الأربعاء، 10 يوليو 2019

وقائع قريتي.. الوجه الآخر للاستقلال

بوستر الفيلم
رغم أن السينما الجزائرية ما زالت تحيا حتى اليوم حبيسة أفكارها ومشاعرها عن ثورة التحرير؛ ومن ثم فهي تعمل طوال الوقت على اجترارها مجسدة للبطولات التي قام بها الكثيرون من المجاهدين والشهداء؛ الأمر الذي جعلها منبتة الصلة بشكل كبير ولافت عن قضايا المجتمع المعاصر وما يدور فيه؛ فباتت مجرد سينما ماضوية في الغالب مما تقدمه من أفلام، إلا أن الفيلم الجزائري "وقائع قريتي" للمخرج الجزائري المهاجر كريم طرايدية- الذي كتب سيناريو الفيلم أيضا- يكاد يختلف اختلافا بينا عن الكثير من الأفلام التي تناولت الثورة الجزائرية محاولة رفعها إلى درجة القداسة من دون محاولة محاكمتها أو انتقاد ما حدث فيها، أو ما آل إليه الحال بعد الاستقلال عن الاستيطان الفرنسي.
من خلال فيلم يهتم في كل مشاهده بالطفل "بشير" الذي قام بدوره الطفل مليك بخوشة يدور فيلم طرايدية الذي يتحدث عن بشير الذي كان هو الرابط الوحيد والجوهري لكل أحداث الفيلم في إحدى قرى الشرق الجزائري، حيث يعاني السكان جميعهم من شظف العيش والحاجة الماسة للمال؛ الأمر الذي يجعل أم بشير- الممثلة موني بوعلام- تمتهن غسيل ملابس الجنود الفرنسيين المتواجدين في معسكرهم داخل القرية، ورغم أن أهل القرية ينتقدونها على هذا الفعل إلا أنها تبرر ما تقوم به قائلة: إذا كان هذا يضرهم؛ فليقوموا بالإنفاق على أولادي، لا سيما أن زوجها قد تخلى عنها وعن أولاده مفضلا الحياة في الجبل باعتباره أحد المجاهدين في حين أنه ترك الأسرة في حقيقة الأمر؛ لأنه غير قادر على تحمل المسؤولية رغم أنه يبرر فعله لبشير بقوله: إنه لم يحتمل حماته الشبيهة بالعقرب والصعبة المراس.
يرتبط بشير بعلاقة صداقة قوية مع الجندي الفرنسي "فرانسوا" الذي يشفق عليه ويعامله معاملة طيبة- حتى لكأنه البديل للأب الذي تخلى عن مسؤولياته- لكن رغم هذه العلاقة وقوتها أحيانا إلا أنها تبدو فيما بعد مخلخلة حينما يكتشف بشير الكثير من الأمور مما يدور حوله، فهو يكتشف أن فرانسوا ليس مجرد صديق بل هو عدو له ولوطنه؛ الأمر الذي يجعل علاقتهما يشوبها الكثير من البرود فيما بعد رغم حميمية وإنسانية تعامل فرانسوا معه، لكن بشير لا يرغب أن يصفه أبناء القرية وزملاؤه في دراسته بأنه صديق العدو الفرنسي، كما يكتشف أن والده ليس مجرد مجاهد ومحارب يسكن الجبل، بل هو شخص تخلى عن مسؤوليته في الحياة، لكن الاكتشاف الأعمق الذي يكتشفه بشير هو أن جدته- التي قامت بأداء دورها الممثلة التونسية فاطمة بن سعيدان- ليست بالقوة ولا القسوة والصرامة التي تبدو عليها، بل هي تحمل داخلها قلبا طيبا حنونا، وإن كانت لديها رغبة دائمة في أن تبدو بمظهر القوة والصلابة؛ لا سيما وأنها قد أخذت على عاتقها التكفل بحياة ابنتها التي هجرها الزوج، وابنها شبه المقعد، وأحفادها الأربعة؛ لذلك حينما تعرف أن حفيدها الثاني قد أصيب بالشلل مثل أخيه تنتحي أحد أركان المنزل باكية حتى لا يراها أحد، وحينما يراها بشير باكية تحذره بصرامة متجهمة أنه إذا ما أخبر أحدا برؤيته لها تبكي فسوف تسلخ جلده.
إذن فنحن أمام مجتمع أسري في المقام الأول يُشكل نواة الفيلم، ومن خلاله يقدم لنا المخرج حياة القرية بالكامل وتقاطعات أهلها مع بعضهم البعض من خلال نظرة بشير؛ حيث كان هو الرابط الأساس بين الجميع، فضلا عن كونه هو المحرك الأول للأحداث؛ حيث يدور الفيلم من خلال عينيه هو، حتى لكأن الكاميرا التي تم تصوير الفيلم من خلالها كانت هي عيني بشير من خلال وجهة نظره، وتشكل وعيه، وقدرته على الإدراك والفهم.
الممثل الجزائري محمد طاهر زاوي
يرتبط بشير كذلك بصداقة مع "تشي تشا"- الذي أدى دوره بمهارة الممثل محمد طاهر زاوي- الرجل الساذج الطيب المُصدق لكل ما يقال له، حيث لا يعرف القراءة والكتابة؛ ومن ثم يعتمد على بشير في حساباته المالية. يؤمن تشي تشا بما سبق أن قاله له أبوه قبل موته بأن مستقبله لا يمكن أن يكون سوى في التجارة؛ لذلك عليه توفير 6000 فرنك كي يشتري دجاجتين وديك يمنحونه 600 بيضة في العام؛ فيأكل هو وأمه 200 بيضة، وباقي البيض سيكون دجاجا يبيعه؛ ليشتري بالمال بقرة وبيتا وقطعة أرض يزرعها بالقمح، ومن ثم يتزوج وتصنع له زوجته خبزا جيدا من القمح الذي سيزرعه، لكن رغم إيمان تشي تشا بهذا الأمر فإن بشير يؤكد له أن المستقبل الحقيقي في الاستقلال، وحينما يؤكد له تشي تشا، رافضا، على أن مستقبله في التجارة التي يؤمن بها، يخبره بشير أن الاستقلال سيؤدي إلى أن ينال الجميع خيرات هذا الوطن؛ وبالتالي سيكون حصوله على الأرض والبقرة أسهل حينما يأتي الاستقلال، كما يحلم بشير بأن يستشهد والده؛ لأن أبناء الشهداء متاح لهم كل شيء في هذا الوطن.
نحن هنا أمام حلم الاستقلال الذي يراود الجميع- كل بمفهومه، وحاجاته- ورغم الفقر المدقع الذي يعاني منه جميع أبناء القرية إلا أنهم يصبرون على ما هم فيه آملين أن ينجح المجاهدون القاطنين الجبال في القضاء على الاستعمار وإخراج الفرنسيين ليأتي حلم الاستقلال الذي يمثل الأمل للجميع.
هذا الفقر الشديد نراه في مشهد من أجمل مشاهد الفيلم الذي يعبر عن الأحلام المكسورة وعدم المقدرة على الحياة إلا من خلال الحلم حينما نرى خال بشير- قام بدوره الممثل غرس فاتحي- يصطحبه للخارج فيعلمه المزيد من الخيال، الذي لا يمتلكون غيره، فيعطيه نصف رغيف فارغ ويمسك مثله ويقفان بالقرب من الرجل الذي يشوى الكباب قائلا لبشير: هل تريد أن تأكل كبابا؟ افتح رغيفك ودع الدخان يدخل إليه حتى يمتلئ تماما، ثم أغلقه على الدخان، وأغمض عينيك وأنت تأكل الرغيف متخيلا أنك تأكل كبابا بالفعل. في هذا المشهد يصور لنا المخرج كريم طرايدية مدى البؤس الذي يحيا فيه أهل القرية حينما نشاهد الطفل وخاله يأكلان بشهية الرغيفان الفارغان وقد تخيلا أنهما يأكلان اللحم المشوي فيهما.
كما نرى أثر هذا الفقر مرة أخرى حينما يمرض أخو بشير وتحتاج الجدة إلى دجاجة لتأخذها إلى مقام أحد الأولياء؛ ولأنها لا تمتلك ثمنها تأخذها من حظيرة أحد المزارعين، وحين يعترض طريقها، تخبره أنها سوف تدفع له ثمنها فيما بعد، لكنه يرفض؛ فتطرحه أرضا لتقف فوقه وتبول عليه بصرامة وتجهم قائلة بقوة: عشر سنين وريحة نتانتي متتنحاش منك، وتأخذ الدجاجة ذاهبة بها إلى الضريح. هنا نشاهد براعة الدور الذي أدته الممثلة التونسية فاطمة بن سعيدان كجدة صارمة قوية لا يمكن لها أن تبدو ضعيفة أمام أحد رغم حنانها وطيبتها؛ فنراها تخاطب صاحب الضريح محذرة إياه بصرامة أنه إذا لم يعمل على شفاء حفيدها؛ فلن تعود لزيارته مرة أخرى.
هذا البؤس الذي تعيش فيه أسرة بشير يدفعه إلى التساؤل عن المكان الذي يعيش فيه الله؛ فيذهب إلى إمام المسجد ويسأله أين يعيش الله؛ الأمر الذي يجعل الإمام يصفعه متهما إياه بأنه قليل التربية، لكن الرجل الذي يقوم بشي الكباب يشفق على بشير ويعطيه بعض الحلوى إلا أنه حينما يعرف أن بشير سأل إمام المسجد هذا السؤال يضرب بشير بدوره ويأخذ منه الحلوى التي منحها له. يذهب بشير إلى المنزل؛ فتظن أمه أنه قد تشاجر ومزق ملابسه، لكنه يؤكد لها أنه لم يتشاجر، بل ضربه جارهم الذي يبيع اللحم المشوي لأنه سأله عن المكان الذي يسكن فيه الله؛ الأمر الذي يجعلها تضربه بدورها؛ لتنقذه الجدة من يدها، لكنها حينما تعرف بالأمر تعاقبه بدورها.
المخرج الجزائري كريم طرايدية
الجميع هنا يريد معاقبة الطفل وضربه؛ لمجرد أنه سأل سؤاله البسيط: أين يسكن الله. هنا يبدو لنا الخال/ غرس فاتحي الوحيد الذي يستطيع التفاهم مع الطفل؛ فيأخذه للخارج ليسأله: لماذا تريد معرفة المكان الذي يسكن فيه الله؟ فيخبره بشير: لأنه يريد أن يسأله: لم لا يستمع إلى صلوات جدته، كما أنه يريد أن يطلب من الله أن يشفي خاله من مرضه. هنا يبتسم الخال ويقول له: هل تعرف الجبل الكبير الذي فيه المجاهدين؟ بعده سبعة جبال أخرى، والله يقطن في الجبل الأخير؛ فيشعر بشير بالسعادة ويطلب من خاله أن يذهبا إليه، لكن الخال يؤكد له أن الله لا يمكن أن يراه سوى الأطفال فقط؛ لذلك عليه الذهاب وحده، ولكن الوقت الذي يحتاجه للذهاب إلى الله هو عشر سنوات؛ فيقول له بشير: سأكون قد كبرت ولم أعد طفلا؛ ومن ثم لا يمكنني رؤيته.
يبدو لنا الخال هنا محاولا استيعاب أفكار بشير واكتشافاته في الحياة وتساؤلاته؛ ليعلمه بدلا من لفظه وعقابه مثلما يفعل جميع من يحيطون به.
بسبب الحلم الذي يراود بشير في أن يرى أبيه بطلا ويكون ابن شهيد يسرق مسدس صديقه الفرنسي فرانسوا ويذهب به إلى أبيه، إلا أن الأب يأخذ الطفل إلى البيت ويخبر جدته وخاله بالأمر، هنا يكتشف الفرنسيون الأمر، ويعاقبون فرانسوا بالحبس ثم الترحيل إلى فرنسا؛ ولأن بشير قد قال لفرانسوا أثناء حبسه أنه لا يمكن أن يصطاد معه الضفادع مرة أخرى؛ لأنه لا يحب أن يُطلق عليه أبناء القرية بأنه صديق العدو؛ يرسل فرانسوا رسالة إلى بشير حينما يعود إلى فرنسا يقول له فيها: صديقي بشير: كتبت لك؛ كي أخبرك بأني العدو، ومن الأفضل ألا تراني؛ فالأبطال لا يمكن لهم أن يصادقوا الأعداء، وإلا باتوا خونة.. هذه هي الحياة.
حينما يرسل فرانسوا هذه الرسالة لبشير يكون معها صورة لهما سبق أن التقطاها معا؛ الأمر الذي يجعل بشير يمزق الصورة متخلصا من فرانسوا ليحتفظ بالنصف الذي يخصه فقط، ثم يلقي بالنصف الآخر من الصورة والخطاب في النهر. يفكر بشير في الرد على فرانسوا فيكتب له في رسالة يرسلها مع أحد الجنود: صديقي فرانسوا: كتبت لك كي أخبرك بأني مزقت الصورة؛ فأنا لا أريد أن يقول الناس بأني صديق العدو، لقد مات صديقي سالم، ولقد بكيت سرا؛ لأن والده خائن. هذه هي الحياة.
حينما ينجح المجاهدون في التخلص من الفرنسيين حاصلين على الاستقلال نرى مشهدا من أهم مشاهد الفيلم في نهايته حينما يستقبل أهل القرية المجاهدين هاتفين بفرحة: يحيا بن بيلا، لكن زعيم المجاهدين يطلب سكوتهم؛ ليؤكد لهم أنه لا يعرف بعد من سيكون في القيادة؛ فيهتف أهل القرية: يحيا بومدين، لكنه يؤكد لهم أن هذا غير واقعي أيضا؛ فيهتفون: تحيا جبهة التحرير؛ فيخبرهم أنهم كمجاهدين لا يعرفون كيف سيكون الاتجاه بعد، هنا يميل عليه أحد الجنود ليقول له: أخبرهم أن يهتفوا للجزائر؛ فيهتفون: تحيا الجزائر.
ربما كان هذا المشهد من أهم مشاهد الفيلم التي تلخص نظره مخرجه كريم طرايدية، الذي يريد القول: إن مفهوم الاستقلال لم يكن له أي معنى لدى هؤلاء المواطنين الفقراء المطحونين سوى الحياة بشكل جيد ولائق، أي أنه مفهوم ضبابي؛ فهم لا يعنيهم من سيتولى مقاليد الحكم فيما بعد، كما لم يكن يعنيهم من الذي يحكم سواء كان فرنسيا أم جزائريا، بل ما يهمهم في النهاية هو الحياة بشكل جيد؛ لذلك فالاستقلال لدى بشير هو أن يكون ابن شهيد ليحصل على ما يرغبه، كما أنه لدى تشي تشا هو المستقبل والأرض والبيت والبقرة، وهو لدى بقية أهل القرية أي شخص من الممكن أن يحكم سواء كان بن بيلا، أو بومدين، أو جبهة التحرير، كل هذا لا يهم بالنسبة لهم، فهم يريدون الحياة بشكل من الكرامة في نهاية الأمر.
لذلك حينما نرى أهل القرية يحتفلون مع المجاهدين برفع العلم الجزائري يقدم لنا المخرج مشهدا مهما ودالا على أن الاستقلال الذي كان يأمله الجميع لم يكن هو الاستقلال الذي حلموا به؛ فلقد حلم جميع أبناء الجزائر بالاستقلال الذي سيرد لهم كرامتهم، وحقوقهم في الحياة الرغدة متمتعين بخيرات هذا الوطن جميعا من دون أي تفرقة، أو فساد، لكن الذي حدث بعد رحيل الفرنسيين لم يكن هو الحلم الذي حلم به الجميع، وهذا ما يريد المخرج قوله في نهاية الأمر، وهو: إن الاستقلال قد أدى إلى المزيد من الفساد، ونهب الحقوق بدلا من توزيع خيرات الوطن على المواطن، حتى لكأن لا فارق بين الاحتلال والاستقلال؛ ففي كلا الحالتين المواطن بائس ومرغم على الحياة مضاجعا الفقر والحاجة الشديدة بينما يتمتع بخيرات الوطن الآخرون ممن لا حق لهم في ذلك.
نقول إن مشهد احتفال أهل القرية مع المجاهدين برفع العلم الجزائري، نرى فيه أحد الأطفال وهو ابن "حركي" متعاون مع الاحتلال يسرق محفظة بشير التي كان قد اشترى فيها علمين للجزائر، ثم يهدي هذين العلمين لأحد الجنود فيرفعه الجندي على الأكتاف باعتباره ابن أحد المجاهدين بينما يتأمل بشير خاله الذي فارقته الحياة وقد جلست الجدة موسدة رأسه فخذيها.
الممثلة التونسية فاطمة بن سعيدان
إن هذا المشهد يُدلل على رؤية المخرج الذي يؤكد أنه حتى مع الاستقلال الذي كان ينتظره جميع الجزائريين، لم ينل أبناء الجزائر الطيبين حقوقهم، بل صعد على أكتاف الجميع الفاسدون والعملاء باعتبارهم أبطال؛ ومن ثم بات من حقهم الحصول على كل شيء، بينما المواطنين الشرفاء الوطنيين لن يحصلوا على أي شيء، وكأنما الأمر ظل على ما هو عليه أيام الاحتلال مع تبديل الوجوه فقط ممن ينهبون الحقوق من الفرنسيين إلى الجزائريين باسم ثورة التحرير الكبرى، والجهاد، وغير ذلك من المسميات.
كما أن مشهد موت الخال في نهاية الفيلم بينما يرفعون علم الجزائر وابن الرجل الحركي المتعاون مع الفرنسيين في المقابل يُدلل على أن الوجه الآخر للاستقلال يعني موت من يستحقون في هذا الوطن في مقابل حياة المتعاونين والخونة الذين سيحصدون كل مقدرات هذا الوطن.
لعل أهم العناصر الفنية التي قدمها الفيلم هو الأداء الجيد لمعظم طاقم التمثيل خاصة الطفل الصغير مليك بخوشة الذي أدى دور كريم ببراعة جعلتنا نتمسك كثيرا بمقاعدنا لمشاهدة الفيلم حتى نهايته متضافرا مع الدور الشديد الاتقان الذي أدته الممثلة التونسية فاطمة بن سعيدان، والتي لا يمكن تخيل سواها لأداء مثل هذا الدور المُحكم الذي عبر عن الكثيرات من الجدات في الجزائر، كذلك الأداء الجيد لكل من الخال غرس فاتحي، والممثل محمد طاهر زاوي.
الممثل الجزائري مليك بخوشة
لكن لا يمكن نسيان التصوير الجيد الذي كان يدفع المشاهد للتأمل والتفكير كثيرا، والسيناريو الأفقي الذي كتبه المخرج طرايدية؛ حيث كان حريصا على ألا يكون السيناريو بشكل رأسي، أي أحداث تترتب على أحداث أخرى ليكتمل الفيلم، بل كانت الأحداث جميعها أحداثا أفقية من خلال عيني الطفل بشير الذي يستكشف ما يدور حوله ويتأمل حياة أهل قريته، وكأنها مجرد مشاهد تتجاور بجوار بعضها البعض؛ ليعطي المشاهد الفرصة لتأمل ما كان من أحلام، ثم ما انتهى عليه الأمر بعد الاستقلال من ضياع هذه الأحلام.
يُعد فيلم "وقائع قريتي" للمخرج الجزائري المهاجر كريم طرايدية من الأفلام المهمة والمختلفة التي تناولت الثورة الجزائرية والاستقلال عن الاستيطان الفرنسي بمفهوم مختلف عن السائد في السينما الجزائرية؛ فهو لم يعمل على تقديس الثورة والاستقلال كما يذهب إلى ذلك جل المخرجين الجزائريين، بل عمل على محاكمة الثورة والتأمل فيها، والتأكيد على أن الاستقلال لم يأت بما كان يأمله المواطن الجزائري في نهاية الأمر، بل ازدادت أحوال الناس المعيشية والحقوقية سوءا عما كانت عليه أيام الاحتلال.


محمود الغيطاني

مجلة الشارقة الثقافية
عدد يوليو 2019م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق