يوم للستات |
في سابقة لم تحدث في مهرجان
القاهرة السينمائي الدولي من قبل قام منتج فيلم "البر التاني" الممثل
محمد علي الذي أخرجه علي إدريس، وهو الفيلم المشترك في المسابقة الرسمية للمهرجان-
رغم ضعف وتهافت مستواه الفني- بالاستيلاء على مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في
دورته الثامنة والثلاثين بشكل يكاد يكون استحواذيا رغم أن الممثل لا نعرف عنه شيئا
من قبل؛ فقد لاحظ جميع ضيوف المهرجان وجود وفرة غير طبيعية في "بوستر"
الفيلم داخل دار الأوبرا المصرية، حتى أن بوسترات الفيلم كانت أكثر من بوسترات
المهرجان نفسه، بل كانت منافسة لبوستر المهرجان لدرجة أننا كنا نرى بوسترين للفيلم
بجانب كل بوستر من بوسترات المهرجان؛ مما جعل الجميع يتساءل: لم كل هذا الاحتفاء
المبالغ فيه لفيلم لا نعرف عن أبطاله جميعا شيئا؟ هل يعني هذا أنه أهم فيلم تم
إنتاجه في تاريخ السينما المصرية في الآونة الأخيرة؟!
ظلت هذه التساؤلات تراود
الجميع لاسيما أن البوستر الدعائي للفيلم لم يكن يحمل سوى صورة ممثل واحد لا يعرفه
أحد وتبين فيما بعد أنه هو منتج الفيلم أيضا الممثل محمد علي، لكن الكارثة الكبرى
كانت يوم العرض الأول للفيلم في 19 نوفمبر 2016م، فالبداية كانت منذ الصباح الباكر
حينما توجه الجمهور والصحفيون لحجز تذاكر الفيلم- ومن المعروف أن العرض الأول يكون
للنقاد والصحفيين في المقام الأول- إلا أن جميع الصحفيين تقريبا- إلا قلة نادرة
جدا- لم يستطيعوا الحصول على تذاكر بحجة أن النسبة المحددة للصحفيين قد نفدت- رغم
أن العرض الأول أولوية المشاهدة فيه للصحفيين والنقاد- كما فوجئنا بأن منتج الفيلم
الذي هو ممثله أيضا قد اشترى تذاكر العرض الأول بالجملة من أجل توزيعها على
أصدقائه ومعارفه، ولا ندري كيف سمحت إدارة المهرجان بهذا البيع بالجملة للمنتج من
أجل أن يملأ القاعة بمن يعرفهم من أصدقائه ويحرم الجميع من مشاهدة الفيلم.
لكن الكارثة الحقيقية كانت في
"الزفة البلدي" التي قام بها المنتج والممثل محمد علي واستخدامه للسجادة
الحمراء بوجود فرقة زفة بلدي من أجل دخوله هو ومن معه للعرض الأول للفيلم
واستعراضهم بالألعاب النارية، بل ووجود طاقم ضخم من "البودي جاردات"
المصاحبين للممثل وطاقم التمثيل المجهولين أساسا، ولسنا ندري كيف سمحت إدارة
المهرجان باستخدام السجادة الحمراء لمثل هذه المهزلة التاريخية غير المألوفة في أي
مهرجان سينمائي، ومن الذي سمح لكل هذا العدد من البودي جاردات بالدخول والتحكم في
حفلة العرض لدرجة أنهم أصبحوا المتحكمين الأساسيين في حركة النقاد والصحفيين، وباتوا
هم من يمنعونهم أو يسمحون لهم بالحركة أو الخروج من قاعة العرض، لدرجة أنهم قاموا
بالاعتداء على الصحفيين والنقاد بالسب والضرب حينما حاولت الناقدة علا الشافعي
الخروج من قاعة العرض بعد انتهاء الفيلم إلا أنهم منعوها من الخروج لإرغامها على حضور
الندوة التي سيحضرها السيد الممثل ومنتج الفيلم، وحينما أبرزت لهم هويتها كصحفية
سمحوا لها بالخروج بعد سبها؛ الأمر الذي جعل الناقد رامي المتولي والناقد محمود
عبد الشكور يتدخلان إلا أن البودي جاردات قاموا بالاعتداء عليهما، وهنا قامت إدارة
المهرجان برفع بوسترات الفيلم التي كانت تملأ دار الأوبرا المصرية تخوفا من المزيد
من المشكلات.
لعل ما حدث لم يكن بداية
الفساد والتجاوزات الحقيقية التي حدثت في دورة هذا العام من المهرجان، بل ولعله
يدفع للتساؤل: كيف سمحت الدكتورة ماجدة واصف، والمدير الفني للمهرجان يوسف شريف
رزق الله بكل ما حدث، ولم التزما الصمت ولم يحاول أي منهما اتخاذ أي قرار أو إجراء
تجاه الفيلم وما حدث فيه، ومن سمح لصناع الفيلم بفعل ما سبق؟!
هنا بدأت الأقاويل تكثر
لاسيما أن فيلم "البر التاني" قد دخل المسابقة الرسمية للمهرجان بعد
خروج فيلم "آخر أيام المدينة" للمخرج تامر السعيد الذي كان في المسابقة
الرسمية، ورغم الجودة الفنية لفيلم تامر السعيد، ورغم أنه من الأفلام القوية جدا
القادرة فعليا على تمثيل السينما المصرية أمام سينما العالم حتى أن الجميع كانوا
يتوقعون له بحصد الكثير من الجوائز في هذه الدورة، إلا أن إدراة مهرجان القاهرة
السينمائي ممثلة في رئيسته ومديره الفني قد تعنتا كثيرا مع الفيلم وقدما مجموعة من
المبررات الواهية من أجل إخراج الفيلم من المسابقة تحت دعوى أنه قد خالف لوائح
المهرجان في حين أن الفيلم لم يخالف أي لائحة من لوائحه.
لكن لم تكن هذه هي البداية
الحقيقية لما يدور في هذه الدورة من مخالفات جسيمة وفضائح عظمى؛ فالمهرجان هذا
العام منذ بداية تنظيمه كان مهزلة حقيقية. البداية كانت في اختيار فيلم "يوم
للستات" للمخرجة كاملة أبو ذكري من إنتاج وتمثيل إلهام شاهين للمسابقة
الرسمية للمهرجان، بل وجعله فيلم الافتتاح أيضا رغم مستوى الفيلم الفني الضعيف
الأقرب إلى الاهتراء، كما أن الرئيس الشرفي للمهرجان هذا العام كان هو الفنان محمود
حميدة رغم أنه من أبطال فيلم "يوم للستات" الذي يمثل مصر في المسابقة
الرسمية والذي سيفتتح المهرجان به، كما أن إلهام شاهين أيضا قد تم اختيارها كرئيس
للجنة التحكيم في برنامج "آفاق السينما العربية" وهو أحد البرامج
الموازية التي تقام على هامش المهرجان، أي أن المهرجان قد تم الاستيلاء عليه
بالكامل من قبل إلهام شاهين التي تحدثت قبل المهرجان بأيام عن أزمة خروج فيلم
"آخر أيام المدينة" وكأنها رئيس المهرجان وقالت: إن فيلم "آخر أيام
المدينة" كان لابد من استبعاده من أجل شكل مصر، وهنا التزم يوسف شريف رزق الله
وماجدة واصف الصمت ولم يقوما بالتعليق على كلامها باسم المهرجان.
بما أن فيلم الافتتاح
"يوم للستات" كان ضعيف المستوى ولا يمكن أن يمثل مصر رسميا في مهرجان
القاهرة السينمائي فقد استفز هذا الفيلم جمهور النقاد والصحفيين؛ الأمر الذي جعلهم
يتساءلون كيف يتم اختيار مثل هذا الفيلم لتمثيل السينما المصرية؛ مما جعل إدارة
المهرجان ترتبك ويبدأ كل مسؤول منهم في إلقاء المسؤولية على عاتق الآخر في شكل
متخبط؛ فصرحت الدكتورة ماجدة واصف- رئيس المهرجان- في مداخلة مع برنامج "مارينا
بيديا" عبر محطة راديو هيتس: "إن صناع بعض الأفلام لا يفضلون المرور أولا
عبر لجنة المشاهدة؛ لأن الفيلم يكون في مرحلة غير جاهزة للعرض العام؛ بالتالي تقوم
الإدارة الفنية للمهرجان بمشاهدة الفيلم وتحديد ما إذا كان صالحا لتمثيل مصر في المسابقة
الرسمية لمهرجان القاهرة أم لا، وليس لجنة المشاهدة كما يحدث مع باقي الأفلام"
وهنا أكدت على أن الفيلمين لم يمرا بالفعل على لجنة اختيار الأفلام، لكنها تناقضت
في حديثها ولم تقل الحقيقة؛ لأن هناك الكثير من الأفلام العالمية التي تأتي إلى
مهرجان القاهرة وتكون هذه الأفلام بالفعل مجرد نسخة عمل أي أنها تكون غير جاهزة
للعرض العام، لكنها تُعرض على لجنة الاختيار، بل ووصفت لجنة الاختيار بقولها:
"بأنها مجرد لجنة استشارية غير ملزمة لإدارة المهرجان". وهذا لا يمكن أن
يكون في أي مهرجان دولي مصنف فئه A، وإلا ما
فائدة لجنة اختيار الأفلام ما دام رأيها غير ملزم لإدارة المهرجان؟! كما أن
الحقيقة التي لا يعرفها أحد أن السيدة ماجدة واصف لم تستشر اللجنة في حقيقة الأمر
بخصوص الفيلمين، بل فرضتهما فرضا على المهرجان واللجنة، أي أن اللجنة بات وجودها
كعدمها تماما وليست لجنة استشارية كما حاولت واصف أن توحي للآخرين، وهنا تكون هناك
قضية إهدار مال عام بتشكيل لجنة مشاهدة لا داعي أساسا لتواجدها، ما دامت استشارية
ورأيها غير ملزم، بل ولا تتم استشارتها من أساسه.
من جهة أخرى حاول يوسف شريف
رزق الله المدير الفني للمهرجان التملص من مسؤوليته تجاه ما حدث من مهزلة اختيار
فيلمين مصريين ضعيفين فقال في تصريحه لموقع "البوابة نيوز": "أنا مدير
فني للمهرجان، وعلاقتي بالأفلام تنتهي بمجرد اختيارها وتسليمها للإدارة"، أي
أن رزق الله يحاول أن يوحي بأن لجنة المشاهدة هي المسؤولة عن اختيار الفيلمين وأنه
ليس له أي علاقة بكل ما حدث من مهزلة في حين أن الحقيقة أن المدير الفني للمهرجان
ورئيس المهرجان كانا خاضعان كل الخضوع لشروط وإملاءات إلهام شاهين، وهي من اشترطت
أن يكون فيلمها في الافتتاح الرسمي للمهرجان، وهي من اشترطت ألا يمر الفيلم على
لجنة اختيار الأفلام؛ لأنها تعي جيدا مستوى الفيلم الضعيف فنيا والذي كانت سترفضه
اللجنة بمجرد مشاهدته، وفي هذا الصدد أذكر- بما أن المدير الفني للمهرجان يحاول
إلقاء المسؤولية على لجنة الاختيار التي كنت عضوا فيها- أن هناك حوارا حدث بين بعض
أعضاء اللجنة وكنت أنا منهم وبين المدير الفني الأستاذ يوسف شريف رزق الله حينما
أعلنت الإدارة رسميا أن فيلم "يوم للستات" يمثل مصر في المسابقة
الرسمية، ويومها اعترض بعض أعضاء اللجنة منهم الناقدة صفاء الليثي، والناقدة ماجدة
خير الله، وأنا، وسألنا رزق الله عن السبب في عدم عرض الفيلم علينا كلجنة إلا أنه
أجاب بأن: اللجنة العليا للمهرجان قد شاهدت الفيلم ووافقت عليه، حينها قالت صفاء
الليثي كان من المفترض أن نراه نحن، فرد عليها: بأن هذا عُرف متبع منذ أيام سعد
الدين وهبة، وهو أن اللجنة لا تشاهد الأفلام المصرية التي ستشترك في المهرجان،
لكنها عادت وقالت ولكن التعاقد الذي بين اللجنة وبين المهرجان لا ينص على ذلك
فأجاب ضائقا: هو أيضا لا ينص على أن اللجنة ستشاهد الأفلام المصرية.
هنا تدخلت أنا في الحديث
وطلبت من الأستاذ رزق الله عرض الفيلم علينا كلجنة باعتباره تحصيل حاصل لمجرد أن
نعرف مستوى الفيلم وعالمه الذي يدور فيه لكنه رد علي قائلا: هقول لإلهام وأشوف
رأيها إيه!! فرددت عليه مندهشا: هي إلهام شاهين بتفرض شروطها على أي مهرجان تتقدم
فيه بأفلامها؟! فقال: لا طبعا. هنا تساءلت: إذن لم تملي شروطها على مهرجان
القاهرة؟! فحاول رزق الله التهرب من الحديث وقال: سأعرضه عليكم فيما بعد، وهو
الأمر الذي لم يحدث حتى أنهت اللجنة عملها بالكامل. ومن جهة أخرى تم بالفعل عرض
فيلم "آخر أيام المدينة" على أعضاء اللجنة، وهو الفيلم الذي شاهدته معنا
رئيس المهرجان ماجدة واصف، وبمجرد انتهاء الفيلم وقبل أن يتحدث أي فرد من أفراد
اللجنة صادرت علينا واصف برأيها قائلة: أنا شايفة إنه فيلم رائع على المستوى الفني،
دا فيلم مسابقة- رغم أنها لم تكن في حاجة لهذه المصادرة-؛ لأن الفيلم بالفعل
مستواه الفني جيد جدا ولا يمكن أن يختلف عليه اثنان يعملان في مجال السينما،
وبالفعل وافقت اللجنة بالإجماع على جودة الفيلم وتم قبوله وترشيحه من قبل أعضاء
اللجنة في المسابقة الرسمية، كما أعلنت إدارة المهرجان أن الفيلم قد اشترك في
المسابقة الرسمية مع فيلم "يوم للستات"، وهذا بالتأكيد أمر صعب جدا لأن
"يوم للستات" لا يمكن له أن يُذكر أو يصمد أمام فيلم "آخر أيام
المدينة" فنيا.
بعد فترة قامت إدارة المهرجان
بالإعلان أن فيلم "آخر أيام المدينة" قد تم خروجه من المسابقة الرسمية
للمهرجان بحجة أن الفيلم قد خالف لوائح المهرجان باشتراكه في أكثر من مهرجان
سينمائي، رغم أن الحقيقة أن الفيلم لم يخالف أي لائحة من اللوائح، كما أن عرضه
الأول في الشرق الأوسط لم يحدث من قبل، كما أن "يوم للستات" قد تقدم إلى
العديد من المهرجانات كذلك مثلما فعل تامر السعيد بفيلمه، إلا أن إدارة المهرجان
تعنتت مع فيلم تامر السعيد للعديد من الأمور التي لا نعرفها وعملت على التنكيل به،
ربما من أجل صالح فيلم "إلهام شاهين"؛ ويبرر هذا حديثها عن فيلم
"آخر أيام المدينة" وكأنها رئيس المهرجان، وربما يكون سبب استبعاده
موضوع الفيلم الذي يتحدث عن ثورة الخامس والعشرين من يناير ورفضه للعسكر وحكم
العسكر، وهو ما لا يتناسب مع النظام السياسي الحالي، وربما يكون السبب أيضا في
استبعاد الفيلم هو دخول فيلم "البر التاني" للمخرج علي إدريس للمسابقة
الرسمية في اليوم التالي مباشرة من خروج فيلم "آخر أيام المدينة" في
صفقة ما تمت بين الشركة المنتجة Mad solutions وبين إدارة
المهرجان، وربما هناك أسباب أخرى لا نعرفها لاسيما وأن إدارة المهرجان لم تذكر
السبب الحقيقي لاستبعاد الفيلم رغم جودته الفنية وتذرعت بمجموعة من الذرائع
الواهية التي لا يمكن لها أن تصمد أمام الحقائق.
آخر أيام المدينة |
لكن قبل انتهاء المهرجان بأيام
صرح رزق الله من خلال بيان رسمي قال فيه: "لجنة المشاهدة في أي مهرجان في العالم
هي لجنة استشارية، تختارها إدارة المهرجان الفنية للمساعدة في عملية تصفية الأفلام
المقدمة، ويبقى رأيها استشاريا قد تأخذ الإدارة الفنية أو لا تأخذ به، وحق المدير الفني
بصفته المسؤول الأول عن كافة الأفلام المعروضة في استبعاد فيلم اختارته اللجنة أو اختيار
فيلم دون العرض على اللجنة، هو حق مكفول ومنطقي باعتباره صاحب فلسفة برامج العروض في
المهرجان"، هنا عاد رزق الله مرة أخرى بشكل أكثر ارتباكا ليؤكد أن اللجنة لم تختر
شيئا وأنه كان مندفعا فيما صرح به من قبل، لكنه وقع في المغالطات مرة أخرى إما متعمدا
أو غير متعمد؛ فالحقيقة التي يعرفها كل من يعمل في مجال السينما أن رأي لجنة المشاهدة
ليس استشاريا في كل مهرجانات العالم كما ذكر رزق الله، بل في بعضها فقط، كما أن المهرجانات
الكبرى والمحترمة رأي لجان المشاهدة فيها ليس استشاريا مثل مهرجان "كان"
مثلا، وهذا ما يعرفه هو، كذلك فالعديد من المهرجانات العربية مثل مهرجان "دبي"،
ومهرجان "مراكش" لا تُدار الأمور فيها بمثل هذا العبث الذي ذكره، بل كل قسم
من أقسام المهرجان فيه شخص مسؤول عنه ومعه لجنة تخصه، أي أن العمل يتم تقسيمه على مجموعة
من الأشخاص يكون كل منهم مسؤولا عن قسمه، أما أن يُدار الأمر بمنطق العزبة ويكون هناك
شخص واحد فقط هو الذي يُدير المهرجان كيفما شاء بدعوى أنه المدير الفني فهذا ما لا
يحدث سوى في مصر فقط.
يبقى أن رزق الله أكد أنه هو المسؤول
الأول عن اختيار الفيلمين المصريين وهو هنا يُورط نفسه أكثر؛ فإذا كان المدير الفني
للمهرجان يصر على اختيار فيلمين مصريين بمثل هذا التهافت والضعف فهو غير لائق أساسا
في مسؤوليته عن هذا المهرجان؛ لافتقاده القدرة على اختيار سينما جيدة، وبما أنه غير
قادر على تذوق واختيار السينما فمن الأولى أن يتم إعفائه من هذه المسؤولية كي يتولاها
من هو قادر على تذوق السينما.
كما ادعى البيان بقوله:
"لا علاقة من قريب أو بعيد لوجود الفيلم المذكور في المسابقة باستبعاد أي فيلم
مصري آخر منها، فالرغبة كانت في وجود ثلاثة أو أربعة أفلام مصرية تتنافس في المسابقة
الدولية، وهو أيضاً حق مشروع للمهرجان ألا يلتزم بحد أقصى في خياراته من السينما المحلية،
بالضبط كما تفعل مهرجانات العالم الكبرى التي نجد في كل منها تمثيلاً كبيراً ومتنوعاً
للسينما المحلية في المسابقة الرسمية"، ولست أدري كيف تجرأ من كتب البيان على
قول ذلك، فهذا لا يمكن أن نراه في مهرجانات العالم الكبرى كما يدعي البيان، وهل
يعتقد من كتب البيان أنه يُقيم مهرجانا سينمائيا من أجل السينما المصرية تحت صفة
الدولية؟! هل من الممكن أن يكون في المسابقة الرسمية أكثر من فيلمين مصريين؟! إذا
كان الأمر كذلك فمن الأجدى لكم ألا تطلقوا وصف مهرجان دولي عليه.
قال البيان كذلك: "شركة
"ماد سولوشنز" هي الشركة المالكة لحقوق ترويج فيلم "البر التاني"
إعلامياً، ووجود ممثل للشركة خلال الاتفاق على عرض الفيلم هو أمر طبيعي ومنطقي قام
المهرجان بإعلانه على صفحته الرسمية"، وأعتقد أن هذه بجاحة حقيقية؛ لأن
الشركة الموزعة هي المسؤول الأول عن هذا الأمر وليس الشركة المنتجة، أو شركة
الدعاية، أما عن شركة ماد سوليوشن فلنبحث عن المسؤول عنها وما علاقته بتمرير
الكثير من الأفلام التي يقوم بتوزيعها في دورة المهرجان هذا العام.
على صعيد آخر قال الممثل
والمنتج محمد علي في حوار معه على موقع مصراوي: "لم أخطط لمشاركة الفيلم بمهرجان
القاهرة السينمائي، كان اختيار الشركة المسؤولة عن توزيع الفيلم، وتوقعت صعوبة قبوله،
إلا أنني وجدت الشركة المسؤولة عن دعاية الفيلم Mad solutions ، تبلغني بقبول الفيلم وأن مدير المهرجان الناقد
يوسف شريف رزق الله سيتصل بي"، أي أنه لم يسع هو الآخر لدخول الفيلم، رغم أن
كلامه متناقضا باعتبار أن الشركة المسؤولة عن توزيع الفيلم هي "الماسة"
وليس Mad
solutions التي قامت
بإنتاجه والدعاية له كما قال، وهنا يكون السؤال الأساس: من هو الذي أدخل فيلم
"البر التاني" إلى المسابقة الرسمية للمهرجان؟! لاسيما أن لجنة اختيار
الأفلام التي كنت عضوا فيها قد أنهت عملها تماما ولم يكن هناك سوى فيلمي "يوم
للستات" الذي اختارته إدارة المهرجان بعيدا عن اللجنة، وفيلم "آخر أيام
المدينة" الذي اختارته اللجنة، ولكن حينما تم عقد المؤتمر الصحفي الذي كان
قبل المهرجان بأيام فوجئ الجميع ومنهم لجنة الاختيار أن هناك فيلم اسمه "البر
التاني" موجود في المسابقة الرسمية للمهرجان، وهو ما لم نكن نعرف عنه أي شيء
من قبل، أي أننا فوجئنا به.
يأتي بعد ذلك أن المدير الفني
للمهرجان الأستاذ يوسف شريف رزق الله كان لديه مشاكل غريبة في التنظيم، فالمدير الفني
لا يمكن له أن يقوم بدور "الكمساري" في المهرجان، أي أن جميع الدعوات
والتذاكر المجانية لحضور العروض كانت لديه هو شخصيا، وكل من يرغب في الحصول على
تذاكر أو دعوات لابد أن يبحث عن المدير الفني من أجل الحصول على هذه الدعوات، نحن
نعرف أنه في جميع مهرجانات العالم يكون المدير الفني أثناء الدورة بعد انتهاء
التنظيم هو مقابلة الضيوف والتواجد معهم ليكون واجهة المهرجان، وليس جامعا للتذاكر
كي يوزعها على الآخرين، كان من الأجدى به أن يخصص موظف معين من أجل القيام بمثل
هذا الدور.
كما أن إدارة المهرجان هذا
العام لم تلتزم بوجود عرض للصحفيين والنقاد وعرض آخر للجمهور، بل جعلت للنقاد
والصحفيين نسبة حضور مع الجمهور؛ الأمر الذي أدى إلى أن النسبة الأكبر من الصحفيين
عجزوا عن دخول العديد من العروض بدعوى أن نسبة الصحفيين قد انتهت، وهو ما حدث معي
في الفيلميين المصريين لدرجة أني لم أستطع دخول فيلم "البر التاني" في
العرض الأول- المفترض أن العرض الأول يكون للصحفيين والنقاد- رغم أني ذهبت للحصول
على تذكرة في الساعة الثانية عشرة ظهرا بينما كان العرض في السادسة والنصف مساء،
وحينما أخبرت المدير الفني بذلك قال لي: أنت كنت مديرا لندوة الناقد عصام زكريا
منذ الحادية عشرة صباحا، لم لم تأت مبكرا في العاشرة صباحا من أجل حجز تذكرة؟! أي
أنه بدلا من حل هذا الخطأ التنظيمي يتهمني أنا بالتقصير.
لعل من ضمن المهازل أيضا عرض
الفيلم البولندي Zud المعروض في برنامج أسبوع النقاد مترجما
باللغة الإسبانية، ورغم أن القاعة كانت ممتلئة تماما بالجمهور، إلا أن الترجمة
الإسبانية قد جعلت القاعة فارغة تماما من جمهورها المحتشد من أجل الفيلم.
كذك يحوم الفساد حول إعلان اسمي
أروى جودة وصبا مبارك كأعضاء لجنة تحكيم، وإتهام وكالة c.a.t للمنتج والإعلامي عمرو قورة الذي كان عضوا باللجنة الاستشارية العليا للمهرجان
بترشيح أسماء لنجوم ممن تضمهم الوكالة، كذلك هناك تساؤل أكثر أهمية وهو: ما هي
علاقة السيدة سمر ياسين زوجة نائب المدير الفني للمهرجان الناقد والصحفي أحمد شوقي
بصفقة دخول فيلم "البر التاني" للعرض في المسابقة الرسمية للمهرجان
لاسيما وأن سمر ياسين أحد أعضاء شركة Mad
solutions المنتجة للفيلم، وهي التي ظهرت في الصور على الموقع الرسمي للمهرجان من
أجل التعاقد على وجود الفيلم داخل المسابقة الرسمية، في حين أنه كان لابد أن يكون
هناك شخص ما من شركة الماسة الموزعة للفيلم وليس السيدة سمر ياسين، ولكن يبدو أنها
دورة عائلية.
أما على صعيد التبريرات
الخائبة فقد صرح المدير الفني يوسف شريف رزق الله في حفل ختام المهرجان بقوله: إنه
لم يكن يعلم أن فيلم "البر التاني" سوف يتم عرضه جماهيرا في اليوم
التالي لانتهاء المهرجان مباشرة، وهذا تبرير وعذر أقبح من ذنب؛ فمن من المفترض به
أن يعرف يا أستاذ يوسف؟! ألا يوجد من هو مسؤول في هذا المهرجان كي يعلم إذا ما كان
الفيلم سيتم عرضه أم لا؟ إذا كان المدير الفني لا يعلم فهو لا يقوم بمهامه ولا
يكلف من يقوم بها، إذن فمن الأجدى أن نبحث عن شخص آخر كي يقوم بمهامه كما يجب.
لعل الكارثة الحقيقية في هذا
المهرجان أن القائمين عليه غير قادرين على الدفاع عن المهرجان أو أفلامه، أي أن
مواقفهم شديدة الاهتزاز وعاجزة عن المواجهة، وقد اتضح ذلك بشكل بيّن من خلال أزمة
رقابية رفضت فيلما شديد الأهمية وهو الفيلم البولندي United State of Love رغم الجودة الفنية المبهرة للفيلم ومستواه الفني العالي، والقضية
المهمة التي يتحدث فيها، وفي المقابل وافقت الرقابة على الفيلم الألماني Toni Erdmann رغم أن الفيلم فيه من المشاهد الجنسية العنيفة وظهور الأعضاء
الجنسية ما لم يكن في الفيلم البولندي، ورغم ذلك وقفت إدارة المهرجان أمام الرقابة
مكتوفة الأيدي غير قادرة على الدفاع عن جودة الأفلام المتقدمة للمهرجان، وعدم
اختصاص الرقابة في التدخل في شؤون المهرجان، وهذا يدل على اهتزاز الإدارة فضلا عن
تفضيل شركات إنتاج بعينها على غيرها. نحن نرفض الرقابة تماما على أي لون من ألوان
الفن، ولكن إذا كانت هناك رقابة مفروضة علينا كقدر لا فكاك منه؛ فكان من الأدعى
التعامل مع الأفلام كلها بمنطق واحد، وليس سياسة الكيل بمكيالين.
تأتي في النهاية الكارثة التي
كنت أتوقعها منذ بداية المهرجان وهي منح فيلم "يوم للستات" جائزة كلون
من المجاملة لإلهام شاهين وفيلمها، باعتبارها الجهة الأقوى من الإدارة وربما أقوى من
وزارة الثقافة في هذا المهرجان، ولعل منح الفيلم جائزة أحسن ممثلة لناهد السباعي
من الأمور التي لا يختلف عليها اثنان من نقاد السينما وهو أنه مجرد مجاملة للفيلم
المصري ولا تستحقها، لاسيما وأنها لم تؤد الدور المرسوم لها في السيناريو بشكل
ناضح؛ فأداء السباعي لم يقترب من شخصية البنت "الهبلة" كما كان في
السيناريو، بل كانت أكثر منهم جميعا تعقلا. كما أن أداء السباعي أمام هذا العدد
الضخم من الأفلام بما احتواه من ممثلين هو أداء لا يرقى إلى درجة الصفر، أي أنها
لا يمكن أن تكون منافسة في الأداء لأي ممن كانت أفلامهم مشتركة في المهرجان، وبهذا
يكون المهرجان فعليا هو مهرجان إلهام شاهين، وليس مهرجان القاهرة السينمائي
الدولي.
كل هذه المخالفات التي كانت
مبكرة منذ بداية عمل لجنة اختيار الأفلام قد أدت إلى انسحاب الناقد عصام زكريا من
اللجنة بعد شهر واحد من بداية عملها، رغم أنه كان رئيس لجنة الاختيار، وقد كان
انسحاب زكريا بسبب اعتراضه على الأسلوب الذي يتم من خلاله إدارة المهرجان وعدم
استشارة أحد وانفراد رئيس المهرجان ومديره الفني بكل شيء من دون أي اعتبار لأي أحد
آخر، ورغم كل هذه المخالفات التي لا يمكن السكوت عليها نجد السيد وزير الثقافة
حلمي النمنم يقف متفرجا مكتوف الأيدي من دون التدخل في هذه المهزلة التاريخية في
حق مهرجان القاهرة.
محمود الغيطاني
البر التاني |
جريدة القاهرة
عدد 29 نوفمير 2016م
ههههههههههههههههه، هذا نصب واحتيال عام ومنظم
ردحذف