إن محاولة تأمل الوضع تسعى في جوهرها إلى التساؤل: هل من المُمكن لهؤلاء الألبان المُسلمين التعايش السلمي مع الصرب المسيحيين وتناسي خلافاتهم القديمة، والمجازر المُتبادلة التي وقعت بينهم في الماضي؟
يقدم لنا المُخرج هذا التساؤل، طارحا علينا تأمله من خلال عيني طفل صربي صغير لا يتجاوز العاشرة من عمره، يعيش مع جده وأبيه في قرية في شمال كوسوفو تحت حماية قوات الأُمم المُتحدة؛ الأمر الذي يجعل الطفل لا ينتقل داخل القرية ذهابا وإيابا إلى مدرسته إلا داخل عربة عسكرية مُصفحة؛ تخوفا من الاعتداء عليه أو محاولة قتله، وهو الأمر الذي يجعله وحيدا تماما لا يوجد لديه أي صداقات مع أقرانه؛ لأنهم الأسرة الصربية الوحيدة الباقية في هذه المنطقة، كما أن المدرسة التي يذهب إليها للدراسة لا يوجد فيها أي طفل غيره يذهب للتعلم؛ لذلك نراه في الفصل الدراسي وحيدا مع مُعلمته التي تقوم بالتدريس من أجله فقط في المنطقة التابعة لقوات الأُمم المُتحدة!
يفتتح المُخرج عالمه الفيلمي على الطفل الصربي نيناد- قام بدوره المُمثل الصربي Filip Subarić فيليب سوباريتش- داخل الفصل الدراسي بينما يقرأ لمُعلمته واجبه المنزلي الذي كلفته به بعنوان صديقي المُفضل؛ فنسمعه يقرأ: ليس لي صديق مُفضل، لأنه لا يوجد أي أطفال في قريتي، أحب اللعب مع جدي ميلوتين الذي يبلغ 86 عاما، هو لطيف جدا، لديه ابن اسمه فويا، وهو والدي، ميلوتين وفويا يتشاجران باستمرار؛ لأن فويا يشرب البراندي دائما، يقول له: يا بني أتمنى ألا تكون ثملا حينما أموت، هل سيتم دفني من قبل الألبان؟ أبي يرد: لماذا عاقبني الرب بأن أتعفن هنا إلى جانبك؟ فيقول الجد: سأموت هنا حيث ولدت، أيها الثمل الأحمق ارحل إذا كان لديك مكانا آخر تذهب إليه، ميلوتين سيموت قريبا؛ لأنه مريض جدا ولا يغادر السرير، أنا ألعب الدومينو معه، ودائما ما أفوز عليه، حينما أفوز يهديني مُكعب سكر، أنا آسف لموته؛ لأنه لن يتبقى لي أحد لألعب معه وأحصل على مُكعبات السُكر منه.
ربما نلاحظ هنا المقدرة الفنية والإتقان لدى المُخرج الحريص على الإيجاز، واختصار الكثير من المشاهد التي كان عليه أن يصورها كي نعرف هذه المُعطيات إذا لم يلجأ إلى كتابة هذا المشهد- المُخرج هو كاتب السيناريو- أي أن هذا المشهد المُوجز كان قادرا على عرض العديد من المشاهد الأخرى التي رأى المُخرج أن الفيلم في غنى عنها؛ فعرفنا من خلاله شكل العلاقة التي تربط نيناد بجده، ووحدته، وحزنه الشديد، وعلاقة أبيه بجده وعدم استقرارها، ورغبة أبيه الكبيرة في ترك إقليم كوسوفو والهجرة منه، لكنه مُرغم على البقاء بسبب الجد الكبير الذي يرفض الرحيل، كما علمنا عن عمته التي رحلت إلى بلجراد وتزوجت هناك خبازا وعاشت معه.
إن هذا المشهد الذي يختصر الكثير من المشاهد يُدلل على مدى قدرة المُخرج على فهم صناعة السينما التي ليست في حاجة إلى الثرثرة بقدر حاجتها للإيجاز وتقديم العديد من الجماليات الفنية.
نُشاهد نيناد حينما يخرج من الفصل الدراسي يستقل إحدى المُدرعات التابعة لقوات الأُمم المُتحدة، وهي المُدرعة التي تصاحبه في كل تنقلاته من أجل حمايته؛ لذلك نراه من داخل المُدرعة المُظلمة يتأمل الأطفال الذين يلهون في السهول الخارجية من خلال فتحة شديدة الضيق في جسم المُدرعة، حتى أنها لا تسمح بمرور الضوء الكافي من أجل إنارة الظلام الذي يجلس فيه. يصاحب نيناد في تنقلاته داخلها القس درايا- قام بدوره المُمثل الصربي Miodrag Krivokapić ميودراج كريفوكابيتش- وهو القس الوحيد الباقي في الإقليم، والذي يولي نيناد الكثير من العناية والحب، حتى أنه دائما ما يقوم باللعب معه داخل المُدرعة، والاهتمام بواجباته وتحصيله الدراسي.
يسأل القس نيناد عن جده وصحته، وهل ما زالت العلاقة بينه وبين فويا- قام بدوره المُمثل الصربي Nebojša Glogovac نيبويسا جلوجوفاتش- متوترة وسيئة، ثم يطلب منه إخبار والده/ فويا أنه يريد أن يراه لأمر ضروري، لكن الفتى حينما يخبر الأب يثور ويقول للفتى: لو كان صربيا شجاعا حقا؛ لأتى إلى هنا على حصانه، أنا لن أركب هذه المُدرعة أبدا.
ربما نلاحظ هنا أن المُخرج كان حريصا على التأطير الزمني لأحداث فيلمه منذ البداية والتي حددها في إبريل 2004م، أي، حسب الأحداث التاريخية التي حدثت في الواقع، بعد أسبوعين فقط من المذابح التي اجتاحت كوسوفو في مُنتصف مارس من العام نفسه، مع تنفيذ أعمال انتقامية عنيفة ضد السكان الصرب المُتبقين في المنطقة، ولعل هذا التحديد الزمني هو ما يفسر لنا كيفية صيرورة الأحداث في الفيلم وسبب وجود الأسرة الصربية الباقية في الجيب تحت حماية الأُمم المُتحدة المُشددة؛ نظرا للعداء الشديد من قبل الألبان المُسلمين لأي صربي مسيحي ورغبتهم في الفتك به والانتقام منه.
إن هذا الجو المشحون تماما برغبات الانتقام وإسالة المزيد من الدماء يصوره المُخرج بنجاح وذكاء ودراية فنية من خلال حرصه على أن تكون الرؤية البصرية في أغلب المشاهد من خلال الإطارات الضيقة كالنوافذ الصغيرة، أو الثقوب وغيرها من الإطارات الخانقة التي توحي بالحصار الشديد والشعور بالاختناق الذي تعاني منه الأسرة الصربية، في مُقابل البيئة المُحيطة المُتسعة ومساحاتها الشاسعة التي يعيش فيها الألبان المُسلمين مُستمتعين، بل ويحاولون استعراض القوة أيضا، كما أن الإضاءة الخافتة في أغلب المشاهد تدل على الحزن الجاثم على صدورهم طوال الوقت.
إذن، فالمُخرج لديه من الإدراك الفني والخبرة ما يجعلانه يستغل جميع الأدوات الفنية المُتاحة أمامه من أجل التعبير عن الحالة النفسية، والواقعية التي يريد أن يوصلها لنا من دون أي ثرثرات لا داعي لها.
يصل المرض بالجد ميلوتين- قام بدوره الممثل المقدوني Meto Jovanovski ميتو جوفانوفسكي- إلى درجة كبيرة من الوهن؛ حتى أنه لا يستطيع مُشاركة حفيده نيناد في لعب الدومينو، ويضطر إلى منحه السكر من دون لعب، وهو الأمر الذي يُشعر الفتى بالضيق؛ لرغبته في اللعب مع جده.
يراقب نيناد الأطفال الألبان الذين يقومون باللعب في المساحات الواسعة، لكنه يقوم بهذه المُراقبة خفية تخوفا منهم رغم رغبته الشديدة في مُشاركتهم، حينما يصل إلى المدرسة ذات يوم يجد مُعلمته قد كتبت له على لوح التعلم اعتذارا بأنها قد وجدت عملا لها في بلجراد واضطرت إلى الذهاب هناك، وبناء على ذلك عليه ألا يذهب إلى المدرسة لحين الاتصال به. يخرج نيناد من المدرسة حزينا ليراقب الأطفال الذين يلعبون لكنهم يلمحونه، ويحاولون اللحاق به مُخبرين إياه أنهم يرغبون أن يركبوا معه السيارة المُصفحة التي يقومون برجمها بالحجارة كلما مرت من أمامهم، يخبرهم نيناد أنهم لا يمكنهم دخول السيارة لأنهم ألبان، فيقولون له: اخبر الجندي بأن جدتنا صربية؛ فيسألهم نيناد عن المُقابل إذا ما فعل ذلك، ليخبرونه بأنهم سيأخذونه إلى الجدول كي يسبح معهم، ولن يشاركهم باشكيم. يستفسر نيناد عن باشكيم ليعرف منهم أنه فتى قريب منهم في العمر يرعى الماشية في السهول، وأن الصرب قد قاموا بقتل أبيه؛ لذلك يشعر بكراهية كبيرة تجاه أي صربي باعتبار أن كل الصرب مسؤولين عن مقتل الأب وحرمانه منه، وهو ما يجعل باشكيم ذات مرة يخبر أقرانه من الأطفال بقوله عن نيناد: إنه مُجرم، جميعهم مُجرمين، وهو ما يُدلل على أن الصراع قد ترك بأثره داخل نفوس الجميع فبات جميع الألبان مُتشابهين في جرائمهم، وأصبح جميع الصرب كذلك مجرد مُجرمين.
يطلب نيناد من الجندي السماح لصديقيه الألبانيين الركوب معه في السيارة المُصفحة، ويذهب معهم بالفعل إلى الجدول للسباحة واللهو معهم بينما يراقبهم باشكيم شاعرا بالكثير من الكره والمقت تجاه نيناد، وأثناء لهوهم تقع ملابس نيناد في الماء وتختفي؛ الأمر الذي يجعله يعود إلى البيت من دون ملابسه، فيقوم أبوه/ فويا بجلده بقسوة على جسده العاري بينما يتابعه الجد بصمت وعدم مقدرة على إنقاذ الفتى.
نلاحظ هنا أن المُخرج كان حريصا على أن يبدو فويا/ الأب قاسيا إلى حد بعيد مع نيناد، فنراه يعامله بشكل كبير من القسوة وعدم الاهتمام، والإحجام عنه وعدم الرغبة في الحديث إليه، لكن المُخرج/ السيناريست لم يذكر لنا أي سبب مُقنع لهذه الطريقة الفاترة والقاسية في التعامل مع ابنه، ربما كان يقصد من وراء ذلك التأكيد لنا على أن فويا يشعر بالكثير من السأم والملل؛ بسبب اضطرراه للحياة في القرية وسط الألبان بسبب أبيه المريض الذي على شفا الموت، لكن هذا المُبرر ليس من القوة والمنطقية التي تجعل الأب يتعامل بمثل هذا الشكل القاسي والفاتر مع الصغير؛ ومن ثم كان عدم تقديم المُبرر نقطة ضعف في بناء الفيلم تجعلنا نتساءل عن السبب طوال أحداثه.
يعمل المُخرج الصربي جوران راداكوفيتش بمهارة على بناء
السيناريو الذي قام بكتابته؛ ففي الحين الذي يعاني منه الجد من الوهن الشديد ويكاد
أن يرحل عن الحياة، ينقل لنا في المُقابل عائلة الفتى باشكيم/ الراعي- قام بدوره
المُمثل الصربي Denis Murić دينيس موريتش- التي تستعد لزفاف أحد أبنائها، ويصور لنا
استعداداتهم للزواج وتحضير السلاح الذي لا بد من إطلاقه في الفرح، والسيارات التي ستقوم
بجولة كبيرة في الإقليم مع العازفين وكأنه استعراض للقوة في المنطقة، وفي الوقت
الذي يستعد فيه الرجال لذلك يقوم باشكيم بسرقة إحدى قطع السلاح منهم وإخفائها، بل
ومحاولة قتل القس مرة، ونيناد مرة أخرى بالتصويب المُتردد عليهما باعتبارهما من
الصرب الذين قاموا بحرمانه من أبيه.
إن المُخرج هنا يضع أحداثه بالكامل على فوهة مُلتهبة، الأمر الذي ينذر بكارثة من المُمكن لها أن تحدث؛ فالجد الصربي يلفظ أنفاسه الأخيرة، بينما الأسرة الألبانية تستعد لزفاف ابنها الاستعراضي، ونيناد قد انخرط في صداقة مع الفتيين الألبانيين ويلهو معهما، وباشكيم يراقبهم ويراقب الجميع راغبا في الانتقام لمقتل أبيه، أي أن قدوم العاصفة قريب لا مُحالة، وهو ما يمكن له أن يُفجر الوضع مرة أخرى، ويطلق المزيد من الكراهية والثأر والرغبة في الانتقام لإسالة المزيد من الدماء.
يموت الجد/ ميلوتين ويشعر الفتى بالحزن الشديد عليه، ويطلب منه أبوه الذهاب لاستدعاء القس/ درايا والانتهاء من الجنازة؛ فهو لن ينتظر وصول شقيقته ميليتسا- قامت بدورها المُمثلة الصربية Anica Dobra أنيكا دوبرا- التي تقيم في العاصمة الصربية بلجراد، وحينما يذهب الفتى إلى الجندي الذي لا يفهم الصربية، يخبره الجندي أنه لا توجد مدرسة وعليه العودة مرة أخرى إلى البيت مانحا إياه قطعة من الشيكولاتة؛ فيضطر نيناد الذهاب إلى بيت القس جريا على قدميه في نفس الوقت الذي كان فيه القس قد ركب عربته التي تجرها الخيول مُتجها إلى بيت الجد من أجل مراسم دفنه.
يصل نيناد إلى بيت القس ليجد الطفلين الألبانيين وباشكيم يلعبون بجوار جرس الكنيسة الضخم راجمين إياه بالحجارة، وحينما يلمحه باشكيم يطلب منه أن يشاركهم اللعب، لكن نيناد يخبرهما أنه يبحث عن القس من أجل دفن جده، فيخبره الطفلان أن القس قد ركب عربته ولا بد أنه عندهم في البيت الآن. يبدأ نيناد في مُشاركتهم اللعب، وحينما يرغب في العودة خشية ضربه من أبيه يرفض باشكيم عودته ويصوب المُسدس تجاهه طالبا منه أن ينزل تحت جرس الكنيسة الضخم ويبدأ في العد، لكن نيناد يرفض العد بينما يقف تحت جرس الكنيسة المُنخفض. يسأله باشكيم: هل تشعر بالخوف؟ فيرد نيناد بصلابة بالنفي؛ الأمر الذي يجعل باشكيم يشعر بالكثير من الغضب ويبدأ في إطلاق الرصاص على الجرس الذي يوجد نيناد تحته؛ فترتد إحدى الرصاصات في ساق باشكيم وتصيب رصاصة أخرى حبل الجرس الذي يسقط فوق نيناد الذي حُبس داخله.
يعود القس مرة أخرى إلى بيته حينما يجد الطريق مقطوعا بسبب مُهاجمة الألبان أتوبيسا قادما من بلجراد فيه ميليتسا عمة نيناد، وحينما يرى باشكيم المُصاب في ساقه يحمله متوجها به إلى أسرته الألبانية اللاهية في العرس، ورغم أن القس هو الذي يحمل باشكيم المُصاب إلى أهله إلا أنهم يذهبون غاضبين لحرق جرس الكنيسة وبيت القس في دلالة على استحالة إمكانية التعايش بين الألبان والصرب مرة أخرى، بل يقوم الألبان بتحطيم مقابر الصرب ويعيثون فيها فسادا!
تشتعل الأحداث حينما يسأل جد باشكيم: من أطلق عليك النار؟ ولما يخبره الطفل بأنهم كانوا يلعبون لا يصدقه الجد، ويصر على أن يخبرهم بمن أطلق عليه النار، فيدعي الفتى بأن الصرب هم من فعلوا ذلك؛ الأمر الذي يشعل الموقف ويحول القرية إلى بركان من الغضب والرغبة في الانتقام.
تحاول قوات الأُمم المُتحدة السيطرة على الوضع من الانفجار؛ فيسرعون إلى عائلة نيناد الصربية ويضعونهم مع تابوت الجد المتوفي في إحدى السيارات المُصفحة، وحينما يرفض فويا الانضمام إليهم لرغبته في البحث عن ابنه أولا قبل الرحيل يرغمونه على ركوب السيارة معه، لينتقل المُخرج فيما بعد إلى نيناد وأبيه وقد انتقلا إلى العاصمة بلجراد ليلتحق الطفل بإحدى المدارس هناك ويستقران في العاصمة.
إن عدم إمكانية التعايش والعداء التاريخي بين الصرب والألبان يتضح لنا حينما يلتحق نيناد بالمدرسة في بلجراد وتسأله المُعلمة في الفصل عن مسقط رأسه؛ فيخبرها أنه من إقليم كوسوفو؛ الأمر الذي يجعل زملائه يعلقون ساخرين: ألباني، وينخرطون في الضحك الساخر، بل ويحرصون على تجنبه الدائم مما يشعره بالمزيد من الوحدة والعُزلة رغم تركه لإقليم كوسوفو الذي كان المسلمون يتجنبونه فيه.
ثمة سؤال لا بد أن يتبادر إلى ذهن المُشاهد حينما ينتقل نيناد وأبوه إلى بلجراد، كيف تم إنقاذ الفتى من تحت جرس الكنيسة؟ إن عدم معرفتنا لكيفية إنقاذ الفتي يُعد حلقة مفقودة في تسلسل الأحداث قد يؤدي إلى هدم الفيلم بأكلمه، لكن المُخرج جوران راداكوفيتش كان من الذكاء الفني الذي جعله يتلاعب بالجمهور حينما تعمد تأخير إخبارنا عن الكيفية التي تم من خلالها إنقاذ الفتى من تحت جرس الكنيسة، فينتقل فيما بعد من خلال الفلاش باك Flash Back والتداخل المونتاجي إلى القرية مرة أخرى، ويكون حريصا من خلال المُونتاج على الانتقال المُتبادل بين عزلة نيناد في بلجراد بين زملائه من جهة، وبين عرض الأحداث السابقة التي نرى من خلالها باشكيم وقد نهض من فراشه مُسرعا لمحاولة إنقاذ نيناد الذي لا يعرف أنه تحت الجرس سواه، وحينما يصل إلى هناك ويتأكد أنه ما زال حيا، يوقف إحدى سيارات الأُمم المُتحدة ويخبر الجندي عن الفتى؛ فينقذه الجندي.
في الفيلم الصربي "الجيب" للمُخرج الموهوب جوران راداكوفيتش ثمة تساؤل مُتأمل لإمكانية التعايش مرة أخرى بين الألبان والصرب ومحاولة تناسي الخلافات والنزاعات الدامية التي دارت بينهما فيما سبق، وهو يحاول تأمل هذا الأمر من خلال عيني طفل صربي وحيد وحزين يتابع ما يدور من حوله من كراهية وحقد موروث بين الآباء الكبار، لكن المُخرج نجح بالفعل في إيصال رسالة مفادها: أن التعايش والتسامح بينهما لا يمكن له أن يكون إلا من خلال الأجيال الجديدة القادرة على التجاوز عن الماضي الدامي للآباء، وهو ما رأيناه بوضوح حينما تم إنقاذ نيناد من تحت جرس الكنيسة ووقوف باشكيم مُتأملا له ليقول: ارجع مرة أخرى، أي أن الطفل الصغير الذي كان يرى أن جميع الصرب مجرد مُجرمين ومسؤولين عن مقتل أبيه قد استطاع التسامح والتجاوز؛ الأمر الذي جعله يشعر بالافتقاد الشديد لنيناد الصربي الذي رحل إلى بلجراد، وطلب منه العودة مرة أخرى.
محمود الغيطاني
مجلة الشبكة العراقية.
عدد 15 نوفمبر 2021م؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق