الأحد، 22 سبتمبر 2024

سارق السيارات: حينما تُغازل السينما الغوغاء!

يذكر الناقد علي أبو شادي: "إنه في عام 1986م بلغ عدد الأفلام التي تم عرضها 95 فيلما، وهو أعلى رقم وصلت إليه السينما المصرية في تاريخها، ويمثل ذروة الخط البياني لتزايد سينما المقاولات"[1]، أي أن ما أُطلق عليه توصيف سينما المقاولات، وهو الذي بدأ ظهوره في عام 1984م كاد أن يسود السينما المصرية بالكامل في مدة لم تتعد العامين فقط من تاريخ هذه السينما؛ محاولا في ذلك تنحية أي تيار سينمائي آخر جاد، لا سيما السينما الجادة التي يقدمها مخرجو سينما الواقعية الجديدة وروادها، وغيرهم من صُناع السينما الذين يرون فيها فنا لا بد من الحفاظ عليه والانطلاق به نحو آفاق أرحب وأكثر فنية وجودة!

ربما نُلاحظ أن هذا التيار السينمائي الذي انطلق في السينما المصرية كالطوفان الهادر القادر على إزاحة أي شيء آخر يقف في طريقه، عاملا على تدمير الصناعة بالكامل- رغم أنه لم يستطع فعل ذلك مع سينما الواقعية الجديدة- لم يهتم في موضوعاته التي يقدمها بأي شيء يحمل أي مضمون مُفيد، بل كان حريصا على تقديم الهزل، واللامعني، واللامنطق فقط، وإذا ما حاول بعضهم الادعاء بأنهم يقدمون لنا مضمونا من خلال أفلامهم نرى أنهم لم يقدموا لنا سوى حكايات الاتجار في المُخدرات، والعصابات، وعالم الكباريهات، والراقصات، والفتوات، والسرقات، والانغماس في عوالم الحرفيين، والأسطوات، وأولاد الشوارع ليتبنى الفيلم في النهاية قيمهم، وفكرهم، وجهلهم، وسلوكهم، حتى طريقة كلامهم البذيئة، وكأن هذه السينما حريصة على التكريس لهذه القيم الجديدة التي بدأت تستقر في المُجتمع المصري بعد السياسات المُهترئة التي اتبعها الرئيس الراحل السادات، والانهيارات الاجتماعية، والسياسية، والقيمية، والثقافية التي سادت مُعظم مجالات المُجتمع عاملة على تنحية الطبقة الوسطى بالكامل، والعمل على سحقها لتصعد مكانها طبقة طفيلية جديدة لا يعنيها سوى السرقة والنهب على كل المستويات، بل والتجارة في كل شيء مهما كانت قيمته!

إذن، فلقد وضعت هذه السينما نصب عينيها خطاب القاعدة الكبيرة والجديدة من المُجتمع المصري، وهي قاعدة الغوغاء التي بدأت تسود على كافة الأصعدة في الحياة المصرية، ولعلنا إذا ما رغبنا في تعريف مفهوم كلمة الغوغاء، وحاولنا العودة إلى معناها اللغوي؛ لفهم المفهوم الذي تم من خلاله صناعة هذه الأفلام لعرفنا: الغوغاء: هو صوت الناس السفلة وصياحهم، والغوغاء: هم السفلة والرعاع من الناس؛ لكثرة لغطهم وصياحهم، والغوغاء في السياسة: هو السياسي الذي يتملق الجماهير؛ لكسب ودهم! أي أن سينما المقاولات عملت منذ بدايتها على مُخاطبة الرعاع من الناس الذين ظهروا في هذه الفترة الصعبة من التاريخ المصري السياسي، والثقافي، والاجتماعي، والفني؛ بسبب ما ساد المُجتمع من فوضى لم تحدث فيه من قبل نتيجة السياسات الحكومية المُضطربة والتي أدت لانهيار المُجتمع المصري انهيارا شاملا وحقيقيا.

في هذا العام قدم المُخرج عدلي خليل فيلمه "سارق السيارات"، وهو الفيلم الذي يعمل على التكريس والتقعيد لمثل هذه القيم الهابطة في المُجتمع المصري، ولا يعنيه سوى خطاب الغوغاء والحديث عن مُجتمع السرقة، والفتوات، والمساجين، والحرفيين وتبني أفكارهم وسلوكياتهم، وقيمهم، أي أن الفيلم حينما تحدث عن هذه الفئات الاجتماعية لم يكن يعنيه تقديم شيئا ذا أهمية عنهم بقدر اهتمامه بتمثل هذه الفئات، والتعاطف معهم، والإعلاء من قيمهم، بل والتعاطف معهم، ومع دوافعهم في الحياة وأسلوب حياتهم!

يبدأ الفيلم في مشاهد ما قبل التيترات Avant Titre باستعراض مجموعة من الأطفال الذين يهربون من الإصلاحية للسرقة، وإلقاء الشرطة القبض عليهم، ثم نرى غيرهم من الأطفال وهم يقومون بسرقة السيارات، كذلك ينتقل المُخرج إلى فتحي- قام بدوره المُمثل حاتم ذو الفقار- يقوم بسرقة إحدى السيارات لتقوم الشرطة بإلقاء القبض عليه. أي أن المُخرج من خلال مشاهده التأسيسية يستعرض لنا عالم السرقة، أو العالم السفلي الذي يرغب في الحديث عنه، ومُلاحقة الشرطة لأبناء هذا العالم فيما يقومون به من جرائم.

هذه المشاهد الأولى من الفيلم تُمثل العالم الرئيس الذي سينبني عليه العالم الفيلمي الذي يرغب المُخرج عدلي خليل في الدخول إليه والحديث عنه.

سُرعان ما تنتقل الكاميرا بعد تيترات البداية إلى فتحي في ورشة ميكانيكا السيارات التي يعمل فيها كميكانيكي يؤدي عمله بإخلاص ومُتعة حقيقية، ويصل إلى الورشة رجال الشرطة الذين يسألون عنه ويقتادونه إلى مُديرية أمن القاهرة؛ بسبب وجود قرار بالقبض على السوابق، والخطرين على المُجتمع واعتقالهم. نُشاهد الرائد سامي- قام بدوره المُمثل شوقي شامخ- يُعنف فتحي في مكتبه، بينما يؤكد له فتحي بأنه قد استقام وترك طريق السرقة منذ زمن بعيد، لكن سامي لا يصدقه ويحاول الاعتداء عليه بالضرب في الحين الذي يدخل فيه المُقدم رفعت- قام بدوره المُمثل حسين الشربيني- لينقذه من بين يدي سامي مُؤكدا له بأن فتحي قد استقام، ولا يمكن له أن يمثل خطرا على الأمن ليتم اعتقاله؛ وبالتالي يوقع قرار الإفراج عنه ويرفض الأمر باعتقاله؛ لأنه هو من تبناه منذ صغره حينما كان في الإصلاحية، ووفر له العمل الشريف، وهيأه للاستقامة التي ظل عليها حتى اليوم.

نُلاحظ أن المُقدم رفعت- الذي يُعد رسالته للماجستير- يوقن تماما بأن المُجرم لم يولد مُجرما، بل هناك العديد من الظروف التي دفعته إلى مثل هذا الطريق، ولو كان قد توفرت له السُبل ليكون إنسانا شريفا لما اتخذ من الإجرام سبيلا في حياته، وأن الإنسان لم يولد شريرا، بل هناك من الظروف التي أحاطته ودفعته إلى ذلك، يتأكد لنا ذلك في قوله للرائد سامي: شوف يا سامي، مفيش إنسان بيتولد شرير أو مُجرم، والانحراف زي أي مرض مُمكن يتعالج، ولما المريض يُشفى بيتوب طبيعي، وفتحي خلاص شفي وتاب الحمد لله. أي أنه من رجال الشرطة الذين يعتقدون بأن الإجرام مُجرد عرض بسبب الظروف الاجتماعية التي دفعت بصاحبه إلى ذلك.

يعود فتحي إلى ورشته لاستكمال عمله فيها، ويذهب إليه المُقدم رفعت بسيارته المرسيدس مُخبرا إياه بأن السيارة تتعطل منه كثيرا، وعليه إصلاحها وتسليمها له في بيته في نفس اليوم؛ لأنه لديه العديد من الأمور التي لا بد من قضائها.

يعده فتحي بتسليم السيارة في نفس الليلة بإيصالها إلى بيته، لكنه أثناء الاتجاه إلى بيت المُقدم رفعت بالسيارة تقطع عليه الطريق سيارة أخرى فيها مجموعة من الرجال الذين يحاولون الاعتداء على إحدى السيدات التي يصطحبونها، وسُرعان ما تهرب السيدة منهم؛ لتستقل السيارة التي يقودها فتحي محاولة الاحتماء به، لكن الرجال الذين كانوا يصطحبونها يلاحقونها ويطلبون من فتحي تسليمها لهم؛ فيطلب منهم الانتحاء بسيارتهم أولا في جانب الطريق؛ لأنهم يعطلونه، وحينما يفعلون يسرع فتحي بالهروب بسيارته ويحاول أحدهم التشبث بالسيارة لكنه يقع على جانب الطريق.

يسرع فتحي بالهروب بالفتاة ليسألها عن حكايتها فتخبره بأنها اسمها وردة- قامت بدورها المُمثلة دلال عبد العزيز- قائلة: أنا أبويا مات من زمان أوي، وأمي اتجوزت بعديه، كان دايما جوز أمي يضربني ويعذبني، مكنتش أقدر أفتح بوقي عشان أمي، وبعد كدا أمي عيت أوي، كانت محتاجة لعلاج ومحتاجة لفلوس كتير، بقى يشغلني في الشقق المفروشة، مكنتش بقدر أتكلم عشان علاج أمي، بعد كدا أمي ماتت الله يرحمها، كان هو وداني عند الناس دول، كان عايزني أبيع نفسي ليهم، وبعدين هربت منهم زي ما أنت شايف كدا.

رغم سذاجة الحكاية التي حكتها وردة وابتذالها؛ لا بد لنا كمُشاهدين من تصديقها والتعاطي معها؛ لأن المُخرج يرغب ذلك من خلال السيناريو المكتوب له، ولأن الفيلم لا يمكن له الاستمرار إلا من خلال هذه الحكاية المُبتذلة. تنام وردة من التعب، وحينما تستيقظ يخبرها فتحي قائلا: تصدقي العيال دول تنهم قاطرينا مسافة كبيرة أوي؟

يقول فتحي ذلك رغم أن المُخرج لم يقدم لنا أي مُطاردات، ولا أي تتبع من الآخرين لسيارته، أي أن المُخرج أراد إخبارانا بذلك من خلال قول فتحي فقط كي نصدقه، رغم أنه لم يقدم لنا أي شيء يدل على ذلك من خلال الصورة، لا بالمُطاردة، ولا من خلال رؤيتنا لأي سيارة تتبعهم.

يتجه فتحي بوردة إلى الإسكندرية مُخبرا إياها بأنه سيأخذها إلى مكان آمن حيث صديق عمره شلاطة- قام بدوره المُمثل صبري عبد المنعم- وزوجته سنية ملقاط- قامت بدورها المُمثلة فريدة سيف النصر- وسُرعان ما ينتقل المُخرج بالكاميرا إلى بيت شلاطة الجالس مع زوجته سنية ملقاط يتغازلان ويتناولان الكحول ليطلب منها أن ترقص له، ورغم أن سنية حينما طلب منها زوجها ذلك تقوم بتشغيل المُسجل على المُوسيقى إلا أنه بمُجرد ما يدق الباب سنُلاحظ أن المُوسيقى ستتوقف من تلقاء نفسها بدلا من أن يقوم أحدهما بإيقاف المُسجل.

يدخل فتحي مع وردة مُخبرا إياهما بأنها زوجته وأنهما قد تزوجا قريبا، كما يخبرهما بأنه سيقضي الليلة عندهما وعليه أن يتجه باكرا إلى القاهرة مرة أخرى تاركا وردة عندهما. في الصباح يستيقظ فتحي مُتأخرا ليخبره شلاطة بأنه قد قام بتخليصه من السيارة التي كانت معه وباعها لأحد تجار السيارات المسروقة. يثور فتحي عليه مُخبرا إياه بأنها سيارة المُقدم رفعت الذي وقف إلى جانبه منذ صغره وهيأ له سُبل الحياة الشريفة، ويطلب منها استعادة السيارة بأي شكل. يتجهان بالفعل إلى تاجر السيارات، لكنه يخبرهما بأن السيارة قد تم تقطيعها ليتم بيعها كقطع غيار، وحينما يصر فتحي على استعادة السيارة؛ يقوم رجال التاجر بضربه هو وشلاطة ضربا مُبرحا.

يعود كل منهما إلى البيت مرة أخرى؛ ليؤكد شلاطة لفتحي أنهما لا بد لهما أن يعودا للتعاون مرة أخرى من أجل سرقة السيارات المرسيدس التي كانا يتعاونان فيها قديما. يتردد فتحي مُؤكدا لشلاطة أنه لن يعود إلى طريق الإجرام مرة أخرى، لكن شلاطة يزين له الطريق مُخبرا إياه بأنه ليس أمامه سوى هذه الحياة بعدما فقد سيارة المُقدم رفعت الذي لا بد سيقوم بسجنه بسبب سيارته، كما يخبره بأنه عليه الزواج من وردة والإقامة معه هو وزوجته لبدء العمل في سرقة السيارات كما كانا يفعلان قديما.

يوافق فتحي مُرغما على عرض شلاطة، ويطلب منه الانتقال إلى شقة أخرى غير هذه الشقة التي لا بد أن الشرطة تعرف طريقها فيوافقه صديقه، وينتقلان بالفعل إلى إحدى الشقق الفاخرة.

سنُلاحظ أن الرائد سامي، وزوجة المُقدم رفعت غير قادرين على الاقتناع بوجهة نظره التي ترى أن المُجرم ليس مولودا كمُجرم بالفطرة، وهو موضوع رسالة الماجستير التي يعدها؛ حيث نرى زوجته تقول له: الأشكال اللي زي دي الواحد ميديهاش أمان أبدا، أديك فتحت له بيتك، وفتحت له أبواب الرزق الشرف، وآخرتها خد عربية ثمنها 12 ألف جنيه، ومورناش وشه. فيرد عليها: عايزة توصلي لإيه يا سامية؟ فتقول: هو أنا لسة عاوزة أوصل؟ ما أنا وصلت خلاص، وصلت يا أستاذ للحقيقة اللي مقدرتش توصل لها رغم إنك قضيت عمرك في مُكافحة الجريمة. فيسألها مُندهشا: معنى كدا إنك ضد مبادئي وآرائي اللي أنا مؤمن بيها، وضد أهدافي ومفاهيمي اللي كرست لها حياتي؟! لترد: بكل أسف اتضح لي إن أفكارك دي بعيدة عن الواقع اللي احنا عايشينه!

أي أن المُخرج يرغب في التأكيد على أن المُقدم رفعت صاحب نظرة شديدة المثالية، وأن اللصوص والمُجرمين لا بد أن يتم التعامل معهم بكل قسوة، وعدم رحمة؛ لأنهم مُجرمين بالفطرة، ولا يمكن لهم التخلي عن هذا الشكل الإجرامي الذي يحيون من خلاله!

ينخرط فتحي مع شلاطة في سرقة السيارات المرسيدس في الإسكندرية ويعيشان في رغد من العيش، والكثير من الأموال الوافرة التي توفرها لهم سرقة السيارات، ويُخططان لسرقة السيارات من إحدى القنصليات في الإسكندرية وينجحان في ذلك بالفعل؛ الأمر الذي يجعل وفرة السطو على السيارات يقلق وزارة الداخلية، وحينما يصل الخبر إلى الرائد سامي في مُديرية أمن القاهرة يؤكد للمُقدم رفعت أن من يقوم بمثل هذه السرقات هو فتحي، ولا بد لهما من الذهاب إلى الإسكندرية من أجل القبض عليه، كما يطلب من رفعت توقيع أمر اعتقال فتحي. يقوم رفعت، مُرغما، بتوقيع قرار اعتقال فتحي رغم أنه ما زال واثقا بأن ثمة ظروف، وحلقة ما مفقودة قد أدت به إلى العودة للإجرام مرة أخرى!

تطلب وردة من فتحي التوقف عن السطو على السيارات، وترجوه أن يجد عملا شريفا، أو يعود للعمل كميكانيكي مرة أخرى؛ لأنها تخشى أن تفقده بإلقائه في السجن، كما أن خشيتها قد ازدادت بعدما علمت بأنها حامل بطفلهما. يتردد فتحي في البداية، لكنه يقتنع بالعودة للعمل كميكانيكي مرة أخرى، ويفاتح شلاطة في الأمر. يحاول شلاطة إثناؤه عن قراره، لكنه يصر عليه، بل ويطلب من شلاطة أن يعمل معه في ورشته التي استأجرها، إلا أنه يرفض.

ينتقل كل من فتحي ووردة إلى شقة أخرى، ويبدأ العمل في ورشته مُنتظرا ولادة زوجته بينما يستمر شلاطة وحده في سرقة السيارات رغم أن زوجته/ سنية ملقاط تبدأ بدورها بالتفكير في إقناعه عن العدول عن هذا الطريق والاستقامة من أجل العمل الشريف خوفا عليه، ولرغبتها في الإنجاب بدورها، لكنه يرفض.

يصل كل من المُقدم رفعت والرائد سامي إلى الإسكندرية بعد وضع خطة من أجل القبض على فتحي ومن يتعاون معه- ولسنا ندري ما السبب الذي يجعلهما، وهما يعملان في مديرية أمن القاهرة، يقومان بهذه المهمة رغم وجود مُديرية أمن في الإسكندرية- وبالفعل يذهب الرائد سامي مُتنكرا إلى تاجر السيارات المسروقة لعرض إحدى السيارات عليه، ويوهمه بأنه يعمل مع شلاطة بعد خروجه من السجن؛ وحينما يقتنع التاجر ويوافق على شراء السيارة بمبلغ 500 جنيه يلقي القبض عليه؛ ليدله على مكان شلاطة وبالفعل يقع في يد الشرطة هو وزوجته.

في اليوم الذي تلد فيه وردة طفلها يتجه كل من المُقدم رفعت، والرائد سامي إلى ورشة فتحي بعدما عرفا طريقه من شلاطة ويقبضان عليه بدوره، وفي النيابة يخبره المُقدم رفعت بأن الرجل الذي صدمه بالسيارة لم يمت لكنه أُصيب فقط. رغم أننا لم نر أي شخص صدمه فتحي بالسيارة على مدار الفيلم، لكن لا بد لنا كمُشاهدين تصديق هذه الحكاية التي لم نرها أيضا ما دام المُخرج يرغب في ذلك!

يتم سجن فتحي وشلاطة بينما تنزل كل من وردة وسنية ملقاط إلى الورشة لتساعدان العامل الذي يعمل فيها إلى أن يذهب إليهما المُقدم رفعت ذات يوم بعدما تمت ترقيته وحصوله على رسالة الماجستير، وحينما تسآلانه عن زوجيهما يخبرهما بأنه سيعمل على إخراجهما قبل انتهاء المدة، رغم أنه قد ترك الزوجين في سيارته قريبا من الورشة قبل التوجه إلى الزوجتين ليفاجئهما.

يهبط الزوجان للقاء زوجتيهما وينصرف المُقدم رفعت بينما تحوّم السعادة على الأزواج الأربعة الذين تم جمعهم مرة أخرى، مُقررين التوقف عن مُمارسة السرقة وترك طريق الإجرام!

إن المُشاهد لفيلم "سارق السيارات" للمُخرج عدلي خليل يتأكد له أن سينما المقاولات التي سادت في ثمانينيات القرن الماضي لم يكن يعنيها تقديم أي شيء له علاقة حقيقية بالسينما باعتبارها فنا لا بد من الارتقاء به والتحليق به إلى آفاق أرحب، بل تعامل معها صُناعها باعتبارها مُجرد تجارة، أو الدجاجة التي من المُمكن لها أن تبيض لهم ذهبا؛ لذلك لم يقدموا أي شيء له قيمة، أو أي موضوع من المُمكن لهم مُناقشته بقدر ما اهتموا بتقديم كل ما هو غث ورديء ولا قيمة له، بل والتأكيد على القيم الجديدة التي سادت المُجتمع المصري، وهي قيم الفهلوة، والسرقة، والبلطجة، والإتجار بأي شيء، وكل شيء، كما كان المُمثلون جميعا في هذه الأفلام يدركون جيدا أنهم لا يقدمون أي شيء له علاقة بفن السينما؛ ولعلهم نتيجة يقينهم من ذلك لم يهتموا كثيرا بالأداء التمثيلي لهم، وهو ما رأيناه في جل هذه الأفلام حيث نرى المُمثل يقف أمام الكاميرا ببرود وآلية لتقديم الدور الذي لا بد له من أدائه؛ فبدا لنا أداءهم في نهاية الأمر مُجرد أداء شديد الافتعال لا يمكن له أن يقنعنا؛ نظرا لأنهم أنفسهم غير مُقتنعين بما يقومون به.

لعلنا لاحظنا في هذا الفيلم أنه رغم عدم تقديمه أي شيء ذي قيمة، إلا أنه كان حريصا على مُخاطبة جمهور الرعاع أكثر من غيرهم، والتكريس لهم ولسلوكياتهم؛ كي يروا أنفسهم على الشاشة، ويشعرون بالكثير من المُتعة؛ وهو الأمر الذي لا بد له من إكساب الفيلم المزيد من الجماهيرية، ومن ثم إقبال أكبر عدد من الجمهور عليه، وبذلك يكون صُناع الفيلم قد نجحوا في استقطاب العدد الأكبر من الجمهور بصناعة فيلم عنه رغم رداءته، وهو ما كانت مُعظم أفلام المقاولات تستهدفه في المقام الأول!

 


محمود الغيطاني

 مجلة "نقد 21".

عدد سبتمبر 2024م.

 



[1] انظر كتاب "وقائع السينما المصرية 1895- 2002م" للناقد السينمائي علي أبو شادي/ الكتاب ص 263/ الهيئة المصرية العامة للكتاب/ 2004م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق