لكن، ما الدافع الذي من المُمكن له أن يدفع أحد المُخرجين إلى إعادة صناعة فيلم يخصه مرة أخرى؟ هل هو غير راضٍ عنه، أم أنه يرى فيه رؤية جديدة، أم رغب المُخرج في صناعة فيلم يُعد بمثابة مُحاكاة ساخرة للكوميديا الألمانية؟
ربما كان المُخرج غير راضٍ عن فيلمه السابق، لكنه حقق الكثير من النجاح حينها؛ الأمر الذي يجعلنا نستبعد مثل هذا الأمر، كما أنه لم يقدم أي رؤية فنية جديدة من خلال فيلمه الجديد الذي أعاد فيه تدوير الفيلم القديم، بل تكاد تكون هي نفس الأحداث من دون اختلاف. إذن، فلم يبق لنا سوى الافتراض الأخير، وهو أن المخرج أراد صناعة مُحاكاة ساخرة للكوميديا الألمانية.
بشكل فيه الكثير من الاختزال والابتعاد عن الثرثرة يحاول المُخرج منذ بداية فيلمه تقديم شخصياته الرئيسية من خلال أربعة مشاهد سريعة ومُتلاحقة؛ ليعرفنا بهم بشكل موجز؛ فنرى بيتر- قام بدوره الممثل الألماني Jan Josef Liefers جان جوزيف ليفرس- الممثل نصف الموهوب في بعض الأعمال التليفزيونية، وكريس- قام بدوره الممثل الألماني Til Schweiger تل شفايجر- المُلاكم السابق الذي يقوم بتدريب النساء في صالة رياضية، ويحلم بامتلاك صالة للياقة البدنية، وماكس مسوق الإعلانات- قام بدوره الممثل الألماني matthias schweighöfer ماتياس شفايغومر- ابن إحدى العلائلات الثرية، وإن كان لا يرغب في أن ينفق عليه أبوه من ماله؛ لذلك حرص على ادخار المال الذي يعمل به، هؤلاء الثلاثة لا يربط بينهم أي رابط سوى أنهم قد وضعوا مدخراتهم في نفس البنك فقط آملين أن يحققوا من خلال هذه المُدخرات أحلامهم. سرعان ما ينتقل المُخرج إلى تعريفنا بشخصية توبياس مُستشار الاستثمار في أحد البنوك الكبيرة- قام بدوره الممثل الألماني Michael Herbig مايكل هيربيج- وهو شخصية ليس لها علاقات مع النساء لخجله من التعري، كما أنه لا يوافق على غش عملاء البنك، وعدم إخبارهم بالحقائق، أي أنه شخصية شديدة المُباشرة والصراحة، وهو ما لا يرضى عنه مدير البنك- شوماخر- الذي يدير تسعة بنوك تحقق الكثير من الأرباح؛ لذلك يرغب شوماخر في إقالة توبياس الذي يتولى حسابات بعض المودعين للاستثمار ومنهم الثلاثة السابقين، ولأن القانون والتعاقد الذي بين توبياس والبنك لا يمكن أن يسمح للمدير أن يقيله من دون أي أسباب وجيهة، يعمل على إرغامه كي يقدم استقالته للبنك بمنع تقارير السوق اليومية من الوصول إليه من خلال البريد الإليكتروني، وهو الأمر الذي يؤدي إلى فقدان هؤلاء المُودعين لأموالهم التي ادخروها؛ بسبب عدم مُتابعة توبياس تقارير السوق التي لا تصله.يشعر المودعون الثلاثة بالكثير من الغضب ويتجهون إلى البنك راغبين في الفتك بتوبياس، الذي يضطر إلى تقديم استقالته، وأثناء تجمعهم في أحد البارات للتخطيط في كيفية الانتقام من المُحاسب الذي تسبب في ذلك يجدونه منزويا في إحدى أركان البار وحيدا؛ فيحاول أحدهم الاتجاه إليه، لكن الآخر يخبره أنهم إذا ما اقتربوا منه في هذا المكان؛ فلا بد أنهم سيدخلون السجن.
يتابعه الثلاثة لحين الوصول إلى بيته، ويقتحمونه عليه، ليربطوه ويحاولون الانتقام منه، لكنه يخبرهم أنه لا ذنب له فيما حدث لأموالهم، ولأن مدير البنك يرغب في إقالته، فقد عمل على أن يخسروا أموالهم ليكون ذلك سببا في طرده. هنا يفكر بيتر في سرقة البنك؛ لاسترداد أموالهم، ويسأل توبياس: هل لو سُرقت بعض الملايين من البنك؛ سيؤدي ذلك إلى فقدان المودعين لأموالهم؟ لكنه يؤكد له أن ذلك غير صحيح لأن البنوك مُؤمن عليها ضد هذه السرقات؛ كي لا يفقد المودعون أموالهم، هنا يقررون السطو على البنك ليقول كريس: ستكون جريمة من دون ضحايا.
يوافق توبياس على الاشتراك معهم في عملية السرقة؛ انتقاما من شوماخر مدير البنك، ويمدهم بالمعلومات الكاملة التي تفيدهم في خطتهم، ويدفعون المال لأحد الرجال كي يتظاهر بأنه سيسطو على البنك أثناء وجودهم داخله من أجل معرفة الوقت اللازم لوصول الشرطة إلى البنك، وحينما يتأكدون أن الوقت اللازم هو 16 دقيقة فقط؛ يبدأون في التخطيط لخطتهم.
يتفقون مع توبياس على ألا يكون معهم في السطو؛ لأنه بالتأكيد سيتم استدعائه في التحقيقات بعد السطو، بما أنه كان من موظفي البنك؛ وبالتالي من الممكن أن يكون له مصلحة في السطو عليه، ويؤكد له بيتر أنه لا بد له من أن يكون بعيدا عن البنك في نفس التوقيت، كما لا بد من وجود العديد من الشهود على مكان تواجده حينها. يقرأ بيتر في الجريدة أن البابا سيكون في استاد كبير وسيستقبله الآلاف من الناس، ويطلب من توبياس أن يتعرى تماما في الاستاد أمام الآلاف ليكونوا شهودا على مكان تواجده حين سرقة البنك.
يقوم الثلاثة بالفعل بسرقة مليونين ومئة ألف من اليوروهات، لكنهم يكتشفون أنهم لا يستطيعون التصرف فيها؛ لأن فريق التحقيق في سرقة البنك قد أبلغ بالأرقام المُسلسلة للأوراق النقدية، كما أن رئيس فريق التحقيق الدكتورة إليزابيث- قامت بدورها الممثلة الألمانية Antje Traue أنتي تراوي- قد استدعت كل من بيتر، وكريس، وتوبياس للإدلاء بمعلوماتهم في التحقيق، والوحيد الذي لم يتم استدعائه؛ لعدم ظهوره في البنك من قبل هو ماكس.تتشكك إليزابيث فيهم لا سيما كريس الذي يوجد وشم على يده قد ظهر في كاميرات البنك، لكنه يؤكد لها أنه ليس المواطن الوحيد الذي لديه مثل هذا الوشم، وأثناء التحقيق تظهر رسالة على هاتف إليزابيث يعرف من خلالها كريس أنها عزباء وتشعر بالكثير من الوحدة لذلك تدخل إلى مواقع المواعدة. تعرف زوجة بيتر بأمر الأموال حينما تكتشفها في المنزل، لكنها عندما تعلم منه أنهم مليونان من اليوروهات تبدي رغبتها في مساعدتهم من أجل الاحتفاظ بالأموال، وإلصاق السطو بشخص آخر.
يقترح توبياس عليهم بضرورة إيجاد الدلائل التي لا بد منها من توجيه سير التحقيق ضد شوماخر مدير البنك نفسه باعتباره هو من قام بالسطو، وبالفعل يقنع المُلاكم كريس صديقين قديمين له كانا في السجن بأن يعترفا بأنهما من قاما بعملية السطو، وأن شوماخر هو من أمدهما بكل المعلومات البنكية. وتبدأ زوجة بيتر في التخطيط من أجل أن يلتقي ماكس بإليزابيث من خلال مواقع التعارف باعتباره مُعجبا بها، وبالفعل يتعارفا ويتفق معها على الذهاب إلى أحد المطاعم التي يتواجد فيها شوماخر أسبوعيا مع عشيقاته بعدما يضعا لها أمام باب شقتها عقدا ثمينا.تظن العشيقة أن شوماخر هو من وضع لها العقد الثمين، ويتجه كل من توبياس وكريس إلى بيت شوماخر من أجل وضع العديد من الدلائل التي تؤكد بأنه هو من سرق البنك، منها مليون و700 ألف يورو في منزله بالإضافة إلى مجموعة من جوازات السفر المُزيفة، فضلا عن أن توبياس أجرى العديد من الاتصالات الدولية ببعض البنوك ليبدو الأمر وكأنه غسيل أموال.
تلاحظ إليزابيث شوماخر في المطعم، ويوحي لها ماكس أنه قد يكون هو الذي خطط لعملية السطو، وحينما يتم توقيف الرجلين اللذين اتفق معهما كريس يعترفا بأن شوماخر هو الذي أعطاهم المعلومات كاملة من أجل السطو، وبالفعل يتم العثور على كل الدلائل في بيته؛ ليتم توقيفه وإلقائه في السجن.
تستمر علاقة ماكس مع إليزابيث التي تتحول إلى علاقة حقيقية، ويكون كل شخص منهم قد حصل على مئة ألف من اليوروهات.
لا يمكن إنكار أن المخرج الألماني فولفجانج بيترسن نجح في تقديم فيلم فيه قدر كبير من الإمتاع والفكاهة، ولم يسقط بفيلمه باتجاه الابتذال الذي لا داع له، لكننا نلاحظ أن المخرج قد رسم شخصياته بشكل هزلي مُبالغ فيه، صحيح أن الهزل قد يتناسب إلى حد ما مع الكوميديا، لكن يبدو أنه قد بالغ في شخصياته الهزلية التي قد نفسرها برغبته في المُحاكاة الساخرة للكوميديا الألمانية.
المخرج الألماني فولفجانج بيترسين |
لكن لا يفوتنا أن البطل الحقيقي للفيلم يتمثل في الموسيقى التصويرية للموسيقي الألماني Enis Rotthoff إينيس روتوف، وهي الموسيقى الرشيقة التي مثلت أهم ما في الفيلم المُمتع؛ حيث كانت توحي بالكثير من المرح منذ المشهد الأول، وهو المرح الذي يتناسب إلى حد بعيد مع أحداث الفيلم التي نراها أمامنا على الشاشة؛ الأمر الذي ساعد في إكساب الأحداث المزيد من الحيوية والتشويق.
محمود الغيطاني
مجلة الكرمة
عدد يونيو 2021م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق