الأربعاء، 25 يناير 2017

أن يكون الرب أنثى.. "الإنجيل الجديد"

تبدو الفكرة التي ينطلق منها الفيلم الفرنسي Le tout nouveau testament "الإنجيل الجديد" للمخرج والكاتب البلجيكي Jaco Van Dormael جاكو فان دورميل كفكرة مخيفة وجريئة للكثيرين ممن يرفضون تأمل أو نقاش الثوابت واليقينيات، أو ما يُطلق عليه الأفكار الإيمانية الراسخة التي لا يمكن تأملها، ومن هنا فالفيلم من السهل أن يُقابل بالكثير من الرفض والاعتراض عليه؛ بسبب نقاشه أكثر الأفكار التي لا يرغب أحد في نقاشها أو الخوض في الحديث فيها إلا من خلال شكل إيماني، وتسليم مُطلق لا يشوبه أي لون من ألوان الشك، وهي فكرة الله، وماهية وجوده، وسبب خلقه للعالم، وكيفية تعامله مع هذا العالم.
Le tout nouveau testament
الفيلم منذ البداية يتعامل مع فكرة الله بقدر غير قليل من السخرية والتهكم؛ ولعل منبع هذا التهكم هو رؤية صناع الفيلم في كون الله الذكر أو الله الرجل هو إله بغيض، ملول، لم يخلق العالم إلا بسبب شعوره الشديد بالملل؛ ومن ثم أراد الشعور بقدر من التسلية وإزجاء الوقت بالتجريب في خلق هذا العالم، ثم لم يلبث أن مارس الكثير من ألاعيبه ولهوه؛ لمجرد التسلية وهنا نراه يُسن العديد من القوانين التي يطبقها على البشر، ولعلنا نلاحظ أن جميع هذه القوانين كانت ظالمة، كما أنه يقصد هذا الظلم لهم مثل أن يضع قانونا ينص على أن المصائب لا تأتي فرادى، أو أن الصف الذي يقف فيه البشر من أجل قضاء مصلحة ما لابد أن يكون أبطأ من الصف المجاور، أو أن الشطيرة لابد أن تسقط دائما على الجانب الذي تكون فيه المربى، أو أن الصحون لا يجب أن تسقط وتنكسر إلا بعد غسلها، أو أن الإنسان دائما في حاجة إلى عشرة دقائق زائدة من النوم حتى يفوت عليه الموعد الذي سيصحو من أجله، أو أن التليفون لابد أن يدق في الوقت الذي يغطس فيه الإنسان تماما في مغطس الحمام.
كل هذه القوانين وغيرها التي كان يُسنها الله وهو يضحك ويقهقه بشكل فيه الكثير من الغل والحقد حينما يرى عذابات البشر بسبب قوانينه لا تدل إلا على أننا أمام إله سادي، ملول، حاقد على الجميع منذ المشاهد الأولى من الفيلم، ومن هنا فالمشاهد سيكتسب الكثير من الكراهية أمام هذا الإله الذي يلهو بعذابات البشر لمجرد اللهو فقط، كما أن الممثل Benoît Poelvoorde بينوا بولفورد الذي أدى دور الله أداه ببراعة واضحة؛ حيث تميز أدائه بالتعالي التام، والاستهانة بالجميع منهم زوجته Yolande Moreau يولاند مورو، وابنه المسيح، وابنته إيا، كما تميز بالسيطرة المطلقة، ورفض النقاش أو الاستماع لأحد، والتعامل مع الجميع بفجاجة، وتعذيب وإهانة الزوجة، والابنة دائما؛ الأمر الذي أدى بابنه المسيح إلى الهروب من مملكته ورفض الخضوع له إلى الأرض؛ ليختار من بين البشر اثنى عشر حواريا ليكونوا صوته للعالم، ولكن هؤلاء الحواريين خانوه ليتم صلبه، ورغم هذه الخيانة للمسيح وفقدانه، فكرت إيا ابنه الله أيضا في التمرد عليه ورفض هذه المملكة الظالمة التي تحيا فيها مع أم خانعة لزوجها الله، وإله يُعذب الجميع فقط من أجل الرغبة في اللهو بالتعذيب؛ مما جعلها تثور عليه غير مرة واضعة نفسها أمام سطوته وغضبه ليضربها بحزامه الجلدي عقابا لها؛ الأمر الذي جعلها تتناقش مع تمثال أخيها المسيح الذي أخبرها أن تختار ستة حواريين جدد ليكتمل عدد الحواريين إلى ثمانية عشر حواري، ومن خلالهم تعمل على إصلاح العالم الذي أفسده أبوهم، كما نصحها بإفساد البرنامج المسيطر على العالم البشري، وهو البرنامج الذي يستخدمه أبوهم الله؛ فقامت بإرسال تواريخ الوفاة لجميع البشر حتى يستفيدوا بالقدر الباقي لهم من حياتهم في أمور من الممكن أن تسعدهم، ولم تنس إفساد برمجة الكمبيوتر بالكامل حتى يفشل أبوها الله في السيطرة على البشر مرة أخرى.
هنا سألت إيا أخيها المسيح عن السبيل إلى الهروب من مملكة الرب من أجل إصلاح ما أفسده، فأخبرها أن تعمل على تشغيل الغسالة على برنامج معين وهنا سيظهر لها ممر يفضي إلى العالم البشري وتستطيع الهروب منه إلى الأرض لتندمج بالبشر وتحاول إسعاده وإصلاح ما فسد فيه.
من خلال هذه الفكرة المسيطرة على صناع الفيلم منذ مشاهده الأولى يحاولون طرح فكرتهم بجرأة صادمة للجميع، وهي أن مملكة الرب التي صنعها هي مملكة بائسة حزينة، يتفشى فيها الدمار والأوبئة، والقتل، والحروب التي جعلها دائرة في كل مكان من العالم باسمه مرة، وباسم بعل مرة أخرى، وباسم الصليب مرة ثالثة، أي أنها في سبيله في نهاية الأمر، كما تمتلئ بالكثير من الكوارث التي تسود العالم لا لشيء إلا من أجل دفع الملل عن الله، وأن الله الرجل هو إله غير مكترث إلا برغباته هو وحده، وشطحاته التي ترد على ذهنه كلما شرب المزيد من الكحول أو شعر بالمزيد من الملل الذي يملأ حياته، ولكن إصلاح كل هذا الفساد والدمار الذي يصنعه الله لا يمكن أن يكون إلا على يد إله أنثى، تكون قادرة على منح السعادة كهبة للبشر والعالم أجمع بشكل فيه الكثير من الحنو على هذه البشرية، وهم يريدون إيصال رسالة أن خلق عالم يسوده الرحمة والسعادة، والبهجة لا يمكن أن يكون من خلال رجل، بل من خلال الأنثى التي تتميز دائما بالعطاء والمنح برضى وسعادة لما تفعله.
إذن لا نستطيع من خلال الفيلم إنكار أن فكرة الانحياز إلى الأنوثة هي المسيطرة على صناعه منذ البداية، وأنها السبيل الوحيد لإنقاذ العالم وصنع عالم مُرض للجميع، بل ربما الإيغال في الفكرة إلى ما هو أعمق من ذلك وهو أن الفكرة المسيطرة على الجميع باعتبار الله هو ذكر دائما، وباعتبارنا نحيا في مجتمعات ذكورية منذ بداية الأديان هي فكرة خاطئة؛ لأن المجتمعات منذ بدايتها كانت في حقيقتها مجتمعات أمومية وليست ذكورية، كما كانت فكرة الآلهة دائما هي فكرة أمومية أي أنثوية، والتأكيد على أن الآلهة حينما كانت أنثوية لم تفكر مرة واحدة أو تحاول إقصاء الإله الذكوري، بل جعلته شريكا لها في مملكة السماء، فرأينا العديد من الآلهة الذكور إلى جانب الآلهة الإناث في الميثولوجيا التي مر بها العالم، ولكن منذ بداية الأديان السماوية طفت على السطح فكرة الله الواحد الذكر المسيطر على كل شيء، والنافي لكل ما هو أنثوي وإقصائه كي يجعل كل ما هو مؤنث في مكانة أقل دائما أو بعيدا عن دائرة الضوء، ولعل ميثولوجيا جميع الحضارات القديمة التي كانت الآلهة فيها أنثوية وتفسح معها المجال للإله الذكر كانت تتميز بالكثير من السعادة والبهجة والسلم ولم يتغير هذا المفهوم للعالم بالفعل إلا حينما ساد مفهوم الإله الذكر وحده، وبات المجتمع بالكامل ينتصر لفكرة الذكورة.
ربما بسبب هذه الفكرة قالت إيا لأبيها الله حينما اكتشفت ما يفعله بهم: "لا يحق لك أن تفعل بهم ما تفعل من أجل التسلية"، وهنا غضب عليها وعاقبها بجلدها بحزامه؛ فتهبط إلى الأرض للبحث عن حوارييها الستة وتضمهم إلى حواريي أخيها المسيح ويصل عدد الحواريين ثمانية عشر حواريا، ولأنها لا تعرف الكتابة فقد استعانت بأحد المشردين "فيكتور" Marco Lorenzini الذي كان يدون ما يقوله الحواريون في أناجيلهم الجديدة، وهي الأناجيل التي كانت تحكي قصة كل واحد من هؤلاء الحواريين؛ فإيا لم تكن راغبة أن يحكي الحواريون عنها، بل أن يحكوا عن أنفسهم وعن معاناتهم في حياتهم.
هنا تحاول إيا إصلاح العالم وتغيير مفهوم الحقائق التي بثها الله في أدمغة البشر في حين أنها مجرد وهم أوهمهم به، ومنها ردها على فيكتور حينما قال: "الجنة تأتي بعد الموت"، فردت عليه إيا ببساطة لتصحح مفهومه قائلة: "لا، لا شيء بعد الموت، الجنة هنا، وآدم كان هنا، وأخي أتى إلى هنا أيضا".
يحرص صناع الفيلم منذ البداية على تقسيمه وفقا للأناجيل المتعارف عليها، فيكون المشهد الأول باسم "فصل التكوين"، وهو المشهد الذي يروي فيه الفيلم كيف صنع الله العالم حين شعر بالملل حينما تحكي إيا متوجهة لنا بقولها: "الرب موجود، وهو يقيم في بروكسل، هو مجرد أحمق يسيء معاملة زوجته وابنته"، وهنا تصور لنا لهو الله في صناعة العالم، وكيف أنه صنعه أكثر من مرة على أشكال متعددة حينما خلق مدينة بروكسل في بداية الأمر فصنع عالما من الغزلان، ثم الدجاج، ثم النعام، وحينما شعر بالملل صنع الإنسان على شاكلته فتقول: "بخلقه للإنسان أصبح بمقدوره فعل ما يرضيه"، كما أنه سبب لهم الكثير من الحزن، والقليل من السعادة؛ حتى يمنحهم أملا كاذبا لا يأتي أبدا.
تبدأ إيا في لقاء حوارييها واحدا بعد الآخر ليكون "سفر الخروج" وليكتبوا أناجيلهم في الحين الذي يصر فيه الله على الهبوط إلى عالم البشر من أجل معاقبة ابنته على ما فعلته والعودة معه مرة أخرى إلى مملكته وإصلاح جهاز الكمبيوتر الذي أفسدته؛ ليستطيع السيطرة على العالم مرة أخرى.
هنا تقابل "أوريلي" Laura Verlinden الفتاة الجميلة الحزينة دائما والتي تحيا وحيدة رغم عشق الكثيرين لها، ورغبتهم فيها، ولكن سبب حزنها رغم جمالها اللافت هو فقدها لذراعها في محطة المترو وهي صغيرة، وبالتالي تحمل ذراعا من السيلكون كبديل لهذا الذراع المفقودة، كما تقابل "جون كلود" Didier De Neck الرجل الذي قضى حياته كلها في التنقل بين عمل وآخر حتى بلغ مكانة جيدة في الحياة ونسى تماما أن يتزوج، لكنه حينما يعلم بتاريخ وفاته يلقي بحقيبته في القمامة ويسكن إحدى الحدائق مصرا على عدم العودة لبيته أو عمله، وهناك يتقرب منه أحد الطيور ليرتبط بهذا الطير ويظل ملاحقا للطير أينما ذهب في رحلة استكشاف لحياة جديدة وأجمل، وهي الرحلة التي تنتهي به إلى القطب الشمالي حيث يتعرف على إحدى الفتيات هناك ويرتبط بها.
يظل كل حواري تصل إليه إيا يحكي إنجيله وتتغير حياته نحو الأفضل، ولذلك حينما يحكي القاتل المأجور إنجيله، وهو أنه يقوم بإطلاق النار من خلال قناصته على أي شخص سواء كان يعرفه أو لا يعرفه، فإذا ما أصابه فهذا هو عمره، وإذا لم يصبه يكون وقت وفاته لم يحن بعد، هنا أرادت إيا تغيير حياته نحو الأفضل حينما جعلت "أوريلي" ذات الذراع السيلكون تمر من أمامه وأمرته بإطلاق القناصة عليها، وحينما فعل لم تمت الفتاة؛ لأن الرصاصة استقرت في الذراع المصنوعة من السيلكون، فيقع القاتل المأجور في عشقها، ويظل معها بعد أن تطلب منه التوقف عن قتل الآخرين، فيجد كل منهما السعادة في حياته مع الآخر وتتغير مصائرهما.
الإنجيل وفقا لمهووس جنسي كان من الأناجيل المتميزة التي رواها صاحبه وكيف شعر برغبته الجنسية منذ صغره حينما كان طفلا على الشاطئ وشاهد فتاة ألمانية ترتدي البكيني وشعر اتجاهها برغبة جنسية مشتعلة، وظل طول حياته مشتعلا جنسيا إلى أن عرف موعد وفاته وسحب كل أرصدته البنكية من أجل الاستمتاع برغبته المتأججة مع النساء، ورغم ذلك ما زالت فتاة الشاطئ الألمانية هي التي تأتي له في خياله، هنا تخبره إيا أنه يمتلك صوتا جميلا لابد أن يستغله في الغناء أو التمثيل، فيعمل في الأداء الصوتي لأفلام البورنو وهناك يقابل الفتاة الألمانية التي اشتعل بسببها منذ كان طفلا تؤدي معه أيضا ويتعارفا لينتهي الأمر بهما إلى الوقوع في الحب ويرتبط بها عاطفيا وجنسيا.
إنجيل "مارتن" وهو الدور الذي أدته ببراعة الممثلة الفرنسية Catherine Deneuve كاثرين دي نوف كان من الأناجيل الدافئة عاطفيا، الشديد العذوبة لامرأة دافئة وحساسة بقى من عمرها خمس سنوات بينما بقى من عمر زوجها 39 عاما، وهذا أشعر زوجها بالارتياح الذي لاحظته مما أكسبها الكثير من الحزن والاكتئاب؛ الأمر الذي جعلها تبحث عن سعادتها لتمضية هذه السنوات الخمس، وهنا نراها تتصيد الشباب في مقتبل العمر من أجل مضاجعتها ومنحهم المال مقابل هذه المتعة، لكنها رغم ذلك لا تشعر بالسعادة، إلى أن تتعمد إيا أن تلتقي مارتن بقرد ضخم في حديقة الحيوان ويميل القرد إليها شاعرا تجاهها بالحب؛ فتشتري القرد وتحيا معه حياة عاطفية وجنسية كاملة في منزلها شاعرة بالسعادة في حياتها، وتنفصل تماما عن زوجها الذي لم يكن يشعر تجاهها بالحب.
أما إنجيل "ويلي" الذي أداه الطفل Romain Gelin فقد كان عن طفل بقى من حياته أياما قليلة، وحينما يعلم أبواه بالأيام الباقية له يسألانه عما يرغبه في هذه الأيام؛ فيطلب منهما رغبته في أن يكون فتاة، وبالفعل يخضعان لرغبته ويرتدي ملابس الفتيات ويعيش باعتباره فتاة طبيعية، وهنا يرتبط بإيا؛ لاقترابهما في العمر وتمنحه الكثير من السعادة وتتعامل معه باعتباره فتاة إلى أن يحين موعد موته كما سجله الله من قبل، ويذهب الحواريون الستة ومعهم إيا إلى الشاطئ من أجل أن يكونوا معه حين لحظة موته.
من خلال هذه القصص المختلفة التي يرويها الحواريون تكون هناك رحلة هبوط الله إلى الأرض؛ من أجل عقاب إيا واستعادتها مرة أخرى إلى مملكته كي تصلح ما أفسدته من وجهة نظره، ويعرض لنا الفيلم من خلال المونتاج المتوازي Cross Cutting رحلة الله في الأرض وكيف يتعرض للكثير من الإهانات والاعتداءات من البشر؛ بسبب صلفه وتعاليه، والتعامل مع الجميع باعتبارهم حثالة، فنراه حينما يشعر بالجوع ويذهب إلى إحدى الكنائس ليحصل على الطعام لا يلتزم بالوقوف في الصف، ويهجم على الطعام ليأخذه عنوة باعتباره أفضل منهم وأنه الله، وهنا يبرحونه ضربا وينقذه من بين أيديهم أحد الشباب الذي يأتي له بالطعام ويجلس بجانبه محاولا العناية به، ليقول لله: "الرب أخبرنا أن نحب جارنا كما نحب أنفسنا"، فيرد عليه الله: "أنا لم أقل ذلك يوما، أنا أمقت نفسي؛ لذلك يستحيل أن أقول ذلك، ربما أقول اكره جارك كما تكره نفسك، ولكن هذا الشاب هناك أفسد كل شيء" في إشارة منه للمسيح ابنه، وهنا حينما يتعجب الشاب الذي يحاول الاعتناء به يسخر منه الله فيخبره أنه خلقه بساق أقصر من الأخرى، وأنه فقد أبويه صغيرا، وأنه حرمه من فتاته التي أحبها وجعلها مع شاب آخر يمتلك دراجة بخارية؛ مما جعل الشاب يعتدي عليه ويوسعه قذفا وركلا.
ينتهي الأمر بالله الذي هبط إلى العالم بأن يتم إلقاء القبض عليه؛ ولأنه لا يمتلك أوراق ثبوتيه يتم ترحيله إلى أوزبكستان، ليعمل عاملا في أحد مصانع صناعة الغسالات على أمل أن يجد في إحدى هذه الغسالات سبيلا للعودة إلى مملكته مرة أخرى، ولكن حينما يكتمل الحواريون 18 حواريا تدخل زوجة الله إلى غرفته التي كان يتحكم من خلالها في العالم وتُعيد تشغيل برنامج الكمبيوتر المتحكم في البشر، وهنا تعمل على إسعاد العالم بسن الكثير من القوانين الجديدة.
هنا تكون الفكرة الأساسية التي رغب صناع الفيلم إيصالها للمشاهد، فمن خلال الإله الرجل فسد العالم تماما، وعاش في حزن وكوارث دائمة، ولكن حينما حاولت الإلهة الأنثى أن تتولى مسئولية العالم عملت على تغييره للأفضل أولا من خلال الابنة إيا، ثم من خلال الزوجة التي رأيناها تجلس إلى جهاز كمبيوتر الرب فتنحي زجاجات الكحول التي كانت تملأ المكتب، وتنحي السجائر لتضع مكانهما الكثير من الزهور، ثم تمنع البشر عن معرفة مواعيد موتهم، وتنقذ من حان وقت وفاته ومنهم الحواري الصغير "مارتن" الذي رغب في أن يكون أنثى، وتجعل السماء على شكل ورود مبهجة للبشر، وتوقف ذوبان قمم الجبال في القطبين رغم الانحباس الحراري، وتعمل على إلغاء قانون الجاذبية الأرضية؛ كي تمنح البشر الحرية في التحرك والتنقل، كما أعطتهم الحرية في الحياة في أعماق البحار كالأسماك، وجعل الرجل شريكا للمرأة في كل شيء حتى لا تعاني وحدها، فبات في الإمكان له أن يحبل مثلها ويشاركها في هذا الأمر.
هنا تكون رسالة الفيلم الرئيسية أن الإله الأنثى هي الأجمل؛ لأنها تمنح البهجة والسعادة للجميع وهي راضية بما تفعله، بل وتتفنن من أجل سُبل هذه السعادة.
ربما لا يمكن نسيان موسيقى الفيلم التي كانت البطل الرئيس حيث تميزت الموسيقى بالدعابة والسخرية طول الوقت؛ مما أكسب الفيلم المزيد من البهجة التي رأيناها فيه، كما كان دور المونتاج مهما؛ حيث لم يشعر المشاهد بأي لون من التطويل في الأحداث التي كانت متلاحقة تؤدي ما يرغبه صناع الفيلم في إيصاله.


محمود الغيطاني
مجلة "فنون"
عدد يناير 2017م







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق