الخميس، 13 يونيو 2024

سينما المشاعر المُنتهية الصلاحية

المُخرج الصيني وونج كار واي
إذا ما كانت السينما التي يُقدمها لنا المُخرج الصيني Wong Kar- wai وونج كار واي هي في جوهرها سينما تقوم على تفاصيل ومُفردات الذاكرة المُعذبة دائما لأصحابها، والمُؤرقة لحيواتهم، وهي الذاكرة التي تُشعرهم، للأبد، بالفقد، والحنين، والتوق، والاشتياق، بل والرغبة في التخلص من هذه الذاكرة التي تجلدهم بسوط الذكريات طوال الوقت؛ حتى أن فلسفة عالمه الفيلمي تنهض دائما على فكرة أساسية تؤكد لنا بأنه لا شيء دائم أو أبدي في الحياة، سواء كان العمل، أو الشراكة، أو الصداقة، أو الأمومة، أو الحياة نفسها، أو حتى المشاعر العميقة التي تربط الأشخاص ببعضهم البعض؛ فكل شيء في حالة تغير دائم ومُتسارع- وهو ما رأيناه جليا في كل أفلامه[1]- فثمة تساؤل عن السبب من وراء ذلك لا بد من وروده على أذهاننا حينما نُشاهد العالم السينمائي الذي يقدمه، وهو العالم الذي يظل ينوع عليه في كل فيلم جديد، بل وتتداخل مُفردات أفلامه السابقة باللاحقة عليها؛ حتى أننا نرى بعض شخصيات من عالم فيلمي سابق له في فيلمه الجديد في شكل من أشكال التداخل والتماهي التي تكاد أن تجعل من أفلامه جميعا فيلما واحدا، وكأنما بات المُخرج حبيسا داخل هذا العالم، لا يستطيع الخروج منه، أو كأنه وضع نفسه ومُمثليه معه في مأزق رومانسي لا ينتهي، وهو الأمر الذي يؤكد عليه المُخرج نفسه حينما قال: "كل أعمالي هي في الحقيقة حلقات مُختلفة لفيلم واحد"[2]؛ الأمر الذي حدا به إلى أن تبدو أفلامه- عند النظرة الكلية والشاملة إليها- وكأنها أجزاء مُتتالية، لا يمكن لها الانفصال عن بعضها البعض- رغم أنه من المُمكن لنا مُشاهدتها مُنفصلة- أو كأنها عبارة عن حلقات لمُسلسل طويل لا ينتهي. هذا المُسلسل لا بداية له- حيث لا يهتم المُخرج بالبدايات- ولا نهاية- يتجاهل المُخرج مُستقبل شخصياته وقصصه المُتناثرة تاركا إياهم في الفراغ حتى لكأنه يتخلى عنهم متواطئا مع الذاكرة المُعذبة لهم- لكن مع النظرة الشاملة من بعيد للصورة الكلية التي يقدمها لنا المُخرج سيتضح لنا أنها عبارة عن مقطع عرضي من الحياة، لا يعني المُخرج منه سوى تأمله؛ للتأكيد على فلسفته/ اقتناعه الذي يذهب إليه دائما، والذي يفيد بأن كل شيء في الحياة له فترة صلاحية لا بد من الانتهاء عندها، حتى المشاعر! أي أن المُخرج يهتم في المقام الأول بوضع شخصياته الفيلمية في مأزق حياتي/ رومانسي ويحبسهم داخله ليبدأ في تعذيبهم بمحاولة التخلص والهروب من الماضي الذي لا يفتأ يطاردهم مُعذبا إياهم في كل لحظات حياتهم، وهو الأمر الذي نلمحه بوضوح جلي في فيلمه الأكثر إرباكا وغموضا Ashes Of Time رماد الوقت 1994م، حينما يقول المُخرج على لسان بطله: يُقال: إن الذاكرة هي أصل مُشكلة الإنسان! أي أن المُخرج من خلال هذا المأزق الرومانسي الذي يصنعه يعمل على استعراض وتقديم أسلوبيته التي تقوم عليها سينماه المُغرقة في أسلوبية مُدهشة تخصه وحده في المشهد الكلي لصناعة السينما العالمية، وهي الأسلوبية التي بدت لنا ناقصة ومُرتبكة حينما خرجت من بيئتها الخاصة جدا في هونج كونج إلى الولايات المُتحدة الأمريكية حينما قدم لنا فيلمه الوحيد الناطق بالإنجليزية، وقام بتصويره في أمريكا عام 2007م My Blueberry Nights ليالي التوت، أي أن أسلوبية المُخرج الخاصة في صناعة السينما والتي ابتكرها لصناعة أفلامه لا يمكن لها أن تكتسب خصوصيتها إلا من خلال بيئتها الخاصة التي نشأت فيها داخل هونج كونج، ورغم أن وونج قد علق على هذا الفيلم بقوله: لم يكن التصوير في الولايات المُتحدة حلما بالنسبة لي، لكني أردت فقط صناعة فيلم مع Norah Jones نورا جونز[3]؛ فهي لديها صوت سينمائي جيد، وبما أنها لا تتحدث الصينية؛ كان لا بد أن يكون الفيلم باللغة الإنجليزية. بالتأكيد عندما تذهب إلى بلد جديد فهناك ثمة أشياء تؤثر عليك، وعليك، مثلا، التكيف مع الأنظمة الجديدة، والثقافات الجديدة، لكن في نهاية المطاف الفيلم هنا هو الأهم.



نقول رغم هذا التعليق من وونج على فيلمه- الذي قد يبدو لنا كمُبرر لفقد الفيلم روحه السينمائية، والأسلوبية الخاصة بالمُخرج- إلا أننا نظل على ما ذهبنا إليه بأن الفيلم فقد الكثير من الروح التي تُميز أفلام المُخرج حينما خرج من إطاره الجغرافي ليصنع لنا فيلما بعيدا عن هونج كونج وعالمه الخاص الذي اعتدناه.

إن الماضي في أفلام وونج كار واي شيء يُطاردنا، يُهدد لحظاتنا الآنية دائما- يبدو أثر الوقت وأهميته دائما في كل أفلامه- من المُمكن لنا أن نراه ونتأمله عن كثب، لكننا لا يمكن لنا- بأي حال من الأحوال- أن نلمسه! أي أنه يظل شيئا لا قوام له، أشبه بالسراب الذي يخاتلنا أينما اتجهنا، رغم مقدرته على جعلنا نذوب في الجحيم النفسي الذي يسببه لنا بمُطارداته التي لا تنتهي.

إن "مُشاهدة فيلم لوونج كار واي يعني الدخول إلى عالم من المشاعر المُتزايدة، لا يقتصر الأمر فيه على أن شخصياته يروون قصصا لا تُنسى عن الرومانسية المشؤومة، بل إنها الطريقة الرائعة التي يجذبك بها مُخرج هونج كونج بشكل مُثير للإعجاب. إنه ينسج الأنسجة التي تُشبه الحلم، والألوان الزاهية، والمُوسيقى المُفعمة بالحيوية، أي أنه ينقلنا إلى جو قوي يجعلنا منومين فيه تماما، مُستسلمين لعالمه، وهو بصفته مُخرجا مهووسا بإثارة الإغراء الذي يقصف القلب؛ فهو يعرف بالضبط كيف يخدع جمهوره بنفس القدر من السحر؛ فمقطوعاته المزاجية المُؤرقة تسحر الحواس. إنها الأقرب لتجربة الاندفاع المُبهج للوقوع في الحُب أثناء تواجدنا في السينما"[4]!

إذن، فنحن في سينما واي أمام عالم شديد المزاجية، نستطيع أن نُطلق عليه حالة سينمائية خاصة جدا، وهي الحالة التي لا يستطيع المُخرج الإبداع إلا من خلالها، أي أننا أمام عالم سينمائي يمتلك صاحبه رؤية تخصه وحده فقط تجاه العالم؛ مما يجعله يهدم هذا العالم الواقعي من حوله ويُعيد بناءه وتشكيله تبعا لرؤيته الشخصية، أو كما يحب أن يراه هو من خلال مُفرداته السينمائية، الأمر الذي يجعله كثيرا ما يُغلق هذا العالم عليه تماما؛ فتنقطع صلته- كلية- بالعالم الخارجي/ الواقعي المُحيط به، ليكتسب عالم المُخرج قانونه، ومنطقه الشخصي والخاص؛ مما يتيح له عدم الالتزام بالشكل النمطي للحكايات كما نراها لدى غيره من مُخرجي السينما في العالم، بل هو ينثر لنا نُتفا من الحكايات المتوازية- قليلا ما تتداخل- في أفلامه، وهي تعبر لنا في نهاية الأمر عن حالات الوحدة، والخذلان، والخسارات، والشعور بالاحتياج، والإدمان العاطفي، والحنين، وضآلة الإنسان في المُدن الكبرى، لا سيما أنه يتخذ، دائما، من مدينة هونج كونج مثالا لكل المُدن الكبرى في العالم[5]بحياتها المُتسارعة التي لا تترك الفرصة لمن يعيش فيها لمُجرد الراحة أو التأمل؛ فالوقت لدى وونج كار قادر على سحق الجميع، وتغييرهم بتقدمه الدائم، وعدم توقفه، لذا فهو يعتني به عناية خاصة وفلسفية في جل أفلامه بتحديد الشهور، والأيام، والمُدد الزمنية، وشخوص الكاميرا الدائم للساعات، والتقويمات الزمنية والتركيز عليهما.



"تتجاهل أفلام وونج كار واي حوارات هوليوود المُتدفقة ونهاياتها السعيدة، فهو بدلا من ذلك، يُفضل التأملات العاطفية الحادة للحُب، والخسارة، والندم. وقد تم تصنيف صناعة أفلامه على أنها شعر بصري، تلتقط الرومانسية في صورها الحسية بدلا من الخطاب المُبتذل. ثمة موضوع رئيسي تشترك فيه جميع أفلامه، إنه الحزن والعزلة عن الحب. هناك شعور سائد بالحزن ناتج، دائما، عن الفقد، أو العزلة، أو الشوق الذي يتخلل كل فيلم من أفلامه ويضفي عليها في النهاية مزيجا فريدا من الكآبة الرومانسية الحلوة، والمرة! حكاياته كلها عن الفرص الضائعة، والفرص غير المُحققة، والرغبات المكبوتة تُشبع أعماله بإحساس رومانسي.

رغم أن أفلام وونج كار واي مُؤلمة بشكل لا يُطاق في بعض الأحيان، إلا أنها توظف مُعجم السينما بالكامل بشكل أكثر فاعلية من أفلام أي مُخرج آخر. يُفترض فيها، دائما، أن الكاميرا أشبه بالإنسان، كامنة، مُختبئة في زوايا مُختلفة لدرجة أنها تكاد أن تتجسس كما رأيناها في فيلمه In the Mood for Love في مزاج للحُب 2000م. ونظرا لكونه رائدا أكثر من كونه مُخرجا؛ فقد ساعدته قدرته على تشكيل كل عنصر من عناصر فيلمه إلى حد الكمال في ابتكار لغته السينمائية الخاصة بالرومانسية. إن مُشاهدة فيلم لوونج كار واي يعني الدخول لعالم مُختلف، عالم مليء بالمشاعر المُتزايدة، والصوت المُثير للعواطف والمرئيات التي تُشبه الحلم، والتي تروي حكايات لا تُنسى عن الرومانسية المشؤومة.

هو كمُخرج ماهر في الإغواء السينمائي؛ يمكنه خداع جمهوره بنفس القدر من السحر. يكتسح هذه الأفلام حزن عميق؛ حيث يُترك الأفراد بمنأى عن الحزن الرومانسي، والخسارة، والخيانة، ومع ذلك، فإن هذه المشاعر المُرهقة، تقليديا، تتحول إلى شيء جميل في كل ما يصنعه من أفلام! حتى في مرحلة الحزن تتمتع كل شخصية بجودة حلوة ومرة، حيث تُكثف مُعاناتهم مشاعرهم، وتزيد من الجو السينمائي للجمهور؛ فمن خلال لغة وونج المرئية الخادعة يتذكر المُشاهد أن هناك إحساسا غريبا بالجمال حتى في حالة اليأس الرومانسي! لم يسبق أبدا أن بدا حزن القلب ساحرا كما هو الحال في عينيّ وونج كار واي"[6]!

هنا لا بد لنا من التوقف أمام التساؤل السابق الذي طرحناه مُنذ قليل: ما السبب الذي يجعل المُخرج حبيسا لعالم من الفقد، وتعذيب الذاكرة والذكريات طوال الوقت في كل ما قدمه من أفلام سينمائية، حتى لكأنه يجلد نفسه، ويجلد مُشاهده معه، بالضرورة، في كل أفلامه- رغم الإقبال العالمي على هذه الأفلام؟


مع تتبع حياة وونج كار واي، مُنذ مولده، سنعرف أن ثمة حدثا قويا قد ترك بأثره عليه مُنذ الصغر، وربما يكون هو الذي عمل على تشكيل شخصيته وجنوحه الطويل باتجاه العزلة، والتأمل في العلاقات الإنسانية بشكل عام، والميل للعلاقات العاطفية غير المُكتملة، وغير الناضجة دائما؛ فقد وُلد وونج في السابع عشر من يوليو عام 1958م، لوالدين من شنغهاي Shanghai، أي أنه وُلد على أرض الصين القارية الكبيرة بعيدا عن هونج كونج المُنفصلة عن الصين، والواقعة تحت حُكم الاحتلال البريطاني في ذلك الوقت، لكنه هاجر عام 1963م مع عائلته إلى هونج كونج عندما كان طفلا صغيرا، وقد كان واي هو الابن الأصغر بين ثلاثة أشقاء، كما كان والده بحارا، بينما كانت والدته ربة منزل، "وبحلول الوقت الذي بلغ فيه وونج خمس سنوات من العمر بدأت بذور الثورة الثقافية الصينية في الظهور؛ فقرر والداه الانتقال إلى هونج كونج، وقد كان من المُفترض أن ينضم إليهم الطفلان الأكبر سنا في وقت لاحق، لكن حدث أن أُغلقت الحدود بين الصين وهونج كونج قبل أن تُتاح لهما الفرصة في الانتقال، ولم ير وونج شقيقه، أو أخته مرة أخرى لمُدة عشر سنوات بينما كان يكتب لهما بانتظام"[7]، هذه السنوات كانت كفيلة بتشكيل سيكولوجيته التي اعتادت على الفقد، والشوق، والحنين، والاحتياج إلى شقيقيه. وفي هونج كونج استقرت الأسرة في تسيم شا تسوي Tsim Sha Tsui، وعمل والده في إدارة ملهى ليلي- ربما كان هذا هو السبب الأساس في اهتمام وونج بالملاهي الليلية، وعالم الليل المُسيطر على أفلامه- ولكونه الطفل الوحيد داخل أسرته في مدينة جديدة قال وونج: بأنه شعر بالعزلة خلال طفولته، وهي العزلة التي انعكست بأثرها القوي على جميع شخصياته الفيلمية فيما بعد حيث الشعور العارم بها وكأنها كابوس يطبق على أنفاس الجميع، وقد كافح كار واي لتعلم اللغة الكانتونية والإنجليزية، ولم يتقن هذه اللغات الجديدة إلا حينما بات مُراهقا، "كان قادرا على التحدث بلغة الماندرين فقط، ولم يفهم اللغة الكانتونية، ولم يكن لديه أي أقارب، حتى لقد أصبح مثل مُراقب لمن هم حوله، وتحولت السينما إلى شُريان للحياة بالنسبة إليه"[8].


إن هذه العُزلة التي عاشها وونج مُنذ صغره هي ما يعود إليها المُخرج غير مرة في الكثير من تصريحاته؛ فيقول: "عمل والدي في ملهى ليلي كمُدير، وقبل ذلك كان بحارا، وكانت والدتي ربة منزل، وبقى إخوتي وأخواتي في الصين؛ لذلك كنت الطفل الوحيد معهما في ذلك الوقت، لقد كانت فترة خاصة جدا بالنسبة لي"[9]، ولعله في هذا التأكيد الدائم ما يُدلل على أثر هذه العزلة في تشكيله.

بعد هجرة الأسرة إلى هونج كونج، والعزلة التي ضربت بأطرافها على الطفل وأمه- ربة المنزل- وهي عزلة ثقافية، ولغوية، فضلا عن انقطاعه عن شقيقيه العالقين في شنغهاي لم تجد الأم بدا، أو طريقة للتخلص من الوقت- الذي لا بد له سيكون أبديا لمن يشعر بالانعزال، وربما كان هذا هو السبب الرئيس أيضا لدى وونج للاهتمام البيّن، والهوس الحقيقي بالوقت في أفلامه- سوى الذهاب بطفلها إلى السينما، أي أنها فضلت التغلب على الشعور بالوقت بمُشاهدة الأفلام السينمائية؛ لذا يقول وونج نفسه في حوار طويل بينه وبين Han Ong هان أونج حينما سأله: "في أي مرحلة من حياتك قررت أنك ستصبح مُخرجا؟ ليرد كار: كانت الهواية الوحيدة التي أمارسها في طفولتي هي مُشاهدة الأفلام. بطريقة ما، كنت أعتقد أنني أستمتع بالمُشاركة في هذا العمل المعروض أمامي، بدأت كتابة السيناريو، وسألني أحد المُنتجين ذات يوم: هل تريد أن تصنع فيلما؟ وأصبحت مُخرجا"[10]، أي أن أثر الأم على المُخرج كان له من القوة والتأثير ما جعله يعشق السينما مُنذ صغره، ولولا العزلة التي عاشا فيها بعد هجرتهما إلى هونج كونج ربما ما كان له التعرف على السينما أو الوقوع في عشقها لتقديم أفلامه السينمائية التي رأيناها فيما بعد، وهو الأمر الذي يؤكد عليه أحد المواقع المُخصصة للأخبار عن مُخرج هونج كونج حينما كتب: "حصل وونج كار واي على معرفته الأولى بالسينما من والدته التي عرّفته على الموجة الفرنسية الجديدة"[11].

إن الأثر الكبير لطفولته مع أمه ومُشاهداته للسينما لفترة طويلة معها هو ما جعله يقول في مهرجان لوميير Lumière Festival عام 2017م: "لقد أمضينا كل يوم، تقريبا، في مُشاهدة الأفلام، الأفلام الفرنسية، وأفلام هوليوود، والأفلام الإيطالية، والأفلام من تايوان، والمُنتجات المحلية، كان هذا نوعا من مدرستي السينمائية وتعليمي"[12].


كما لا يفوتنا أن دخول وونج إلى مجال الإخراج كان مُجرد مُصادفة بحتة أيضا لم يكن يفكر فيها؛ أي أن وقوعه في عشق السينما والكتابة لها، ثم عمله في مجال الإخراج السينمائي كانا محض مُصادفة حياتية معا، يتشابهان إلى حد بعيد مع المُصادفات الرومانتيكية التي كثيرا ما رأيناها في عالمه السينمائي القائم في مُجمله على مُصادفات رومانسية، لذلك حينما يُبدي المحاور Han Ong هان أونج دهشته على الإجابة السابقة قائلا: "فقط هكذا سأل، هل رأى فيك شيئا أم كان الأمر مُجرد مُزحة؟!- قاصدا المُنتج الذي عرض على وونج العمل في مجال الإخراج- يرد كار واي: كان هناك سببان لذلك: أولهما إني كنت أعمل معه لمُدة عامين، وكان يعرفني جيدا، كان ذلك بعد فيلم [13]A Better Tomorrow غد أفضل مُباشرة، وأصبح الوضع في صناعة السينما في هونج كونج مُزدهرا للغاية؛ في تلك السنة أنتجنا مائتي فيلم. ليرد عليه المحاور: في أي عام كان ذلك؟ ليقول وونج: 1988م؛ لذلك كانوا بحاجة إلى المزيد من المُخرجين، والمزيد من الوجوه الشابة، وأُتيحت لي الفرصة"[14]!

هذه الصدفة المُجردة لولعه بالسينما أولا، ثم العمل في مجال الإخراج السينمائي ثانيا هي ما تؤكد عليها الكاتبة والمُخرجة الإنجليزية Anya Kordecki آنيا كورديكي[15] في قولها: "مُنذ سن مُبكرة قضى مُعظم وقته في دور السينما، وهو يحاول استيعاب أفلام تلو الأخرى، وهي الأفلام التي وصفها وونج بأنها لغة عالمية تعتمد على الصور. في الواقع، يبدو أن أفلام وونج المشهورة تتماشى بشكل وثيق مع هذه الرؤية للفيلم والصورة. غالبا ما تكون أفلام وونج مُتفرقة في الحوار، وهي مدفوعة بصورة غنية بصريا، ومُمتلئة بالمشاعر غير المُعلنة"[16].


إذن، فنحن أمام مُخرج سينمائي لم يدخل السينما إلا من باب المُصادفات، ولولا هذه المُصادفات القدرية لما كنا قد رأينا اللوحات السينمائية الفريدة المُغرقة في الفنية والأسلوبية التي قدمها لنا.

إن أثر الأم على المُخرج سواء في حياته الشخصية التي شكلت مزاجيته، أو حياته العملية، التي رأيناها فيما بعد، يظهر جليا في الحوار الذي أجرته معه الصحفية الفرنسية ليزا بيار [17]Liza Béar عام 2001م حينما قالت له: "قالت ماجي تشيونج Maggie Cheung[18]: إنها قد واجهت صعوبة في التعامل مع شخصيتها في فيلم In The Mood for Love في مزاج للحُب 2000م؛ لأن الشخصية كانت مثالية للغاية. هل هذه هي الطريقة التي تتذكر بها والدتك؟"

في إجابة المُخرج على سؤال الصحفية ما يوضح لنا بشكل جلي أثر أمه في تشكيله باتجاه السينما حينما يرد: "بالطبع، والدتي مثالية. عندما كان والدي يعمل بحارا لم يكن يعود إلى المنزل كثيرا؛ لذلك كنت في مُعظم الوقت مع والدتي، كانت هي التي أخذتني إلى السينما، وإلى الحفلات المُوسيقية؛ لذا فهي دائما مثالية بالنسبة لي، لكنها ليست مثل ماجي كثيرا؛ تُمثل شخصية ماجي امرأة عصرية ولديها مساحة خاصة بها، أما والدتي فكانت أشبه بربة منزل، وكانت تقليدية للغاية"[19]، أي أن التواجد الدائم، والالتصاق بالأم مُنذ صغره كان له أكبر الأثر فيما رأيناه داخل عالمه الفيلمي فيما بعد، حتى أنه يراها في شخصياته النسائية السينمائية محاولا تمثلها.

يُعد وونج كار واي من أهم مُخرجي الموجة الثانية الجديدة في سينما هونج كونج، وأكثرهم شهرة على مستوى العالم؛ حيث نجد مُتابعيه المهووسين به من حول العالم بشكل لا يُصدق، ولكي نفهم تأثير الموجة الثانية الجديدة على صناعة السينما في هونج كونج، لا بد لنا من التعرض للموجة الأولى في هذه الصناعة، وكيفية نشأة الموجة الثانية التالية عليها التي كان من أهم مُخرجيها، وأكثرهم تميزا وونج كار واي.


"قبل الموجة الجديدة كانت صناعة السينما في هونج كونج مشهورة عالميا بأفلام الأكشن في الكونغ فو، ومن المُهم، هنا، مُلاحظة أن هونج كونج كانت تتمتع بثقافة صناعة أفلام مُزدهرة لدرجة أنها كانت الصناعة الوحيدة التي يُعتقد بأنها قادرة على التنافس مع هوليوود. في ذلك الوقت، كان من غير المألوف، بالنسبة للأسر الصينية، امتلاك جهاز تليفزيون في السبعينيات، وقد سمحت الثقافة الليبرالية، نسبيا، في هونج كونج للصناعة بإنتاج أفلام أقل رقابة من تلك التي تتم صناعتها في البر الرئيسي للصين، ومع ذلك، كان لا يزال هناك شعور بين صانعي الأفلام الشباب بأن الصناعة قد باتت تقليدية، وذات شكل نمطي لا يتغير؛ وقد أدى ذلك إلى قيام مُخرجين من أمثال Tsui Hark تسوي هارك[20]، وAnn Hui آن هوي[21]، وPatrick Tam باتريك تام، بتحدي معايير هذه الصناعة؛ مما أدى إلى انطلاق موجة هونج كونج الجديدة في عام 1979م. وقد درس العديد من مُخرجي الموجة الجديدة، في هونج كونج، في الخارج؛ ومن ثم كانوا مُتأثرين ببعض الأساليب الغربية التي جلبوها معهم إلى الشرق. في الواقع، تربط الموجة الجديدة بين الشرق والغرب بطريقة ربما لا يمكن أن تحدث إلا في هونج كونج فقط؛ بالنظر إلى التاريخ السياسي المُعقد للجزيرة كمدينة مُستعمرة بريطانية لمُدة 157 عاما. هذا المزيج الفريد والمُبدع للمبادئ الشرقية والغربية تجاه صناعة الأفلام يؤدي إلى أنه من المُمكن لنا التعرف على موجة هونج كونج الجديدة على الفور. ورغم أن الموجة الجديدة في هونج كونج أقل تعريفا جماليا من الحركات الأخرى، إلا أن المُصطلح يُستخدم للتعبير عن تأثير أوسع خارج صناعة الأفلام الصينية السائدة والتقليدية. وبهذه الطريقة تم استخدام الحركة- الموجة الجديدة- لتحديد أولئك الذين لم يتابعوا الوضع الراهن في صناعة الأفلام، وبدلا من ذلك أرادوا تطوير الصناعة بتقنيات تحرير جذرية، وصوت مُتزامن، وطواقم إنتاج ساخنة يمكنها التصوير في الموقع مع، أو من دون تصريح، لكن رغم هذه التقنيات التقدمية تظل العديد من أفلام الموجة الجديدة داخل دائرة الأنواع التقليدية؛ لأن الأفلام في هونج كونج تم تمويلها بالكامل بطريقة التمويل قبل البيع، وهذا يُفسر سبب تركيز العديد من العناوين مثل Chungking Express، وFallen Angles الملائكة الساقطة[22]، على رجال الشرطة، ورجال العصابات المُنحرفين رغم استكشافهم في نهاية المطاف لرحلاتهم العاطفية بدلا من سرد القصص القائم على الحركة.

يقول وونج كار واي: هذا هو الفرق بين هونج كونج والسينما الصينية، حيث صُنعت السينما الصينية لمُجتمعها، كما كانت من أجل الدعاية للصين، بينما صنعت هونج كونج أفلامها من أجل الترفيه في المقام الأول، وهم يعرفون كيفية التواصل مع الجماهير الدولية. لكن في عام 1984م احتضنت الحركة- الموجة الجديدة- الموجة الثانية، حيث حظي مُخرجون مثل Stanley Kwan ستانلي كوان[23]، وMabel Cheung مابل تشيونج[24]، وPeter Chan بيتر تشان[25]، وFruit Chan فروت تشان[26]، وTammy Cheung تامي تشيونج[27]، وAlex Law أليكس لاو[28]، وWong Kar- Wai وونج كار واي، باهتمام دولي لمواصلة تحدي أُطر عمل هونج كونج، ومن بين رواد الموجة الثانية الجديدة برز وونج كار واي ليصبح هو الأكثر شهرة، حيث يُفتخر بمُتابعيه المُتفانين بشكل لا يُصدق في جميع أنحاء العالم"[29].



إن البداية العملية لكار واي، ومجال دراسته يؤكدان لنا أنه كان راغبا مُنذ البداية في العمل في مجال صناعة السينما والمُساهمة في صُنع هذا الخيال الذي شكّل ذهنيته مُنذ صغره حينما كان يرى الأفلام في السينما مع أمه؛ فلقد "درس التصميم الجرافيكي في Hong Kong Polytechnic الذي صار فيما بعد كلية هونج كونج للفنون التطبيقية، ثم التحق بدورة لمُصممي الإنتاج والمُخرجين المُحتملين في شبكة التليفزيون TVB، لكنه عمل في البداية ككاتب سيناريو للتليفزيون، وقد وجد مُرشدا له من خلال المُخرج الصيني باتريك تام Patrick Tam[30]، كما كتب وونج سيناريو دراما رجل العصابات تشويهاو سينجلي Chuihau Singlee الذي كان بعنوان Final Victory النصر النهائي 1987م، وهو الفيلم الذي أخرجه باتريك تام، بالإضافة إلى ذلك فقد قدم تام Tam أعمال الروائي الأرجنتيني Manuel Puig[31] مانويل بويج إلى وونج الذي تأثر بشكل خاص بالسرد المُجزأ في روايته Heartbreak Tango المنشورة عام 1969م"[32].

لكن، ربما يجب علينا التوقف قليلا أمام الجملة الأخيرة التي ذكرها الكاتب الأمريكي إريك جريجرسن في الاقتباس الذي لجأنا إليه؛ حيث يؤكد الكاتب، هنا، بأن كار واي قد تأثر كثيرا برواية الروائي الأرجنتيني مانويل بويج، مما قد يوحي لنا بأن وونج لديه هوس ما بالأدب اللاتيني، هو ما يدفعه إلى أسلوبيته الخاصة فيما يقدمه من سينما- المُختلفة تماما عن الأدب أو السينما اللاتينيين- فالمُخرج نفسه في حوار له مع المحاورة الفرنسية ليزا بيار يؤكد بأنه لا يحب الأدب اللاتيني حينما سألته: "قد تبدو المشاعر التي تعرضها على الشاشة لبعض الأشخاص لاتينية بشكل غريب، وهو توق لا يكتمل جسديا أبدا. هل يأتي ذلك من خبرتك السابقة في العمل في أمريكا الجنوبية؟"، هنا يرد عليها وونج موضحا موقفه: "لا، لا أحب الأدب الأمريكي اللاتيني كثيرا، وأعتقد دائما أن الأمريكيين اللاتينيين والإيطاليين قريبون جدا من الصينيين، خاصة النساء- الغيرة، والعواطف، وقيم الأسرة- والموسيقى اللاتينية في الفيلم[33]، في الواقع، كانت تحظى بشعبية كبيرة في هونج كونج؛ لأن المشهد المُوسيقي في ذلك الوقت كان بشكل أساسي من الفلبين، وكانت جميع النوادي الليلية تضم مُوسيقيين فلبينيين؛ لذلك حصلوا على التأثيرات الإسبانية هناك. كانت مُوسيقى أمريكا اللاتينية تُحظى بشعبية كبيرة في المطاعم في ذلك الوقت، ولهذا وضعتها في الفيلم، وأنا أحب بشكل خاص Nat King Cole نات كينج كول[34]؛ لأنه المُغني المُفضل لأمي"[35]، أي أن المُخرج لم يكن لديه أي هوس بالأدب اللاتيني، أو السينما اللاتينية كما قد يوحي لنا الاقتباس الذي أخذناه عن إريك جريجرسن.


إذن، فما الذي دفع إريك جريجرسن إلى الزعم بأن وونج قد تأثر بالروائي الأرجنتيني مانويل بويج؟

الحقيقة أن وونج لم يكن مُتأثرا بالأدب اللاتيني في صناعة أفلامه بالفعل، كما قال هو، لكنه تأثر في السرد الفيلمي الذي يقدمه في أفلامه بالتقنية التي كان يكتب بها الروائي الأرجنتيني فقط؛ حيث كان مانويل بويج "له الأثر الأكبر عليه؛ فقد شكّل أسلوب كتابته- القصص التي يتم سردها في أجزاء باستخدامها لوجهات نظر مُتعددة- أسلوب وونج الخاص في السرد الفيلمي"[36] وهو بالفعل ما نراه في أفلامه حيث تُحكى الحكايات من وجهات نظر العشاق المُختلفة، أي أنه يتناول الحكاية دائما من زواياها المُتنافرة- حيث لكل شخص من أصحاب قصة الحب وجهة نظر مُختلفة فيما حدث فيها من أحداث، ومن ثم فكل شخصية على صواب، أو هي التي وقع عليها الخذلان، والخيانة، والخسارة فقط!

بدأ وونج كار واي الكتابة للسينما عام 1982م بسيناريو فيلم Once Upon a Rainbow حدث ذات قوس قزح، وهو الفيلم الذي أخرجه المُخرج الصيني Agnes Ng أجنيس نج، واستمر وونج في كتابة السيناريوهات للسينما مُنذ ذلك العام ليُقدم اثنى عشر فيلما كان آخرهم سيناريو فيلم The Haunted Cop Shop قسم الشرطة المسكون عام 1987م للمُخرج الصيني Jeffrey Lau جيفري لاو[37]، قبل أن يخرج فيلمه الروائي الطويل الأول As Tears Go By كما تذهب الدموع عام 1988م، ورغم انخراط كار واي في الإخراج للسينما مُنذ عام 1988م حتى فيلمه الأخير The Grandmaster المُعلم الكبير 2013م، إلا أنه لم يتوقف عن كتابة السيناريو لغيره من المُخرجين الآخرين؛ فكتب 27 سيناريو لأفلام روائية طويلة في الفترة من 1982م حتى عام 2016م منها عشرة أفلام من إخراجه، و17 فيلما من إخراج غيره[38]، كما كتب سيناريوهات أخرى لأفلام روائية قصيرة بلغت ثلاثة سيناريوهات[39] قام بإخراجها جميعا.


"أثار وونج كار واي إعجاب الجماهير والنقاد في جميع أنحاء العالم، وألهم عددا لا يُحصى من الآخرين لصناعة أفلام ذات مزاج شعري، ومرئيات غنية وحسية، ومُوسيقى تصويرية مثالية، ورومانسية عاطفية سواء بشكلها المأساوي، أو غارقة في الدم، أو كوميدية غريبة"[40]، كما "كان رائدا نجح في ابتكار لغته السينمائية الخاصة، والرومانسية، هذه اللغة التي كانت غنائية بشكل مُذهل، فضلا عن إذهالنا البصري، لقد جعل عذاب أفكارنا الداخلية يبدو مُثيرا، وشاعريا، وساحرا"[41]. هذه الأسلوبية السينمائية، والعالم الفيلمي الذي يدور فيهما هما ما "دفعا شعبيته في الخارج إلى توزيع المُخرج الأمريكي كوينتين تارانتينو [42]Quentin Tarantino فيلمه Chungking Express 1994م في الولايات المُتحدة عبر شركة التوزيع الخاصة به Rolling Thunder التي لم تستمر طويلا في سوق التوزيع السينمائي"[43] كما "طوّر أسلوبا مُتميزا في صناعة الأفلام؛ حيث اشتهر بالعمل من دون سيناريو جاهز، واعتمد على طريقة الارتجال لملء عناصر الحبكة، ويعتبر وونج أن أهم خطوة في التخطيط لفيلم هي تخيل المساحة التي تسكنها الشخصيات، حيث تسمح هذه الطريقة الفضفاضة في التخطيط لوونج بالتجربة والتكيف أثناء إنشاء المشاهد الخاصة به"[44]، وهو في هذه الطريقة- عدم وجود سيناريو مُعد للتصوير- إنما يعتمد على كونه كاتبا بالأساس قادرا على استكمال السيناريو الذي يتخيله في ذهنه أثناء إخراج وتصوير فيلمه.

هذه الطريقة التي تخصه جعلت مُمثليه يتخلون مُنذ فترة طويلة عن رؤية السيناريو مُقدما، وفي هذا يقول: "ليس هناك ما يكفي من الوقت، إنه دائما عمل قيد التقدم، إذا كانوا يعرفون النص، وهو الوضع الطبيعي؛ فسيمكنهم الاستعداد، لكن هذا لا يعني أن الأمر سيكون جيدا لبعضهم. في مرحلة مُعينة، يمكن أن يجلب لك الاستغناء عن أي استعدادات شيئا رائعا؛ لأنهم جميعا- ممثلات ومُمثلون- جيدون؛ ففي بعض الأحيان تكون المُفاجأة الصغيرة مُفيدة لهم"[45]، أي أنه يؤكد على طريقته في العمل التي تفيد بأنه لا يقيد نفسه بسيناريو مُعد سلفا ومُنته.


 يوضح لنا وونج هذا الأمر بشكل جلي حينما يسأله المحاور الصيني هان أونج Han Ong في مجلة "بومب" أثناء حديثهما عن فيلمه Chungking Express 1994م: "هل تمت كتابة السيناريو أم أنه كُتب قبل بدء الإنتاج؟ ليرد واي: بصفتي كاتبا؛ لدي، دائما، بعض القصص القصيرة في ذهني، والتي لم تتطور بعد إلى سيناريو، وقد اخترت ثلاث قصص وقلت، حسنا، لنبدأ التصوير، كنت أكتب في النهار، ونبدأ التصوير في الليل، كما كنا نقوم بالتصوير بترتيب زمني! هنا يسأله المحاور: إذن، لقد كتبت الفيلم أثناء تقدمك ولم تتلاعب به، أو تتخطاه وتُقرر لاحقا، في غرفة المُونتاج، أن هذا هو الترتيب الصحيح، كنت تعرف بالفعل؟ ليقول وونج: لم أكن أعرف ماذا سيحدث غدا، لكني كنت أعرف ما حدث اليوم، بعدما أنهيت يوما من التصوير عرفت ما سيحدث بعد ذلك، كنا نتقدم خطوة بخطوة، ولأنني استمتعت كثيرا بصناعة الجزء الأول، فقد صنعت الفيلم لفترة طويلة جدا؛ لذلك تخطيت القصة الثالثة منه"[46].

هذه القصة الثالثة من الفيلم- التي ذكرها وونج كار- هي القصة التي تشكلت في ذهنه ولم يتناسها أبدا بعد الانتهاء من هذا الفيلم، ورغم أنه قد أنهى بعد هذا الفيلم فيلمه Ashes of Time رماد الوقت 1994م الذي كان قد ترك العمل فيه من أجل البدء في Chungking Express ثم العودة إليه فيما بعد من أجل استكماله، إلا أنه بعد الانتهاء من رماد الوقت عاد إلى هذه القصة التي لا تفتأ تسيطر على ذهنه مُتملكة إياه، والتي كان قد تخطاها في فيلمه Chungking Express ليبدأ في صناعة فيلمه Fallen Angels الملائكة الساقطة 1995م ويكون سيناريو الفيلم هو قصته الثالثة التي لم يشأ الحديث عنها، أو تصويرها في فيلمه السابق، وهو ما يؤكده كار واي دائما حينما يصرّح بأن فيلم الملائكة الساقطة هو الجزء الثاني، أو الوجه الآخر من فيلم Chungking Express[47]، ولنتأمل حواره مع هان أونج Han Ong حينما يقول له المحاور: "القصة الثالثة أصبحت Fallen Angels الملائكة الساقطة. من بين جميع أفلامك المُفضلة فيلم Chungking Express. ما يبقى في ذهني هو جودته الرومانسية، التعليق الصوتي للبطل في بداية الفيلم عندما يصطدم ببرجيت لين Brigitte Lin[48] في السوق ويقول: كنت قريبا جدا من المرأة التي كنت سأقع في حبها لمُدة 24 ساعة في وقت لاحق، سوف يُترجم هذا القرب المادي فيما بعد إلى تقارب عاطفي، كانت غزارة تلك الرومانسية، من دون أن تكون مُبتذلا، مثل أغنية بوب جيدة جدا"، هنا يرد عليه واي: لكن بالنسبة لي هو صيني جدا، في اللغة الصينية، هناك مُصطلح تصعب ترجمته إلى الإنجليزية، وهو شيء مثل "الفرص"، هذا يعني: لماذا أجلس هنا أجري هذه المُقابلة معك بدلا من شخص آخر؟ لماذا نلتقي هنا؟ هذا يتعلق بالفرص، وأعتقد أن كل أفلامي تدور حول الفرص"، يستمر المحاور بقوله: "ما كنت أشير إليه هو الطبيعة الرومانسية للغاية، ليس فقط أنها مُجرد مُصادفة، لقاء وليس لقاء، هو جزء من العيش في مدينة كبيرة، ولكن التناول الذي رأيته كان بالنسبة لي غير نمطي للغاية بالقياس إلى مُعظم أفلام هونج كونج التي تُعالج الرومانسية بطريقة مُضحكة. أنا أرتجف من مُشاهدتها، لكن بطريقة ما في فيلمك شعرت بنفس مُنفتحة، لم يكن الأمر مُحرجا، في الواقع، بعيدا عن ذلك، لقد كان أغنية بوب رائعة مع لازمة بقيت في ذهني، وفي حين أن Chungking Express كان مُشمسا، ومليئا بألوان النهار الساطعة والجميلة، فإن الملائكة الساقطة Fallen Angles يدور حول النيون والليل"، ليرد عليه وونج مُؤكدا ما ذهبنا إليه مُنذ قليل: "أنت مُحق، لأنه بالنسبة لي فيلم Chungking Express والملائكة الساقطة Fallen Angles هما في حقيقتهما فيلم واحد يجب أن يكون مُدته ثلاث ساعات. أعتقد دائما أنه يجب النظر إلى هذين الفيلمين معا على أنهما فاتورة مزدوجة. في الواقع، سألني الناس خلال مُقابلة عن Chungking Express: لقد صنعت هاتين القصتين اللتين لا تربطهما علاقة على الإطلاق ببعضهما البعض، كيف يمكن ربطهما؟ وقلت: الشخصيات الرئيسية في Chungking Express ليست فاي وانج Faye Wang[49]، أو تاكيشي كانيشيرو Takeshi Kaneshiro[50]، ولكن المدينة نفسها، ليل ونهار هونج كونج، إن Chungking Express والملائكة الساقطة Fallen Angles معا هما سطوع وظلام هونج كونج. أرى الأفلام على أنها قابلة للانعكاس. يمكن أن تكون شخصية فاي وانج هي شخصية تاكيشي في الملائكة الساقطة؛ وبرجيت لين Brigitte Lin في Chungking Express يمكن أن تكون ليون لاي Leon Lai[51] في الملائكة الساقطة. جميع شخصياتهم قابلة للانعكاس. أيضا في Chungking Express كنا نصور من مسافة طويلة جدا بعدسات طويلة، لكن الشخصيات تبدو قريبة منا"، هنا يعود المحاور لسؤاله: هل يفسر ذلك النضارة والألفة التي تفاعل بها المُمثلون مع بعضهم البعض؟" ليرد واي: "نعم فعلا، وفي الملائكة الساقطة تم تصوير الشخصيات بزاوية واسعة للغاية، الكاميرا قريبة جدا من المُمثلين، لكنهم يبدون بعيدين، الغرض من الكاميرات في كلا الفيلمين هو أنها تُشبه كاميرات المدينة"، فيسأله هان أونج: مثل المُراقبة؟ ليرد وونج: "نعم، هم دائما هناك يراقبون سلوك الناس، في الواقع، هم الشخصيات الرئيسية الأخرى في الفيلم، الغرض هو نفسه، لكننا نستخدم طرقا مُختلفة: Chungking Express بعيد جدا، لكنه قريب الآن، والملائكة الساقطة قريب جدا لكنه بعيد"[52].


ربما حرصنا على هذا الاقتباس الطويل من الحوار الذي أجراه هان أونج مع المُخرج للتأكيد وتوضيح أنه رغم عدم اعتماده على سيناريو جاهز من أجل تصوير أفلامه التي يبدأ فيها، إلا أن قصص الأفلام تكون مُكتملة في ذهنه، واضحة تماما، جلية جلاء مُبهرا- ربما يكون عدم اعتماده على السيناريو هو السبب في عدم اكتمال القصص في عالمه السينمائي، فضلا عن أنه لا تعنيه بدايات قصصه أو نهاياتها بقدر اهتمامه بتأمل مقطع عرضي من الحياة فقط- حتى أنه إذا ما تم تفويت جزء من القصة، أو أحدها في أحد أفلامه، فإنها تظل تدق على ذهنه لفترة طويلة راغبة في الخروج لنا في شكل فيلم سينمائي جديد؛ فيبدأ المُخرج في استكمال ما كان قد استغنى عنه في الفيلم السابق؛ كي يستكمل العالم الفيلمي كما يبدو له في ذهنه، وهو الأمر الذي جعله يُصرّ على صناعة فيلم الملائكة الساقطة Fallen Angles بعد الانتهاء من فيلم Ashes of Time رماد الوقت، لأن القصة الثالثة التي حاول الاستغناء عنها- أو الوجه الآخر لفيلم Chungking Express- كان لا بد له من الاكتمال؛ ومن ثم لم يستطع تناسيه- بما أنه يرى أن جميع أفلامه التي قام بصناعتها إنما هي فيلم واحد له أوجه مُختلفة، أو سلسلة من الحلقات التي تدور كلها في عالم واحد.


لم تقتصر أسلوبية وونج كار واي، في صناعة السينما، على ما نراه أمامنا على الشاشة فقط من مُميزات اختص بها المُخرج وحده، مُختلفا في ذلك عن غيره من صُناع السينما، سواء في العالم الفيلمي الذي يدور فيه دائما- عالم الفقد، والخيانة، والتوق، والذاكرة، والاحتياج، والشوق، والعذاب، والحرمان، والخوف من مرور الوقت وأثره، والشعور بالضآلة في المُدن الكبرى- أو طريقته الخاصة في التصوير والإضاءة، واستخدام المُوسيقى التصويرية- الأسلوبية الشعرية- لا سيما طريقته الأثيرة في التصوير حيث تظهر الشخصيات، أحيانا، بحركة بطيئة Slow Motion يتم فيها تسريع كل من حولهم في حالة أشبه بالضبابية بالشكل الذي لا يمكن تمييزها فيه، خليط فوضوي من الأجساد يختفي بسرعة في الليل، بل تعدى الأمر ذلك إلى أنه المُخرج الذي يستهلك الكثير جدا من الوقت لحين الانتهاء من صناعة فيلمه- ربما يكون في ذلك ما يفسر قلة عدد الأفلام التي قام بإخراجها، والتي بلغت عشرة أفلام فقط- أي أنه من أكثر المُخرجين في العالم الذين يمضون أوقاتا طويلة لتصوير أفلامهم، هذا الوقت قد يستمر لسنوات طويلة؛ الأمر الذي يكلف المُنتج أموالا طائلة لحين الانتهاء من تصوير الفيلم، ومُونتاجه كي يكون جاهزا للعرض الجماهيري- ربما يعود السبب في ذلك إلى رغبة المُخرج في الوصول بفيلمه إلى الكمال، كما لا يفوتنا أن أفلام وونج هي أفلام، في جوهرها، تعمل على تأمل العلاقات الإنسانية واشتباكها وتعقدها، وغرائبيتها، ولعل هذه الرغبة في الوصول بالعمل الفني إلى الكمال هي ما دفعت المُخرج إلى إعادة العمل على العديد من أفلامه السينمائية رغم مرور الكثير من السنوات على عرضها الجماهيري، والإضافة إليها أو الحذف منها، أو حتى تغيير درجات الألوان، وهو ما سنعود إليه.

 

 محمود الغيطاني

مجلة نقد "21"

عدد يونيو 2024م



[1] قدم المُخرج عشرة أفلام روائية طويلة مُنذ بداية رحلته في الإخراج السينمائي مع فيلمه الروائي الأول As Tears Go By عام 1988م (كما تذهب الدموع)، وهي الرحلة التي توقفت، حتى الآن، مع فيلمه The Grandmaster 2013م (المُعلم الكبير)، وهو الفيلم الذي تناول فيه حياة أبو فنون أداء الكونغ Ip Man فو، يب مان، الذي كان أستاذا لبروس لي Bruce Lee.

[2]  للمزيد انظر مقال A cinema of intimacy: The enduring beauty of Wong Kar Wai سينما من الحميمية: الجمال الدائم لوونج كار واي للناقد الكندي Thomas Moran توماس موران/ مجلة theconversation.com/ 22 أكتوبر 2021م. والناقد هو طالب دكتوراه في جامعة Monash موناش، ويكتب حاليا عن الموت الرقمي للسينما وانبعاثها، وكانت رسالة الماجستير الخاصة به بعنوان Surreal Realist Cinema السينما الواقعية السيريالية.

[3]  Norah Jones نورا جونز، هي مُغنية أمريكية، ومُؤلفة أغانٍ، وعازفة بيانو، وُلدت في 30 مارس 1979م، وفازت بالعديد من الجوائز، وباعت ألبوماتها أكثر من 50 مليون نسخة في جميع أنحاء العالم، وقد أطلقت عليها مجلة Billboard بيلبورد لقب أفضل فنانة Jazz جاز في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كما فازت بتسع جوائز Grammy جرامي، واحتلت المرتبة الـ60 في مُخطط مجلة Billboard للعقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

[4]  انظر المقال الذي كتبته Ann Lee آن لي بعنوان: In the mood for Loneliness and Longing: How Wong Kar Wai depicts emotion في مزاج للوحدة والشوق: كيف يصور وونج كار واي العاطفة/ موقع bfi.org.uk/ بتاريخ 2 فبراير 2021م.

[5]  كانت هونج كونج هي المدينة المثال في جميع أفلام المُخرج التي بلغت عشرة أفلام، ولم يُخالف ذلك سوى في ثلاثة أفلام فقط من أفلامه: Ashes of Time رماد الوقت 1994م، وإن كانت أحداثه تدور في الصين في القرن الخامس عشر، وHappy Together سعداء معا 1997م، حيث دارت أحداث الفيلم في الأرجنتين، خاصة في العاصمة الأرجنتينية بيونس إيرس، وإن كانت هونج كونج مذكورة على طول أحداث الفيلم حيث يتوق بطلا الفيلم للعودة إليها، أي أن بيونس إيرس كانت بمثابة المدينة المُقابلة لهونج كونج، وفيلمه My Blueberry Nights ليالي التوت 2007م، حيث دارت أحداثه بالكامل في أمريكا، بل وكان الفيلم هو فيلمه الوحيد باللغة الإنجليزية أيضا.

[6]  للمزيد انظر المقال الذي كتبته Anika Kaul أنيكا كول بعنوان: Unhappy Together: Wong Kar- Wai and the Melancholia of Romance غير سُعداء معا: وونج كار واي وكآبة الرومانسية/ موقع varsity.co.uk/ بتاريخ الجمعة 12 فبراير 2021م.

[7]  للمزيد انظر المُقابلة التي كتبها James Mottram جيمس موترام بعنوان Wong Kar- Wai interview: the revered film director on returning to his first love- Kung fu مقابلة وونج كار واي: مُخرج الفيلم المُثير للإعجاب عن العودة إلى حبه الأول- الكونغ فو/ موقع: independent.co.uk/ بتاريخ السبت 6 ديسمبر 2014م.

[8]  انظر المصدر السابق/ مصدر سبق ذكره.

[9]  للمزيد انظر الحوار الذي أجرته معه الكاتبة والصحفية الفرنسية ليزا بيار Liza Béar بعنوان Wong Kar- Wai by liza Béar/ مجلة بومب bombmagazine.org/ بتاريخ 1 إبريل 2001م.

[10]  انظر الحوار الذي أجراه هان أونج Han Ong مع المُخرج بعنوان Wong kar- Wai وونج كار واي/ مجلة bombmagazine.org/ بتاريخ 1 يناير 1998م. وهان أونج هو كاتب سيناريو ترك المدرسة الثانوية، وتحول إلى كاتب مسرحي، وحصل على زمالة ماك آرثر Genius عام 1997م، وُلد هان أونج وتلقى تعليمه في مانيلا، وهو مُؤلف أول سيناريو له بعنوان Cantonese Pop Star نجمة البوب الكانتونية، الذي سيخرجه عام 1998م.

[11]  انظر المقال المكتوب بعنوان Wong Kar- Wai Will Direct Blossome وونج كار واي سيخرج براعم/ موقع wongkarwai.net بتاريخ 19 فبراير 2015م. وهو الموقع الذي يُعرّف نفسه بأنه موقع مُخصص للأخبار عن مُخرج هونج كونج، وونج كار واي، وأفلامه، والأناناس، وتواريخ انتهاء الصلاحية.

[12]  انظر المقال الذي كتبته Ann Lee آن لي بعنوان: In the mood for Loneliness and Longing: How Wong Kar Wai depicts emotion في مزاج للوحدة والشوق: كيف يصور وونج كار واي العاطفة/ موقع bfi.org.uk/ بتاريخ 2 فبراير 2021م.

[13]  فيلم صيني من إنتاج عام 1986م للمُخرج والسيناريست والمُنتج الصيني John Woo جون وو.

[14]  انظر المقال المكتوب بعنوان Wong Kar- Wai Will Direct Blossome وونج كار واي سيخرج براعم/ موقع wongkarwai.net بتاريخ 19 فبراير 2015م. وهو الموقع الذي يُعرّف نفسه بأنه موقع مُخصص للأخبار عن مُخرج هونج كونج، وونج كار واي، وأفلامه، والأناناس، وتواريخ انتهاء الصلاحية/ مصدر سبق ذكره.

[15]  أنيا كورديكي هي من عشاق السينما، وُلدت في Nottingham نوتنجهام، ومُسافرة شغوفة تعتبر التعرف على الثقافات والحيوات المُختلفة أمرا مُهما للغاية، وتعتقد أن هناك الكثير مما يمكن اكتشافه في القصص والأفلام أكثر مما يتم إدراكه- في كثير من الأحيان- في الواقع. على مدى السنوات القليلة الماضية، كانت تعمل كمُخرجة أفلام في أفلام مُستقلة مُنذ حصولها على شهادتها في الرسوم المُتحركة. وقد ساعدت في ثلاثة أفلام قصيرة، وأخذت عدة دورات قصيرة، كما أنشأت مجموعات مُختلفة لمجموعات من الهواة المسرحية، وتأمل في مواصلة العمل في السينما.

[16]  انظر مقال The Visual Dramas of Wong Kar- Wai الدراما المرئية لوونج كار واي للمُخرجة والكاتبة الإنجليزية Anya Kordecki آنيا كورديكي/ موقع: theculturetrip.com/ بتاريخ 5 نوفمبر 2016م.

[17] Liza Béar ليزا بيار هي مُحررة فرنسية مُساهمة في مجلة Bomb بومب، ظهرت مقالاتها مُؤخرا في Boston Globe، وSalon.com، وTime Out New York، وكانت في مهمة في سراييفو وهافانا تحمل اسم: ما وراء الإطار: حوارات مع صانعي الأفلام، حيث أجرت مجموعة من المُقابلات مع 55 من صانعي الأفلام في 23 دولة.

[18]  Maggie Cheung ماجي تشيونج هي مُمثلة صينية من مواليد 20 سبتمبر 1964م، وهي من هونج كونج، كما نشأت في هونج كونج وبريطانيا، وبدأت حياتها المهنية بعدما احتلت المركز الثاني في مُسابقة ملكة جمال هونج كونج عام 1983م. وقد حققت نجاحا كبيرا في أواخر الثمانينيات، وحتى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين قبل أن تأخذ استراحة من التمثيل بعد دورها الأخير في البطولة عام 2004م، ونادرا ما تظهر علنا باستثناء أحداث الموضة، وحفلات توزيع الجوائز، وقد عملت مع المُخرج وونج كار واي في خمسة من أفلامه هي: As Tears Go By 1988م، وDays of Being Wild 1990م، وAshes of Time 1994م، وIn the Mood for Love 2000م، و2046 عام 2004م.

[19]  للمزيد انظر الحوار الذي أجرته معه الصحفية Liza Béar ليزا بيير بعنوان: Wong Kar- Wai by Liza Béar/ مجلة بومب bombmagazine.org/ بتاريخ 1 إبريل 2001م.

[20]  Tsui Hark تسوي هارك، هو مُخرج صيني من مواليد هونج كونج، وهو مُنتج، وكاتب سيناريو أيضا من مواليد 15 فبراير 1950م، وقد أخرج العديد من الأفلام المُؤثرة في هونج كونج مثل Zu: Warriors from the Magic Mountain المُحاربون من الجبل السحري 1983م، وسلسلة أفلام Once Upon a Time in China حدث ذات مرة في الصين المُنتجة في الفترة من 1991م حتى 1997م، وفيلم The Blade النصل 1995م، ويُنظر إليه باعتباره شخصية رئيسية في العصر الذهبي لسينما هونج كونج، ويعتبره النقاد أحد أساتذة التصوير السينمائي الآسيوي.

[21]  Ann Hui On- wah آن هوي أون واه، هي مُخرجة، ومُنتجة، وكاتبة سيناريو، ومُمثلة من هونج كونج، من مواليد 23 مايو 1947م، وهي واحدة من أكثر صانعي الأفلام شهرة في هونج كونج، ومعروفة بأفلامها حول القضايا الاجتماعية، وتغطي أعمالها السينمائية فئات مُختلفة بما في ذلك التكيف الأدبي، وفنون الدفاع عن النفس، والأعمال شبه الذاتية، وقضايا المرأة، والظواهر الاجتماعية، والتغيرات السياسية، وأفلام الإثارة، وقد عملت كرئيس لنقابة المُخرجين السينمائيين في هونج كونج من عام 2004م حتى 2006م.

[22]  لا بد من مُلاحظة تناقض الكاتب هنا فيما ذهب إليه؛ فوونج كار واي لم يكن من رواد الموجة الأولى الجديدة في صناعة السينما في هونج كونج، بل كان من رواد الموجة الثانية، كما أنه لم يبدأ في الإخراج إلا في عام 1988م مع فيلمه الأول As Tears Go By كما تذهب الدموع، فضلا عن أنه تتلمذ وتأثر بالمُخرج الصيني Patrick Tam باتريك تام الذي كان من رواد الموجة الأولى، ولا يفوتنا أن الفيلمين اللذين ذكرهما المقال لوونج كار واي كانا من إنتاجه هو، وليس من إنتاج غيره، أي أنه لم يتم تمويله، ولم يكن في حاجة إلى مُغازلة الأنواع التقليدية.

[23]  Stanley Kwan ستانلي كوان، هو مُخرج ومُنتج أفلام من هونج كونج، من مواليد 9 أكتوبر 1957م.

[24]  Mabel Cheung مابل تشيونج مُخرجة أفلام من هونج كونج، من مواليد 17 نوفمبر 1950م، وهي واحدة من المُخرجات البارزات في سينما هونج كونج، انتُخبت كملكة للطالبات عندما كانت تدرس في جامعة هونج كونج، كما كانت رياضية، وتشتهر بالعمل على قضايا الهجرة من هونج كونج، والصينيين المُغتربين، لا سيما قبل تسليم هونج كونج عام 1997م.

[25]  Peter Ho- sun Chan بيتر هو سون تشان، هو مُخرج ومُنتج سينمائي من هونج كونج، من مواليد 28 نوفمبر 1962م.

[26]  Fruit Chan Gor فروت تشان جور، هو كاتب سيناريو، وصانع أفلام، ومُنتج في الموجة الثانية لهونج كونج، اشتهر بأسلوبه السينمائي الذي يعكس الحياة اليومية لأهالي هونج كونج، كما يشتهر باستخدام مُمثلين هواة مثل Sam Lee سام لي في فيلمه Made in Hong Kong صنع في هونج كونج 1997م، وWong Yau- Nam وونج ياو نام في فيلم Hollywood Hong Kong هوليوود هونج كونج 2001م، وقد بات اسما مألوفا بعد نجاح فيلمه صُنع في هونج كونج الذي نال عليه العديد من الجوائز المحلية والدولية.

[27]  Tammy Cheung تامي تشيونج، هي مُخرجة أفلام وثائقية من هونج كونج، وُلدت في شنغهاي/ الصين، وانتقلت عائلتها إلى هونج كونج، وذهبت لاحقا إلى مونتريال، كيبيك، كندا لدراسة السينما في جامعة Concordia كونكورديا في مُنتصف الثمانينيات. في عام 1990م قدمت أول فيلم وثائقي لها بعنوان Invisible Women نساء غير مرئيات، حيث تابعت حياة ثلاث نساء هنديات في هونج كونج، وهي مُعجبة بأسلوب المُخرج Frederick Wiseman فريدريك وايزمان، وتستخدم أسلوب السينما المُباشرة في أفلامها. في عام 2004م أسست مع مجموعة تشبهها في التفكير في مجالات السينما والثقافة والتعليم شركة Visible Record التي توزع وتروج للأفلام الوثائقية في هونج كونج. وتستضيف المُنظمة غير الربحية أيضا مهرجان الأفلام الوثائقية الصيني السنوي. وفي العقد الماضي اعتبرت أحد أكثر صانعي الأفلام الوثائقية احتراما في هونج كونج.

[28]  Alex Law Kai- Yui أليكس لاو كاي يوي، هو مُخرج سينمائي وكاتب سيناريو، ومُنتج من هونج كونج.

[29]  للمزيد انظر المقال المكتوب بعنوان: Hong Kong New Wave موجة هونج كونج الجديدة/ موقع movementsinfilm.com/ بتاريخ 21 إبريل 2019م/ من دون ذكر اسم الكاتب.

[30]  Patrick Tam باتريك تام هو مُخرج وسيناريت صيني، وُلد في 25 مارس 1948م، يُعرف بأنه الشخصية الأساسية لموجة هونج كونج الجديدة السينمائية، وهو مُعلم وونج كار واي الأول، وتُحظى أعمال تام السينمائية بإشادة كبيرة كجزء من الموجة الجديدة من المُخرجين السينمائيين في هونج كونج في أواخر السبعينيات والثمانينيات، وقد كتب عنه الناقد السينمائي الصيني بيري لام Perry Lam في مجلة Muse: يمكن أن تثير الانحرافات غير المتوقعة، والتغييرات السريعة في المشهد لدى تام منطق الحلم، لكن صوته وصوره دائما ما تكونا حادتين ومُميزتين، ويعمل تام حاليا كأستاذ مُشارك في كلية الإعلام الإبداعي بجامعة مدينة هونج كونج.

[31]  Juan Manuel Puig Delledonne خوان مانويل بويج ديليدون، روائي أرجنتيني وُلد في 28 ديسمبر من عام 1932م، وتوفي في 22 يوليو 1990م.

[32]  انظر المقال الذي كتبه Erik Gregersen إريك جريجرسن بعنوان Wong Kar- wai: Chinese director/ موقع بريتانيكا Britannica.com/ من دون تاريخ.والكاتب هو مُحرر في Encyclopaedia Britannica، ومُتخصص في العلوم الفيزيائية والتكنولوجيا. وقبل انضمامه إلى بريتانيكا عام 2007م عمل في مطبعة جامعة شيكاغو في مجلة الفيزياء الفلكية، وقبل ذلك عمل في جامعة ماكماستر في مشروع القمر الصناعي لعلم الفلك الراديوي ODIN.

[33]  يقصد فيلمه In The Mood for Love في مزاج للحب عام 2000م.

[34]  Nathaniel Adams Coles ناثانيال آدامز كولز المعروف باسم Nat King Cole، كان مُغنيا وعازف بيانو، ومُمثلا أمريكيا، وسجل أكثر من 100 أغنية أصبحت ناجحة في قوائم البوب. ومثل كول أيضا في الأفلام والتليفزيون، كما أدى في برودواي Broadway، وكان أول رجل أمريكي من أصل إفريقي يحل ضيفا على مسلسل تليفزيوني أمريكي، كما كان والد المُغنية وكاتبة الأغاني ناتالي كول Natalie Cole.

[35]  انظر الحوار الذي أجرته Liza Béar ليز بيار بعنوان Wong Kar- wai by Lize Béar/ موقع مجلة بومب bombmagazine.org/ بتاريخ 1 إبريل 2001م.

[36]  انظر المقال الذي كتبته Ann Lee آن لي بعنوان: In the mood for Loneliness and Longing: How Wong Kar Wai depicts emotion في مزاج للوحدة والشوق: كيف يصور وونج كار واي العاطفة/ موقع bfi.org.uk/ بتاريخ 2 فبراير 2021م.

[37]  Jeffery Lau Chun- Wai جيفري لاو تشون واي، هو مُخرج، وكاتب سيناريو، ومُمثل، ومُنتج في هونج كونج، من مواليد 4 فبراير 1955م، اشتهر بكتابة وإخراج الكوميديا، ومن أعماله A Chinese Odyssey الأوديسة الصينية عام 2002م الذي تم التصويت عليه كأفضل فيلم لعام 2002م من قبل جمعية نقاد السينما في هونج كونج.

[38]  آخر سيناريو لفيلم روائي طويل كتبه وونج لغيره كان سيناريو فيلم See You Tomorrow أراك غدا، للمُخرج والكاتب الصيني Zhang Jiajia تشانج جياجيا.

[39]  هذه السيناريوهات هي: In the Mood for Love في مزاج للحب 2001م، وThe Hand اليد 2004م، وI Travelled 9000 Km to Give It to You سافرت 9000 كيلومتر لأعطيها لك 2007م.

[40]  للمزيد انظر المقال المكتوب بعنوان: Wong Kar- wai: An American Cinematheque Retrospective وونج كار واي: استرجاع سينمائي أمريكي/ على موقع americancinematheque.com/ بتاريخ 5 سبتمبر 2021م.

[41]  انظر المقال الذي كتبته Ann Lee آن لي بعنوان: In the mood for Loneliness and Longing: How Wong Kar Wai depicts emotion في مزاج للوحدة والشوق: كيف يصور وونج كار واي العاطفة/ موقع bfi.org.uk/ بتاريخ 2 فبراير 2021م.

[42]  Quentin Jerome Tarantino كوينتين جيروم تارانتينو، هو مُخرج أفلام أمريكي، وكاتب سيناريو، ومُنتج، ومُؤلف، وناقد سينمائي، ومُمثل، من مواليد 27 مارس 1963م، تتميز أفلامه بقصص غير خطية، وروح الدعابة السوداء، والعنف المُنمق، والحوار المُمتد، والإشارات إلى الثقافة الشعبية، والتاريخ البديل.

[43]  انظر المقال الذي كتبه الصحفي جيمس موترام James Mottram بعنوان Wong Kar- Wai interview: the revered film director on returning to his first Love- Kung fu مُقابلة وونج كار واي: مُخرج الفيلم المُثير للإعجاب عن العودة إلى حبه الأول- الكونغ فو/ موقع independent.co.uk/ بتاريخ السبت 6 ديسمبر 2014م.

[44]  للمزيد انظر مقال The Visual Dramas of Wong Kar- wai الدراما المرئية لوونج كار واي/ للكاتبة والمُخرجة الإنجليزية Anya Kordecki آنيا كورديكي/ على موقع theculturetrip.com/ بتاريخ 5 نوفمبر 2016م.

[45]  للمزيد انظر المقال الذي كتبه Jason Sanders جايسون ساندرز بعنوان: Wong Kar- Wai on Screenwriting Patience and His Next Feature, Blossoms وونج كار واي عن كتابة السيناريو والصبر وعمله القادم، بلوسومز "براعم"/ مجلة filmmakermagazine.com/ بتاريخ 1 مايو 2019م.

[46]  انظر الحوار الذي أجراه هان أونج Han Ong مع المُخرج بعنوان Wong Kar- wai by Han Ong/ موقع مجلة بومب bombmagazine.org/ بتاريخ 1 يناير 1998م.

[47]  صنع المُخرج ثلاثيته الفيلمية Days of Being Wild أيام الجموح 1990م، وIn the Mood For Love في مزاج للحُب 2000م، و2046 عام 2004م، إلا أنه بتصريحاته الصحفية يؤكد بأنه قد صنع فيلمين آخرين هما جزآن مُكملان لبعضهما البعض، أو بمثابة الفيلم ووجهه الآخر، أو انعكاسه في المرآة هما: Chungking Express عام 1994م، وفيلم Fallen Angels الملائكة الساقطة 1995م.

[48]  Brigitte Lin Ching- hsia بيرجيت لين تشينج هسيا، هي مُمثلة تايوانية من مواليد 3 نوفمبر 1954م، تعتبر أيقونة للسينما الصينية لأدوارها الواسعة والمتنوعة في كل من الأفلام التايوانية، وهونج كونج.

[49]  Faye Wang فاي وانج هي مُغنية، وكاتبة أغاني، ومُمثلة من هونج كونج، من مواليد 8 أغسطس 1969م، وغالبا ما يُشار إليها باسم "مُغنية آسيا". في وقت مُبكر من حياتها المهنية استخدمت لفترة وجيزة اسم المرحلة Shirley Wong شيرلي وونج. وُلدت في بكين، وانتقلت إلى هونج كونج البريطانية في عام 1987م، ولفتت انتباه الجمهور في أوائل التسعينيات من خلال الغناء باللغة الكانتونية، وغالبا ما تجمع بين المُوسيقى البديلة والبوب الصيني السائد، مُنذ عام 1994م قامت بالتسجيل، في الغالب، بلغتها الأصلية الماندرين، وفي عام 2000م تم إدراجها في موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأفضل أنثى كانتو بوب Canto- Pop مبيعا، وانسحبت من الأضواء بعد زواجها الثاني عام 2005م، لكنها عادت إلى المسرح في عام 2010م. وقد اشتركت بالتمثيل مع وونج كار واي في فيلميه Chungking Express عام 1994م، و2046 عام 2004م.

[50]  Takeshi Kaneshiro تاكيشي كانيشيرو هو مُمثل ومُغنٍ ياباني من مواليد 11 أكتوبر 1973م، بدأ حياته المهنية في سن المُراهقة، ثم حوّل تركيزه نحو صناعة السينما، حيث حقق نجاحا تجاريا وإشادة من النقاد، وعمل مع بعض المُخرجين الأكثر شهرة في شرق آسيا مثل وونج كار واي، وغيره من المُخرجين، وقد اشترك بالتمثيل مع واي فاي في أفلام Chungking Express عام 1994م، وFallen Angels الملائكة الساقطة عام 1995م.

[51]  Leon Lai Ming ليون لاي مينج هو مُمثل هونج كونج، ومُخرج أفلام، ورجل أعمال، ومُغني كانتو بوب، من مواليد 11 ديسمبر 1966م، وقد اشترك بالتمثيل مع وونج كار واي في فيلمه Fallen Angels الملائكة الساقطة عام 1995م.

[52]  انظر الحوار الذي أجراه هان أونج Han Ong بعنوان: Wong Kar- Wai by Han Ong/ مجلة بومب Bombmagazine.org/ 1 يناير 1998م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق