الخميس، 23 يونيو 2022

الرائد: مأزق أخلاقي وحفل من الجثث!

ماذا لو وُضع الإنسان في موقف أخلاقي يتعين عليه من خلاله التصرف كما يمليه عليه ضميره، لكن هذا التصرف الأخلاقي بمثابة المأزق الذي قد يطيح به وبكل من يحيطونه في حالة إذا ما استمع إلى صوت الضمير؟

إن وضع الإنسان في مثل هذا المأزق الذي يجعل المرء غير قادر على الاختيار الصعب بين أن يفعل ما يجب أن يكون؛ فتنهار حياته تماما وحياة كل من يحيطون به، أو ينساق خلف القطيع الفاسد ويترك هذا الضمير خلف ظهره هو حجر الأساس الذي انطلق منه المُخرج والسيناريست الروسي Yuri Bykov يوري بيكوف في صناعة فيلمه المُهم The Major، أو Майор حسب العنوان الأصلي للفيلم في اللغة الروسية، وهو الفيلم الذي يعمل فيه المُخرج على انتقاد المُؤسسة الأمنية الروسية وما يسود أفرادها من فساد يكاد أن يجعلهم مجموعة من العصابات الخطيرة بدلا من حمايتهم للمواطنين الأحرى بهم أن يسهروا على أمنهم!

يبدأ بيكوف فيلمه- الذي أدى فيه دورا مُهما كمُمثل- بلقطة خارجية طويلة ثابتة لمجموعة من البنايات بينما يعلو في الخلفية صوت نعيق الغربان العالي الدال على ثمة شيء سيئ على وشك الحدوث، ثم يتعالى صوت الهاتف في إحدى هذه البنايات ليرد عليه شخص ما، ويخبره من هو على الطرف الآخر بأن زوجته قد انتقلت إلى المشفى.

في اللقطة التالية مُباشرة نرى سيرجي- قام بدوره المُمثل الروسي Denis Shvedov دينيس شوفيدوف- مُنطلقا بسيارته على طريق ثلجي؛ للحاق بزوجته التي في المشفى، ويكاد أن يصطدم بالعديد من السيارات أكثر من مرة، لكنه فجأة يلاحظ أحد الأطفال يحاول عبور الطريق بينما أمه/ إيرينا- قامت بدورها المُمثلة الأوكرانية Irina Nizina إيرينا نيزينا- تناديه محاولة تحذيره من العبور، لكن سيرجي يصطدم بالطفل وينحرف بالسيارة على جانب الطريق؛ الأمر الذي يؤدي إلى أن يغشى على الأم التي تقع على الجانب الآخر للطريق.


يسرع سيرجي بسحب الأم المُغشى عليها وحبسها في سيارته بعدما يأخذ مفاتيح السيارة، ويهاتف أحدهم مُخبرا إياه بأنه قد دهس طفلا، وعليه أن يجد له مخرجا من هذه الورطة؛ فيسأله الطرف الآخر عن وجود شهود، إلا أن سيرجي يؤكد له أنه لم يكن هناك أي شهود فيما عدا الأم فقط.

تصل إلى مكان الحادث سيارة شرطة يقودها الضابط ميركولوف- قام بدوره المُمثل الأستوني Ilya Isaev إيليا أساييف- بينما تتابعه سيارة عادية يقودها ضابط الشرطة باشا- قام بدوره مُخرج الفيلم Yuri Bykov يوري بيكوف- هنا نعرف أن سيرجي- الذي صدم الطفل أثناء عبوره- هو رائد شرطة، وقد اتصل بزملائه من أجل إنقاذه من ورطته.


يسمح سيرجي لإيرينا المُنهارة تماما بالخروج من السيارة؛ فتسرع نحو جثة ابنها، وحينما تتأكد من موته تحاول ضرب سيرجي، لكن ميركولوف يأخذها إلى سيارة الشرطة محاولا تهدئتها. يعود ميركولوف إلى سيرجي وباشا ويتفقا على أن يخرج سيرجي من الورطة بمنح الأم كأسا من الكونياك بغرض تهدئتها، ولكي يجروا لها تحليل دم حينما يصل الإسعاف، ويؤكدوا أن الأم كانت قد تناولت الكحول قبل الحادث؛ وبالتالي فهي لم تكن مُنتبهة إلى ابنها؛ مما أدى إلى وقوع الحادث الذي لا ذنب لسيرجي فيه.

بعدما تنصاع الأم المُنهارة إلى ميركولوف وتشرب كأس الكونياك يقوم بالاتصال بالإسعاف، وبقية عناصر الشرطة من أجل التحقيق شكليا في الحادث الذي وقع، وهنا نرى باشا يُملي الضابط الذي يجمع الأدلة قائلا: سيرجي كان يقود من هناك، وشاهدهم يسيرون إلى موقف الحافلات؛ تباطأ قبل المُنعطف وسرعته كانت 50 كم في الساعة؛ لذا استمر في القيادة وهم يسيرون نحوه، وقد حذرهم مرتين، وعندما وصل إلى موقف الحافلات بدأ الطفل بالركض؛ فضرب المكابح وانزلق؛ فيسأله جامع الأدلة: كم تبعد علامات الانزلاق؟ فيرد عليه: عشرة أمتار، لكن الشرطي يقول: ليست عشرة، تبدو ثلاثين مترا؛ فيقول باشا بتحذير: دون ما أقوله لك فحسب، اتفقنا؟ ثم نرى ميركولوف يمد يده إلى الكاميرا الخاصة بالشرطي ليفرغها من بطاريتها قائلا له: ستخبرهم بأن البطارية كانت فارغة.


إذن، فالضباط زملاء سيرجي هم من يكتبون التقارير ويجمعون الأدلة كيفما يحلو لهم من أجل تبرئة زميلهم مُدعين أنه كان يقود بسرعة 50 كم مترا في حين أن سرعته الحقيقية تعدت المائة، كما يمنعون الشرطي الذي يجمع الأدلة من التصوير حتى يخفون آثار انزلاق فرامل السيارة، وحينما يصل الإسعاف وترى الأم ابنها محمولا يغشى عليها مرة أخرى؛ فتحاول الطبيبة حقنها بحقنة مُهدئة لكن الضابط ميركولوف يأمرها بحزم بأن تأخذ عينة من دمها أولا قبل حقنها بالمُهدئ؛ فتفعل الطبيبة.


في مشهد تالٍ يصل زميل آخر لهم بورلاكوف- قام بدوره المُمثل الروسي Kirill Polukhin كيريل بولوخين- الذي يقول لباشا: نحتاج إلى شهود، لكن باشا يرد عليه باطمئنان: سنجد بعضهم كما نفعل دائما! أي أنهم سيجدون شهودا من الزور؛ كي يعملوا على تبرئة سيرجي.

ربما نلاحظ هنا تواطؤ جميع رجال الشرطة من أجل تبرئة سيرجي الذي يقف بينهم مذهولا؛ وهو الأمر الذي يشعره بالكثير من الذنب حينما ينظر إلى أم الطفل؛ لذلك يخبر باشا أنه بالفعل قد رأى الطفل، وأنه كان مُسرعا، وسرعته هي التي قتلته، لكن باشا يهون من الأمر مُخبرا إياه أنه لا بد أن يخرج من هذه الورطة، لكن سيرجي حينما يركب السيارة مع باشا ينهار تماما قائلا: يا لغبائي، لقد رأيتهما، رأيت موقف الحافلات، وإشارات المرور؛ فيرد عليه باشا: لنكن صادقين، لو كان المقتول ابني؛ لكنت علقتك من خصيتيك.

يطلب سيرجي من باشا أن يأخذه إلى المشفى لرؤية زوجته، لكنهما أثناء الطريق يصلهما اتصال من رئيسهم أليكسي- قام بدوره المُمثل الروسي Boris Nevzorov بوريس نيفزوروف- الذي يأمرهما بأن يذهبا إليه؛ ومن ثم يتجهان إليه. مع وصولهما يخبر سيرجي أليكسي: لقد كانت غلطتي؛ فيرد عليه: لا يهمني غلطة من كانت، أريد أن أعرف هل قضيتك بخير؟ ثم يقول لباشا: خذه إلى المركز وضعه في السجن، ولا تدعه يخرج، وإن جاءت الشؤون الداخلية سيكون في الحجز، لا أريد أي جلبة أو شكاوى، وتعامل مع تلك السيدة، لا يهمني كيف، أريدها أن توقع بالتنازل عن القضية، ثم يعود بحديثه إلى سيرجي: توقف عن التحديق في الأرض، أتشعر بالذنب؟ فيرد عليه: أنا الذي قتلته، لكن أليكسي يقول له: لا تستطيع إعادة الطفل، لديك طفل الآن، عليك أن ترفع ابنك عاليا وتعلمه في أفضل المدارس، لا تعقد الأمور على نفسك وعلى الآخرين.


يؤكد أليكسي لهما أن سيرجي لا يمكن له أن يُدان في مثل هذه القضية؛ لأن إدانته ستؤدي إلى وقوعهم جميعا في يد الشؤون الداخلية للشرطة وهو ما لن يسمح له بالحدوث، لكن سيرجي يقول لباشا حينما ينصرفا: ستسجنني كما قال، وتساهل مع المرأة بذكر الكحول فحسب، ولو رفضت دعها تذهب. أي أنه يشعر بالكثير من التعاطف مع الأم، ويشعر بالكثير من الذنب؛ ومن ثم يطلب من باشا ألا يمارس معها أي شكل من أشكال العنف من أجل إرغامها على التنازل عن القضية.

حينما تصل إيرينا مع زوجها/ جوتوروف- قام بدوره المُمثل الروسي Dmitry Kulichkov ديمتري كوليتشكوف- إلى مركز الشرطة يصطحبهما باشا إلى مكتبه ويطلب منها أن تقرأ التقرير وتوقعه، لكنها تكتشف أن التقرير يذكر وقائع لم تحدث بالفعل، وحينما تعترض يخرج لها التقرير الطبي الذي يفيد بأنها كانت سكرانة أثناء الحادث، أي أنها لم تكن مُنتبهة لطفلها؛ وبالتالي فإن السائق/ سيرجي ليس مُدانا، هنا تثور عليه لأن ميركولوف زميله هو من أعطاها الكحول كي تهدأ، لكنه يؤكد لها أن الرائد سيرجي لا بد له أن يخرج من هذه القضية، هنا يثور الزوج عليه ويبدأ في سبهم، وترفض الأم التوقيع؛ فيلكم باشا الزوج بقوة في وجهه ليقع أرضا نازفا في دمائه، ويبدأ في تعنيف الأم، وحينما يخبرانه بأنهما سيتوجهان إلى المحكمة، يعتدي بالضرب مرة أخرى على الزوج مُهددا إياها بقتله؛ الأمر الذي يرغمها على التوقيع والانصراف.


رغم تنازل الأم عن اتهام سيرجي مُكرهة، إلا أن سيرجي حينما يرى توقيعها ويلمح يد باشا المتورمة بسبب لكمه للزوج يعرف ما حدث؛ ومن ثم يرفض الخروج من الحجز لائما إياه بأنه قد طلب منه عدم استخدام العنف مع أبوي الطفل، لكن الزوج/ جوتوروف يعود إلى مركز الشرطة مرة أخرى مُسلحا ويهاجمهم بعدما يتخذ اثنين من رجال الشرطة كرهائن. يسرع باشا لإخراج سيرجي من الحجز، ويسأل الضابط بورلاكوف سيرجي: ما الذي حدث بالفعل؟ فيرد سيرجي مُنفعلا: كما حدث في يناير، عندما كان الرجل ذاهبا إلى منزله، وضُرب رأسه بغطاء السيارة، وهو لا يزال في حالة غيبوبة منذ ذلك الحين، ماذا ذكرت في تقريرك؟ بأن رجلا سكيرا يحمل عتلة تهجم على ضابط أثناء أداء واجبه. أي أن جميع رجال الشرطة متورطون في قضايا قتل وفساد لا يمكن أن يتخيلها أحد؛ لذلك يتواطئون مع بعضهم البعض.


يحاول رجال الشرطة التفاهم مع جوتوروف الذي يطلب منهم إخراج سيرجي له، لكن الضابط بورلاكوف يخرج للأب رافعا يديه محاولا التفاهم، وحينما يرفض الأب إلا أن يخرج إليه سيرجي ينادي بورلاكوف إياه طالبا منه القدوم، وفي هذه اللحظة يأمر بورلاكوف من الضابطين الرهينتين المصوب السلاح إليهما أن ينخفضا باتجاه الأرض، لكنهما بمجرد فعل ذلك تنطلق الرصاصة من بندقية الأب باتجاه بورلاكوف الذي يموت بينما يهجم رجال الشرطة على الأب ليضربونه بقسوة ويلقونه في الحجز.

يصل أليكسي/ الرئيس إلى مركز الشرطة غاضبا ويبدأ في لومهم لأنهم لم يقتلوا الأب الذي ألقوه في الحجز؛ ليقول لهما: سنتخلص من ذلك الرجل، وسنذكر في التقرير أنه قد قُتل أثناء مقاومة الاعتقال. هنا يثور سيرجي رافضا قتله راغبا في حقن الدماء التي تنثال، ويؤكد لأليكسي أنه بالفعل مُدان وأنه سيتحمل مسؤولية ما فعله، لكن أليكسي يسخر منه ويؤكد له أنه لا يمكن إدانته؛ لأن إدانته تعني أن يقع الجميع بلا استثناء، فإذا ما قدمت الشؤون الداخلية- فرقة الجرذان كما ينعتونها- ستجد أن ثمة حادث سير، وبعدها بساعتين توقيع الأم بالتنازل، ثم هجوم الأب على المركز وقتله لضابط، أي أن الجميع لا بد لهم أن يُدانوا ويسجنون وأولهم أليكسي؛ لذلك لا بد لهم من أن يتخلصوا من الأب والأم أيضا.


هنا يأمر أليكسي باشا بأن يتخلص من الأب الموجود في الحجز، ويسرع باشا إليه ليقتله، ويأمر زملائه بحمل الجثة إلى المشرحة، وتبرير مقتله أنه قد قاوم الاعتقال، لكن سيرجي يسرع بأخذ سيارة وسلاح مُتجها إلى عنوان إيرينا/ أم الطفل محاولا حمايتها من زملائه الذين سيقتلونها، وحينما يصل إلى باب البناية محاولا الهروب مع الأم يُفاجأ بأن زملائه من الشرطة قد وصولوا من أجل قتل إيرينا. يهرب سيرجي معها بعدما يصوب السلاح على رأس باشا، ويتجه إلى منطقة ثلجية غير مأهولة. وحينما تسأله إيرينا: لم تفعل ذلك؟ يخبرها بأنهم قد قتلوا زوجها وسيقتلونها أيضا.

تسرع الشرطة بعمل كمائن على الطريق حتى لا يهرب سيرجي بالأم؛ فيهاتف ميركولوف سائلا إياه عن الوضع، لكن ميركولوف يطلب منه تسليم الأم لهم وأن يعود إلى عقله، وحينما يرفض سيرجي يخبره ميركولوف أنهم قد فعلوا كل ذلك من أجل حمايته، لكن إذا ما أصر على الهروب بالأم؛ فهو بالنسبة لهم سيكون مجرد مُحتجز هارب مع شاهدة إثبات ومن حقهم أن يطلقوا عليه النيران في هذه الحالة، ثم يغلق الهاتف في وجه سيرجي، لكنه يسمع صوت صفير من خلفه وحينما يلتفت إلى مصدر الصوت يرى سيرجي مصوبا سلاحه تجاهه، ومن ثم يرغمه سيرجي تحت تهديد السلاح بتهريبهما، ويطلب من ميركولوف أن يذهب بهما إلى بيته.


يندهش ميركولوف للجوء سيرجي لبيته؛ فيسأله عن السبب، هنا يخبره سيرجي بأنهم سينتظرون هنا حتى تأتي الشؤون الداخلية ويسلم نفسه مع الأم، ويطلب من ميركولوف الاتصال بالشؤون الداخلية وإبلاغها بكل ما كان في ذلك اليوم الطويل، وتخوفا من أن يطلق سيرجي عليه النار يفعل ميركولوف ويخبر الشؤون الداخلية التي اتخذت طريقها للوصول إليهم، لكن بما أن المسافة تستغرق أربع ساعات كاملة يكون الانتظار طويلا.

هنا تتساءل إيرينا: أي نوع من الأشخاص أنتم؟ كيف تعيشون مع أنفسكم؟ ليرد عليها ميركولوف: كما تعيشين أنت، إذا قتل زوجك طفلا هل تذهبين إلى الشرطة؟ وحينما لا ترد عليه مُلتزمة الصمت والحيرة؛ يقول لها: نحن جميعا متشابهون، لذا أغلقي فمك.


يصل رجال الشرطة إلى منزل ميركولوف ويحاولون اقتحامه، لكن سيرجي يطلق النيران عليهم مُحذرا إياهم بأنه لن يتردد في قتل أي منهم، هنا ينسحب الرجال مُخبرين باشا بأنهم لن يعرضوا أنفسهم للقتل، وحينما يخبرهم باشا بأن سيرجي مُحتجز هارب، يسخرون منه ويقولون: نحن نعرف أننا لا نريد سيرجي في شيء، بل نريد الأم فقط.

يفكر باشا في الدخول وقتل سيرجي لكنه يتراجع غير قادر على قتل صديقه؛ فيهاتفه طالبا منه أن يقتلها بنفسه ويخفي جثتها، إلا أن سيرجي يرفض؛ فيؤكد له باشا أنه إذا لم يفعل سيقوم بقتل زوجته وطفله الذي وُلد اليوم، هنا يشعر سيرجي بالكثير من القلق والخوف ويخرج بإيرينا من المنزل مُتجها معها إلى منطقة غير مأهولة.

المُخرج الروسي يوري بيكوف

يدخل باشا المنزل ليجد ميركولوف يتجرع الكثير من الكحول وقد بدأ يسكر فيسأله عما أخبر به رجال الشؤون الداخلية؛ فيؤكد له ميركولوف أنه قد أخبرهم بكل ما حدث حيث كان سيرجي مصوبا السلاح إلى رأسه، هنا يسأله باشا: هل الغاز لديك يعمل؟ فيجيبه بالإيجاب؛ ليفتح باشا غاز البوتوجاز طالبا من ميركولوف أن يستنشقه. يندهش ميركولوف ويخبره بأنه سكران الآن، وإذا ما أتى رجال الشؤون الداخلية سيجدونه سكرانا وبالتالي لن يكون لبلاغه لهم أي أهمية، لكن باشا يصر على أن يستنشق الغاز وإلا ضربه رصاصة في ركبته، وحينما لا يستطيع ميركولوف فعل ذلك يعطيه باشا ظهره مُتظاهرا باتجاهه للباب كي يخرج وسرعان ما يلتفت إليه ليطلق عليه النار ويقتله.

يحاول سيرجي قتل إيرينا لكنه يشعر بعدم مقدرته على فعل ذلك، وحينما تثور في وجهه يطلب منها أن تسامحه؛ لأنهم سيقتلون زوجته وطفله إذا لم يقم بقتلها، ثم يطلق عليها النار. يصل باشا إليه راغبا في التخلص منه لكنه لا يستطيع قتل صديقه؛ فيقول له: لو كنا قد قتلنا الأم في مكان الحادث لما حدث كل ما حدث في هذا اليوم الطويل، ولما مات زملائنا، ولا زوجها، ويطلب منه الهروب والاتجاه إلى المشفى الذي توجد فيه زوجته وطفله؛ فيسرع سيرجي للهروب.

المُمثل الأستوني إيليا أساييف

صحيح أن المُخرج الروسي يوري بيكوف قد أغلق فيلمه على ذلك، أي أنه قد ترك نهايته مفتوحة من دون إحكام، لكننا كمُشاهدين نُدرك جيدا أن فرقة قسم الشرطة بالكامل قد انتهى أمرها، وأن الشؤون الداخلية ستلقي القبض عليهم جميعا.

إن الفيلم الروسي الرائد للمُخرج يوري بيكوف من الأفلام المُهمة على المستوى الفني، والأدائي، والتنفيذ، والإخراج، ولعلنا لا ننكر أن الفيلم كان فيه من التوتر والسرعة اللاهثة، التي تعود إلى المُونتاج، ما يجعل المُشاهد مُنجذبا لأحداث الفيلم منذ اللحظة الأولى حتى نهايته من دون أن ينفصل للحظة واحدة عن مُتابعته لما يدور أمامه، كما كان أداء المُمثلين جميعا كمباراة تنافسية مُهمة فيما بينهم ليبدي كل منهم أفضل ما لديه، لكننا لا يمكن لنا تجاهل أداء المُخرج يوري بيكوف الذي يثبت لنا أنه مُمثل بارع على مستوى الأداء، بل واستطاع التنافس في الأداء مع العديدين من المُمثلين المعروفين بأدائهم القوي.

لعل السيناريو المُهم الذي كتبه يوري بيكوف وقام بإخراجه من السيناريوهات المُتماسكة إلى حد بعيد؛ حيث ابتعد المُخرج عن الثرثرة كثيرا؛ مما أدى إلى إحكام الأحداث وعدم ترهلها، كما نلاحظ أنه من الأفلام التي تهتم بانتقاد المُجتمع الروسي ومُؤسساته، وما يدور فيهما من فساد مُستشرٍ لا يمكن له أن ينتهي بسهولة؛ بسبب توغل الفساد حتى النخاع، لكن الفكرة الأهم في هذا الفيلم لم تكن في الفساد الذي يضرب بجذوره في عُمق المُجتمع الروسي فقط، لا سيما مُؤسسته الأمنية، بل كان جوهر الفيلم يهتم بالموقف الأخلاقي الذي من المُمكن أن يوضع فيه أي إنسان أيا كان، وقراره الذي من المُمكن له أن يتخذه إذا ما كان اتباع الضمير هو تدمير الذات وكل ما يحيط بنا من حيوات وأشخاص، وهو ما رأيناه لدى الرائد سيرجي الذي دمر كل من وقفوا إلى جانبه، أو حاولوا حمايته من زملائه، كما ألقى بنفسه في التهلكة معهم حيث السجن أو القتل من أجل اتباع ضميره، لكنه حينما تم تهديده بقتل زوجته وطفله في نهاية الأمر تخلى مرة أخرى عن هذا الضمير وقام بقتل الشاهدة التي كان وجودها سببا في هذا الحفل الصاخب من الجثث، بل وانهيار كل شيء بالنسبة له ولزملائه.

 

 

 

محمود الغيطاني

مجلة الشبكة العراقية.

عدد 15 يونيو 2022م.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق