ربما كانت الرواية الأهم التي انتبهت إلى لعبة السلطة في صناعة الفساد والإرهاب هي رواية "الأفيال" للروائي المصري فتحي غانم، وهي الرواية التي أكد فيها الروائي على أن صناعة الإرهاب الحقيقية وتغذيته، ومحاولة غسيل مخ الشباب إما باسم الدين، أو باسم الأيديولوجيات اليسارية، بل وتدريب الشباب في معسكرات للسلاح وتعليمهم كيفية الاغتيالات والقتل تكون من خلال أنظمة أمن الدولة المخابراتية، ووزارة الداخلية، وغيرها من الأجهزة السلطوية التي تتحرك من خلال رأس السلطة والنظام؛ باعتبار أنهم يفعلون ذلك من أجل حفظ التوازن في المجتمع وتسيير مصالحهم التي هي أهم بكثير من الوطن نفسه؛ لذلك رأينا في رواية غانم اللواء سعد الحوت الذي اعتزل العمل وفضل الحياة بعيدا تماما حينما يروي الحقيقة كاملة من دون رتوش ليوسف منصور الذي قام النظام بتجنيد ابنه في إحدى الجماعات الإرهابية وتدريبه على الاغتيالات، كما كان يفسر هذا الفعل من قبل النظام باعتباره فعلا يساعد على الاستقرار واستتباب الأمن والنظام؛ فنراه يقول ليوسف عن أحد ضباطه: "كان يأتيني بكل ما أريده عنهم من معلومات. قام بواجبه على أكمل وجه. عرفت أساليبهم في الدعوة. أين يدربون الأولاد. ما يدور في اجتماعات القيادة. كانوا يعرفون أنه ضابط شرطة، ولكنه كان يمثل من وجهة نظرهم انتصارا كبيرا لهم. كانوا يهنئون أنفسهم بأنهم تسللوا إلى قيادة المباحث؛ مما هيأ أذهانهم لوضع خطط للاستيلاء على السلطة. كل هذا كنت أعرفه عن طريق زياد. وكان ينفذ لنا أي توجيه.. يا زياد الشيوعيون يدبرون شغبا في الجامعة ويمهدون له بجرائد حائط يكتبون فيها مقالات تُهيج. كان زياد يتحرك من قيادة جماعته فينقض أولاده على الشيوعيين، يحاصرونهم، ويمزقون جرائدهم، ويرهبون من يفكر في مجرد السؤال عن أخبارهم. نفس التكتيك الذي كنت أستخدمه من خلال قيادات للشيوعيين لضرب أي تحرك من الجماعات الدينية أو غيرهم إذا ما أقدموا على حماقة، وتوهموا أنهم قادرون على فرض رأيهم على السلطة. عملية توازن مستمر. فإذا حدث التوازن حدث الاستقرار، ويدخل المتمردون الشقوق والجحور".
من خلال سرد اللواء الحوت للآلية التي يعمل بها جهاز الشرطة يتضح لنا أن كل الخيوط تكون في يده، وأنه يقوم بكل الدسائس والمؤامرات، وتجنيد الشباب الصغير من أجل مصالحه فقط، لا يهمه في ذلك افتراق أب عن أبيه، أو حتى موته والتضحية به من أجل ما تراه السلطة معاضدا لمصلحة، فيقول اللواء الحوت: "أول مرة قرأت اسم حسن يوسف منصور كان في قائمة لمجندين جدد أرسلهم زياد إلى معسكر تدريب في البحر الأحمر. كانوا يتدربون تحت سمعنا وبصرنا. الكاراتيه، والجودو، واستخدام الخناجر، وكنت مطمئنا إليهم لأنهم قوة أمن تحت قيادة ضابط من ضباطي قد أستعين بهم في مواجهة مؤامرة تخريب؛ فيكون الشعب هو الذي تصدى للمؤامرة لا رجال الشرطة".
كما يشرح الحوت كيفية تجنيد هؤلاء الشباب في الجماعات الإرهابية بيد الشرطة لاستخدامهم فيما بعد كأداة قمع للآخرين والقضاء عليهم. هذا الأسلوب الذي تحاول من خلاله السلطة الفاسدة خلق واقع وهمي لا يعرف حقيقته سوى من يعمل معهم فقط ممن يحركون خيوط اللعبة؛ فيعيثون في الوطن فسادا، وإرهابا، وقتلا للجميع من دون تمييز؛ من أجل مكاسبهم المادية والسلطوية فقط، وهو ما فضحه بإسهاب وبشكل روائي مُحكم منذ صدرت الرواية في 1981م.
بالتأكيد إن القارئ لرواية "في المدينة ما يكفي لتموت سعيدا" للروائية الجزائرية ياسمينة صالح، لا بد له أن يتذكر أحداث رواية "الأفيال" لفتحي غانم؛ ليس لأنهما يتحدثان عن تلاعب السلطة بعقول الجميع من أجل مصلحتها الشخصية فقط؛ بل لأن كل منهما يؤكد أن فساد النظام السياسي في كل من مصر والجزائر جعلهما مصريّن على صناعة الإرهاب داخل المجتمعين، وتصديره إلى المواطنين من خلال الاغتيالات والعنف الذي أسال الكثير من الدماء في البلدين؛ ومن ثم باتت أرض الوطن مجرد ملعبا واسعا لكل أشكال العنف والتصفية من قبل السلطة المنوط بها في الأساس حماية المواطنين وليس تصفيتهم والتلاعب بمصائرهم وعقولهم؛ حتى لا يُطالبون بحقوقهم الأساسية في حياتهم.
إن إدراك الأنظمة السياسية لمدى خطورة شعور المواطن بالأمان والسلام في مجتمعه؛ حيث يبدأ في المطالبة بحقوقه في الحرية؛ يدفع بهم في النهاية إلى صناعة الوهم بإرهاب الجميع وإشعارهم بالخطر على حيواتهم وحيوات أولادهم؛ مما يؤدي إلى شغلهم تماما عن المطالبة بهذه الحقوق؛ وبالتالي يبدأون في الانسياق خلف السلطة والالتفاف حولها؛ ظنا منهم أن الخطر المُحدق بهم لا يمكن له أن ينتهي إلا من خلال هذه السلطة الزائفة- في حين أنها هي من صنعت الخطر أساسا؛ كي تحتمي به-، وهنا تنجح السلطة الفاسدة في السيطرة الكاملة على جميع مقدرات الأمور في الدولة، وتمنع المواطن- راضيا- من الحديث في أي حق دستوري من حقوقه- فأمام الخوف على الحياة لا يظهر أي مطلب آخر سوى الحماية والأمان.
إذن فمن خلال الرواية التي قدمتها لنا ياسمينة صالح يتضح لنا أنها راغبة في التأكيد على فضح اللعبة السياسية، وأنه لم يكن هناك إرهابا حقيقيا في الجزائر، وهو الإرهاب الذي أدى إلى سنوات "العشرية السوداء" التي راح ضحيتها ما يقارب من 200000 مواطن، بل كان هناك إرهابا وهميا اصطنعته السلطة من أجل تصفية معارضيها، وكل من يُطالب بحقوقه من ناشطين سياسيين، وكتاب، وصحفيين، بل وبعض العاملين في السلطة من المنقلبين عليها أيضا، وإلصاق ذلك بالإسلاميين؛ من أجل الحفاظ على مكتسبات الفساد التي اكتسبها النظام بعد ثورة التحرير الجزائرية التي نجحت في إنهاء الاستيطان الفرنسي بعد 132 عاما من الاحتلال. صحيح أن من تولوا رأس السلطة فيما بعد كانوا من المناضلين الذين خاضوا غمار المعارك من أجل تحرير بلادهم، أو كانوا من أبناء الشهداء، إلا أن السلطة بمكتسباتها أدت إلى إفساد عدد كبير منهم؛ من ثم باتت مصالحهم أهم من مصالح الوطن الذين عاثوا فيه فسادا وتخريبا، وعملوا على إفقار المواطن بكافة الأساليب وعدم توفير أي فرص عمل له، رغم أن الجزائر تُصنف باعتبارها السابعة في العالم من حيث الاحتياطي البترولي، والرابعة على مستوى العالم أيضا من حيث احتياط الغاز، ورغم هذه الثروات الهائلة إلا أن مستوى معيشة المواطن الجزائري وصل إلى حد الإفقار والإذلال الكامل، وظهرت على السطح طبقة من الفاسدين الأثرياء الذين لا يعنيهم سوى المال المتحالف مع السلطة؛ ومن ثم تاجروا في أي شيء وكل شيء، من الأغذية الفاسدة، حتى تجارة السلاح الذي يُوزع داخل الوطن من أجل التخلص من أبنائه الشرفاء.
ربما نلاحظ رغبة الكاتبة في فضح كل هذا الفساد منذ الإهداء الذي قدمت به روايتها حينما كتبت: "إلى الوطن المغلوب على أمره! وإلى الأمل: نصدق وجودك مهما يكن"، أي أنها تشير إلى العالم الذي ستدخله روائيا منذ الوهلة الأولى.
تدور الرواية عن لخضر زرياب ابن الحمّال الفقير الذي يعمل في الميناء طيلة اليوم؛ ليعود في المساء كي يرتمي على فراشه مستعدا ليوم جديد من الشقاء؛ وبسبب هذا الفقر المدقع الذي جعل الأب لا يجد عملا آخر؛ نتيجة أزمة التعطل عن العمل التي تسود الجزائر؛ فالرجل ليس لديه الوقت لأي شكل من أشكال المشاعر لا مع زوجته، ولا مع ابنه لخضر؛ فالأهم هو كيف سيأتي لهم بالمال الشحيح؛ لذلك حينما تمرض الزوجة بعد إنجاب شقيقته الصغري لا يستطيع الأب أن يفعل لها شيئا بسبب قلة المال؛ فتموت: "لكم شعر باللاجدوى وقتها..! ثم ما معنى الجدوى أساسا؟ كان في العاشرة عندما ماتت أمه بعد أسبوع من وضعها أخته الصغرى.. ماتت بسبب نقص في الرعاية. كان يسمع أنينها ليلا، ويرى في الصباح شحوبها وجفاف صدرها من الحليب.. يومها، طلب من أبيه أن يفعل شيئا، وبدل ذلك انهال عليه بالضرب صارخا فيه: لا ينقصني إلا أن تُملي عليّ واجباتي يا ابن الكلب. أمك تحتاج إلى الدواء والغذاء لتشفى، أين لي بالمال لأشتري لها كل ذلك؟ أين لي بالمال؟".
إذن فبسبب الفقر والمال القليل تموت الأم؛ ليتزوج الأب بامرأة جديدة تنجب له العديد من الأطفال، وتتعامل مع لخضر وأخته معاملة قاسية وتعزلهما عن أبنائها، ثم تلي الأم في الموت أخته الصغيرة حينما أُصيبت بالحمى وهي في الخامسة، ويبقى لخضر وحيدا غير قادر على التكيف مع المجتمع من حوله، أو تكوين صداقات، أو علاقات مع الفتيات، ولا يشغل تفكيره إلا كيفية الهروب من الجزائر من خلال البحر إلى أوروبا.
يضغط عليه أبوه في العمل معه كحمّال مثله في الميناء، وهناك يفكر غير مرة في الهروب على ظهر إحدى السفن، لكنه يخشى فعل ذلك؛ حتى لا يُعرض الأب فيما بعد للطرد من العمل، لكن الأب يُصرّ على أخذ راتبه بالكامل كل شهر ولا يترك له أي شيء متعللا أن إخوته الصغار والبيت في حاجة إلى المال، وبما أن لخضر لا يفعل شيئا في حياته سوى الذهاب إلى الميناء للعمل، ثم العودة إلى البيت للنوم؛ فلم يكن في حاجة إلى المال. ولكن يحدث أن يقابل نجاة الطالبة ابنة جارهم البقال، ويتقرب منها ويشعر تجاهها بالكثير من الانجذاب والحب؛ وهنا يبدأ شعوره بالخجل من هيئته وملابسه الرثة، وحذائه الممزق أمامها، كما أنه يرغب في أن يجلس معها في أي مكان لشرب القهوة بينما هو لا يمتلك المال الذي يسلبه منه الأب، وهنا يقرر الاحتفاظ براتبه لنفسه كي يشتري حذاء جديدا وملابس، لكن الأب يثور عليه ويذهب إلى أبي نجاة ويخبره بعلاقة ابنه بابنته ويحذره من الابن. هنا يزوّج الأب الابنة لأول من يطلب يدها، الذي كان ضابطا، وهو ما جعله يضرب لخضر ذات مرة حينما سمعه ينادي نجاة باسمها.
يتحدث رئيس العمال- ابن أحد الشهداء- الذي كان يُطالب دائما بحقوقهم ويدافع عنهم مع لخضر ويخبره أنه يلحظ فتور العلاقة بينه وبين أبيه، وعرض عليه إذا ما كان راغبا في العمل في مكان آخر فهو سيوفر له هذه الفرصة، وبالفعل يوافق لحضر وينتقل للعمل في أحد المستودعات كحارس ليلي، وهو المستودع الذي يمتلكه أحد الجنرالات. يحاول لخضر ذات مرة معرفة ما تحويه صناديق المستودع حينما يشك أنهم يتاجرون في الأغذية الفاسدة التي تقتل الآلاف من الأطفال، لكنه يكتشف أن الصناديق مكدسة بالأسلحة، وحينما يشعر بدخول أحد الحراس عليه يرتبك خوفا ويُطلق عليه النار ويحاول الهرب؛ فيقتل أكثر من رجل أثناء هربه، وحينما يدرك ما فعله يحاول الانتحار بالرصاصة الأخيرة، لكنه يتم إنقاذه وبعد إجراء الكثير من التحقيقات معه، وبعد سرده لحكاية كاذبة أكثر من مرة تبرؤه وتدين العديد من الحراس الذين كان يستمع لحكاياتهم من خلف باب المستودع؛ يعود للعمل مرة أخرى وقد اكتسب شيئا من الثقة؛ لذا يأمره أخو الجنرال أن ينقل إليه كل أخبار الحراس ويتجسس عليهم ويقدم له تقريره كل صباح. بالفعل ينجح لخضر في القيام بعمله كمخبر بإتقان من خلال إضافة الكثير من الحكايات الكاذبة والملفقة إلى الحكايات العادية، وهو ما أدى إلى توريط الكثيرين من الحراس؛ الأمر الذي يجعل الجنرال ينقله إلى مستوى جديد: "هل يمكن الوثوق في حراس يعتبرون شغب طلاب الجامعة مطلبا شرعيا؟ قالها الرجل ذو السترة الجلدية، وإن شعر ببعض القرف وهو يلتقي بلخضر لأول مرة، إلا أنه اعترف لمسؤوليه أنه أذهله في طريقة سرد التفاصيل بثقة مذهلة جعلت شقيق الكولونيل يحوله من حارس مستودع إلى موظف من نوع خاص! قال له فاروق ذات مرة: هناك مهمات تنتظرك، وعليك أن تؤديها بأمانة! كان مستعدا لذلك طالما سيحصل على المال وعلى.. السلطة! السلطة! أليست هي التي قادته إلى كل هذا الجنون؟ كان يصدق من البداية أن السلطة أهم من المال لأنها تصنعه! وعندما أعطاه السي فاروق تفاصيل مهمته الجديدة عرف أنه دخل عالما آخر سيحمله بعيدا! قال له بصوت يشبه التهنئة: من الآن فصاعدا ستكون تحت إشراف أحد الضباط، سيدربك على بعض الأمور التي تحتاجها. تقاريرك ستكون مهمة بالنسبة للكولونيل الذي اقتنع بقدراتك على العطاء! كان لخضر يعرف أن الفشل يعني الموت، وكان يريد أن ينجح ليس لأنه لا يريد أن يموت، بل لأنه لا يريد أن يفشل!".
ربما نلاحظ هنا أن الفقر والعوز الشديدين، والكثير من الإهانات، والعذابات التي واجهت لخضر في حياته، وهو الوضع الذي أوقع فيه النظام الفاسد الكثيرين من الجزائريين هو ما يُحرك لخضر ويجعله تائقا إلى كل من المال والسلطة؛ لذلك يتحرك في حياته بمبدأ برجماتي بحت قد يجعل القارئ يتعاطف معه أحيانا؛ بسبب حياته البائسة، رغم أن هذه التصرفات ستحوله فيما بعد إلى وحش حقيقي مستعد كل الاستعداد للتضحية بكل من هم في طريقه، حتى لو كانوا أقرب الناس إليه؛ ليترقى في النهاية بعد الكثير من العمليات القذرة التي انخرط فيها بالتعاون من السلطة ويصبح جنرالا يهابه الجميع ويمتلك من السلطة الباطشة ما لا يمكن أن يجعل أي إنسان يقف أمامه، ويتزوج ابنة مدير الجامعة الذي كان أحد ضحاياه، وحينما تموت الزوجة أثناء ولادتها لابنه، يتخلى عنه ويتركه لجديه يربيانه وينساه تماما، ليقابله فيما بعد في نهاية حياته باعتباره ضابطا تحت يده كجنرال، لكنه لا يعرف أن الجنرال هو أبيه.
إن سيكولوجية الخوف والرهبة الكاملتين من السلطة هي ما نلاحظه منذ الصفحات الأولى من الرواية حينما يذهب الجنرال لخضر إلى مكتبه ويطلب من سكرتيره ملف الضابط الجديد حسين زرياب- حيث تبدأ الرواية بلخضر كجنرال وحينما يمسك ملف ابنه يعود به الزمن للوراء في فلاش باك طويل لا ينتهي إلا حينما تنتهي حكايته حتى وصوله إلى مركز الجنرال-. نقول إن سيكولوجية الرهبة والخوف كانت واضحة في حديث الروائية عن سكرتير لخضر: "لم يكن ليقول أكثر من "حاضر"! فهو يتقاضى راتبا جيدا، ناهيك عن المزايا التي يمنحها له عمله، فإنْ تملَّلك بطاقة عليها ختم وزارة الدفاع معناه أنك مواطن استثنائي في دولة تُقدس البذلة العسكرية والجزمة الغليظة التي يلبسها أولئك الذين يملكون موهبة إرهاب الآخرين..! يتذكر يوم أرعب جارهم الحي لأنه التحق بوزارة الداخلية وأصبح يلبس بذلة زرقاء أثارت فخر أسرته ورعب جيرانه منه.. كل بذلة رسمية تُخيف الناس، وكل شخص تُقاس أهميته إزاء بذلته وليس إزاء شخصه، لهذا بمجرد أن تنتهي مهامه الرسمية بالمعاش أو الفصل، ينتهي وقاره، وينتهي خوف الناس منه.. يتحول من شخص استثنائي إلى شخص عادي.. عندما جاء دوره أصبحت له بذلته الخضراء الرسمية لبسها بإحساس غريب يشبه إحساس حية تغير جلدها.. وحدها البذلة من حولت فشله إلى نجاح في أعين الناس.. أصبح مخيفا ومهما!". إذن فالروائية توضح سيكولوجية جميع الجماهير تجاه السلطة منذ الصفحات الأولى؛ حيث ترى الجماهير فيها الشيء المرعب الذي لا يمكن الوقوف أمامه أو مواجهته، بل لا بد من الإذعان الكامل له، حتى لو كان في هذا الإذعان الكثير من الذل أو الإهانة.
هذا الانكسار الشديد في حياة لخضر وغيره من المواطنين، والتعاسة التي يشعرون بها تعمل الكاتبة على تعميقها في نفس لخضر منذ البداية؛ ربما لتجد له تبريرا على سلوكه الذي سيسلكه فيما بعد في حياته الخالية تماما من المشاعر، وهي بذلك تحاول إيجاد المُبرر الموضوعي الذي قد يدفع بعض الشخصيات البريئة- التي لا ذنب لها في أي شيء سوى أنها قد وُلدت في مجتمعات قمعية وفاسدة عملت على إفساد أبنائها بالفقر- إلى ارتكاب الكثير من الجرائم التي لا يمكن تصورنا لهم يرتكبونها؛ لولا الضغط عليهم بالانصياع إلى السلطة الغاشمة التي تجعلهم مجرد تروس في عجلة فسادهم. هذه السلطة الغاشمة نراها أولا لدى الأب الذي يمارس سلطته على ابنه حينما يأخذ راتبه بالكامل، بل ويوشي به لوالد الفتاة التي أحبها، وكأن المجتمع قد تحول إلى سلسلة من الحلقات، كل حلقة من حلقاته تُمارس المزيد من القهر المُمارس عليها بإسقاطه على الحلقة الأضعف منها؛ فنقرأ حينما يخبره أبوها بأنها ستتزوج ولا يريد أن يراه مرة أخرى: "مشى خطوات بالكاد تقوى على حمله، أحس بالإحباط وهو يعود إلى البيت.. "لحسن الحظ أن والدك نبهني قبل أن يصبح الموضوع فضيحة"! تذكر هدوء والده طوال الأيام الماضية، بل وكان يرى في عينيه نظرة أقرب إلى التشفي! ألهذا الحد يكره أن يراه سعيدا؟ كان في قمة انكساره وهو يصارع الأشياء التي تضاربت في داخله، أحس أنه كائن بائس لمجرد أنه على هذه الأرض! فجأة ضاع كل شيء، ضاعت نجاة وضاع الحلم والحوارات الجميلة والعادية والشارع الحميم الذي كانا يمشيان فيه.. لم يعد للحياة طعم ولا للأشياء لون.. أحس أنه أصبح يتيما من جديد، وزاد إحساسه باللاجدوى في نهاية الأسبوع وهو يسمع إلى زغاريد آتية من بيت نوح".
لكن الكاتبة لا تكتفي هنا بتمثيل مأساته فيما فعله معه والده فقط بعدما وشى به، وجعله يخسر حبيبته، بل جعلته يشعر بالإهانة العظمى حينما يعتدي عليه خطيب نجاة/ الضابط أمام الجميع حينما يسمعه ينادي باسمها؛ فتنقذه من يد خطيبها بقولها: "أرجوك يا علي توقف وإلا ستقتله، توقف، ألا ترى أنه يثير الشفقة؟! كان مذهولا من الموقف كله، حتى وهو يشعر بشيء ساخن بدأ يسيل من أنفه. نظر إلى نجاة التي جرّت خطيبها من ذراعه وأبعدته عن المكان بعد أن التمَّ المارة حولهم. ظل مسنودا على الجدار يرتعش.. مسح آثار دم سال من أنفه وشفتيه.. لم تؤلمه اللكمات التي وقعت على وجهه بقدر ما آلمته الجملة التي قالتها: ألا ترى أنه يثير الشفقة؟! أحس بألم يخترقه للعظم، انتابته رغبة في الصراخ.. يا إلهي، قالها وهو يغطي وجهه بين يديه ويجهش بالبكاء! بكى طويلا أمام أعين المارة الذين حاول بعضهم التخفيف عنه، وقف مترنحا عائدا إلى البيت ليتفاجأ بالضابط ينتظره عند مدخل الحي مع شخصين كانا يرتديان اللباس الرسمي. أحس بالخوف عندما طلب منه بطاقته الشخصية كما يفعل مع أي مشتبه به.. دس يده داخل جيب سترته الداخلي وأخرج البطاقة. ناولها إلى الضابط الذي أمسكها دون أن ينظر إليها، وقال بصوت لا يخلو من حقد: أعتقد أنك تعرف ماذا فعلت؟ لا أعرف! بل تعرف أيها الجائع، تعرف جيدا!"، ثم ينهال عليه ضربا مرة أخرى.
إن محاولة الكاتبة الإمعان في تصوير الذل والانكسار والفقر الذي يعاني منه لخضر من كل من يحيطونه في حياته، هي مجرد مقدمات لعالمه القادم؛ كي نفهم السبب الذي جعله ينساق خلف هذا العالم الإجرامي الفاسد السلطوي الذي لم يكن أمامه غيره من أجل إنقاذ حياته فعليا من الموت، ثم إنقاذها من الهوان الذي يعيش فيه وتخلي الجميع عنه واحتقاره؛ الأمر الذي جعله يتخلى تماما عن مشاعره ويضع مصالحه أمام عينيه كبديل عنها، أي أن السلطة في النهاية هي من تصنع الفاسدين؛ كي يكونوا أذرعا لها بابتكارهم المزيد من الإفقار والهوان والبؤس الذي يصبغ حياتهم.
إن شيوع الفساد في النظام الجزائري الحاكم أدى إلى تحويلها إلى شكل آخر لم يكن متوقعا لها بعد تخلصها من الاستيطان الفرنسي، بل تشابه الوضع إلى حد كبير- حتى بعد الاستقلال- مع نفس الوضع المهين الذي كانت عليه الجزائر أثناء الاحتلال الاستيطاني؛ فالمهانة لا تختلف، والبؤس هو البؤس، والتنكيل بالجميع لم يتغير، ولم يستعد المواطن كرامته المُهدرة بل زادت إهدارا على يد حكامه: "يتكلمون عن أشياء تخصهم، وأحيانا يتكلمون في السياسة، عن المظاهرات التي قادها طلبة الجامعة وانتهت إلى تدخل عنيف من رجال الأمن! قال أحدهم: اقتيد بعض المتظاهرين إلى ثكنات عسكرية للتحقيق معهم! سمع تفاصيل مروعة عن تعذيب تعرضوا إليه! رد آخر: عذبوهم لأنهم طالبوا بالعدالة والكرامة والخبز، رد الأول: يستحقون أكثر من ذلك! كيف يجرؤون على تشويه سمعة البلد كما لو كنا جياعا، سمعة البلد أهم من كل المشاكل! رد عليه صوت ثالث: لا! هم شباب مثلنا، يعيشون على الحافة، انظر كيف تحولت البلد إلى اسطبل يحكمه الغيلان! أصبح الشعب مجرد قطيع يؤخذ إلى الذبح في المناسبات". أي أن المواطن الذي ظن أنه سيستعيد آدميته وكرامته وحقوقه بعد انتهاء الاحتلال الفرنسي؛ وجد نفسه مقهورا بشكل أكبر، وينال المزيد من الذل الذي سيتحول فيما بعد من خلال ألاعيب السلطة إلى شكل التصفيات الجسدية للمواطنين باسم الإرهاب الديني، رغم أن هذا الإرهاب لم يكن حقيقيا، بل كان صنيعة السلطة نفسها التي كان من الأجدى بها أن تحمي المواطن وتجعله يعيش في رغد وكرامة.
لذلك، ولأن السلطة تفهم جيدا أن أولى مراحل التمرد والمطالبة بالحقوق هو الوعي أولا؛ فلقد استهدفت منذ البداية الجامعة وطلابها من أجل التلاعب بعقولهم، والقضاء على مستوى الوعي لديهم تماما بانغماسهم في الدين وتقوية النزعات العنيفة لديهم، ومحاولة السيطرة عليهم؛ لاستخدامهم فيما بعد كأداة لهم يبطشون بها، ويصفون من خلالهم معارضيهم من أبناء اليسار، أو غيرهم، ومن هنا حاولوا زرع لخضر داخل الجامعة كسكرتير لمدير الجامعة- للإيقاع به؛ لاسيما أن المدير من الناس الشرفاء كما أنه ابن أحد الشهداء الذين لهم مكانتهم في المجتمع- رغم أن لخضر لم يكن متعلما؛ فعلموه القراءة والكتابة، وزوروا له العديد من الشهادات بأختامهم الرسمية التي يمتلكونها: "هنالك مهمة تنتظرك، ستتدرب على بعض المهام الإضافية للقيام بها! رمقه الضابط بنظرة جانبية وهو يضيف: ستحقق حلم حياتك بالدخول إلى الجامعة هذا العام! قالها بسخرية واضحة، كان لخضر يعي تماما أن رئيسه يستمتع بالسخرية منه، لكنه شعر بالغضب لأنه سخر منه أمام شخصين دخلا المكتب بخطوات متثاقلة، أضاف يقول وهو ينظر إلى الشخصين اللذين أخذا مكانهما على مقعدين بجوار المكتب، بينما ظل هو واقفا: هذا منير ضابط مكلّف بالاستعلامات، سيعطيك فكرة سريعة عما عليك القيام! وهذا رياض سيدربك على التقنيات المهمة"، أي أن السلطة هي من تصنع الفساد وتكرسه ليكون هو القاعدة في المجتمع؛ لذلك حينما يعرفون فيما بعد بعلاقة لخضر بابنة مدير الجامعة وزيارته المتكررة له في بيته يحاولون استغلال الوضع لصالحهم: "بدخولك إلى بيت المدير سهلت علينا تعب التفكير في خطة موازية! تقاريرك عما يجري في بيت المدير تُسلم إليّ شخصيا لأسلمها إلى المسؤولين! هذه هي الأوامر! أحس لخضر أنه يرتعش من رأسه إلى إخمص قدميه، كان يتصبب عرقا وهو يبحلق في الفراغ: للمدير قريب يعمل في الصحافة، ويحشر أنفه في الأمور التي لا دخل له فيها، يزوره كل نهاية أسبوع منذ مرض، ما نريد معرفته هو مصادر الصحفي! من أين يأتي بالأخبار والوثائق التي ينشرها! هذا هو عملك الجديد!"، أي أنه يجعله خائنا لثقة المدير فيه هو وابنته.
من هنا يتضح لنا أننا لسنا أمام سلطة سياسية تعمل على حماية الوطن، بل نحن أمام عصابة حقيقية خطفت الوطن والمواطن معا، وتعمل على التنكيل به، والتجسس عليه، ثم تصفيته جسديا مع كل من يعاونونه إذا لم ينساقوا لهم. إنها العصابة التي تحاول استغلال كل الأمور لصالحها الفاسد، وهذا ما رأيناه من خلال تعامل السلطة مع الطلاب الجامعيين المنتمين لليمين الديني بمحاولة تأصيل ذلك فيهم ومساعدتهم على العنف؛ كي يكونوا واجهتهم أمام الجميع فيما تمارسه السلطة من تصفيات جسدية للمعارضين ثم يلصقون هذه الجرائم في التيار الديني فيما بعد: "كان الطلبة يحبون فيه هذا الإيمان على الرغم من اختلافهم معه في طريقة فرض الدين وكيفية الوصول إلى اليقين وبالتالي فرضه على الآخرين، بالنسبة للمدير الدين هو المعاملة، وبالنسبة إليهم الدين يجب أن يُفرض فرضا على الجميع، ولعل المدير أخطأ في ثقته في بعض الطلبة، فلم يخطر على باله أنهم يريدون أكثر مما هو ممكن، إلا عندما أعلن الطلبة عن الإضراب! وقتها شعر بالخوف وهو يرى الطلبة يحملون بين أيديهم قضبانا حديدية ويجبرون زملاءهم للانضمام إليهم بالقوة، كانوا يرون في القوة انتصارا ولو بالتهديد! تحول الخوف إلى ذهول وهو يرى الطلبة يهتفون بصوت واحد: "لا إله إلا الله، والله أكبر، عليها نحيا وعليها نموت"! أحس المدير أنه وقع في الفخ! حاول الحديث معهم مدافعا عن منطق الحوار، لكن الأمور خرجت عن السيطرة عندما رفضوا الإصغاء إلى نداءاته، ظل يصرخ: كل شيء سيحل بالهدوء يا أبنائي، العنف لن يغير شيئا سيزيد من المشاكل! ظلوا يهتفون بأعلى أصواتهم: "لا إله إلا الله، والله أكبر، عليها نحيا وعليها نموت"".
الروائي المصري فتحي غانم |
إن صناعة السلطة للإرهاب في الجزائر كان من ضمن الكوارث التي عانت منها الجزائر لفترة طويلة، لا سيما في سنوات العشرية التي ما زالت تترك بآثارها على المجتمع الجزائري حتى اليوم، كما أنها أدت إلى فقدان مئات الآلاف من المجتمع الجزائري ممن لا ذنب لهم فيما حدث، وعملت على تصفية الموارد المالية للمجتمع الذي يزداد إفقاره يوما بعد آخر. هذه الصناعة البشعة نراها في حديث رجال الشرطة مع بعضهم البعض عن طلاب الجامعة الفارين بقولهم: "المهم أن المسؤولين مرتاحون للنتائج! قالها الرجل الجالس بصوت بارد، بينما الآخرون مشدودون إليه بكل حواسهم، أضاف الرجل الجالس: هنالك جهة سوف تستقبل الفارين وتدربهم على العمل، وسيكون بيننا وبينهم شخص مشترك! العملية في غاية الحساسية والمهم أن تكون النتائج جيدة لأن المسؤولين سينتقمون منا إن أخفقنا في تنفيذها بحذافيرها! قال جعفر: لن نخفق، لأن حياتنا مربوطة إلى العملية، سنقوم بها إلى النهاية! هذا المطلوب! خبر فرار المسجونين بدأ ينتشر، سوف نستعين بالصحافة في الوقت المناسب! الأوامر التي عندي هي أن يكون الأشخاص المسؤولون عن العملية على اتصال دائم ببعضهم، في الليل والنهار. ستكون لقاءاتنا هنا أو في أماكن أخرى، وهنالك احتمال فرار مساجين آخرين سوف ينقلون أيضا إلى نفس المكان للتدرب على السلاح! وأول جماعة لن تقل عن عشرة أشخاص، وستكون تحت أعيننا، لأن طارق أصبح معهم! وسيكون عيننا وأذننا بانتظار التحاق آخرين به لمساعدته على إدارة العمليات!!".
إذن فهم هنا لم يحاولوا تغذية العنف في نفوس الطلاب باسم الدين فقط، بل حاولوا تهريبهم من الاعتقال بعدما اتفقوا معهم، ويعملون على تدريبهم أيضا في كيفية استعمال السلاح ضد المجتمع؛ مما يؤكد أن صناعة الإرهاب هنا هي صناعة سلطوية في المقام الأول، فكرت فيها السلطة فقط من أجل حماية مصالحها: "حكى له جمال عن تصرفات الشيوعيين المستفزة، كما حكى له عن فريد الذي انهال بالضرب على زميله اليساري، وهدده بالقتل! ظل يصغى مذعورا، فكر أن دوره قد ينتهي فجأة ويبدأ دور فريد وإبراهيم اللذين ستوكل إليهما مهمة تأجيج الصراع داخل الجامعة! كان يدرك أن الهدف الأول ليس قتل الطلبة أو اعتقالهم، بل قتل رغبتهم في التغيير وملء قلوبهم بالخوف من التغيير نفسه!". أي أن الدولة هنا هي من تصنع الإسلاميين من أجل السيطرة على الوضع حتى لا تنفلت الأمور من يدها. هذا ما تؤكد عليه الروائية مع تطور الحدث الروائي الذي ينصب بالكامل على هذا الفعل: "عندما ذهب إلى عمله في اليوم التالي وجد الشرطة منتشرة في كل مكان، مشى بخطوات سريعة كمن يهرب من شيء، لمح جمال الذي لوح له بيده، ركض نحوه، وهو يقول: ما الذي يجري؟ قُتل طالب أمس ليلا! قالها وهو ينظر إلى عيني لخضر نظرة مرعوبة وأضاف: أطلق إبراهيم الرصاص على الطالب اليساري! قتله وهرب! الشرطة تحقق مع الجميع".
هنا تتضح لنا اللعبة بالكامل؛ فبعدما جندت الشرطة الطالب المتدين إبراهيم؛ كي يعمل لصالحها، وبعدما أطلقت سراحه في اليوم التالي على اعتقاله حينما وقعت أحداث إضراب الجامعة، دفعته لقتل الطالب الذي يقود التيار اليساري داخل الجامعة، ثم ذهبت للتحقيق الصوري في الأمر باعتبار أن إبراهيم هارب، رغم أنه يعمل معهم ويعرفون مكانه. إنهم بذلك نجحوا تماما في رسم المشهد الراغبين في سيادته أمام المجتمع، وباتت اللوحة مكتملة وجاهزة لما يفكرون في فعله؛ فهاهو التيار الديني قد صعد وأصبح له قوة محركة، وها هو التنافس الشديد بينه وبين التيار اليساري قد احتدم، وبدأ العنف المتبادل بينهما، أي أن ثمة عنف وتصفيات جسدية باسم الدين قد نشأت في المجتمع ويراها الجميع؛ ومن ثم يأتي دور الشرطة والسلطة المزيف كي تتدخل لمحاولة إنهاء هذا العنف وحماية المجتمع، رغم أن السلطة هي من ستقوم فيما بعد بكل عمليات الاغتيال والتصفية بنفسها ومن خلال ضباطها؛ وبالتالي في خضم هذه الأحداث الدموية لا بد أن يشعر المواطن بعدم الأمان فيكف عن معارضة السلطة، أو المطالبة بحقوقه في رغيف خبز، أو عمل، أو حرية، ويلتف المجتمع بالكامل حول السلطة التي لا بد أن تحميه من هذا الرعب وتوفر له الأمان، وبذلك تكون السلطة الفاسدة قد نجحت تماما في إنهاء أي اعتراض عليها، أو المطالبة بأي شيء.
إن الهدف الأساس من تدخل السلطة في المجتمع الجامعي يتضح مما قاله سي الباهي الصحفي الشريف صديق مدير الجامعة حينما سأل لخضر ذات مرة: "هل الوضع في الجامعة كما يقولون مستقر؟ تبدو الأمور مستقرة منذ فترة، فالأمن منتشر في كل مكان! هكذا استقرار يبدو كالهدوء الذي يجئ قبل العاصفة. ثم وهو ينظر إليه أضاف: لن يتركوا الجامعة في حالها لأنها البوابة الاستراتيجية للمجتمع يا عزيزي، تدميرها يعني تدمير المجتمع فكريا ومعنويا، سيصبح الناس غير مقتنعين بالدراسة، سيتهمون التعليم بأنه يشجع على العنف ويفرّخ الإرهابيين! أليس هذا ما تقوله الصحف المأجورة؟ تتهم المدارس بأنها تُمهد الطريق للعنف مع أن العنف موجود منذ الاستقلال!".
هذا العنف الدموي السلطوي سيتأكد حينما نقرأ: "أحس بالتعاسة وهو يتحول إلى مجرد عامل ضمن مجموعة تؤدي العمليات القذرة لتطهير البلد كما يقول رؤساؤه! ساهم في حرق مستودعات، وفي اغتيال أشخاص لا يعرفهم! وفي اليوم التالي يقرأ في الجريدة كل التفاصيل عن الضحية، فيتعرف على ضحيته! في ظرف أشهر دخلت المدينة في فوضى كبيرة بعد أن زادت حدة الرعب، وزادت التصفيات الجسدية، والعناوين الصحفية الضخمة التي توجه إصبع الاتهام إلى الإسلاميين"! هنا تكون السلطة بالفعل قد وصلت إلى غايتها؛ فهي ورجالها من يقومون بالعنف وعمليات التصفية الجسدية، ثم يقومون بنسبتها إلى الإسلاميين بعد الاستعانة بالعديد من الصحفيين الفاسدين الذين يعملون على الكتابة عن الحدث وتضخيمه لزيادة الرعب في نفوس المواطنين المذعورين مما يحدث حولهم.
ازدادت وتيرة العنف، وتورط لخضر في المزيد من العمليات القذرة بعدما تجسس على الباهي/ الصحفي الشريف، وصديق مدير الجامعة الذي صار حماه بعدما تزوج لخضر من ابنته، وكتب عنه الكثير من التقارير لرؤسائه؛ حيث وثق فيه الباهي وأعطاه كل المعلومات عنه وعن مصادره الصحفية؛ فتمت تصفية جميع المصادر ثم كانت الطامة الكبرى حينما طلب منه رئيسه بوضع الخطة بنفسه من أجل تصفية الباهي: "حان لك أن تتحرك نحو حل يرضي الجميع! قبل أن يستوعب لخضر الكلمة أضاف: لديك مهمة إيقاف صوت الباهي، ولن أقبل بأي خطأ في هذه العملية! أتركك تضع الخطة المناسبة، وأنا واثق أنك لن تخيب ظننا! أنا تحت أمركم يا سيدي! أوامرنا واضحة إذا! طأطأ رأسه وهو يغادر. كان قلبه يدق بقوة"، إذن فهو يخون كل من يثق فيه، ويتخلص من حياته بكل برود وسهولة باعتبار الأمر مجرد أوامر في عمله؛ لذلك نقرأ: "ذلك الشهر حدث ما خشيه كثيرا، كان الباهي هو الهدف هذه المرة! يعترف لخضر بينه وبين نفسه أنه تأثر كثيرا عندما علم بالطريقة التي اغتيل بها الباهي بعد اختطافه! عُثر على رأسه أسبوعا من بعد، وقد كُتب على جبهته بالدم: الله أكبر! لم يُعثر على بقية جسده أبدا! كانت الصدمة أكبر من الاحتمال على سي الطيب الذي نُقل يومها إلى المستشفى، بينما غرقت نجاة في حزن عميق على أبيها وعلى صديقه! كان لخضر في حالة أشبه باللاشعور وهو يتحسس حجم النفاق الذي يعيش فيه، بين حياتين واحدة لأسرته والثانية لعمله!"؛ لذلك يتورط لخضر في المزيد من عمليات الاغتيال ويصبح أهم من يقوم بعمليات التصفية الجسدية القذرة لدى العديد من رؤسائه المسؤولين. هذه العمليات التي لم يكن هناك مجال فيها للتمييز بين برئ أو مُدان؛ فكل من يحضر مسرح العملية لا بد من تصفيته حتى لا يترك أي شهود على ما حدث، ويظل عمل السلطة في الخفاء؛ ليقع في ذلك الإسلاميين من دون غيرهم: "هل كانت العملية تستحق كل تلك الجثث التي كانت على الأرض؟ قالها لخضر في نفسه وهو يركب السيارة مع الرجال، كان منهارا وهو يفكر أنها عملية تخويف إحدى الصحافيات التي جاءت تزور والدتها المريضة، وانتهت باغتيالها هي وشقيقين لها أحدهما ضابط شرطة أراد حماية أخته فنسي حماية نفسه! كان الدم رهيبا في مدخل البيت، عملية تليق بعنوان الصحيفة في اليوم التالي! قرأ الخبر بعينين مرتعشتين: اغتيال صحفية تعمل في التليفزيون واثنين من أشقائها على يدي جماعة إسلامية! كان يرتعش وهو يقرأ تفاصيل العملية، كأنه يتابع جريمة لا يعرفها، أو لم يُشارك فيها".
هذه الدموية التي اعتادها لخضر باعتبار أن ما يفعله هو من صميم عمله في أجهزة الشرطة والجيش جعله يتخلى عن إنسانيته تماما، ويصبح القتل بالنسبة له عملا عاديا كتفصيلة من تفاصيل حياته اليومية؛ وهو ما جعله يقتل رئيسه السابق في العمل حينما كان يعمل حمّالا في الميناء، وهو الرئيس ابن الشهيد الذي كان يدافع عن حقوق العمال، وتوسط له كي ينتقل في العمل بالمستودع كحارس ليلي. حينما أتت له الأوامر بتصفية أحد النقابيين لم يكن يعرف من هو هذا الشخص، لكنه حينما وقف أمامه عرف أنه رئيسه الذي كان يعطف عليه وساعده ذات يوم، لكن القتل أصبح هو الطبيعي في حياته الذي لا يمكن له التراجع عنه باعتباره مجرد أوامر لا بد أن يؤديها: "بدا له النهار طويلا وقلبه يدق بقوة، ظل يراقب ساعته ويدخن بنهم، ويردد بنفس الصوت: إياكم والخطأ! كان الشخص الذي عليهم تصفيته نقابيا بدأ يسطع نجمه وسط العمال والإعلام، فلم تكن تخلو صحيفة من صورته وتصريحاته النارية التي تثير غضب الكبار، خاصة أنه يُطالب بالعدالة الاجتماعية وحق الشعب بأن يكون ثريا! تلك مطالب تكفي لتضع رأسه في قائمة المحكوم عليهم بالإعدام! لكنه لم يفهم حرص رئيسه المباشر على أن تتم تصفيته ذبحا، إلا أنه لم يكن ليجادل طريقة القتل، ذبحا أو سلخا، فالقتل واحد، والعملية لن تخرج عن كونها روتينية! كان يعي أنه لا يعمل موظفا لدى الدولة، بل يعمل موظفا لدى أشخاص يعتقدون أنهم الدولة"؛ لذلك حينما اقتربت سيارة رئيسه من الكمين الذي نصبه في الطريق لم يتراجع حينما عرف أنه هو المقصود بالتصفية هذه المرة: "لمح السيارة وهي تخفض من سرعتها، ولمح السائق يضيء النور الداخلي للسيارة كما يفعل أي سائق عند اقترابه من حاجز أمني، اكتشف لخضر أن السائق لم يكن وحده، كان معه شخص آخر، وامرأة في المقعد الخلفي، أحس بالعرق يتصبب منه وهو يفكر أن الجميع سيقتلون الليلة، فلن يسمح بترك شهود عيان! فتح الراكب الثاني باب السيارة ونزل وهو ينظر إلى الرجال قائلا بصوت لا يخلو من استعطاف: من فضلكم لدينا امرأة حامل يتوجب نقلها إلى المستشفى!".
هنا يتحول لخضر إلى مجرد وحش تحركه السلطة فقط وكأنه مجرد آلة للقتل لا مشاعر لها، وهذا ما يؤكده ذات مرة بأن السلطة والمال هما ما يحرك الحياة، وأنه لا غنى لأي منهما عن الآخر؛ لذا حينما يخرج أحد رؤسائه الفاسدين من السلطة ويبدأون في إنشاء شركات تُدر الكثير من المال الفاسد؛ يلجأون إليه باعتباره ما زال في هذه السلطة الفاسدة؛ فهو يمثل السلطة التي ستسهل لهم أعمالهم، وهم يمثلون المال الذي سيدفعونه له من أجل سلطته. هذا الوحش الذي داخله يجعله يقتل رئيسه السابق بكل هدوء، بل ويقتل زوج حبيبته الأولى التي كانت جارته/ نجاة من دون أن يعرف أنه قد قتل الرجل الذي أهانه من قبل حينما كان صغيرا: "خرج الرجل من السيارة، لم يتكلم قط، كان ينتظر نهاية لهذه الوقفة المملة، مدّ أحدهم بطاقات الهوية نحو لخضر الذي نظر إليها مذهولا، يا إلهي، قالها ثانية، سي منصور رئيس عمال الميناء؟ ياه! كم سنة؟ فكر أنه لم يتغير كثيرا على الرغم من الشعر الذي كساه البياض والهالة السوداء تحت عينيه والنظارة السميكة، ما يزال يحتفظ بنظراته الواضحة ورأسه المرفوع أثناء الحديث، كان قلبه يخفق بشدة وهو يفكر أنه سيأمر بقتل الرجل الوحيد الذي كان سببا فيما وصل إليه اليوم، قالها في سره وهو يعيد النظر إلى البطاقة أمامه، فكر أن رئيسه ينتظر مكالمته لينام قرير العين، وفكر في الذين سيكتشفون غدا فجيعتهم في غياب رجلين أحبا الوطن وكرها اللصوص فيه! تنهد بعمق وهو يُعيد الأوراق إليهم، قال بصوت خافت يخاطب أحد رجاله: لا تستعملوا السلاح الأبيض على الرجل الثاني! قالها وابتعد بخطوات مثقلة، عندما وصل إلى سيارته سمع صوت رصاصة، ثم سمع صراخ امرأة ورجل وبعدها ساد صمت قاتل! دخل سيارته وأغلق الباب، وأدار مفتاح السيارة وانطلق عائدا إلى مكتبه ليخبر رئيسه بذات الجملة التي تعوّد قولها له: نم مرتاحا، كل شيء على ما يرام! كانت تلك العملية سببا في ترقيته ليصبح بعد شهر مدير المركز!".
إن السيكولوجية التي تتعامل بها السلطة الفاسدة في إدارة المجتمعات هي سيكولوجية لا مجال فيها سوى للمصلحة فقط، وهذه المصلحة هي في المقام الأول المصلحة الشخصية الضيقة جدا التي تخص أفرادا بأعينهم بعيدا عن المصلحة العامة التي تخص الوطن بالكامل؛ لأن الوطن بالنسبة إليهم هو آخر ما يمكن أن يفكروا فيه؛ لذلك قال له أحد الضباط الذين قاموا بتدريبه ذات يوم: "في عملنا ليس هنالك مكان للتعاطف، أنت تعمل في مكان لا مكان فيه لغيرك! أن تكون أو لا تكون. أن تعيش أو تموت، ولا شك أنك ستختار الحياة! استغرب من حجم الكلمات التي كان يرددها مراد بحماسة بدت مبالغا فيها، نظر إليه نظرة عميقة وأضاف: التعاطف مع الضحايا يعني عدم قدرتك على تمييز خطورتهم الحقيقية، لأن العاطفة تفتح الباب للشفقة، ولا مكان للشفقة في عملنا!".من خلال هذه العقلية الإجرامية لمجموعة من الفاسدين الذين يديرون شؤون الوطن يتم التعامل مع الأوطان من أجل المزيد من إفقارها وإفسادها في مقابل أن يزيدوا هم ثراء على حساب الجميع الذين يتم إفقارهم، وتجويعهم، والتلاعب بعقولهم، وقتلهم في نهاية الأمر.
هذه الحياة الزائفة المصطنعة بالكامل من قبل السلطة؛ كي يعيش المواطن والمجتمع في وهم الخوف والذعر الذي لا ينتهي باعتباره حقيقة لا يمكن الشك فيها، مما يدل على أن معظم ما يدور حولنا من الممكن التشكيك فيه، وأن ما نراه كحقيقية لا يمكن الشك فيها من الممكن جدا أن تكون مجرد وهم عظيم تم إيهامنا به. نقول أن هذا الزيف والوهم يؤدي إلى أوهام أكبر يصدقها من صنعوا الأوهام أنفسهم؛ فلخضر القاتل الذي قام بالكثير من الأعمال القذرة وقام بقتل الكثيرين الذين لا ذنب لهم يصبح فجأة جنرالا لا توجد سلطة فوقه يهابها، بل هو السلطة الأكبر في المجتمع الجزائري، ويتعامل معه الجميع باعتباره من أبناء الوطن الشرفاء الذين حموه وعرّضوا حياتهم للخطر من أجل حمايته: "يذكر جيدا اللحظة التي صافح فيها الرئيس مصافحة حارة وهو يقلده وسام الشرف كرجل شجاع استطاع أن يحمي البلاد من الأعداء الافتراضيين! استطاع في السنوات الأخيرة أن يتحول إلى شخص محترم، تلك أشياء يستطيع قراءتها في عيون الذين يسعون إلى مصافحته والحديث معه ولو لدقائق، مثلما يراها في العناوين الصحفية التي تتكلم عنه بطريقة وقورة! استطاع أن يصنع قوته من ضعف الآخرين ومن الظروف التي ساندته، إلى أن أصبح جنرالا". أي أن التاريخ يتم تزييفه بالكامل، ويصبح القاتل والسارق والناهب هو حامي الوطن والرجل الشريف في نظر الجميع، بينما يتم تصفية الشرفاء من أبناء الوطن المنهار تماما.ربما بسبب هذا التزييف للتاريخ في نظر الجميع تقوم السلطة بالتخلي عن العنف فيما بعد بطريقة برجماتية تماما؛ حيث أتى العنف الذي اتبعته لسنوات بأكله، وبات عليها توقيفه من أجل المزيد من المصالح التي تبتغيها السلطة فقط، وليس من أجل مصالح الوطن والمواطن: "لقد أصبح أقوى من ذي قبل والضباط أكثر انحيازا لرؤيته الواقعية، حتى الضباط القدامى الذين لم يستسيغوا رتبته الجديدة، أيدوا نظرته القادمة للأوضاع، لأنهم كانوا بحاجة إلى السلم إذ لم يعد من الممكن الإبقاء على مصالحهم في ظل تزايد رقعة العنف. كانوا يرفضون الهرب الجماعي للمستثمرين الأجانب، فقرروا إقناعهم أنهم استطاعوا تخليص البلد من الإرهاب ليعودوا، ويستثمروا في بلد الشهداء كيفما شاءوا! تلك هي الواجهة الجديدة التي سمحت للكبار بتبييض أموالهم التي جمعوها في سنوات العنف. أضاف بنفس الحماس: سنطارد الإرهابيين حتى نخلص البلد منهم. لن نسمح باستمرار هذه المهزلة. هذا واجبنا الذي عليه نحيا وعليه نموت!". إن هذا الحديث في الجملة الأخيرة التي قالها لخضر أمام مجموعة من الضباط الصغار الذين هم تحت إمرته، ومنهم ابنه الضابط حسين الذي لا يعرف أنه يجلس أمام أبيه، هو حديث يستدعي الكثير من الدهشة والسخرية معا؛ فمن قام بمعظم العمليات الإرهابية هو لخضر ومن يعمل معهم من أبناء السلطة الفاسدة، أي أنه لم يكن هناك في الحقيقة ما يمكن أن يُسمى بالإرهاب، كما أن ما يثير السخرية أن لخضر بات يتحدث بكل ثقة أمام الآخرين عن الواجب في حين أن حياته بالكامل كانت عبارة عن خيانات متكررة لكل من وقعوا في طريقه ذات يوم؛ لذلك تتعملق الدهشة أكثر حينما نقرأ: "كلما استطاع أن يقضي على جماعة إرهابية ما يجتمع بزملائه الضباط ليخبرهم بانتصاراته التي يحققها. بالقول لهم: نحن شركاء في هذه الانتصارات لأننا نحب الوطن ولأننا نريد له الخير. الناس تعبت من الموت والعنف، وما كنا لنترك الأبرياء يموتون بلا سبب! نحن رجال هذا البلد ويجب أن نحبه إلى درجة الموت في سبيله". أي أن السلطة باتت تصدق أوهامها والكذبة العظيمة التي نسجتها في حياة المواطنين الجزائريين وأمسوا يرون أنفسهم هم من يحمون الوطن من أعدائه، في حين أنهم العدو الحقيقي لهذا الوطن، هم وغيرهم من الساسة في معظم أوطاننا العربية الذين يمارسون نفس الأسلوب الجرائمي في حقوق شعوبهم.
حينما يعرف الجنرال لخضر أن الضابط الشاب حسين زرياب الذي جاء إلى إدراته جديدا ليكون تحت إمرته هو ابنه الذي تخلى عنه منذ سنوات طويلة، يحاول التقرب من الابن حينما تتحرك مشاعره نحوه، لكنه يخشى أن يخبره بالحقيقة؛ حيث يظن الابن أن أباه ميتا. يعرف لخضر أن حسين يحب فتاة اسمها نجاة، وتكون المفاجأة حينما يعلم أن هذه الفتاة هي ابنة نجاة جارتهم/ أول فتاة أحبها في حياته، وهي نفس الفتاة التي قتل زوجها الضابط في إحدى عمليات الاغتيال التي قام بها. لكن الابن يُصاب في إحدى العمليات التي يقوم بها ويتم نقله إلى المشفى بين الحياة والموت، ويعترف لخضر لنجاة الأم بكل شيء حدث في حياته كأنه طقس من طقوس التطهر بينما ينتظرون زوال الخطر عن ابنه في الرعاية المركزة.
تأتي رواية "في المدينة ما يكفي لتموت سعيدا" للروائية الجزائرية ياسمينة صالح باعتبارها من الروايات المهمة والنموذجية التي تتحدث عن الفساد السياسي في أوطاننا العربية، مُعبرة فيها عن مرحلة سوداوية في تاريخ الجزائر، وهي المرحلة التي أودت بحياة مئات الآلاف من الجزائريين من أجل تكريس المزيد من الفساد في الوطن لمجرد مجموعة من المرتزقة الذين تولوا زمام السلطة السياسية؛ ففضلوا الاستفادة من هذه السلطة بالفساد وإفساد كل ما يدور حولهم، مستولين في ذلك على كل خيرات الوطن التي احتكروها لأنفسهم فقط، باعتبارهم هم فقط أصحاب هذا الوطن، ولعلها لم تبالغ فيما ذهبت إليه؛ فهو نفس الفساد ونفس الأسلوب الذي يدور في معظم أوطاننا العربية الفاسدة سياسيا.
كما لا يمكن إنكار أن الرواية كان أهم ما يميزها هو تقشفها الكامل من تكلسات وتزيدات اللغة أو الحدث؛ حيث كانت الروائية شديدة الحرص على عدم التزيد في العالم الذي تتحدث فيه، وعدم العودة إلى تكرار أي أحدث سبق أن تحدثت عنها من خلال لغة قوية وسليمة وتؤدي إلى المعنى مباشرة من دون أن شكل من أشكال المداورة.
محمود الغيطاني
مجلة مصر المحروسة
عدد أغسطس 2021م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق