إذن، فنحن أمام فيلم يقول أكثر مما يبدو ظاهريا؛ وبالتالي فهو في حاجة إلى مُشاهد مُدقق يستطيع فك شفرات الفيلم، أو الوصول إلى ما هو تحت السطح الظاهري الهادئ والخادع معا.
يبدأ المُخرج فيلمه على كوستي- قام بدوره المُمثل الروماني Cuzin Toma كوزين توما- في سيارته مع ابنه الصغير الذي يشعر بالغضب من أبيه لأنه تأخر عليه في التقاطه من المدرسة لتوصيله إلى البيت، ويدور بينهما حوار يبيّن علاقة الصداقة بين الأب وابنه، حيث يقول كوستي لابنه: روبين هود لا يتأخر أبدا، إنه يختفي فقط؛ فيرد عليه الابن: أنت لست بروبين هود، كما أنك لا تختفي.
إن الحوار الذي يدور بين كوستي وابنه يؤكد أن ثمة علاقة قوية بينهما، كما يوضح أن كوستي يحاول تمثُل دور البطل أمام ابنه؛ وبالتالي يتظاهر بأنه روبين هود الذي يقرأ حكاياته لابنه حينما يعودان إلى البيت، أي أن الأب هنا يحاول التمازج مع الشخصية البطولية التي يحبها الطفل؛ ليكون هو البطل في نظره.
نعرف أن كوستي يعمل في إحدى شركات العقارات، وأنه موظف من الطبقة المُكافحة المتوسطة التي تعيش الشهر بالكاد تحت ضغط المصروفات والأقساط التي يدفعها لسيارته وشقته. يطرق جاره أدريان- قام بدوره المُمثل الروماني Adrian Purcarescu أدريان بيركيريسكو- الساكن في الدور الرابع باب شقته رغم عدم وجود علاقة قوية بينهما طالبا منه أن يساعده في إقراضه مبلغ 800 يورو في حاجة ماسة إليه، لكن كوستي يسأله عن سبب حاجته للمبلغ؛ فيخبره أدريان أنه إذا لم يحصل على المبلغ فإن البنك سوف يحجز على شقته، ويخبره بالمبلغ الكبير الذي أخذه من البنك، والفائدة الكبيرة عليه، بعدما أفلست دار النشر التي كان يمتلكها بسبب الأزمة الاقتصادية التي ضربت رومانيا؛ فيقول له كوستي: تقول الاستطلاعات أن 2% فقط من الرومانيين يقرأون أكثر من كتاب واحد في العام، لكن أدريان يوضح له أنه لم يكن ينشر كتبا من خلال داره بل كان يقوم بطباعة إعلانات حملات ترويجية حيث كانت تُدر عليه قدرا كبيرا من المال، لكن كوستي يعتذر له بأنه لا يمتلك هذا المبلغ، وأنه يعاني بالفعل في سداد الأقساط التي عليه.
يشكره أدريان مُنصرفا، لكنه يعود إليه بعد دقائق مُخبرا إياه أن ثمة أسطورة في بلدته تؤكد أن الناس كانوا يدفنون كنوزا في حدائق منازلهم، وأن جده الأكبر قد دفن كنزا في حديقة منزله، وهو في حاجة إلى المبلغ، 800 يورو، من أجل استئجار كاشف عن المعادن لتحديد مكان الكنز، وإذا ما دفع كوستي المبلغ لعامل الكشف عن المعادن فسوف يقتسم معه الكنز بالنصف. يسأله كوستي عن مدى يقينه من وجود كنز بالفعل؛ فيخبره أنه سمع عنه، وأن جده قبل أن يموت قد أكد عليه أن يعتني بالبيت، وإن لم يقل له أن ثمة كنز فيه.
يفكر كوستي في الأمر بعمق، ويخبر زوجته بالأمر طالبا منها أن تستدين من أبيها مبلغ 300 يورو؛ لأن حسابه الشخصي لا يوجد فيه سوى 300، كما لو أنه لم يدفع فواتير هذا الشهر سيتوفر معه 200 إضافية، أي أنه في حاجة إلى 300 آخرين. ترفض الزوجة أن تطلب من أبيها شيئا قائلة له: إنه عليه أن يطلبها بنفسه، لكنه يؤكد لها أن أباها لن يقف إلى جانبه؛ لذلك يريدها هي أن تفعل، لكنها تؤكد له أن أباها لا يحبه بالفعل، لكنه لن يمتنع عن الوقوف إلى جواره.
يظل الأمر يدور في ذهن كوستي؛ مما يجعله يطلب من زميلته في العمل التظاهر بأنهما سيخرجان إلى مُهمة عمل ميدانية كي يستطيع الذهاب إلى إحدى الشركات للكشف عن المعادن قبل موعد إغلاقها، وبالفعل توافق زميلته ويذهب للاتفاق مع الشركة على استكشاف الحديقة؛ فيخبره مدير الشركة بأن المتر يتم البحث فيه بيورو واحد، وبما أن مساحة الحديقة 800 متر مربع؛ فالمطلوب منه 800 يورو، لكنه يؤكد عليه بأنه لا بد له من إخبار الشرطة قبل بداية البحث حتى لا يُسجن؛ لأن التنقيب عن الكنوز لا بد أن يكون تحت وصاية الشرطة قائلا: إذا كان ما اكتشفته جزءا من التراث الوطني؛ فهو لا يزال ملك الدولة، وسيعطونك 30% من قيمة ما وجدته.
يتفق كوستي مع مُدير الشركة على أن يكون البحث في عطلة نهاية الأسبوع، وأثناء انصرافه يوقفه أحد الموظفين في الشركة/ كورنيل- قام بدوره المُمثل الروماني Corneliu Cozmei كورنيليو كوزمي- مُخبرا إياه بأنه يستطيع أن يبحث له عن المعادن في مُقابل 400 يورو فقط، وأنه لا علاقة له بالشرطة سواء أخبرها أم لا؛ فهو سيقوم بمُهمته ويخبره عن المكان الذي لا بد له أن يحفر فيه وينصرف إلى حال سبيله باعتبار أنهما لم يعرفا بعض من قبل.
يتفق معه كوستي بالفعل على البحث مقابل 400 يورو، ويقول زوجته: أعتقد أن فرصة العمر تجيء مرة واحدة؛ فتطلب من أبيها 300 يورو.
يخبر كوستي جاره أدريان بأنهما لا بد لهما من إخبار الشرطة، لكن أدريان يقول له: لو ذهبنا ووجدنا أي شيء سنضعه في السيارة ونقود حتى بوخاريست، ثم نبيع الذهب للغجر الذين سيعملون على صهره، ولن يعرف أحد أنه كان عملات ذهبية تخص التراث الروماني.
حينما يعود كوستي إلى عمله في اليوم التالي يطلب منه المُدير ملف الرحلة الميدانية، لكنه يعترف للمدير بأنه لم يكن في عمل، بل في شركة للتنقيب عن المعادن، ويخبره بحكاية جاره الحقيقية، لكن المُدير لا يصدقه قائلا: هي تظن إني لا أعرف بأنك على علاقة غرامية مع زميلتك ليليانا؟ فيرد كوستي: لا توجد أي علاقة مع ليليانا، ليقول المُدير: كلانا رجل، وأنا أتفهمك، هذه هي الحياة، وذلك يحدث كثيرا، لكن، كوستي أنت رجل متزوج، يجب عليك أن تتذكر بأن الأبناء أكثر أهمية من أي شيء آخر، آمل أنك لا تفكر بالطلاق. يؤكد له كوستي أنه ليس على علاقة مع زميلته، وحينما يجد المُدير مُصراّ على عدم تصديق حكايته يخبره- كي يتخلص من مأزقه- بأنه على علاقة بامرأة أخرى تعمل في شركة للتنقيب عن المعادن؛ لذلك أخبره بحكاية الكنز.
ربما نلاحظ في حوار المُدير مع كوستي تأملا اجتماعيا لحالة المُجتمع الروماني الذي يبدو فيه الأمر طبيعيا أن يكون الزوج على علاقة بأي امرأة أخرى غير زوجته، لكن المُهم هنا هو الحفاظ على قوام أسرته وعدم هدمها. عشية سفر كوستي مع جاره للبحث عن الكنز تسأله زوجته: أين بلدة جارنا؟ فيخبرها بأنها بلدة اسمها Islaz إيسلاز، فتقول له: إيسلاز حيث صدر إعلان 1848م، هنا بدأت ثورة 1848م، فقد بدأت الثورة من قبل أبناء أصحاب العقارات الأغنياء ممن درسوا في الخارج وأرادوا تغيير رومانيا، لو كان جارنا من إحدى تلك العائلات؛ فهناك فرصة جيدة لوجود كنز بالفعل.
ألا نلاحظ هنا أن المُخرج كورنيليو بورومبويو يحرص من خلال حواراته البسيطة على بث العديد من المعلومات التاريخية عن تاريخ رومانيا وما حدث فيها؟ إن إيسلاز من أهم المُدن تاريخيا في تاريخ رومانيا؛ حيث حدثت فيها الثورة الكبرى من أجل تحريرها قبل دخول الشيوعيين إليها، كما سنلاحظ من خلال حوار كوستي مع أدريان أن المنزل الذي يخص جد الجار استولى عليه الشيوعيون وطردوا العائلة منه عام 1947م، أي بعد مئة عام من الثورة الرومانية في بلدة إيسلاز، ولم يسترد أدريان المنزل إلا بعد انتهاء الحكم الشيوعي، أي عام 1998م، وهذا يعني أن منزل جد أدريان يكاد أن يمثل تاريخ رومانيا بالكامل وأحداثها السياسية التي مرت بها.
حينما يصل عامل التنقيب عن المعادن يبدأ في العمل على أجهزته؛ فنلاحظ أنه لا يجيد العمل عليها بحرفية، وأنه يكاد أن يكون مجرد هاوٍ؛ حتى أنه لا يستطيع تشغيل جهاز الكمبيوتر الخاص بالجهاز من أجل رؤية الصور التكعيبية التي يصورها الجهاز لمستويات التربة وما يوجد أسفلها. يسأله أدريان عن العمق الذي من المُمكن للجهاز أن يقرأه؛ فيخبره بأنه يقرأ حتى 30 متر تحت سطح الأرض؛ فيقول أدريان ساخرا: على بُعد 30 مترا ربما نعثر على الحضارة الرومانية.
يكاد يكون الجزء الأكبر من زمن الفيلم في مشاهد التنقيب عن المعادن في حديقة منزل أدريان، ولعل المُخرج قد حرص على أن يكون زمن التصوير في التنقيب يكاد أن يُقارب الزمن الحقيقي إذا ما حاول أحدهم فعل ذلك؛ كي يبدو المشهد أكثر واقعية، ورغم طول التصوير في التنقيب إلا أنه لم يكن مُملا بالنسبة للمُشاهد؛ لأن المُخرج كان حريصا على أن يتخلل التنقيب الكثير من الحوارات عن رومانيا وتاريخها؛ ففهمنا ما دار في هذا البلد من أحداث سياسية.
لذلك نعرف أن هذا المنزل قد استولى عليه الشيوعيون حينما دخلوا رومانيا بعد ثورة 1848م بمئة عام، كما تحول عدة مرات إلى مجموعة مُختلفة من الأنشطة، فتارة كان بارا، وتارة أخرى كان مرقص تعري، وتارة ثالثة إلى صالة من صالات القمار، كما استولت عليه شركة كهرباء وغير ذلك الكثير، أي أن التحولات التي حدثت لمنزل جد أدريان، تكاد تكون مُتشابهة مع نفس التحولات التي حدثت لرومانيا، مما يعني أن المُخرج هنا يرغب في القول: إنهم لا ينقبون عن الكنز في حديقة المنزل، بل ينقبون عن تاريخ رومانيا في حقيقة الأمر.
يُحدد لهم كورنيل المكان الذي من المُمكن لهم أن يحفروا فيه من أجل الكشف عن الكنز، ويخبرهم أنهم سيجدونه على بُعد مترين تحت سطح الأرض، ويبدأ أدريان بالفعل في الحفر في مناوبات مع كوستي بينما يتابعهما كورنيل من أجل التأكد من أن الكنز في المكان الصحيح الذي يحفرون فيه، لكن أدريان يقول لكورنيل: إذا لم نعثر على شيء؛ فمن العدل ألا ندفع لك، ليسأله كورنيل: لماذا؟ يرد أدريان: لأنك جعلتنا نحفر بلا طائل؛ فيقول كورنيل: لقد عملت طوال حياتي ولم أركض خلف كنز؛ ليسخر أدريان: إنه شعار شيوعي حقيقي، لكن كورنيل يقول: ماذا تقصد؟ يرد: اعتاد الشيوعيون على القول: نحن نعمل، لا نُفكر، فيرد كورنيل: لم يقولوا ذلك تماما؛ فيسخر أدريان: لا، أنسيت بالفعل؟ إلا أن كورنيل يقول: لم أنس، لكني كنت أشير إلى شيء آخر.
ربما نلاحظ في هذه المُشادة المُهمة بين كل من كورنيل المُنقب عن المعادن، وأدريان، صاحب المنزل والحديقة، نقدا للمفاهيم والأخلاقيات التي باتت تسود المُجتمع الروماني الحديث؛ حيث بدا عدد كبير من المواطنين متواكلين على البحث عن الكنوز الوهمية بدلا من قيمة العمل التي يحرص كورنيل على الإعلاء منها بينما يسخر منها أدريان المتواكل على الكنز المزعوم الذي لا يعرف حقيقة وجوده من عدمها.
لكن، حينما يطول الحفر والبحث الذي استغرق يوما ونصف ليلة يشعر أدريان بالكثير من التوتر واليأس من العثور على أي شيء؛ لذلك يبدو فظا في التعامل مع كورنيل باعتباره خدعهم، رغم أنه لم يفعل ذلك؛ الأمر الذي يؤدي إلى مُشادة كادت أن تتحول إلى مُشاجرة بينهما بالأيدي؛ فيخبر كورنيل كوستي بأنه سيغادر للعودة إلى بوخاريست. يحاول كوستي تهدئة كورنيل واستبقائه قليلا مُلتمسا العذر لأدريان الذي يعاني من الكثير من المشاكل المالية، لكن كورنيل يقول له: كلنا لدينا مشاكل، أنت لديك مشاكل، وكذلك أنا، إن الشخص يصنع مشاكله الخاصة؛ فالمشاكل لا تنزل من السماء.
بعدما يغادر كورنيل تتلبس أدريان حالة عميقة من اليأس ويطلب من كوستي الصعود من الحفرة العميقة للعودة إلى بوخاريست، مؤكدا له أنه لا يوجد ثمة كنز في الحديقة، لكن كوستي يتجاهله ويستمر في الحفر بهمة؛ مما يجعل أدريان ينتبه إليه، وبالفعل يجدا علبة معدنية شديد القدم في الحفرة التي حفراها.
يحاول كل منهما فتح العلبة لكنهما يفشلان في ذلك، فيقترح كوستي أن يعودا بها إلى بوخاريست ثم يحاولان فتحها هناك، لكنهما أثناء المُغادرة من أمام البيت تصل سيارة الشرطة التي تأخذهما إلى القسم، وحينما يفشل رجلا الشرطة في فتح العلبة يستعينان بأحد اللصوص المشهورين في المدينة؛ من أجل فتحها، وهو اللص الذي ينجح في ذلك بالفعل، لكنهم لا يجدون في العلبة إلا مجموعة من الأوراق المُتشابهة المكتوبة باللغة الألمانية، وحينما يحاول اللص معرفة محتواها بألمانيته الضعيفة؛ حيث عمل لفترة في ألمانيا، يخبرهم بأن هذه الأوراق هي شهادات أسهم في شركة مرسيدس الألمانية، وتعود إلى عام 1969م كما هو مكتوب عليها، وأنه حينما كان في ألمانيا قد سرق منها مجموعة لكن صلاحيتها كانت قد انتهت؛ فباع الواحدة منها بمئة يورو.
ربما نلاحظ في هذا المشهد شكلا من أشكال النقد الاجتماعي للمؤسسة الأمنية التي تستعين بأحد اللصوص من أجل أن يفتح لهم الصندوق الذي عجزا عن فتحه، أي أنهم يعرفون اللصوص والمجرمين جيدا، لكنهم يتركونهم أحرار طلقاء، بل ويستعينون بهم فيما يرغبونه؛ مما يُدلل على فساد المؤسسة الأمنية.
هنا يؤكد كوستي لرجلا الشرطة أن الكنز الذي عثرا عليه لا يخص التراث التاريخي لرومانيا؛ ومن ثم يصبح من حقهما فقط، ينصرف كل من كوستي وأدريان، ويعدا الشهادات فيعرفا أن عددها 156 شهادة سيقتسمانها معا بالنصف، لكنهما حينما يذهبان إلى البنك في اليوم التالي يعرفان أن قيمة الشهادة الواحدة حسب سعر السوق هو 15075 يورو، وإذا ما رغبا في بيعها فالبنك له عمولة 7% من قيمة البيع. يوافق كل منهما على البيع الذي وصل إلى ما فوق المليون يورو، ويطلب أدريان من كوستي في حالة ما جاء أخاه وسأله عما أخذه من هذه الشهادات مُقابل المُساعدة أن يخبره بأنه لم يأخذ سوى عشر فقط؛ لأن أخاه محامي، وأرض الحديقة في ملكية أمهما، ومن المُمكن له أن يتهمهما أخوه بالسرقة ويقاضيهما.
يوافق كوستي ويسرع إلى أحد
محلات الذهب والجواهر ليشتري كمية كبيرة جدا من الذهب ويضعها في العلبة التي عثرا
فيها على الشهادات، وهنا يتجه إلى مدرسة ابنه الذي يلهو مع أقرانه ويفتح له العلبة
المليئة بالذهب أمام الأطفال الذين يطلبون منه أن يتلمسونها؛ فيسمح لهم. هنا يأخذ
الأطفال الذهب في أيديهم ويسرعون بعيدا لاهين به، مُطاردين بعضهم البعض، بينما
تعلو الكاميرا باتجاه السماء وينتهي الفيلم.المخرج الروماني كورنيليو بورومبويو
ربما كان مشهد النهاية الهزلي الذي اختاره المُخرج، وهو المشهد المُخيب لآمال بعض المُشاهدين إذا لم يفهمونه جيدا، من المشاهد المُهمة التي لا بد أن تعود بنا إلى بداية الفيلم مرة أخرى حيث يحاول كوستي طوال الوقت التأكيد لابنه بأنه البطل الشبيه لروبين هود، راغبا في أن يراه الابن كبطل حقيقي، وحينما عاد كوستي من إيسلاز بعد العثور على الكنز سأله الطفل: أين الكنز؟ لذلك اشترى مجموعة كبيرة من الذهب وذهب إلى مدرسة ابنه كي يكون هذا المشهد الذي يبدو فيه الأب أمام ابنه في صورة البطل الحقيقي الذي أتى له بالكنز ليجعله فخورا أمام أقرانه من الصغار.
إن الفيلم الروماني الكنز للمُخرج كورنيليو بورومبويو من الأفلام المُهمة في حركة السينما الرومانية، ورغم أنه يبدو، ظاهريا، مجرد فيلم بسيط هزلي، إلا أنه يحمل في أعماقه الكثير من الأهمية التي تتأمل التاريخ السياسي والاجتماعي لرومانيا وما مرت به قديما، وكيف وصل بها الحال في الوقت الآني، ولعل المُخرج قد حرص على عدم الاستعانة بالموسيقى التصويرية طوال أحداث الفيلم اللهم إلا مع نزول تيترات النهاية على الشاشة؛ حيث استمعنا إلى أغنية Live is life الشهيرة في الثمانينات من القرن الماضي، وإن كان المُخرج قد لجأ إلى عزفها على آلات معدنية تُسبب الكثير من الضجيج والضوضاء، كما أن اختياره لهذه الأغنية يكاد أن يقول من خلاله بأن الحياة مجرد هزل، ولا أهمية لها في كل شيء، وفي كل أحداثها. كما نلاحظ أن المُخرج كان بارعا من الناحية الفنية لا سيما في التصوير الذي حرص على أن يكون بطيئا وطويلا في تصوير المشهد بشكل مُتعمد؛ لإثارة المزيد من التفكير، والإيحاء بواقعية الحدث الذي يراه المُشاهد، ولإعطاء الفرصة لمُمثلينه كي يديروا الحوار المكتوب لهم، وهو الحوار الذي كان البطل الرئيس في الفيلم؛ لأننا من خلاله عرفنا الأحداث التاريخية التي مرت بها رومانيا.
إذن، فالفيلم الروماني الكنز، هو فيلم ينقب- في حقيقته- في التاريخ الروماني، ويزيل الكثير من الطبقات المخفية التي لا يعرفها الكثيرون. صحيح أنه يقدم ذلك بشكل هزلي، لكن لولا هذا الشكل ما استطاع المُخرج الحديث في هذا الأمر الجاد.
محمود الغيطاني
مجلة الشارقة الثقافية.
عدد مارس 2023م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق