكل الروائي الأمثل الذي يؤكد لنا أن الحقيقة لا يمكن لها أن تكون ملكا لشخص واحد فقط، بل للحقيقة الواحدة الكثير من الأوجه، والزوايا التي يستطيع المرء النظر من خلالها، وحينما نضع الروايات المتعددة للحقيقة الواحدة بجانب بعضها البعض تكتمل أمامنا الصورة البانورامية الكاملة لهذه الحقيقة المتعددة الأوجه، ولعل في هذا البناء ما يُدلل على أن الروائي يفهم جيدا كيف يبني روايته بدقة؛ فهو يتحدث عن التحولات التي حدثت لتنظيم فتح من خلال عواد الباز، وبما أنه يتحدث عن هذا التنظيم المهم في ضمير الشعب الفلسطيني، وبما أنه يواجهه بالعديد من النقائص التي حدثت له؛ كان لابد أن يروي الحقيقة أكثر من شخصية ومن خلال زوايا مختلفة مستندا على فكرة الأوجه المتعددة للحقيقة، ورغم أن كل الشخصيات في الرواية كانت تتحدث عن عواد الباز الذي يُعد المحور الأساس للرواية، إلا أننا لا نستطيع فصل الباز عن منظمة فتح؛ فهو الوجه الآخر لها، أو أن كل منهما وجها لعملة واحدة، وهذا ما يؤكد ما ذهبنا إليه في البداية من أن التاريخ له العديد من الروايات المختلفة منها ما هو الرسمي المزيف، ومنها ما هو الفني الصادق.
ربما نلاحظ أنه كلما دخلت شخصية روائية جديدة إلى السرد يحرص المؤلف على أن يجعل هذه الشخصية تتحدث بلسانها بشكل فيه الكثير من الوعي بتقنيات البناء الروائي، فتقدم لنا نفسها أولا ثم سرعان ما تندمج في السرد بضمير الغائب، وهو السرد المنصب أساسا على حياة عواد الباز ورحلة التحولات التي مر بها، وقد نجح أبو حشيش في كتابة روايته المتعددة الأصوات بأن جعل كل شخصية جديدة يسوقها السرد تنفرد بفصل جديد باسم هذه الشخصية لتبدأ في الحديث عن نفسها وعلاقتها بعواد الباز ثم لا يلبث السرد أن يستقيم لمواصلة رحلة الباز مرة أخرى. فحينما يتحدث السرد مثلا عن تلك المرأة المحرومة جسديا- التي تسكن أخت عواد في بيتها- والمسافر زوجها إلى الدنمارك من أجل المال تاركا إياها هي وطفلها من دون السؤال عنهما أو زيارتهما، نراه في الصفحات التالية يُفرد فصلا يخصها وحدها باسم "نادرة" تتحدث فيه عن نفسها ومعاناتها مع الوحدة الجسدية من دون رجل، ثم يعود السرد إلى مصبه الرئيس فيما بعد بضمير الغائب، وهذا ما فعله بكل الشخصيات التي دخلت إلى السرد. نلاحظ مثلا حينما تراود نادرة عوادا عن نفسه في الوقت الذي كان فيه البيت خال إلا منها ومنه: "راحت تفك أزرار قميصه فيتنمل جسده تنميلا لذيذا، دارت الأرض به وهي تنسكب في اتجاه شفتيه، مثل أرض أثخنتها الصخور، أحس بها تحرثه، كل ما فيها جعله مشدوها، كاد يبكي لكن دموعها التي انهمرت لتغسل صدره جعلته يكبت دمعه، لفت يديها حول رأسه واحتضنته بشدة، رمت رأسها على كتفه وسمعها تقول بصوت يملأه الحزن والألم: ملعون أبو المصاري، ملعون أبو المصاري"، ولا يكاد هذا المقطع أن ينتهي حتى ينتقل بنا أبو حشيش إلى الصفحة التالية التي تبدأ فصلا جديدا باسم "نادرة" وهي الشخصية النسائية السابقة التي كانت في المقطع السابق؛ لتبدأ في الحديث عن نفسها وحياتها وكيف تعرفت على زوجها حتى سفره إلى الدنمارك وتركه لها وحيدة هي وابنها، إلى أن تقاطعت حياتها مع حياة عواد الباز ومن ثم أصبحت كشخصية روائية إحدى المكونات أو المفردات الأساسية في حياة الباز الذي تُعد حياته هي المحور الأساس الذي تدور حوله جميع الحيوات الأخرى.
الروائي فتحي غانم
من خلال هذا السرد المتعدد الأصوات ثمة ملاحظة مهمة لابد من التوقف أمامها في رواية "ذئب الله"، هذه الملاحظة من الأهمية بمكان ما يُدلل على وضع النساء في المجتمعات التي تعتمد القوة والسطوة الغاشمة هو قانون الحياة فيها؛ فجميع النساء تقريبا في الرواية إما مقهورات لا حول لهن ولا قوة؛ ومن ثم يعجزن عن تغيير الواقع أو أن يكن فاعلات فيه، أو هن مجرد أرامل؛ مما يجعل المجتمع يطمع فيهن لظنه أنهن هكذا من دون سند أو مهيضات الجناح، نرى ذلك مثلا حينما تدخل "عائشة"- زوجة عواد وابنة عمه- إلى السرد بصوتها: "لا اعتراض على ما قسمه الله من نصيب، ابن عمي وتاج رأسي، لكنه لا يعرف الله في شيء، ولا يراعيه في أي أمر آخر، وفوق هذا وذاك أشعر أنه لا يطيقني، لماذا تزوجني إذن؟ ربما لا أكون جميلة لكن أمي علمتني أن جمال المرأة أخلاقها، وجمال الرجل قدرته واحترامه لبيته، هل هذا يعني أن عوادا ليس جميلا؟ أم أن أمي تبالغ فيما تقول؟ قلبي موجوع منذ تلك الليلة حينما افترشني كما يفترش الذئب الخراف، ليلتها لم أنم، تمنيتُ الموت وهو يغرز أظافره في لحمي، لم ينتظر أن أخلع ملابسي، كان قلبي يدق وكأنه سيخرج من صدري، فتح ساقي فوددت لو أموت لحظتها وهو يحاول أن يفعل فعلته، شعرت بسكين تجرح لحمي وبكيت، ظللت أبكي طوال الليل وهو يشخر بجانبي بعد أن دفعني جانبا كأشولة التبن، لا أدري كيف نمت ليلتها، كل ما أتذكره أني نمت منكمشة على نفسي وقد شددت يدي حول قدمي لشدة الألم"، من خلال هذا المقطع السردي يتبين لنا أن المرأة في هذا المجتمع البدوي الذي يتخذ من السطوة والقوة والسلطة مقياسا للحياة، هو مجتمع لا يرى في المرأة إلا مجرد شيء لا حول له ولا قوة، يستطيع أن يفعل به ما يرغبه في الوقت الذي يشاء، وهو ما يجعل عوادا بالفعل يتعامل مع العاملات لديه في المزرعة وكأنهن مجرد أشياء يمتلكها ليزجي بهن وقت الفراغ والحصول على رغباته الجنسية من خلال المال والسطوة والضغط عليهن؛ فكل شيء له ثمن، وهذا ما تقوله "سارا العمار" حين دخولها إلى السرد لتروي: "رأيته يخصم من أجر العاملات لأتفه الأسباب ورأيتهن يبكين وهو يتلذذ بدموعهن وضعفهن، وسمعتهن يلُكْن أوجاعهن ويمسحن تراب البساتين عن ثيابهن وهو يصطادهن، رأيتهن وهن يلعن الحاجة التي جعلتهن يصمتن، كثيرا كن يتركن العمل دون أن يقلن شيئا، ففي قريتنا لا أحد يسمع ما ترويه المرأة، فالعيب أصله امرأة منها، لذلك يفضلن الصمت والستر ويبتلعن خيباتهن، لتأتي أخريات غيرهن وتدور العجلة وعواد الباز يتلذذ بقهرهن وضعفهن".
تؤكد "سارا العمار" على وضع المرأة في المجتمع البدوي بقولها: "عندما تكون المرأة جميلة بلا إخوة يصبح كل الذئاب إخوانا لها يتراكضون لمساعدتها"، وفي هذه الجميلة القصيرة ما يُدلل على وضع المرأة في هذه المجتمعات التي لا ترى في المرأة سوى فريسة صالحة للنهش أو التجارة بها فقط، أو التضحية بها؛ لأنها من وجهة نظر هذا المجتمع لا شيء.
نشأة المرأة في مجتمع لا يعتبر سوى السلطة والقوة سببا للحياة يجعلها خاضعة لمثل هذا القانون؛ ومن ثم ترى نفسها مجرد أداة من أدوات هذا المجتمع الذي يتصرف فيها كيفما شاء، وهذا ما تؤكده "نادرة" التي سافر زوجها ليتركها وحيدة تنهشها الوحدة والرغبة: "عاد بعد سنتين، وعدني أن يرتب الأمور ليأخذنا، لم يتوقف عن إرسال المال، لكنه لم يعد غير تلك المرة، تركني للفراغ، والفراغ يا عواد يأكل المرأة ويقهرها، يجعلها تشعر أنها مثل أرض الوقف، أنت لن تستطيع أن تتخيل البرد الذي تحسه المرأة الوحيدة في ليالي الشتاء ولا ما يلسعها من برد في ليالي الصيف وهي ترى الأخريات في أحضان أزواجهن، لو أن هذه المرآة تتكلم لحدثتك. المال ليس رجلا، لهذا كنت أعود من مرآتي خائبة لأشبع الوسادة بالدموع والأحلام وأظل أبكي إلى أن يغتصبني النوم"، هنا المرأة عينها ترى نفسها شيئا غير ذي قيمة من غير وجود رجل إلى جوارها، فالحياة لا يمكن أن تستقيم لها من دون الرجل الذي تربت على أنه كل شيء وهي مجرد مفردة من مفردات حياته يتصرف فيها كيفما شاء.
هذا الخضوع الكامل من المرأة تجاه مجتمعها تؤكده "الذلول"- أم عواد-: "المرأة مهما زينوها ذلول، لإخوتها حتى يصيروا رجالا بين الناس ويعلو صيتهم، وللرجل الذي ينام في فراشها، عندما لا يرى فيها أكثر من حاجة، مثل صحن الطبيخ يقلبه بعد أن يفرغ منه، وللناس مثل أي ناقة يعطونها لبعضهم سداد دين أو دم، أنا هذه المرأة التي تسمونها الذلول"، حتى "عصرية"، جدة عواد، المرأة القوية المتسلطة التي رباها أبوها على القوة وركوب الخيل والفروسية، رغم قوتها وخوف الجميع منها إلا أنها تؤكد أنها أمام رغبة القبيلة مجرد امرأة ضعيفة لا يحق لها أن يكون لها رأيا فتقول: "حين قبل إخوتي الصلح اشتعلت ناري ولم تهدأ لكن ليس للمرأة وإن كانت فارسة الفرسان فلن تكسر كلام إخوتها، وعشيرتها، يومها عرفت القهر وكرهتْ أن أكون امرأة". هذه الحالة من الضعف النسوي الذي نراه على طول الرواية نلمحه أيضا لدى "تاليا" الإسرائيلية التي كانت أقوى الشخصيات على الإطلاق، بل كانت مسيطرة سيطرة كاملة وتامة على عواد الباز نفسه، لكننا نراها تقول عن أمها: "ما زلت أذكر كيف كبرت بين أقدام زبائن الحانة التي كانت أمي تعمل فيها. رأيت الرجال وهم يستمتعون بإذلالها، كرهت خوفها منهم، وخوفها من طائفتها، "الطائفة سيف إن تمكن منك قتلك بحجة الجنة، ابتعدي عن الطوائف كلها يا صغيرتي" كانت ترتجف وهي تقول لي ذلك، كرهت ضعفها، كرهت غنجها حين يكونون في سريرها، وصوت بكائها حين تخلو بنفسها، لم تكن لتفصح عن هويتها تخوفا من إذلالها أكثر، فقد كانت الحرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين مستنقعا من الكراهية لا يحتمل التفكير مرتين، طرفان غبيان لا يريان من الحياة سوى الموت"؛ ربما لهذا الضعف الشديد والإهانة والإذلال لأم تاليا كانت من أكثر الشخصيات قوة وقدرة على السيطرة في الرواية من خلال جسدها وهويتها الإسرائيلية، ولكن جميع الشخصيات الأخرى لم تكن تمتلك سوى الاستسلام والتوجه إلى الله في ذل وتضرع: "جرت مليحة الأحمد قدميها دون أن يفهم ما عنته بكلامها، وعادت إلى بيتها وهي ترفع يديها إلى السماء وتدعو: يارب يا سامع، تسمع من "الحرمة"، بجاه حبيبك محمد ووليك ابن زهرة، يا قادر على كل قدرة، ويا ناصر كل محتاج، حقي يا صاحب الحق، قادر يا رب قادر، حقي يا رب حقي، وأنذر باسم النبي أقدم دجاجة محشية بالصنوبر واللوز يوم جمعة مشمشية تحت شجرة سيدنا الولي".
لكن في ظل كل هذه الشخصيات النسوية الخاضعة للذل والسطوة الذكورية تبقى لنا شخصيتين مختلفتين سيكولوجيا هما شخصيتي منال، وتاليا. فمنال الطفلة التي راودها عواد عن نفسها وهي صغيرة بقطعة من الشيكولاتة راغبا في اغتصابها لولا إنقاذها منه على يد "سارا العمار"، تصبح المرأة الشرسة الجمال التي لا يقوى عواد على مقاومة جمالها أو أنوثتها؛ لذلك يحصل عليها بالزواج منها، لكنها رغم ضعفها الذي كانت تبديه له، ورغم رضوخها لساديته في ممارسة الجنس معها وضربها وتعذيبها إلا أنها كانت أقوى منه بجمالها وفتنتها التي لا يستطيع مقاومتها، أي أنها استغلت أنوثتها الباذخة في السيطرة الكاملة عليه ومن ثم لم تكن تُعطيه أو ترضخ لساديته وتعذيبه إلا في حالة أن يدفع لها المقابل لذلك من الأموال والمشغولات الذهبية والبيت والسيارة وغير ذلك، هنا تبدو لنا منال كشخصية قوية من خلال أنوثتها بينما يضعف أمامها عواد بسبب رغبته الجنسية المستعرة فيه، وهي نفسها تعترف بقدرتها على السيطرة عليه، وبسيكولوجيتها المشوهة التي تشكلت بسبب الفقر: "لم أكن من الفتيات اللواتي يعشقن الدراسة، منذ ضربني أبي لم أعد تلك الطفلة الصغيرة، صرت أفكر كيف أحصل على كل شيء دون أن يضربني، تنبهت إلى جمالي مبكرا فقد كانت أمي تصطحبني كثيرا في زياراتها وتتباهى قائلة: "منال، من سيخطبها يجب أن يزنها بالذهب، جميلة ما شاء الله" فيرددن من بعدها: ما شاء الله "بتستاهل، حورية". ومن يومها أدركت أن جمالي هو جوهرتي التي يجب أن أحرص عليها، رصيدي الذي يجب أن أستثمره جيدا لأقتل كل ما أنا فيه من حاجة"، إذن فهي تعترف بأنها تستغل أنوثتها في الوصول إلى ما ترغبه؛ ومن ثم يرضخ لها كل الرجال من أجل إرضائها وهذا ما تستغله: "علمني فقري أن أكون أنثى بامتياز، ففي الليالي التي يذبحك فيها الجوع، ستشعل النار بكل ما تعلمته من قيم، هذا ما علمتني إياه أمي، دون أن تقوله، الذين يبيعون المُثُل لم يجربوا ذل الحاجة ولا العمل في البيوت والحقول، لو أصبحوا مماسح زفر لقلة حياء هذا وذاك لعرفوا أن عيدان الحطب أكثر جدوى لإشعال النار في ليالي البرد من كلامهم الذي لا فائدة منه".
استغلال منال لأنوثتها كي تظل قوية وتحصل على ما تريده وما حُرمت منه في حياة الفقر هو ما دفعها إلى الموافقة للزواج من عواد الباز الذي لا يرغب سوى في جسدها وكأنها تعقد معه صفقة ناجحة: الجسد مقابل المال، حتى لو كانت هذه الصفقة يتخللها الكثير من السادية والإهانة والضرب لها أثناء وقبل ممارسة الجنس، لكنه كان يدفع لها المقابل الذي ترغبه من خلال السيطرة عليه بجسدها؛ ومن ثم نراها تتقبل ما يفعله بها: "كانت منال قد خرجت من الحمام للتو ولبست فستان نومها القصير الذي يترك لساقيها حرية إطلاق غوايتهما، لم يحتمل جمالها وأنوثتها ودلالها تلك الليلة، ولا تجبرها الذي حاولت إخفاءه بغنجها، ومعرفتها بكم هي محظية لديه، لم يتمالك نفسه، خرج عن احتماله فجأة، وضربها بحزامه الجلدي الأسود وهو يصرخ وكأنه يروض أسدا صغيرا، دون أن تعرف لماذا يضربها، حتى وقعت على السرير وهي تبكي وتتألم، راحت ترجوه أن يكف عن ضربها، هددته بتركه، تذللت له، لكنه كلما أحس بضعفها زاد في ضربها وزادت عيناه التماعا، أمسكها من شعرها دون أن تقوى على الحركة، مزق قميص نومها ليندلق نهداها إلى فمه، راح يرضعهما بشراسة ويعض حلمتيهما وهي تصرخ ولا تستطيع دفعه عنها، ظل يلهث إلى أن أفرغ حمولته"، نلاحظ في هذا المقطع الرغبة السادية لعواد في ممارسة الجنس، وهذه الرغبة ليست إلا معادلا موضوعيا لهوسه بالسلطة والقوة التي انعكست على كل شيء في حياته حتى حياته الجنسية، ولعل هذه السادية في ممارسة الجنس لم تكن مع منال فقط بل رأيناها كذلك مع زوجته الأولى ابنة عمه "عائشة": "طوال أسبوع ظل يكرر فعلته وظللت أبكي من الألم، لولا الحرام لكرهت أن يقربني لكن الله حللني له ولا اعتراض على ما منحه الله من حقوق، الله يثيبنا في الآخرة، لكنني لا أعرف لماذا يغضب فجأة وبدون سبب ويضربني؟ والله يضربني، الله يسامحه، ثم يتمدد على السرير ويحاول أن ينام، حتى عندما أخبرته أنني حامل رماني بإبريق الشاي وهو يتمتم ويشتم".
لكن إذا كانت زوجته الأولى تحتمل هذه السادية مرضاة الله، فإن منال قد احتملتها مقابل أن يعوضها هذا العذاب بالمال الذي يجعلها راضية بما يفعله بها: "خبأها وتوجه إلى غرفة النوم، كانت رائحة لحمها شهية بشكل لا يقاوم فلم يستطع أن يتمالك نفسه، ضرب مؤخرتها بيده، فقفزت مذعورة، أعجبه منظرها مثل ظبية بين فكي صيادها، فأعاد ضربها على مؤخرتها بشدة، فصرخت وعيناها تقدحان شررا، ثم أمسكها من شعرها ورماها على السرير، أثاره منظر انكماش يديها، وذلك الخوف الذي احتشد في عينيها ممزوجا بالاشمئزاز، فمزق فستان نومها الليلكي لينسكب جسدها على السرير مثل مرايا مصقولة من الماء، أحست بالاختناق وهو يضغط على صدرها بثقله، فرفسته عنها بكل قوتها وهي تصرخ به: لقد اختنقت، هل تريد أن تقتلني؟ لم يقل كلمة صفعها على وجهها وراح يستمتع بنظراتها الغاضبة، ثم أخذ ينثر الدولارات فوق جسدها، نظرت باندهاش وراحت تحاول التأكد إن كانت هذه الأوراق حقيقية أم لا".
إذن فكل منهما يتناسب مع الآخر سيكولوجيا، وكل منهما قادر على السيطرة على الآخر، أي أن الشخصيتين تمتلكان القوة، هو من خلال المال والسطوة والقوة الذكورية، وهي من خلال قوتها الأنثوية المسيطرة عليه ومن ثم تستحلبه ماديا مقابل كل مرة يعذبها ويضاجعها فيها.
الروائي جهاد أبو حشيش يوقع روايته
لكن إذا كانت منال هي الشخصية النسائية التي استطاعت أن تمتلك شيئا من القوة أمامه، فـ "تاليا" اليهودية هي من استطاعت السيطرة الكاملة عليه حتى بات مجرد شيء تعرف كيف تتصرف فيه: "وقفت أمامه عارية من كل شيء وحبات الماء تتساقط من على جسدها وقد نفر نهداها فأحس بجسده يحترق، وقف مذهولا وكاد يمسكها من شعرها، حين أزاحت رأسها وألقت به على السرير وجردته من ملابسه، قبل أن يفيق من دهشته، راحت تُقبل كل جزء من جسده وتداعبه وكأنها تعزف موسيقى مجنونة، حتى شعر كأنه لم يعرف قبلها امرأة قط، أحس نفسه فارسا من زمن آخر، وكأنه يستل من جسدها كل دهشة الشرق التي سرقها أجدادها، يفرد لها أرضه فتغوص قدماها البرونزيتين في طينه حتى لا تعود قادرة على الخلاص من طعم عوالمه، صورا كثيرة مسحها مثل من يفقأ دمل، حتى أن الحاج كاديلاك مر بخاطره سريعا، فبصقه بتوحش "هذا الجسد لا يستحق جناته سواي إنه حقي، خلق لي لألتهمه، وخلقت له ليغرق في" قال لنفسه وهو يتلوى متأوها تحتها. بينما كانت تحرث جسده قطعة قطعة، تلوح ابتسامة ماكرة على شفتيها، فلا شك لديها أنها تستوطن كل جزء تلمسه شفتاها، أو أصابعها، أو شعرها من جسده، تختلس نظرة خاطفة لترى ملامح وجهه المعجونة برغبة متوحشة، وإذعان يشعرانها بأنها جنس آخر من النساء يستحق أن يعلو على الأنوثة والذكورة ويمتصهما حد النهاية، صراخه الذي يشبه صراخ ذئب غارق في جسد الفريسة، جعلها تقلبه على وجهه وتعتلي مؤخرته وكأنها تريد أن تقول له كل جهاتك لي لأنني وحدي من أستطيع أن أعيد تشكيل التهاماتك، فأنا سيدة الالتهام، أحس بخدر مثل حد الموسى، هدهما التعب فدفعته بقدمها عن السرير وهي تقول بغنج فيه شيء من الأمر: لا أحب أن يغفو أحد بجانبي، سأرتاح قليلا. أحس بالارتباك وهو يقف محاولا أن يلف المنشفة على وسطه ويقول: ليست مشكلة، سآخذ حماما وأتناول القهوة. نظرت إليه نظرة ماكرة وقالت: أحب أن تقول لي كيف وجدت طعم اليهودية. لم يعرف ماذا يقول، ازداد ارتباكه وتحشرج صوته وهو يقول: نار، نار. وراح يفكر ماذا لو أطبق بيديه على رقبتها، لكنه جلس على الكرسي يراقبها بهدوء وصمت واشتهاء".
من خلال هذا المقطع السردي الطويل الذي حرصنا على اقتباسه كاملا يتضح لنا أن "تاليا" اليهودية كانت هي الشخصية الوحيدة التي استطاعت أن تمتلك القوة والسطة أمام عواد الذي يخضع الجميع له، وربما نلمح من خلال هذا المقطع العديد من المفردات الدالة التي كان لها الكثير من الأهمية في السرد والتي ساقها الروائي بذكاء للدلالة على ما وصل إليه عواد وحركة فتح أيضا معه من مهانة واستسلام؛ فهو يؤكد من خلال هذا المقطع خضوع الجميع لليهود سواء كان عواد أو الحركة التنظيمية الثورية "فتح"، نلمح ذلك من خلال هذا المقطع السردي: " فلا شك لديها أنها تستوطن كل جزء تلمسه شفتاها، أو أصابعها، أو شعرها من جسده"، فمن خلال مفردة "تستوطن" الدالة على الفعل  الاستحواذي الكامل يتضح لنا أنها قد امتلكت الوطن بالكامل، لا تمتلكه هو فقط، وهذا ما جعلها راغبة في أن تكون فاعلة في هذا الوطن لا مفعولا بها وإن كان هذا الفعل يتم إسقاطه على الجسد الموازي للوطن: "صراخه الذي يشبه صراخ ذئب غارق في جسد الفريسة، جعلها تقلبه على وجهه وتعتلي مؤخرته وكأنها تريد أن تقول له كل جهاتك لي لأنني وحدي من أستطيع أن أعيد تشكيل التهاماتك، فأنا سيدة الالتهام"، هذا الفعل الجنسي المعاكس مع عواد أراد أن يسلبه قوته وسطوته ورجولته وكل شيء كي يكون خاضعا وراضيا بما تقرره هي، وهذا بالفعل ما فعلته به في نهاية الأمر: "كانت أصابعها بمذاق جمر لذيذ يسري في خلاياه، "الآن عرفت كيف تمكن أجدادك من عبور صخور أجدادي" قال لنفسه، رمت ملابسها وجلست على طرف السرير ثم شدته من لحيته وجذبته نحوها، وهو ينظر إليها وعيناه تحفران جسدها بشبق، نظر إلى نهدها النافر وحبة العنب المستفزة، تتصدر المشهد، تصور نفسه يقتطع قضمة منه ويلوكها بتلذذ غريب، ضربته على مؤخرته فأحس بنشوة غريبة، ونظر إليها كمن يطلب منها تكرار الأمر، فأمسكت إليته بكفيها وعضتها بنعومة أشبه بالسحر، ارتجف وكأن سلكا هوائيا باردا لذيذا سرى في جسده، اعتدل وهي ما زالت تجلس في حضنه وضمها إليه وأخذ يقبل رقبتها، تمنى لو أنها تتركه يعضها بقوة، ويتذوق طعم دمها الذي لابد أن يكون بلذة مغايرة، وكأنها انتبهت للأمر، دفعته بيدها، شعر بعواء عينيها يتعالى، لمعة الشراسة فيهما تومض أكثر، فتمدد تحتها مثل جرو وراح يتحسس ملمس ساقيها، معلنا كامل انقياد جسده لسطوتها، فغبته بقسوة لذيذة كاد يصرخ على أثرها، ثم أنشبت أظافرها في كتفيه، أحس بالخدر يسري، وبالنشوة تجري في عروقه، وقبل أن يرتعش أحس بإصبعها يخترق مؤخرته، فجفل، ثم استكان وهو يشهق بصوت عال".
رغم القوة والسلطوية اللتين يمتلكهما عواد على طول الرواية إلا أننا نراه هنا خاضعا خضوعا تاما، حتى أنه يوافق على أن يكون مفعولا به من "تاليا" رغم أن تقاليده العربية تؤكد له أن خضوعه لها كمفعول به يقلل من شأن رجولته كما يرى ذلك المجتمع من حوله، ولكن ربما يكون صاحب القوة المطلقة لديه الرغبة النفسية أحيانا في أن يكون خاضعا لشخص ما أقوى منه أو يفوقه قوة؛ نتيجة موافقة الجميع لرغباته وعدم عصيانها، وبما أن تاليا تمتلك هذه القوة والسيطرة الكاملة جنسيا؛ فلقد كان خاضعا لها كنوع من التوازن الذي يشعر به في اللاوعي، وهو ما يحقق له قدرا أعظم من المتعة معها؛ فها هو الرجل المطلق السلطوية القوة قد بات مفعولا به خاضعا لهذه المرأة؛ مما يكسبه المزيد من المتعة.
تتضح لنا التحولات الكبرى التي حدثت في حياة عواد الباز، وهي التحولات الموازية تماما لما حدث للحركات الوطنية التي نشأت من أجل التحرر في مسيرة حياته الطويلة التي كانت لمجرد البحث عن السلطة والقوة؛ الأمر الذي دفعه منذ كان شابا للانضمام إلى حركة فتح، أي أن السبب الرئيس لم يكن هو تحرير الوطن بقدر رغبته في البحث عن السلطة، ثم لا يلبث الكثيرون من أعضاء الحركة أن يتحولوا الواحد تلو الآخر؛ فها هو أبو بكر زميله اليساري في الحركة يتحول إلى أقصى اليمين متعاونا مع الجماعات الإرهابية باسم الدين حينما يخبره أحد أعضاء الحركة الدينية عن أبي بكر: "بعدما اشترى الشاب أغراضه ومضى دون أن يلتفت، ظل عواد مكانه، أسئلة كثيرة لا أجوبة لها، هل أصبح أبو بكر من هؤلاء؟ كيف؟ ألم يكن ماركسيا، لا، لا، لم أعد أفهم شيئا"، ولم يكن أبو بكر هو أول التحولات ولا آخرها، بل تحول التنظيم بالكامل من أجل التجارة في السلاح باعتبار أن هذه التجارة جزءً لا يتجزأ من حركة المقاومة، ورغم أن هذه التجارة لا يمكن أن تمر أو تتم إلا من خلال التعاون مع الإسرائيليين إلا أن الحركة بالكامل، ومعها عواد؛ فهو جزء لا يتجزأ منها، رأوا أن الغاية تُبرر الوسيلة وما داموا في حاجة للسلاح من أجل غيرهم من حركات التحرر، أو من أجل المال والقوة؛ فلا غرو من التعاون مع الإسرائيليين كوسيط أساس في صفقاتهم، بل وتقديم السلاح أيضا للحركات الدينية كالقاعدة وغيرها، ولنتأمل تاليا تقول في اجتماع إحدى الصفقات: "لقد قدم ابن آوى الكثير ويحق له أن يستريح، وقد اختار أن يسافر هو وأولاده إلى أمريكا ليقيم فيها بقية عمره، وتعلمون أن الذئب أرسل في طلب الكثير من السلاح والذي لابد أن نعرف إلى أين سيذهب حتى نضمن أن تظل تجارتنا مستمرة ولا نقع تحت غضب أحد. وأشارت إلى عواد ليتحدث فقال: كل ما أعرفه أنهم جماعة إسلامية. "هذا يعني أننا نتعامل مع إحدى أذرع القاعدة"، قالت السيدة. ماذا قاعدة! لا أعتقد. "لن يطلبوا هذا السلاح إلا إن مولتهم القاعدة"، ربما، لكني أعرف أن بعض من كانوا في الثورة قريبون منهم، "هذا لا يعني شيئا، اليساريون العرب من السهل التغرير بهم". صمت عواد عند هذا الحد، نظرت المرأة في وجوه الرجال، ثم أكملت قالت: حتى يوافق الإسرائيليون على عقد الصفقة، لابد أن يضمنوا أن إسرائيل ليست مستهدفة بها، لذا عليك أن تؤكد لنا هذا الأمر".
جهاد أبو حشيش
إذن فالغاية تُبرر الوسيلة، وما دامت مصلحة التنظيم أو عواد مع الإسرائيليين، وبما أن الصفقات لا يمكن لها أن تتم إلا بموافقة إسرائيلية فلا مشكلة في التعاون معهم من أجل تمرير صفقات السلاح التي يرغبون في تمريرها، بل إن التحولات تمتد بشكل أكبر إلى التعاون الوثيق مع القاعدة ومحاولة التدين الظاهري لخداع المجتمع بالكامل بعد العمل مع هذه الحركات الإرهابية وإمدادها بالسلاح الذي ترغبه؛ لذلك أطلق عواد لحيته، وطلب من زوجته منال أن تغطي شعرها وارتداء ملابس أكثر احتشاما رغم أنه غير مؤمن بأي شيء، لكنه رغب أن يظهر أمام المجتمع بالمتدين لاكتساب المزيد من السلطة والسطوة والحظوة من خلال التدين الظاهري بعد عمله مع الجماعات الإسلامية في صفقات السلاح: "ناوله الرجل ذو اللحية الحمراء حقيبة السامسونيت التي في يده، كانت أكبر من الأولى، ثم أعطاه ورقة كتب عليها الرقم السري ولاحظ ابتسامته الجافة التي لم يفهمها وهو يرى المصحف الموضوع حديثا على الطاولة وشد على يده قائلا: إن الله يهدي من يشاء يا أخي، هداك وثبتك على طريقه لمحاربة الشرك والمشركين"، نلاحظ ذلك أيضا في المقطع السردي التالي: "وحدها أم عادل انتبهت إلى لحيته الطويلة فقامت وأعدت الحمام، وحينما أحضرت ماكينة الحلاقة، أخبرها أن الله كريم ويجازي العبد بخير الدنيا والآخرة، فبهتت وهي تنظر إليه".
هذا التحول الخطير في حياة عواد باتجاه التدين الظاهري رغم عدم حقيقته يكشف ما يدور في المجتمع من حولنا سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي الذي يحاول أن يُخادع الجميع بكافة الطرق مستغلا الدين وغيره من الأمور في هذا الخداع من أجل اكتساب السلطة والمكانة، فهو رغم عدم تدينه وتعاونه مع الإسرائيليين باسم صفقات السلاح التي يحتاجونها، ورغم أنه لا يحفظ شيئا من القرآن يحاول أن يكون في مظهر المتدين أمام الآخرين لمجرد التجارة بهذا المظهر: "ابتلع ريقه وهو يفكر باحتمالات كثيرة، ولكنه عندما لمح الرجل الآخر يضع يده في جيبه أسرع إلى السيارة دون إبطاء، وصعد في المقعد الأمامي، انطلقت السيارة وراح عواد يقرأ كل ما يحفظ من القرآن، ليكتشف أن كل ما يحفظه لا يتعدى الفاتحة وبعض السور القصيرة التي حفظها مؤخرا"، من خلال هذا المقطع تتضح لنا المفارقات الساخرة؛ فهو لا يعلم شيئا عن الدين الذي يحاول المتاجرة والظهور به أمام الناس لدرجة: "لم يعد الإمام يرضى أن يؤم بالمصلين حينما يتواجد عواد في المسجد للصلاة، التي لم يكن يتغيب عنها أثناء تواجده في الخربة، وقد أصبح مهيبا من رجال القرية وشبابها، يلتفون حوله ويستمعون لما يقول من قصص الصحابة والأولين الذين صار يقرأ قصصهم ومآثرهم ليرويها لهم كلما تواجد بينهم، وكثر المريدون، وصار كلما أتى أو ذهب ينادونه مولانا، وكان أحرصهم على التبرع للجامع وإقامة الولائم بين الفترة والأخرى".
هنا كانت الطامة الكبرى لكل ما يحدث حولنا؛ فمثل هذه التحولات الخطيرة من مجرد نضال في البداية، إلى خيانة اليسار أو التغرير به، إلى التعاون مع الجماعات الإرهابية، إلى التدين الظاهري وإمداد كل من يرغب بالسلاح، انتهاء إلى التعاون الكامل مع إسرائيل واتخاذ "تاليا" اليهودية التي لها يد طولى في منظمة تهريب السلاح كعشيقة دائمة له تفعل به ما تشاء وقتما رغبت. كل هذا يُدلل على أن كل من عليها خان، وأن التاريخ السري لعواد هو الصورة الحقيقية الموازية للكثير من منظمات الكفاح من أجل التحرر والمقاومة ضد الإسرائيليين الذين وقعوا نهبا لمصالحهم القريبة والخاصة وباتوا أصدقاء للإسرائيليين لأن المصلحة تقتضي ذلك.
رواية "ذئب الله" من الروايات التي تتحدث عن المسكوت عنه في عالم حركات المقاومة المسلحة، وهي من الرويات المهمة التي يعي كاتبها جيدا بآليات السرد الروائي وكيفية سرد الحقيقة بأكثر من وجه ليحكي لنا التاريخ من خلال منظور جديد وصادم ومخالف لما نعرفه، أو ما هو ظاهر على السطح، كما أنها من الروايات الصالحة كثيرا للتحويل إلى نص سينمائي بسهولة نظرا لتوافر الكثير آليات السرد السينمائي فيها.


محمود الغيطاني
مجلة عالم الكتاب
عدد يوليو 2017م









هناك تعليق واحد:

  1. هذه قراءة تكفي بعض القراء وانا منهم عن الرجوع الى الرواية الاصلية. فهي قراءة "نهمة "مسيطرة على القراء لا تفلتهم من شباكها الا في السطر الاخير ليعاودوا النظر مرة اخرى يقرؤون ما فاتهم او ما ظنوا انه فاتهم. الرواية التي لم اقرأها تغوص داخل البنيان السياسي لحركة " النضال الفلسطيني " التي اصبحت مثل جرح مفتوح لا تستسطيع تغطيته فيتقيح ولا تستطيع عرضه على الملاء فيصيب الناظرين بالتقزز . هذه الحركة التي كانت غاية شباب وكهول ونساء الستينيات لينضموا اليها ويشاركون الشعب الفلسطسني في نضالهم.. تحولت الى "شعار رومانسي " حينما توقفت عن النضال المسلح منذ سنوات طوال ..و لعل اخر "نضالاتها " كانت في دورة الالعاب الأولمبية في ميونخ وما تلاها من "خطف " لبعض الطائرات ؛ لتشتقر في بيروت ولبنان بعد ان تقصصت اجنحتها وتم انتزاع "الريش " لتتحول الى ما ذكره المؤلف وسيط لبيع السلاح لللأفراد او العصابات الاجرامية. قراءة الغيطاني المطولة تحمل الكثر من دلالة:ما يزال هناك من يقرأ ويترجم قراءته الى مقال نقدي لكاتي غير مصري ؛ اي ان الرسالة تقول لنا انها قراءة " صافية " مبتعدة عن الكجاملات وعن الانحياز لدور نشر معينة ؛ وان النص الروائي لا يجامل ولا يتجمل !

    ردحذف