نجيب محفوظ |
لعل هذه الصورة الذهنية التي
يحرص الكثيرون على نقلها ورسمها لنجيب محفوظ هي من الصور الكثيرة التي تكاد أن ترفع
الرجل إلى مرتبة الملاك الذي لم يسبق لنا رؤيته
من قبل في الأوساط الثقافية، حتى أنهم يوغلون في رفعه إلى منزلة القداسة باعتباره
إلهيا؛ الأمر الذي يؤدي إلى ثورة عارمة من دراويشه حينما يكتب أحدهم رأيا مخالفا
عنه، أو محاولة جذبه إلى الأرض باعتباره إنسانا له الكثير من النقائص مثله في ذلك
مثل أي إنسان آخر، وهذا ما أدى إلى ثورة سابقة عليّ حينما كتبت عنه منذ سنوات
مبديا رأيي الشخصي فيه؛ فواجهت تيارا جامحا من الرفض لما قلته- رغم أني لم أتجن
على الرجل في شيء، بل قلت رأيي الشخصي فيه فقط- لا يختلف كثيرا عن أي ثورة من
الممكن مواجهتها إذا ما قلت أن الله ليس في السماء مثلا.
هذه الصورة الأسطورية
التقديسية للرجل تتحطم تماما إذا ما قرأنا شهادة الروائي والكاتب عبده جبير عن
محفوظ في كتابه "بفضل كل الخيال.. قصص قصيرة مع نجيب محفوظ" الصادر عن
دار "آفاق" المصرية.
يتناول جبير في كتابه العديد
من المواقف التي حدثت في حياته، والتي كان السبب فيها نجيب محفوظ، أو كتاباته، أو
هي مواقف حدثت بشكل مباشر مع محفوظ، أي أن جميع حكاياته تدور حول نجيب محفوظ سواء
على المستوى المباشر أو غير المباشر؛ ففي إحدى قصصه مثلا التي لم يكن محفوظ ماثلا
فيها بشكل مباشر، أي لم يكن بطلا للحكاية بقدر ما كان هو السبب في حدوثها بالكامل.
يحكي جبير في هذه الحكاية
التي حدثت عام 1966م عن ذكرياته حينما كان في الصف الثاني الثانوي: "لابد أن
يكون هذا قد حدث في العام 1966م، لأنني أذكر جيدا أني قد ارتكبت هذه الجريمة في
مدينة أسوان، هذا مؤكد، وأنا كنت في أسوان مع والدي الذي انتقل للعمل مديرا أو
ناظرا لمعهد أسوان الديني، وكنت في السنة الثانية الثانوية الأزهرية، قبلها كنت قد
قضيت السنة الأولى الثانوية في مدينة قنا (حيث كان والدي يعمل مفتشا لمنطقة قنا
الثانوية الأزهرية) وحين انتقل للعمل في أسوان كان لا بد من الانتقال معه"، يستمر
جبير في حكايته مؤكدا أن تأجير شقة للغرباء في أسوان في مثل هذا الوقت لم يكن سهلا
لاسيما إذا كان المستأجر لا يصطحب زوجته معه، وبما أن أم جبير لم يكن من الممكن
لها الانتقال مع الزوج إلى أسوان بسبب مدارس أشقائه ورعايتهم فقد ذهب إلى أسوان مع
والده وحدهما ليقيما في بيت عمة والدته. هنا يبدأ جبير حكايته التي كان السبب فيها
محفوظ والتي أدت إلى صدع عميق بينه وبين أبيه؛ فقد كان الأب يعاني من مرض السكر،
وفي هذا الوقت كانت جريدة الأهرام تقوم بنشر رواية "ثرثرة فوق النيل"
مسلسلة في عدد الجمعة من كل أسبوع، ويؤكد جبير أنه كان حريصا على اقتناء عدد
الجمعة لقراءة الرواية حيث كان متيما بقراءة ما يكتبه محفوظ، وفي أحد أيام الجمعة
أرسله والده ليشتري له دواء السكر، وحينما اقترب جبير من بائع الجرائد فوجئ برواية
"ثرثرة فوق النيل" منشورة بين دفتي كتاب. لم يدر الكاتب بنفسه ووقف أمامها
كالمسحور، ولم يفكر فيما يفعله وتوابع فعلته عليه إلا حينما أدرك أنه قد دفع نقود
الدواء الخاصة بعلاج والده كثمن للرواية التي أخذها سعيدا بها. هنا بدأ التفكير في
الأمر: كيف سيواجه أبيه، وماذا سيقول له؟ بدأ جبير يهيم على وجهه في المدينة التي
لا يعرف فيها أحدا، وحاول أن يجد أي طريقة للخروج من الورطة التي أوجد نفسه فيها؛
فذهب إلى ابن عمه ليستدين منه ثمن العلاج الذي أنفقه على الرواية، لكن زوجة ابن
العم أخبرته أنه ليس موجودا في البيت؛ حيث يعمل ليلا. هنا لم يجد سبيلا آخر للتغلب
على الورطة التي وجد نفسه فيها وهام على وجهه إلى أن ذهب إلى كورنيش النيل ليتمدد
على الأرض متأملا السماء غير قادر على إيجاد حل لما هو فيه، لكن "شاويش
الدورية" يقبض عليه متشككا فيه؛ لاسيما أنه لا يحمل بطاقته الشخصية، كما لا
يعرف طريق العودة إلى بيت عمة والدته أو عنوانه، وفي القسم يأتي محمود ابن عمة
والدته للبحث عنه وينقذه من التحقيق معه واحتجازه؛ فيحكي له الحكاية كلها وخوفه من
العودة إلى أبيه بعدما أنفق نقود الدواء؛ فيطمئنه أنه قد أخبر أباه بأن النقود قد
ضاعت منه.
يذهب جبير إلى البيت مع محمود
وفي الطريق يُخفي الرواية في أحد أكوام القمامة، وهناك يصفعه الأب صفعة شديدة تؤدي
إلى نزيف فمه بغزارة. في اليوم التالي يستعيد جبير الرواية ويقطع غلافها ليغلفها
بأحد كتبه الدراسية وتظل معه دائما، لكن هذا الحادث يؤدي إلى صدع عميق بينه وبين
والده: "ساءت علاقتي بوالدي إلى درجة أن الكلام بيننا كان يتم عن طريق محمود
أو والدته، ومرت سنة من أسود سنى عمري"، لكن لم يتوقف الأمر عند هذ الحد فقط
بسبب رواية محفوظ، بل كانت هذه الواقعة هي السبب الرئيس في هروب جبير إلى القاهرة
ولم يعد مرة أخرى إلى بلده لمدة خمسة عشر عاما كانت قطيعة كاملة بينه وبين أبيه:
"كانت "الزعلة" التي تسببت فيها "ثرثرة فوق النيل" قد
قطعت خط الاتصال بيني وبين والدي"، وهكذا يؤكد عبده جبير أن نجيب محفوظ كان
هو السبب الرئيس في الصدع بينه وبين والده بطريق غير مباشر.
لكن القصة الأهم التي ساقها
جبير في كتابه كانت مباشرة بينه وبين محفوظ ففي يناير 1977م قام جبير بمغامرة
إصدار مجلة شهرية مخصصة لعروض الكتب أسماها "كتب عربية"، ومن اللحظة
الأولى- كما يقول- قرر أن يكون موضوع غلاف العدد الأول مقالا عن رواية "حضرة
المحترم" التي كانت قد ظهرت للتو، ووجد سعادة كبيرة حينما وجد قبولا من
سليمان فياض لكتابة مقال عنها.
يقول جبير: "كان هدفي
إذن هو الاحتفاء برواية محفوظ وبمحفوظ نفسه، بنشر مقال عن روايته في الصفحة
الأولى، في العدد الأول، وما كان ظاهرا لي من خلال العلاقة التي نشأت بينه وبيني
وبين كل الزملاء الذين كانوا يواظبون على حضور ندوته في مقهى ريش، إنه رجل متسامح
يقبل النقد خاصة إذا كان موضوعيا ومن كاتب له قيمته الكبيرة مثل سليمان
فياض"، إذن فالرجل منذ البداية يؤكد على أنه رغب في الاحتفاء بمحفوظ وليس
مهاجمته، كما اختار فياض باعتباره أهم نقاد جيله وأكثرهم حيادية، لكن هذه الرغبة
الاحتفائية من جبير انقلبت عليه وعلى فياض معه بالسب من محفوظ، ومقاطعتهما حوالي
ثلاث سنوات كاملة.
يكتب جبير: "نشرت المقال
في صدر العدد الأول ومعه صورة نجيب محفوظ، وبمجرد خروجه من المطبعة حملته إليه
فرحا، وهو تلقاه لأول وهلة بابتسامة عريضة، وألقى عليه نظرة، وشكرني. غادر المقهى
والعدد تحت إبطه، وانتظرت للأسبوع التالي حتى أسمع رأيه، وقبل حضوره بوقت ذهبت للمقهى
فوجدت سليمان فياض جالسا فجلست بجواره، وما هي إلا دقائق حتى هلّ نجيب محفوظ داخلا
المقهى بابتسامته المعهودة، لكنه وقد حيا الجميع تقريبا رمقنا (أنا وسليمان فياض)
بنظرة خاطفة تغيرت خلالها ملامح وجهه إلى الجهامة، وتجاهلنا ماشيا إلى الركن الذي
كان يجلس به ويستقبل مريديه كالعادة. سألت فياض: إيه الحكاية؟ قال وقد بدا عليه
الارتباك: الظاهر إن المقالة معجبتوش. لا، دا واضح إنه غضبان جدا. أيوة، باين، دا
عمره ما عمل كدا معايا"، يستمر جبير في سرد حكايته وكيف غادر ريش مع فياض إلى
مقهى الحرية وسكرا هناك كثيرا ليعود جبير إلى بيته، بينما عاد فياض إلى ريش مرة
أخرى لتكون الواقعة الأهم بينهما: "في اليوم التالي عرفت أن سليمان فياض عاد
إلى مقهى ريش، بعد أن مادت به الأرض، وأنه ذهب إلى حلقة نجيب محفوظ مباشرة، وجلس،
وكان الحوار يدور حول المجلة، وكل يبدي رأيه، وحين جاء الدور على نجيب محفوظ، إذا
به يمسك المجلة بيد ويشير بالأخرى إلى مقال سليمان فياض، ويقول موجها الكلام إلى
سليمان فياض في عينه: دي بقه قلة أدب. توتر الجو، خاصة وأن وجه فياض كان قد بدأ يتحول
من الأحمر إلى الأزرق، ولولا ستر ربنا، لربما حدثت مواجهة ساخنة، ففياض أيضا كان من
الممكن أن يرد، لكن الأرض كانت تميد به وازداد الدوار، لكن الوقت كان قد أزف على
نهاية الندوة، فإذا بنجيب محفوظ يقف ويرفع يديه محييا الجميع: طيب سلامو عليكم.
انتظر سليمان فياض حتى استرد بعضا من توازنه، وراح يضحك ويقهقه بعلو صوته، وقال
وهو يغادر المقهى: الراجل اتجنن".
من خلال هذه الواقعة التي
عرضها عبده جبير ما يُدلل على أن محفوظ لم يكن ليقبل النقد في أي من أعماله مهما
كان الكاتب موضوعيا ومقتدرا على النقد مثل سليمان فياض، بل كان يرغب أن يكون كل ما
يُكتب عنه مدحا وتسبيحا وتقديسا باسمه فقط، أما إذا ما تجرأ أحدهم ووضعه على طاولة
التشريح النقدي؛ فهو يسبه مثلما فعل مع فياض بل ويقاطعه تماما مثلما فعل مع جبير
وفياض لمدة ثلاث سنوات كاملة بسبب هذا المقال: "من ناحيتي ظننت أنني عملت ما
يقتضيه الواجب، وضعت صورة محفوظ على غلاف أول عدد من المجلة، مما لا بد أن يكون له
مغزى، وطلبت من كاتب محترم اسمه سليمان فياض، وهو الذي لا يشك أحد في أنه رجل صاحب
ضمير، كما لا يشك أحد في قدرته على كتابة نقد محترم وعميق خاصة في مجال الرواية،
ولكن للأسف جاءت النتيجة، التي كنت أود أن تكون سعيدة، بنهاية محزنة، لأنني وجدت
نجيب محفوظ وقد تغير تجاهي لدرجة أنه قاطعني أكثر من ثلاث سنوات لم يوجه لي التحية
حين يهلّ على المقهى وأكون جالسا، كما كان يفعل سابقا، بل إنه تمادى لدرجة أنه لم
يرد عليّ تحيتي حين تجرأت، بعدها بعدة أشهر، وأقبلت على الحلقة: سلام عليكم. لم
يرد، بل عمل أنه لم يسمع أصلا. إلى "الخلف" در، استدرت وغادرت المقهى
ولم أعد بعد ذلك إلى الندوة، بل تعمدت ألا أذهب إلى ريش وقت انعقادها، وانتشر
الأمر في المحيط، ما بين الأتيلييه، وستلا، وفلفلة، وأسترا، وبقية المقاهي
والمنتديات الثقافية في وسط البلد، وبقت فضيحة بجلاجل".
عبده جبير |
يسوق عبد جبير المقال الذي
كتبه سليمان فياض عن رواية "حضرة المحترم" لنجيب محفوظ وهو المقال الذي
أدى إلى هذا الغضب، وهذه القطيعة، ولعل أهم ما ورد في المقال: "الرجال هم
الأغلبية في أدب نجيب محفوظ، ذلك أمر غير طبيعي في مجتمع أبوي ومتخلف، ومن يقرأ
قصص نجيب محفوظ سيلحظ ثلاث مجموعات رئيسية: عالم الموظفين، وعالم الفتوات، وعالم
الدراويش، وبصورة خاصة فإن الموظفين يحتلون أغلب القائمة، وأغلب هؤلاء من الكتبة
والإداريين"، وفي مقطع آخر يقول: "لقد تغاضى نجيب محفوظ في روايته، عن
الوظيفة كظاهرة، وعن حالات من الموظفين، ومواقف غنية كان من الممكن، بمواقف حضورية
لا سردية، كما فعل هنا أن يقودنا إلى بناء عالم أكثر رحابة ومستوى أرقى، وحصر
نفسه، بروايته القصيرة، في تشريح شخصية عصابية، وشاذة، كان يمكن أن يُحمد له تشريحها
لو اغتنت الشخصية بالمبررات في نسيجها، منذ البداية، لو استبدل لنا سرده التلخيصي
بالمواقف الحضورية التي يُسلم كل منها للآخر، ويضيئه، ويبرره"، وفي ملاحظة
نقدية مهمة يقول: "من المسلم به أن يراعي الروائي رد الفعل النفسي لشخصيته
حين تواجه موقفا ما، ولكن من المسلم به أيضا أن يكون رد الفعل مساويا للعمر النفسي
والزمني والثقافي لهذه الشخصية. وعلى سبيل المثال: فحين يقول "سعفان أفندي
بسيوني"، رئيس المحفوظات، وقد كبر في السن لموظفه الجديد "عثمان
بيومي" حامل البكالوريا، وهو دون العشرين من العمر: أهلا أهلا.. الحياة يمكن
تلخيصها في كلمتين: "استقبال ثم توديع". تكون الحكمة مقبولة من الشخصية،
وفي مكانها، من خبرة حياة سعفان، وعمره النفسي والزمني، ولكن حين يعلق "عثمان
بيومي" وهو دون العشرين، على هذه الحكمة بقوله لنفسه: "ولكنها رغم ذلك
لانهائية، في حاجة إلى إرادة لانهائية" يكون التعليق حكمة مراهقة حيال الكون.
إن العبارات الحكيمة هنا بالنسبة لعثمان بيومي تأتي في غير أوانها؛ ولذلك نتلقاها
بمحض الإدراك الذهني، كمقولة تقريرية ومباشرة، وتشعرنا بأنها تدخل من الكاتب
بتجاوز ردود القول والفعل لشخصية عثمان".
تأتي ملاحظة فياض النقدية حول
اللغة من أهم ملاحظاته في المقال: "في ألوان الأدب الدرامية يخضع الحوار
كوسيلة درامية للتعبير عن الشخصيات في موقف، للغة خاصة به، هي اللغة الحركية، التي
تعبر عن الواقع الفكري والنفسي لكل شخصية على حدة، إلى الدرجة التي يختلف فيها
حوار كل شخصية عن الأخرى، بمقدار اختلاف الشخصيات في التفرد الخاص بها، كعوالم
مستقلة بذواتها، كأكوان صغيرة فريدة نراها من حولنا دائما، ونرى صورها في أعمال
الأدباء والفنانين العظام، يختلف في القاموس اللغوي سواء كانت هذه اللغة عامية، أو
فصيحة، ويختلف فيما يعكسه حوار كل شخصية في الوقت الخاص بها، من مستويات نفسية،
وطبقية أيضا، وتلك أمور فنية هي جزء من العمل الدرامي، ووسيلة فنية للوصول إلى
التأثير والإقناع، لكنني لاحظت كثيرا أن شخصيات نجيب محفوظ، حتى في مرحلة
الواقعية، تتكلم بمستويات حوارية واحدة، قد تختلف مواقفها وعمرها لكنها تتكلم
غالبا بنفس اللغة الراقية، وبنفس المستوى الأسلوبي الرفيع، وبنفس التقارب الفكري
والنفسي، وكأن الكاتب قد قسم لغته، وقاموسها بين شخوصه، وتحدث لنا نيابة عنهم، دون
أن يتقمصها، أو يتلبسها، كما فعل جوجول، وديستوفسكي، وتشيكوف، وشتاينبك، وهمنجواي،
ويوسف إدريس، بل إنه يفعل ذلك مع كل الشخصيات بنفس الطريقة، وبنفس المستوى في
مونولوجات هذه الشخصيات وحواراتها الداخلية، ويمكن لنا أن نبلع ذلك على مضض في
روايات نجيب وأقاصيصه الذهنية في مرحلته التجريدية، مع تحفظنا الشديد حيالها فنيا،
لأن الكاتب يضحي فيها بالكثير لكي يقول لنا آراء وأفكار سياسية، لكنه في
"حضرة المحترم" يحاول أن يعود ليصل ما انقطع برواياته الواقعية، وفي هذه
العودة يتحرر كثيرا من أسلوبه الفضفاض، وسرده التلخيصي، والتاريخي للمواقف،
وللشخصيات، ويتحرر كثيرا من الاستطرادات ومن الحشو والإطناب في غير مقام أو سياق،
ولكنه لا يتحرر من ثبات مستويات حوار الشخصيات، وتقاربها حتى أن أية شخصية قادرة
على أن تقول "كلا" بدلا من أن تقول "لا"".
من خلال مقال سليمان فياض
المهم والطويل عن رواية محفوظ الذي فصل فيه نقديا الكثير من المآخذ على ما يكتبه
محفوظ يتضح لنا أن الكاتب الكبير لم يكن كما يروج له الكثيرون من مريديه الذين
يريدون إلباسه ثوب القداسة والملائكية، بل كان إنسانا عاديا يتأثر ويؤثر في
الآحرين، ويرفض أن ينتقده أحد بالسلب راغبا أن يمتدحه الجميع لدرجة أنه وصف ما
كتبه فياض "بقلة الأدب" رغم أن الرجل كان موضوعيا تماما فيما ذهب إليه
من نقد.
لكن لا يفوتنا أن الكاتب عبده
جبير رغم أنه من الروائيين والمثقفين القدامى، إلا أنه لا يتحرى السلامة اللغوية
فيما يكتبه، وتلك ملاحظة عند جل الكتاب للأسف الذين لا يعرفون كيف يتقنون اللغة
العربية ويستسهلون الكتابة بها من دون الحرص على الدفع بما يكتبونه إلى الآخرين
لمراجعته وتصحيحه، ولعل هذه المسؤولية لا تقع على عاتق الكاتب فقط بقدر تحمل دار
النشر المسؤولية معه بعدم اهتمامها بمراجعة ما يقدمه إليها الكاتب وترك الكتاب
بأخطائه ونشره كما هو؛ فتبدو لنا النتيجة النهائية للكتاب بشكل بائس مهلهل لغويا
ومخزيا للجميع في نفس الوقت مثل الكتابة مثلا "يرئس تحريرها"، بدلا من
"يرأس"، أو "أربعة شخصيات" بدلا من "أربع"، أو
"لا تزال تحيى كرمز" بدلا من "تحيا"، أو "من من
يطلبها" بدلا من الإدغام "ممن"، وعدم الاهتمام بعلامات الترقيم،
والجهل الكامل بهمزات القطع وألف الوصل، وغير ذلك.
محمود الغيطاني
مجلة الثقافة الجديدة
عدد أغسطس 2018م
مقال قيم شكراً .
ردحذف