
يبدأ الفيلم بمجموعة كبيرة من
الأطفال يمارسون العديد من الفنون والحرف اليدوية، لنعرف فيما بعد أن هذا المكان
هو عبارة عن مركز اجتماعي خدمي ضخم أنشأته جيوفانا Giovanna التي قامت
بدورها ببراعة الممثلة الإيطالية Raffaella Giordono السيدة
الكبيرة في العمر من أجل خدمة أبناء الحي الفقير في نابولي وتعليمهم العديد من
المهارات والفنون المجانية بعد الانتهاء من يوم دراستهم مثل الحرف اليدوية والبستنة،
والرسم على الجداريات، وأعمال النحت، وبناء روبوت عملاق من قطع غيار الدراجات
القديمة ثم الاحتفال في نهاية العام بحفل كبير يقدم فيه الأطفال ما قاموا به من
أعمال؛ لاسيما أن المدينة تسيطر عليها الجريمة المنظمة، ويسيطر عليها عصابة
الغوغاء المحلية "كامورا".
إذن فما قامت به جيوفانا كان
بهدف خدمة المجتمع خوفا من انغماس الأطفال في الجريمة المنظمة المحيطة بهم في كل
مكان. ولكن يحدث أن تأتي سيدة شابة إلى جيوفانا لتخبرها أنها قد طُردت من عملها،
وليس لديها المال الكافي لتدفع إيجار مكان يأويها هي ورضيعها وطفلتها الصغيرة Rita؛ فتسمح لها
بالسكن في الكوخ الصغير الموجود في المركز الخدمي، إلا أنه بعد أيام من سكن السيدة
الشابة Maria التي قامت بدورها Valentina Vannino تكتشف جيوفانا أن هذه السيدة هي زوجة أميترانو Amitrano أحد أخطر
رجال المافيا "كامورا" الذي قام بقتل أحد الأشخاص واختفى عن الأنظار؛
فتهاجم الشرطة المركز الخدمي وتقوم بإلقاء القبض عليه، ولأن جيوفانا معروفة للجميع
من أبناء الحي يسألها الشرطي عن السبب في إيواء المجرم؛ فتشرح له أنها قد تمت
خديعتها من قبل الزوجة الشابة -حيث استغلت عدم قدرة جيوفانا على رفض تقديم الخدمة
لشخص محتاج- بروايتها الكاذبة لها.

إن ذهاب جيوفانا إلى أرملة
الضحية فيه الكثير من الدلائل التي تؤكد لنا كمشاهدين أنها تمتلك من الأخلاقيات
والالتزامات الأخلاقية ما يجعلها امرأة قوية قادرة على الدفاع عن موقفها مهما كان
ضعيفا، ومدى رغبتها في الوقوف إلى جانب الحق دائما، وهو ما سنراه فيما بعد حينما
تعود الزوجة الشابة Maria بعد ليلة من اعتقال زوجها إلى الكوخ مرة
أخرى مع رضيعها وطفلتها Rita، ولعل مشهد عودة الزوجة ووقوف جيوفانا صامتة
مراقبة لها فيه الكثير من القوة والدلائل على مدى صراعها النفسي بين الانسياق خلف
المجتمع الرافض لوجود الزوجة وطفليها فيه بسبب ما قام به زوجها، وبين الالتزام
بأخلاقياتها التي ترى أنه لا يمكن الحكم على الزوجة بنفس معايير الحكم على الزوج،
لاسيما أنها لم يعد لها أي مصدر رزق تستطيع الاستناد إليه، كما أن طفليها في حاجة
إلى الكثير من الرعاية؛ ومن ثم فجيوفانا غير قادرة على اتخاذ القرار بطردها
وإبعادها عن المركز الخدمي، خاصة أنها تؤكد دائما أن المركز بأكمله رهن لرغبة أي
شخص في حاجة إليه ما دام يحتاجه فعليا، كما أن الطفلين لا ذنب لهما فيما قام به
الأب.
تتوجه جيوفانا إلى ماريا
لتسألها هل ستستمر في الإقامة في الكوخ، إلا أن ماريا تعاملها بعدائية وصلف
وتخبرها أنها قد سمحت لها من قبل في الإقامة؛ فتتركها جيوفانا؛ نظرا لحاجتها إلى المأوى،
لكنها تحاول التقرب من طفلتها Rita وتجعلها تنخرط مع باقي أطفال الحي داخل
المركز الخدمي لتتعلم العديد من المهارات معهم، وبالفعل تبدأ الطفلة في التأقلم،
إلا أن أمهات الأطفال بالكامل يبدأن في التذمر ورفض وجود الطفلة والزوجة بين
أطفالهم، ويبدأون في تهديد جيوفانا أنها إذا لم تقم بطرد الزوجة وطفليها فإنهم
سيمتنعون عن إرسال أطفالهم إلى المركز الخدمي.

هنا يبدأ الصراع الحقيقي في
نفس جيوفانا، فتظل في حيرة حقيقية بين الالتزام بأخلاقياتها، وبين رفض المجتمع
لوجود الزوجة والطفلين، لدرجة أن أمهات الأطفال يقمن بالفعل بمنع أطفالهن من
الذهاب إلى المركز الخدمي، ويحاول جميع مدرسي الحي مناقشة جيوفانا في الأمر إلا
أنها تؤكد التزامها الأخلاقي تجاه الزوجة، وأن الكوخ والمركز من حق أي إنسان في
حاجة فعلية إليه، هنا يبدو المركز خاويا تماما من الأطفال ويُلغى الحفل السنوي
الذي يقدم فيه الأطفال ما صنعوه من أدوات، وتبدأ جيوفانا ومساعدها في إغلاق المركز
فتشعر الطفلة Rita بالوحدة الشديدة والحزن وتجلس أمام باب
الكوخ حزينة؛ فتسألها أمها عن السبب في حزنها لتخبرها بأن الأطفال لم يحضروا ولن
يحضروا مرة أخرى، فتسألها الأم عن الحفل؛ لتؤكد لها الابنة أن الحفل أيضا تم
إلغائه.
في المشهد التالي مباشرة
حينما تأتي حماة الزوجة لتأخذها هي وطفليها لا تجد الزوجة في الكوخ الشاغر تماما
حتى من كل حاجاتها فنعرف أن الزوجة قد أخذت طفليها وغادرت بعدما شعرت أنها السبب
الرئيس في مقاطعة الحي بأكمله لجيوفانا بسبب إيوائها عندها؛ فيعود الأطفال مرة
أخرى إلى المركز الخدمي، يقيمون الحفل السنوي لينتهي الفيلم.

الفيلم الإيطالي "المتطفلة"
أو L'intrusa من الأفلام التي تُحاول نقاش قضية مهمة في
الحياة الاجتماعية، وإن كان قد افتقد الكثير من العناصر الفنية ليكون فيلما قويا.
محمود الغيطاني
مجلة الشبكة العراقية
المجتمع تحكمه غريزة القطيع، إن من يغيرالتاريخ والعالم هم أفراد لاالجماعات،شكراً.
ردحذف