الخميس، 10 نوفمبر 2016

الأديب الجزائري عبد الوهاب بن منصور: صورة الأدب الجزائري في الخارج لا تقتصر على أحلام مستغانمي


وجه الأديب الجزائري عبد الوهاب بن منصور انتقادات واسعة إلى الحركة النقدية في الجزائر قائلاً إنها لم تواكب الحركة الإبداعية التي لم يتوقف عطاؤها عند حدود كل من الطاهر وطار ورشيد بوجدرة. كذلك انتقد كلّ من يربط وجود الإبداع الجزائري في الخارج باسمين فقط هما أحلام مستغانمي وواسيني الأعرج، مؤكداً أن الجزائر بلد مليء بالمبدعين. التقته «الجريدة» في هذا الحوار فتحدث عن المشهد الأدبي في الجزائر ومسيرته وأعماله، وكثير من القضايا الأدبية الأخرى.
ولد الروائي الجزائري عبد الوهاب بن منصور في الغرب الجزائري في مدينة "ندرومة" بالقرب من تلمسان على الحدود الجزائرية المغربية، ورغم أنه بعيد كل البعد عن المركز/ العاصمة إلا أنه حقق بكتاباته الإبداعية العديد من النجاحات التي جعلت اسمه مُكرسا في الحركة الأدبية الجزائرية. جدية بن منصور فيما قدمه من أعمال إبداعية جعلته من الأسماء المهمة لاسيما بعدما قدم مجموعته القصصية الأولى "في ضيافة إبليس"، لكنه اشتهر شهرة واسعة حينما كتب روايته الأولى "قضاة الشرف" التي لفتت إليه الأنظار باعتباره روائيا جادا يكتب في منطقة لا يكتب فيها غيره من الروائيين، وهو ما عمل بن منصور على استغلاله وتعميقه في نفس قارئه؛ فكتب روايته الثانية "فصوص التيه" موغلا من خلالها بشكل أكبر في عالم التصوف والتراث، وقد تت ترجمة الروايتين إلى الفرنسية. صدرت منذ أيام روايته الجديدة "الحي السفلي" وكان للجريدة معه هذا الحوار

حاوره: محمود الغيطاني

-        منذ روايتك الأولى "قضاة الشرف" نلاحظ اهتمامك الجم بالسلطة وتجلياتها على الواقع المعيش، سواء كانت هذه السلطة سياسية أم دينية.

في رواية قضاة الشرف والتي كُتبت في عزّ الأزمة الجزائرية 1996م في زمن السؤال المُسيطر حتّى على الجزائرين: من يقتل من في الجزائر؟ كان عليّ أن أنتبه لهذا السؤال. السؤال الذي بُني بين سلطة سياسية قائمة رافضة للانسحاب ولكل تغيير مستندة على شرعيتها التاريخية، وسلطة أخرى تستند على الدين في محاولة لتبني شرعيتها. في تلك السنوات لم يكن من السهل على الإنسان الحرّ والشريف أن يقف منعزلا عن الأحداث مثلما لم يكن من السهل الانخراط مع أحد التيارين، وهو ما ولّد تلك المقولة الخطيرة: إن لم تكن معي فأنت ضدّي. بناء على ذلك كانت "قضاة الشرف" كمسح للتاريخ ومحاولة قراءته من جديد، إذ السلطة تتشكل دينا ولغة وتاريخا وجسدا، وهذه الأشكال هي ما يعيق تحرّر الإنسان.
قضاة الشرف هي محاولة لفهم الواقع الجزائري الجديد (جزائر التسعينييات)، وفهم أسبابه التي أنتجت الفظاعة والكره وكل هذا المقدار من العنف الدموي. فالدم/ صورة ولونا، حاضر في الرواية بشكله المقدس، أين يتجلى في الأعراس والأفراح وفض البكارة، والمدنس، أين يتجلى في عمليات الاغتيال والقتل. فصراع المقدس بالمدنس هو الثيمة الأساسية للرواية، وإن أخذ شكل صراع التاريخ بالحاضر والشباب وبالشيوخ.. في زمن الأزمة كان علي أن أقول، أن أرفض، والأهم أن أنبّه فنشرت قبل هذه الرواية مجموعة قصصية بعنوان: "في ضيافة إبليس" 1994م من باب قول "لا" في مواجهة ما يحدث والتنبيه لخطورة الصراع. صراع صار فيه كل شيء مباح وجائز واختلطت فيه القيم والمفاهيم.

-        رأينا في "قضاة الشرف" أصحاب السلطة الذين يتحدثون باسم التصوف في حين أنهم أبعد ما يكونوا عن هذا الشكل الصوفي. هل كان الأمر مجرد سخرية من مفهوم التصوف أم ممن يمارسونه؟

لا أنكر أني تربيت في عائلة صوفية تُقدس كل ما يتعلق بالتصوف وممارساته اليومية. فالتصوف مبني على عدّة منازل ومراتب. فالسالك أو المريد، كأولى المراتب عند الصوفية، لا إرادة له بتعبير بن عربي، وبالتالي لا حق له في المعارضة والرفض أو حتّى السؤال، إلى أن يبلغ مقاما عليّا يبيح له ما كان ممنوعا عنه. وانطلاقا من هذه القاعدة انتبهت إلى خطر السلطة، كل سلطة، التي تُبنى على إباحة كل ما كان ممنوعا.
فالصوفي حين يبلغ مرتبة الغوث أو القطب تسقط عنه كل العبادات، وهو ما يحدث مع السياسي الذي إذا بلغ مرتبة عليا؛ تسقط عنه كل الأحكام. إن الازدواجية بين الخطاب والفعل هي ما يجمع بين السياسي والديني. لكن وجب التنبيه أنني أتحدث عن التصوف في أدنى صوره. ذلك التصوف الذي تحول في مناطق كثيرة من الوطن العربي، خاصة في المغرب العربي، إلى مجموعة من الطقوس الدينية المقيدة باحتفاليات طقسية فقط، وشعاره في ذلك: دع المُلْك للمَلك. فالتصوف لم يعد يهتم بالحياة السياسية ويعارضها، كما كان في مرحلة التأسيس مع الحلاج وبعده، بل صار يباركها ويهلل لها.
إن السلطة السياسية في الجزائر منذ الاستقلال حاربت كل ما هو ديني كجماعة وكفرد، لكن مع بداية الأزمة في 1990م، ولمواجهة الإسلام السياسي تم التحالف مع الإسلام الروحي/ الصوفية، وهو ما أفرغه من محتواه الديني والروحي. لقد تحولت الصوفية إلى مجرد وعاء انتخابي ومركز لتطهير السلطة السياسية ومباركتها. وهو ما جعل الإسلام السياسي يسقط في فخ الطرقية التي بدل من أن تهتم بروح الانسان صارت تهتم ببدنه وبطنه.


-        بدأت كتابة "قضاة الشرف" كقصة ورأى صديقك الراحل "بختي بن عودة" أنها تصلح لأن تكون رواية، كيف كان لاغتيال بختي أثره على كتابتك الروائية مع الصداقة الوثيقة بينكما؟

حين أتحدث عن رواية قضاة الشرف لا يمكنني نسيان ذلك المساء البارد في وهران، وتلك الأمطار الغزيرة التي جعلتني أبيت ليلتي في منزل الراحل بختي بن عودة. وفي بيته بدأت كتابة قصة، لكنه حين قرأ ما كتبت أشار أنني لو أطلقت العنان لقلمي ربما سأكتب رواية، ولم أكن أفكر في ذلك بتاتا لكني خضت التجربة بناء على نصيحته وصرت كلما التقينا أقرأ له ما كتبت فيها. وكانت أكبر صدمة لي وللرواية أنّي توقفت عن الكتابة بعد اغتياله مباشرة. والقارئ الجيّد قد يكتشف من خلال قراءته لها أن يحدد الجملة التي توقفت فيها، والجملة التي كتبتها حين عدت لإتمامها بعد توقف دام سنة كاملة. اغتيال بختي كان صدمة مريعة لكل من عرفه وصادقه، فما بالك بمن كان يعتبره صديقا حميما وحامل أسراره إلى اليوم. منه أدركت أن الكتابة موقف ونضال دائم قبل أيّ شيء آخر، مثلما تيقنت أن التاريخ لا يرحم أحدا وهو الغربال الذي يصفي ما نكتبه.

-        كان لسنوات العشرية السوداء أكبر الأثر لكل من عاشها في كتابته الروائية، ما أثر هذه السنوات على ما كتبه بن منصور؟

لا شك أن ما عاشه الجزائريون خلال العشرية السوداء كان له الأثر الأكبر سواء على المستوى الثقافي أو السياسي والإجتماعي. وتأثيرات تلك المرحلة الأليمة لازالت ظاهرة للعيان حتى اليوم. إنها تجربة مريرة وعنيفة ولا مناص من الانخراط فيها كتابة كمحاولة لتجاوزها. وبالتالي فقد ظهرت كتابات في حينها قدمت شهادات حية على ما يعيشه الجزائري العادي والمثقف وهو ما عُرف بالأدب الاستعجالي. لكن الأدب الاستعجالي رغم أنّه أدب لتأريخ اللحظة وتقديم الشهادة تميز بتراجع كبير على المستوى الفني، خاصة الروايات، فقط لأنها كتابة عن النتيجة وعن الوضع ولم تذهب بعيدا لتحفر في عمق الأزمة. لقد كتبت في تلك الفترة "قضاة الشرف" لكنها لم تُصنف ضمن الأدب الاستعجالي. شخصيا عشت تلك العشرية ككل الجزائريين لكني لم أنخرط في الكتابة عن النتيجة، لأني أرى أن المهم ليس النتيجة بقدر ما هي الأسباب. وأعتقد أن "قضاة الشرف" هي رواية للحفر في عمق الأزمة وأسبابها، ثم رواية "الحيّ السفلي"، الصادرة حديثا، التي لا تبتعد عن هذا المسار حيث هي رواية عن خيبة الاستقلال وبناء الدولة الوطنية. أما رواية "فصوص التيه" فهي محاولة للتذكير بالإسلام الروحي الذي كان يجمع كل الجزائريين من مبدأ التسامح والحرية الشخصية لكل مواطن.


-        في رواية "فصوص التيه" تقترب كثيرا وبشكل أعمق من عالم التصوف، لِمَ يروقك تأمل هذا العالم؟ هل باعتباره فلسفة، أم باعتبارها أيديولوجية يتاجر بها الكثيرون؟

المعروف أن التصوف ممارسة. ممارسة حياتية للإنسان. الإنسان جسدا وروحا. وبناء على هذه الممارسة ظهرت وواكبتها فلسفتها أو فكرها. الفكر الصوفي فكر غير محايد وغير مطيع لأي نظام أو سلطة غير سلطة المعرفة، ولنا في الحلاج أو السهروردي أو بن عربي أفضل الأمثلة. التصوف هو أن تجعل الحياة بكل ما فيها حمارا يتبعك. هو أن تتخلص من كل صفة للبغض والحسد والكره والمهم أن تتخلص من الجهل. أن تفتح قلبك للتأمل بعد أن يتوقف العقل عند حدود التفكير. وكما سبق وأن قلت أنّي تربيت على هذه التعاليم والمجاهدات والعرفانية التي سهلت لي قراءة الفكر الصوفي من الداخل، وليس من الخارج، كما يفعل الكثيرون اليوم فيسقطون في متاهة الفهم والادراك.
في "فصوص التيه" تتقاطع ثلاث حكايات. حكاية المدينة، ندرومة، ومؤسسها الأمير الموحدي عبد المؤمن بن علي، وحكاية الأمير عبد القادر الصوفي وجهاده ضد الاستعمار الفرنسي، وحكاية البطل الذي يبحث عن والده، الرمزي الحاضر الغائب في تشكيل حياته، في رحلة صوفية للبحث عن الخلاص. الخلاص بكل معانيه. الخلاص من التاريخ وقداسته. ألا ترى أننا نعيش تحت تأثير التاريخ ونبجلّه، رغم أننا لم نقدم شيئا للإنسان ولا للإنسانية؟

-        لم تستطع الهروب من السلطة وأثرها على حياة الإنسان في روايتك الأخيرة "الحي السفلي" لكنك ابتعدت تماما عن عالم التصوف الذي كان أثيرا لديك.

فعلا ابتعدت عن التصوف التأملي وفكره الخلاق، لكني أشرت إلى ممارسات قديمة تبناها التصوف الطرقي. ففي رواية "الحيّ السفليّ" لم أنزح عن الخط الذي تبنيته منذ أول عمل لي، وهو التطرق لسطوة السلطتين الدينية والسياسية، خاصة فيما يتعلق بتوافقهما وتحالفهما. فالحي السفلي رواية عن القهر والظلم والخيانة بمستويين من الحكي. حيث يتداول صوتان وزمنان لرسم ملامح الشخصية الرئيسية ومسارها في وطن ما بعد الاستقلال. هي باختصار رواية تغوص في حقبة زمنية حبلى بالأحداث المتعاقبة والتي ترسم جزائر مابعد الاستقلال. إنها رواية عن الهامش بكل تفاصيله وعن الطبقية وعبثية الاستقلال والثورة والبناء.. إنها رواية تقول خيبة الأحلام.

-        كيف ترى الحركة النقدية اليوم في الجزائر؟

الحركة النقدية في الجزائر لم تعد تواكب الحركة الأدبية، وهذا راجع لغياب منابر ثقافية كالمجلات المتخصصة في النقد وغياب الأسماء التي كانت تصنع المشهد النقدي سواء بتحولها إلى الكتابة الإبداعية أو دخولها للإدارات الجامعية وغرقها فيها. طبعا وجب علينا استثناء بعض الأقلام النقدية، رغم قلتها، والتي لا تزال تؤمن بمهمتها النبيلة وتستحق كل الاحترام.
إن المتتبع للحركة يلحظ أن النقد الصحفي، رغم قلته هو الآخر، بات هو البارز، وهو نقد يتسم في العموم بالإشهار والسطحية والمحاباة. لكن في ظل هذا الوضع المُزري يبقى النقد الأكاديمي رغم علميته وتميزه حبيس أدراج الجامعات الجزائرية فلا يخرج للناس منه إلا القليل.

-        مع الحركة الأدبية الثرية في الجزائر، والتي أفرزت الكثير من الروائيين المهمين، هل هناك فعليا نقاد متميزين في الجزائر يمكن التعويل عليهم؟

المؤكد في الجزائر أن الحركة النقدية لم تواكب الحركة الأدبية؛ وعليه فإن ظهور روائيين مهمين في الساحة الجزائرية لم يواكبه ظهور نقاد مهمين. لكن هذا لا يعني الغياب التام فبعض الأسماء النقدية تشق طريقها بصمت وفي صراع مرير مع وجوه أخرى لا ترغب في نقد علمي بناء. وهذا الصراع هو ما يعرقل الحركة النقدية والأدبية على حد سواء. ليس من السهل قبول ناقد لا يبارك اسما أدبيا كبيرا، والعكس صحيح.
إن الصراعات بين الأدباء والنقاد وفيما بينهم خاصية جزائرية بامتياز. وهذه الصراعات ليست صراعات أفكار أو أيديولوجيات بقدر ماهي صراعات نفعية ومصلحية. لا أنكر أنّ الجزائر تملك اليوم خزانا كبيرا من الروائيين لم يلتفت إليهم أحد.

-        انقطعت عن كتابة الرواية منذ صدرت روايتك "فصوص التيه" ولم تكتب رواية جديدة سوى هذا العام مع رواية "الحي السفلي"، بينما انشغلت في هذه الفترة في كتابة العديد من السيناريوهات منها سيناريو الفيلم الوثائقي "سكوت إننا نعذب"، ماذا أضافت التجربة السينمائية للتجربة الأدبية؟

السينما حلم طفولي. أنا عاشق للسينما بامتياز لكن هذا الحلم لم يتحقق إلاّ منذ سنوات قليلة فقط، ولم أرغب في تضييعه بل دخلته بقوة حيث كتبت مجموعة من السيناريوهات لأفلام وثائقية؛ وهذا راجع لحبي للبحث التاريخي. لقد بدأت بسيناريو الفيلم الوثائقي حول شخصية صوفية في الغرب الجزائري: الشيخ قدور بن عاشور، وهي شخصية جمعت بين الشعر والموسيقى والتصوف ثم سيناريو فيلم وثائقي: عقل دون ضمير، وهو فيلم عن الطب العقلي الكولونيالي وكيفية تسخير العلم لفائدة الاستعمار، ثم سيناريو الفيلم الذي ذكرته، حول التعذيب في الجزائر.
التجربة السينمائية فتحت لي آفاقا أخرى للتأمل أولا ولكتابة التاريخ من منطلق أن الكتابة هي سدّ لثقوب التاريخ وتخييله، ناهيك عن استغلال تقنيات السينما في الكتابة الروائية.

-        رغم وجود الكثير من الروائيين المهمين في الجزائر، إلا أن هناك الكثير من الجهل بهم في المنطقة العربية. ما السبب في ذلك؟

في الجزائر لازلنا نعاني من مشكلة تسويق أسمائنا الأدبية وهذا راجع بالدرجة الأولى لغياب سياسة وطنية لتصدير الأسماء، أقصد الأسماء الجديدة، وغياب تصدير الكتاب واستيراده عدا أيام المعرض الدولي للكتاب العائد من سنوات فقط بعد انقطاع في فترة العشرية السوداء. لكن يبقى السؤال الجوهري لماذا لم نصدر هذه الأسماء؟ أعتقد أن التصدير يكون بالنقد أولا، ثم عن طريق الأسماء الكبيرة التي يكمن دورها في التعريف بالأدب الجزائري. فالنقد لم يلعب دوره كما يجب، وحتى الأطروحات الجامعية في الجزائر لازالت تتغذى على ثلاثية نجيب محفوظ والطاهر وطار ومن تبعهما. أما الأسماء الكبيرة فلا ترغب في جيل جديد يزاحمها خاصة وأننا الآن نشهد أن الكتابة الروائية لها ريعها وفائدتها.
ربما نشهد اليوم انفتاحا على المنجز الجزائري الجديد بفضل الإنترنت الذي حطم كل القيود؛ فصار بإمكان الروائي تصدير ما يكتب لكل جهات العالم.


-        بعد رشيد بوجدرة، والطاهر وطار، هل تظن أن هناك قامات روائية تستطيع أن تقوم بمشروع روائي عملاق مثلهما؟

الرواية في الجزائر عرفت من هم أهم من بوجدرة والطاهر وطار، طبعا كلامي هذا ليس انتقاصا لهما، بقدر ما هو لفت النظر لكاتب ياسين وخاصة محمد ديب. محمد ديب روائي عالمي بامتياز لكن شاء القدر أن يكتب بلغة غير العربية. وعليه فإن الرواية الجزائرية لن تتوقف مع بوجدرة والطاهر وطار رغم ما قدماه. فالحاضر الجزائري ينبئ بمجموعة من الأسماء سيكون لها منجزها سواء كتبت باللغة العربية أو الفرنسية.

-        لم لا يوجد نشاط ثقافي جزائري حقيقي رغم ثراء الحركة الأدبية لديكم؟

لا أعتقد أن هناك بلدا ينفق على الثقافة ما تنفقه الجزائر. لكن الخلل ليس في الأنشطة بقدر ما هو في القائمين عليها. الأنشطة الثقافية في الجزائر صارت تتبنى شعارات قد لا يؤمن بها المثقف الحر، زيادة على أنها تجمع مجموعة من الأسماء من منطلق المحاباة والمحسوبية وليس من منطلق إبداعي وأدبي.
إن الأموال التي تُنفق لأجل الثقافة والسينما والكتاب والمسرح سنويا قد تفوق ميزانية عدة دول، لكن عقلية الريع صارت هي المسيطرة في غياب أدوات الردع والمحاسبة. وبالتالي تحولت هذه الأنشطة لمخيمات استجمامية فقط وهدر المال العام.

-        يرى البعض خارج الجزائر أن الحركة الأدبية فيها تتمثل في أحلام مستغانمي، وواسيني الأعرج، كيف ترى ذلك؟

ليس من المنطق اقتصار حركة أدبية للجزائر على اسمين فقط، ومهما كانا. وسأكون صريحا معك ففي الجزائر أسماء أهم بكثير من أحلام مستغانمي، طبعا هذا رأيي الخاص ولا ألزم به أحدا غيري. ليس من المعقول تجاهل ياسمينة خضرا، وبوعلام صنصال وأسماء أخرى تكتب بالعربية لكنها لا تملك آليات لإشهار أعمالها، ولا تعترف بالمحاباة وعودة المصعد في تعاملها مع الآخرين. أركز هنا على مجموعة من كتاب الهامش. الهامش الجزائري. أولئك الذين لم يناموا في فراش السلطة ولا يملكون أسرة في المركز بل يكتبون في صمت في الأطراف.


حوار: محمود الغيطاني
 
جريدة "الجريدة" الكويتية
عدد 11 نوفمبر 2016م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق