
يوفق المخرج في ذلك بشكل كبير
من خلال السيناريو الذي كتبه، حينما يقدم لنا فيلما يدور في إطار الجريمة من خلال
ثلاثة من المقعدين على كراسي متحركة حيث تجمعهم الظروف؛ لينخرط ثلاثتهم في هذا
العالم من الجريمة، لكن توفيق المخرج الحقيقي في إحداث الدهشة التي هي الركيزة
الفنية الأساسية التي يعتمد عليها الفيلم تعتمد على الانقلاب الذي يحدث في النهاية
حينما يتبين لنا أن كل هذا العالم الذي انخرطنا معه وصدقنا أحداثه مجرد قصة
"كوميكس" مُتخيلة قام برسمها اثنان من أبطال قصة الفيلم، حيث كانا
حريصان على أن يرسما نفسيهما في قصة "الكوميكس" التي يعملان عليها
باعتبارهما بطلين في هذه القصة، بينما المجرم الأساس في القصة هو الأب الذي لم يره
ابنه في حياته مرة واحدة - بعدما هجر زوجته بعد ولادة هذا الابن- سوى من خلال صورة
فوتوغرافية واحدة أخذها من أمه، وهي الصورة التي اعتمد عليها في رسم شخصية الأب
داخل القصة باعتباره المجرم الذي انساقا خلفه في عالم الجريمة.
في مشاهد ما قبل التيترات Avant titre نرى البطل المقعد "زولي" Zoltan Fenyvesi وصديقه باربا Adam
Fekete يعملان على
رسم مجموعة من الاسكتشات "الكوميكس" المتعددة التي هي نفس مشاهد الفيلم التالية
فيما بعد، مما قد يوحي للمشاهد أن الفيلم هنا يتحدث عن شابين مقعدين في بداية
العشرينيات يمارسان الهواية الوحيدة التي يعرفانها، وهي هواية رسم
"الكوميكس"، حيث يُعدان قصة عن هذا الفن.
لكن من خلال الأحداث يتبين
لنا أن هذين الشابين المقعدين يتعرض لهما روباسوف Szabolcs Thuroczy، وهو رجل مقعد أيضا في منتصف العمر خرج من السجن حديثا ويعتدي على
زولي بالضرب ثم يتخذهما صديقين فيما بعد.

يؤمن روباسوف بأنه يستطيع
استعادة حبيبته السابقة التي كان يعرفها قبل إصابته التي جعلته قعيدا، كما يؤمن
بأنه سيعود أفضل مما كان؛ ولأنه ماهر في القتل فضلا عن كونه مقعدا فرجل المافيا
اليوغوسلافي يعتمد عليه اعتمادا كاملا في تصفية أعدائه باعتبار أن الشرطة لا يمكن
لها أن تتشكك في رجل قعيد على كرسي متحرك؛ الأمر الذي يجعله يرتكب إحدى جرائمة في
وسط ميدان في العاصمة بودابست أمام الجميع ولا يتشكك فيه أو في صديقيه أحد، ولكن
حينما يكتشف رجل المافيا أن روباسوف له صديقين آخرين يعلمان بأمر هذه الجرائم
يهدده بالقتل إن لم يتخلص من هذين الشابين قبل إكمال عملهما مع بعضهما البعض.
هنا يدعو روباسوف صديقيه
لرحلة من أجل اصطياد الأسماك وحينما يذهب ثلاثتهم إلى البحيرة يقوم بدفعهم في
الماء اعتمادا على أنهما غير قادرين على السباحة بسبب إصابتهما، لكنه لا يستطيع أن
يتركهما للغرق، ولا يلبث أن يرمي بنفسه أيضا في البحيرة خلفهما لإنقاذهما، ويقوم
أحد المارين بقارب بإنقاذ الثلاثة وهنا يبرر روباسوف لصديقيه الأمر بأنه كان مجرد
مزحة سخيفة منه.


يكتشف رجل المافيا
اليوغوسلافي أن روباسوف لم يقتل صديقيه كما ادعى، وهنا يجعله يؤدي مهمة القتل
الأخيرة من أجل قتل آخر من يرغب في التخلص منه، لكنه بعد هذه العملية يعمل على
التخلص منه ومن صديقيه.
يفشل رجل المافيا في التخلص
من روباسوف الذي يصمم على الانتقام لنفسه ولصديقيه من هذا الرجل، ومن ثم يعملون
على وضع جهاز موبايل في سيارته لمعرفة أماكن تحركاته من خلال التتبع، وحينما
ينجحون في الوصول إلى منزله يقتلونه، لكنه ينجح في قتل روباسوف قبل أن يطلق زولي
الرصاص على رجل المافيا.

ربما كانت شخصية
روباسوف/المجرم هي الشخصية الأهم في هذا الفيلم؛ حيث كان رغم جرائمه المتعددة
وتميزه بالقسوة أحيانا فيه لمحة كبيرة من الأبوة والحنان تجاه الصديقين الشابين
لاسيما زولي، وهو ما رغب المخرج في قوله لنا، أي أن زولي أراد أن يتغلب على مشاكله
النفسية العميقة ومن غضبه على والده من خلال رسمه في قصته التي يرسمها في صورة
مجرم أحيانا، وشديد القسوة في أحيان أخرى، لكنه لديه الكثير من مشاعر الأبوة
والحنان تجاهه، وهنا استطاع زولي أن يتواءم مع شخصية والده التي يحبها كثيرا رغب
غضبه الشديد منه.

ينجح زولي وباربا في عرض
قصتهما في معرض للمعاقين وتروق القصة لإحدى الناشرات لاسيما أنها أعجبها كونهما
رسما نفسيهما داخل القصة، وتعدهما بنشر القصة.

لا يمكن نسيان أداء الممثلين
الثلاثة الذي تميز بالكثير من الصدق والتلقائية لاسيما الممثل الذي أدى دور الأب/
المجرم Szabolcs
Thuroczy حيث أدى
الدور بشكل مقنع تماما بأنه بالفعل مقعدا، إلا أن أداء Zoltan Fenyvesi الذي أدى دور زولي كان من البراعة التي لم تكن منتظرة؛ لاسيما أنه
بالفعل مقعد في حياته الطبيعية.
يُعد الفيلم المجري Kills on Wheels نموذجا للفيلم السينمائي الجيد الذي توافرت فيه كل العناصر الفنية
لنجاحه من أداء وسيناريو وإخراج وتصوير ومونتاج، والموسيقى التصويرية التي كانت من
أهم العناصر اللافتة في الفيلم أيضا.
محمود الغيطاني
مجلة الشبكة العراقية
عدد 4 يناير 2018م
اجمل كراسي متحركة
ردحذفhttps://www.alzaemat.com/wheel-chair/